أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله















المزيد.....


مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4342 - 2014 / 1 / 22 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



محمد أحمد خلف الله (1904- 1989) باحث جاد وأصدر العديد من الكتب عن الدين الإسلامى ، ومع ذلك صنـّـفته الثقافة المصرية السائدة (والعروبية) على أنه ((أحد رموز الفكر العلمانى)) و((من المُنظرين الأساسيين للفكر التوفيقى بين الماركسية والقومية العربية)) ولعلّ هذا التوفيق (والأدق التلفيق) بين نقيضيْن (الماركسية بمنهجها العلمى والعروبة بأيديولوجيتها العنصرية) كان أحد أسباب طغيان اللغة الدينية على تفكيره ، فاهتم بالدفاع عن الإسلام من منظور عاطفى لا علاقة له بلغة العلم مثلما فعل فى كتابه (القرآن والثورة الثقافية) ولم يسأل نفسه ما علاقة القرآن الذى وردتْ به آيات عديدة تنص على أنّ (أغلب الناس لا يعلمون ولا يفقهون) فى حين أنّ أى ثورة ثقافية يلزمها إطار معرفى فى كافة العلوم الطبيعية والإنسانية. ثم جاء كتابه (الأسس القرآنية للتقدم) ليدخل به فى سباق مع الأصوليين الإسلاميين ، دون أدنى مراعاة لحقيقة أنّ القرآن (كما قالت د. بنت الشاطىء وهى أصولية لا غبار على إيمانها بالإسلام) كتاب هداية وليس كتابًا فى الكيميا أو الفيزيا. فكيف يكون التقدم – كما زعم د. خلف الله- فى أسس القرآن ، بينما الأصوليون الإسلاميون يُحرّمون تلك العلوم؟ وكيف يكون التقدم فى مجال الحريات والقرآن يختلف تمامًا مع ما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وغيره من المواثيق العالمية؟
وللإنصاف فإنّ كتابات ومواقف د. خلف الله تعبير عن التناقض الذى يُسيطر على (المثقف) حين ينقسم عقله إلى نصفيْن نقيضيْن : نصف مع التقدم والحرية ونصف مع الأيديولوجيا سابقة التجهيز، والتى تقضى على أى (مفكر) بالضربة القاتلة. فعن النصف الأول وقف المرحوم خلف الله مع شهيد الفكر فرج فوده فى معرض الكتاب ضد التيار الرافض للدولة المدنية أمثال محمد عماره. وأكد ذلك فى كتابه (مفاهيم قرآنية) حيث نصّ بوضوح على أنّ الإسلام دين وليس دين ودولة (ص15) وخلف الله استخدم لغة العلم فى مرات قليلة ومثال ذلك عندما كتب أنّ ((الله معبود عربى وبالتالى فإنّ العقيدة الإسلامية تعبير عن البيئة العربية وليس من خارجها. وأنّ كل ركن من أركان الإسلام وكل فرض من فرائضه مرتبط ارتباطـًا عضويًا بالعروبة ولا يمكن أنْ ينفصم عنها. والمسلم أينما يكون وفى أى زمان لا يمكن أنْ يؤدى هذه العبادات إلاّ فى إطار العروبة)) ومن آرائه الجريئة أنّ المسلم يحق له الزواج من (الكتابية) دون (المشركة) فلماذا تـُحرم (المشركة) من الزواج من المسلم مثلها مثل (الكتابية) والمسلمة ؟ إنّ هذا يخل بالمساواة. أما (الكتابى) و(المشرك) فلا يحل لهما الزواج من المسلمة. فلماذا يُحرم كل منهما من ذلك؟ إنّ هذا يخل بالمساواة)) رغم أهمية هذا الكلام الذى يتسق مع مواثيق حقوق الإنسان ، فإنّ خلف الله استند على المرجعية الدينية ولم يستند إلى حقوق الإنسان التى لاتعترف بالفروق بين البشر بسبب الديانة أو المذهب كما فعل المرحوم خليل عبد الكريم ، فكان تبرير خلف الله أنّ ((النصوص الواردة فى القرآن بالتحريم خاصة بالمشركين والمشركات من أهل الجزيرة العربية- أى من العرب فقط – ولأنه لم يعد هناك مشركون ومشركات فى الجزيرة العربية ، فلم تعد هناك مشكلة وصار حكم الإباحة مطلقــًا. وأنّ التحريم الوارد فى القرآن خاص بسكان الجزيرة العربية وليس بسكان آسيا وافريقيا وأميركا إلخ)) (مجلة اليقظة العربية- العدد الثانى) إنّ خلف الله (فى هذا المثال) يبدو تقدميًا ومع حقوق الإنسان ، ولكنه تجاهل موقف الأصوليين الذين لا يعترفون بهذا (التخريج) ويستشهدون بآيات قرآنية وأحاديث نبوية فى حالة تكفيرهم لأى إنسان ، مثلما فعلوا وقتلوا فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف لأنه ((لا يفهم صحيح الإسلام)) ومثلما فعلوا عندما قتلوا الرئيس (المؤمن) السادات ومثلما فعلوا عندنا قتلوا المفكر فرج فوده ومثلما فعلوا عندما فصلوا بين نصر أبو زيد وزوجته. فلو أراد خلف الله أنْ يمد خطه (التقدمى) على استقامته فكان يتوجّب عليه تجنب الاستشهاد بالمرجعية الدينية والتركيز على حقوق الإنسان التى وضعها البشر لأنفسهم ولفظوا فيها التفرقة بين إنسان وإنسان بسبب ديانته أو مذهبه.
000
فى عام 1947تقدم خلف الله برسالته التى عنوانها (الفن القصصى فى القرآن الكريم) لجامعة القاهرة لنيل درجة الدكتوراه. شنّ الأصوليون هجومًا حادًا على صاحب الرسالة وعلى المشرف عليها الشيخ أمين الخولى . وكان من بين فريق المهاجين أساتذة جامعيين واعتبر بعضهم أنّ الطالب (مرتد) ويجب إقامة (حد الردة) عليه. وبعضهم كتب أنّ رسالة خلف الله ((أشد شناعة من وباء الكوليرا)) (من التقديم الذى كتبه أ. خليل عبدالكريم فى الطبعة الرابعة لكتاب خلف الله (الفن القصصى فى القرآن الكريم- دار سينا للنشر. ودار الانتشار العربى- عام 99- من ص9- 11)
ونظرًا للشهرة التى حظيتْ بها رسالة الدكتوراه خاصة عنوانها المُلفت للانتباه ، اضطررتُ لشراء الكتاب وتخصيص الوقت للقراءة ، على أمل أنْ أجد شيئـًا مختلفـًا ، وبعد القراءة خاب توقعى ، ولكننى لم أندم لا على المال الذى دفعته ولا على الوقت الذى خصصته للقراءة ، إذْ تيقنتُ مما أومن به ، وهو أنّ الثقافة المصرية السائدة والبائسة تحتاج لمُبدعين مُتخصصين فى أدب (اللامعقول) لسبب بسيط : إذْ كيف تم تكفير خلف الله على رسالته للدكتوراه ، رغم أنه ردّد كلام الأصوليين الإسلاميين فى معظم صفحات رسالته. أى أنه يقف معهم على أرضية واحدة .
فى مقدمة الكتاب ردّ خلف الله على الذين ينتقدون ما ورد فى سورة الكهف وتساءلوا لماذا لم يذكر القرآن عدد الفتية بالضبط وردّد ما يقوله الآخرون : ثلاثة ورابعهم كلبهم إلى سبعة وثامنهم كلبهم واكتفى القرآن بأنْ نصّ على ((قل ربى أعلم بعدتهم)) (الكهف/ 22) خاصة أنه لم يقل بعددهم وفق قواعد اللغة العربية. فكتب خلف الله ((إنّ الترديد فى العدد والتجهيل فى أمر السنين لم يكن إلاّ لحكمة يُريدها المولى . لقد كانت إجابات اليهود غير موحدة ومن هنا كان ما ترى فى القصة من تجهيل وترديد. ولا نريد فى هذا المقام أنْ نتعرّض لما يقوله الكثيرون من أنّ هذه القصة ليستْ إلا أسطورة من الأساطير الرومانية)) أما سبب عدم تعرضه لتفنيد أنها أسطورة رومانية ((لأنّ هذا التعرض لا يليق بهذا المقام)) (ص 25، 26)
وعن الآيات التى ردّت على المُتشككين فى القرآن وهل هو من وحى السماء أم لا، وهى آيات عديدة مثل ((وإذا تـُتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلاّ أساطير الأولين)) (الأنفال/31) وعن أسباب نزول هذه الآية جاء فى (الكشاف) أنها نزلتْ ((فى النضر بن الحارث وكان يتــّجر فى فارس فيشترى كتب (الأعاجم) فيُحدث بها قريشـًا ويقول إنْ كان محمد يُحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم والأكاسرة وملوك الحيرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن)) (الكشاف- ج2ص193) فكتب خلف الله ((كان المشركون يستبعدون أنْ يكون هذا الذى أتى به محمد من عند الله ومن هنا كانوا يسخرون)) ثم ذكر بعض الآيات القرآنية. فهل اختلف عن المشايخ الذين يكتبون نفس الكلام؟
وعن الكتب التى تناولتْ السؤال الشائك : كيف تكون مريم ابنة عمران وأخت كل من هارون موسى؟ كما جاء فى التوراة والقرآن؟ ثم صارتْ أم عيسى بعد ذلك بنحو 1570سنة؟ وهذا القول يُشبه رواية واردة فى الشاهنامه. فكان تعليق خلف الله ((هذه الأقوال وكثير غيرها قصد إليها الملاحدة ليُثبتوا للناس أنّ القرآن من عند محمد لأنه لو كان من عند الله لما وُجدتْ فيه هذه الأخطاء التاريخية)) ثم انصبّ دفاعه حول إنّ بعض المسلمين أخطأوا عندما تعاملوا مع القرآن على أنه كتاب (تاريخ) ثم أضاف ((ولو أنهم أعرضوا عن هذا الأساس وحاولوا فهم القرآن على أساس من الفن الأدبى أو البيان البلاغى لأغلقوا هذا الباب الذى جاءتْ منه الريح ولسدوا على المشركين السبل وحالوا بينهم وبين الطعن فى النبى عليه السلام وفى القرآن الكريم)) (ص58) وبوضوح أكثر لجأ إلى الحجة المُعتمدة لدى كل الأصوليين الإسلاميين، عندما لا يعجبهم أى كلام عن الإسلام : أى حجة (الإسرائيليات) فكتب أنّ الذين يتحججون بمسألة (التاريخ) إنما يعمدون ((إلى الإسرائيليات بل ورأيناهم يعمدون إلى الفروض النظرية الصرفة لعلّ واحدة منها أو كلها مجتمعة أنْ تـُزيل عن القصص القرآنى ما به من غموض أو إبهام تاريخى)) (ص59)
ثم عاد إلى حجة (الإسرائيليات) فى حديثه عن ((كيف تمكــّن إبليس من وسوسة آدم مع إنّ إبليس كان خارج الجنة؟)) واعتمد على ما ذكره الرازى الذى نقل حديث ابن عباس الذى قال ((لما أراد إبليس أنْ يدخل الجنة منعته الخزنة (= الحراس) فأتى الحية وهى دابة لها أربع قوائم فابتلعته الحية وأدخلته خفية من الخزنة. فلما دخلتْ الحية الجنة خرج إبليس من فمها واشتغل بالوسوسة. فلا جُرم لـُعنتْ الحية وسقطتْ قوائمها تمشى على بطنها وجعل رزقها التراب وعدوًا لبنى آدم)) (60، 61) فلماذا يتم إلقاء التهمة على (الإسرائيليات) وقائل هذا الكلام ابن عباس؟
ونقل خلف الله ما كتبه الرازى عن قصة نوح والطوفان أنها ((كانت مشهورة عند أهل العلم بالإجمال أما التفاصيل فما كانت معلومة)) فكان تعليق خلف الله (( فكــّر العقل الإسلامى فى كل هذه الأشياء وانتهى به التفكير إلى أنّ القرآن نفسه لم يجعل هذه الأخبار موطن التحدى ومناط الإعجاز وإنما جعل الإعجاز فى قوة التأثير وسحر البيان)) (70) وهذا ما قاله الشيخ الشعراوى وأمثاله. وعن حكاية خلق حواء من ضلع آدم نقل خلف الله ما ورد فى مجلة المنار عن أنّ هذه واحدة من أخطاء التوراة ((وقام فريق من أهل الكتاب يركب التعاسيف فى التأويل وفريق يكفر بالكتاب والتنزيل)) وتجاهل خلف الله ما ورد فى تفسير الجلاليْن لسورة الروم آية 21 ((ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجًا)) فكتبا ((فخـُلقت حواء من ضلع آدم)) أى أننا إزاء تطابق بين التوراة والتفسير الإسلامى للقرآن ، ومع ذلك يُصر خلف الله على حكاية الإسرائيليات.
وعن العلاقة بين مصر وبنى إسرائيل فإنّ الأستاذ الدكتور خلف الله ردّد ما ورد فى القرآن (والمتطابق مع التوراة) دون أى تعليق كما يفعل العقل الحر، سواء من ناحية الحس القومى ، أو بعقد مقارنة بين النصوص (الإيمانية) وعلم المصريات ، فردّد ما ورد فى الديانة العبرية (اليهودية والمسيحية والإسلام) عن (فرعون الطاغى) فكتب أنّ ((فرعون فى وادٍ وزوجته فى آخر)) ثم نقل نص الآية التى تحدثتْ فيها زوجة (الفرعون) وقالت ((نجنى من القوم الظالمين)) (ص102) ثم عقد مقارنة بين ما حدث مع محمد وكفار قريش فذكر الأمر الإلهى ((اقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)) (البقرة/191) وأضاف خلف الله ((وهذا ما حدث لموسى وقومه)) ثم نقل آيات من سورة الدخان التى وصفتْ جدودنا بالمجرمين . ولأنّ الرب منحاز لبنى إسرائيل لذا خاطب موسى قائلا ((فأسر بعبادى ليلا إنكم متعبون. واترك البحر رهوًا إنهم جند مُغرَقون)) (من 17- 24) لم يكتف خلف الله بذلك وإنما نقل تحريض موسى لربه على جدودنا فذكر نص الآيات ((وقال موسى ربنا إنك آتيتَ فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)) (يونس/88) ولكنه لم يذكر الآية التالية التى قال فيها الرب ((قال قد أجيبتْ دعوتكما)) هنا تحريض واضح من موسى لربه ويأمره بأنْ يشدد على قلوب المصريين فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . فيستجيب الرب لكلام موسى . ألا يستحق هذا الموقف المنحاز لبنى إسرائيل أى تعليق؟ يتغافل خلف الله ذلك ثم ينتقل إلى صورة أخرى من صور اللعنات التى نزلتْ على جدودنا فنقل نص الآية ((فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات)) (الأعراف/133) ولم يذكر باقى الآيات التى فيها انحياز واضح لبنى إسرائيل ضد المصريين (الأعراف- من 134- 137)
وكما تغافل عن هذه الآيات تغافل عن تطابقها مع التوراة التى نصّتْ على ((ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون فإنى أغلطتُ قلبه وقلوب عبيده لكى أصنع آياتى هذه بينهم)) أى أنّ الرب العبرى هو الذى تعمّد أنْ يضع الغلظة فى قلب (فرعون) وفى قلوب (عبيده) والسبب كما قال النص لكى يصنع آياته. وآياته هى تسليط الجراد على كل أرض مصر. ومن آياته ((شدّد الرب قلب فرعون فلم يشأ أنْ يُطلقهم)) وبمفهوم المخالفة لو أنّ الرب لم يشدد قلب فرعون كان أتباع موسى (وفق التراث العبرى) خرجوا من مصر دون مسألة المطاردة وشق البحر. ومن آياته أنه (الرب) سينزل بنفسه. لماذا ((ليموت كل بكر فى أرض مصر من الناس والبهائم)) وذاك الرب يخشى على نفسه من الخطأ فيطلب من بنى إسرائيل أنْ يضعوا علامة من الدم على بيوتهم حتى لا يُخطىء ويستطيع التمييز بين بيوتهم أثناء تدميره لبيوت المصريين . ومن آياته ((فخلص الرب إسرائيل من يد المصريين. ونظر إسرائيل المصريين أمواتـًا على شاطىء البحر. لم يبق منهم ولا واحد. وكما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم إلى الأبد. الرب يُقاتل عنكم وأنتم تصمتون)) خروج الإصحاحات من 10- 14) والآية الأخيرة يُقابلها فى القرآن ((وإذْ فـَرَقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)) (البقرة/ 50) أى أننا إزاء شعب (ليس شعب الله المختار فقط) وإنما وهبه الرب خاصية فريدة ، إذْ أنّ الرب يُحارب عنهم وهم جالسون ينظرون غرق المصريين. ومن آيات الرب العبرى أيضًا ((ثم قال الرب لموسى قل لهارون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى آجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دمًا. فيكون دم فى كل أرض مصر فى الأخشاب وفى الأحجار. فتحوّل كل الماء الذى فى النهر دمًا. ومات السمك الذى فى النهر وأنتنّ النهر فلم يقدر المصريون أنْ يشربوا ماءً من النهر وكان الدم فى كل أرض مصر. وقال الرب لموسى ادخل إلى فرعون وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبى ليعبدونى . وإنْ كنتَ تأبى أنْ تـُطلقهم فها أنا أضرب جميع تخومك بالضفادع فيفيض النهر ضفادع . فتصعد وتدخل إلى بيتك وإلى مخدع فراشك وعلى سريرك وعلى شعبك.. مدّ هارون يده بعصاه وضرب تراب الأرض فصار البعوض على الناس وعلى البهائم . وقال الرب لموسى قل لفرعون إنْ كنتَ لا تـُطلق شعبى ها أنا أرسل عليك وعلى شعبك وعلى بيوتك الذبّان فتمتلىء بيوت المصريين ذبابًا . لكى تعلم إنى أنا الرب . فخربت الأرض من الذبّان)) وبعد الذبّان جاء دور (الدمامل) على البهائم وفى كل أرض مصر (خروج – الإصحاحان 8 ،9) هذا التطابق بين التوراة والقرآن لم يستوقف خلف الله وإنما كتب ((الأمر الواضح من قصة موسى فقد اصطفاه ربه فاختاره رسولا إلى فرعون ولكنه طلب من العلى القدير أنْ يُرسل معه أخاه هارون وزيرًا)) (126) هذا كل اهتمام خلف الله. مع مراعاة أنه لم يُضف معلومة جديدة فما ذكره موجود فى الديانة العبرية. ثم يمر على قصة قتل موسى لمواطن مصرى ويعبرها بلا تعليق لينقل فى نفس الصفحة نص الآيات من 42- 45من سورة طه عن (طغيان فرعون) وكما فى التوراة فإنّ الرب يقول لموسى وهارون ((لا تخافا إنى معكما أسمع وأرى)) (طه/46)
ولأنّ الإسلام والعروبة وجهان لأيديولوجيا واحدة ، كان خلف الله على حق لما كتب ((إنّ القصص القرآنى الذى وصلنا سليمًا وهو الذى نطمئن إليه ومن هنا نستطيع أنْ نعتبره الصورة الأولى للقصة العربية (40) ومثله مثل أى أصولى إسلامى يرد على من أبدى بعض الملاحظات (حتى من بين المسلمين) على الأخطاء التاريخية أو العلمية أو تكرار القصة الواحدة فى أكثر من سورة فكتب ((... ومن هنا لا يصح أنْ يتوجّه إعتراض على النبى عليه السلام أو على القرآن الكريم)) (91) ولكى يؤكد ذلك كتب ((إنّ المعانى التاريخية غير مقصودة من القصص القرآنى ، ومن هنا لم تكن صالحة لأنْ تكون محلا لاستنباط القضايا التاريخية كما لم تـُعتبر جزءًا من الدين وعنصرًا من عناصره)) (93) كتب ذلك ولم يسأل نفسه : إذا كان الأمر كذلك فلماذا تناول القرآن علاقة بنى إسرائيل بالمصريين واللعنات التى نزلتْ على مصر؟ هل لمجرد التأكيد على ما ورد فى التوارة ؟ ثم يمشى مع الأصوليين الإسلاميين ويُردّد كلامهم فكتب ((وأما من حيث النتائج فنحن نعلم أنّ المعانى التاريخية كانت الباب الذى يلج منه الملاحدة والمستشرقون والمبشـّرون وكل من أراد الكيد للنبى وللإسلام . أما هذه النواميس فهى فخر كل مسلم يؤمن بالقرآن ويدين للإسلام)) (94) ويُلاحظ فى هذه الفقرة أنه وضع واو العطف بين الملاحدة و(المبشرين) ويقصد بذلك (التبشير بالمسيحية) وهو هنا (بسبب طغيان اللغة الدينية) أوقع نفسه فى مأزق : إذا كان (التبشير بالمسيحية) حقيقة ، فما الفرق بينه وبين (التبشير بالإسلام) وهل العرب عندما غزوا الشعوب الأخرى كان هدفهم نهب خيرات هذه الشعوب أم من أجل دخولهم فى الإسلام ؟ وإذن نحن أمام فرضيْن لا ثالث لهما. واللغة الدينية أوقعته فى التناقض عندما كتب أنّ أهل الكتاب والأمم السابقة على الإسلام كانوا لا يؤمنون بالنبوة إلاّ على بينة من المعجزات ، فجاء القرآن فارتفع بالعقل البشرى درجات حين فصل بين المعجزات وبين الإيمان بالرأى (94) كتب ذلك وهو يعلم بأنّ (الملائكة) وقفتْ مع جيش محمد فى غزوة بدر. فما معنى ما جاء فى القرآن ((كم من فئة قليلة غلبتْ فئة كثيرة بإذن الله)) (البقرة/249) أليس هذا من المعجزات؟ وما معنى نزول جبريل ليُؤكد للنبى أنّ ما أشار إليه (الحبّاب) بالنسبة لبئر الماء هو الرأى الصواب. وعند المبارزة ((خرج النبى من العريش لتعديل الصفوف وفى يده سهم لا نصل فيه ولا ريش)) ومع ذلك انتصر المسلمون وذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم. وأنّ الرسول أخذته سنة من النوم وقد أراه الله أصحابه فلما أخبرهم كان ذلك تثبيتـًا لهم . وما معنى قول محمد ((كأنى أنظر أهل الجنة يتزاورون فيها وكأنى أنظر أهل النار يتعاوون فيها)) وما معنى أنّ النبى أخذته سنة من النوم وبعد أنْ استيقظ قال لأبى بكر((أبشر أتاك نصر الله. هذا جبريل على ثناياه النقع أى الغبار أى إشارة إلى مناصرته صلى الله عليه وسلم ليدخل عليه وعلى أصحابه السرور، وذلك أنه لما التحم القتال وعجّ النبى والمسلمون بالدعاء أنزل الله الملائكة كما قال تعالى إذْ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممددكم ألف من الملائكة... ويوافق ذلك ما جاء عن ابن عباس أمد الله نبيه يوم بدر بألف من الملائكة. فكان جبريل فى خمسمائة وميكائيل فى خمسمائة.. إلخ)) (السيرة الحلبية- دار إحياء التراث العربى- بيروت- لبنان- بدون سنة نشر- من ص 376- 385) وما معنى رحلة محمد فى قصة الإسراء وأنه ركب البراق بمعرفة جبريل (المصدر السابق ص369) وما معنى نزول جبريل على موسى عندما قال ((ويضيق صدرى ولا ينطق لسانى فأرسل إلىّ هارون)) (تفسير الجلاليْن لسورة الشعراء/13) وما معنى تحول عصا موسى إلى ثعبان ابتلع ثعابين المصريين وشق البحر من أجل عيون بنى إسرائيل ، أليس كل ذلك من المعجزات ؟ فلماذا تجاهلها خلف الله الذى كتب ((وكذلك صنع القرآن مع المصريين فقد صوّرهم على أنهم قوم ينكثون ما عاهدوا الله عليه (ص144) ثم نقل الآيات ((ولقد أخذنا فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون... فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين... فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم)) (الأعراف- من 130 136) ولكنه تعمد إغفال ذكر الآية التالية (( وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمتْ كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)) (الأعراف/ 137)
إنّ رسالة الدكتواة التى كتبها الأستاذ الدكتور محمد أحمد خلف الله أكدتْ على (1) تبنيه للديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) ولمجمل التراث العبرى (2) طغيان اللغة الدينية على تفكيره (وهو الماركسى) فجعلته يتجاهل كتب المؤرخين والرحالة الذين زاروا مصر القديمة. وتجاهله التام لعلم المصريات.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (12) د. قاسم عبده قاسم
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (11) رجاء النقاش
- رد على الأستاذ أحمد المصرى
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (10) الدكتور جلال أمين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (9) فاروق عبد القادر
- رد على الأستاذة ساره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (7) أحمد بهاء الدين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (6) نعمان عاشور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (5) د. محمد عماره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (4) محمد سيد أحمد
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (3) نجيب محفوظ
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (2) د. مصطفى محمود
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى
- المؤسسة الإعلامية والأصولية الدينية
- وزارة الشئون الاجتماعية والأصولية الإسلامية
- المؤسسة التعليمية والأصولية الإسلامية
- مؤسسة الأوقاف
- نماذج من مؤسسات دولة البكباشية الدينية
- الضحية والجلاد : علاقة مُلتبسة


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله