أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير















المزيد.....

المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4339 - 2014 / 1 / 19 - 15:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الإعلام الجماهيري, التلفزيوني منه والانترنتي, هو الذي يوجه ناس اليوم., إلى حد كبير, ويتحكم في تكوين توجهاتهم وامزجتهم و"افكارهم" وميولهم السياسية. هناك فواعل ولاعبون كثر بالتأكيد يؤثرون في الكتلة العريضة من الناس, لكن هؤلاء جميعا يحتاجون إلى الإعلام ولا حول لهم ولا نفوذ من دون جسور التواصل التي يوفرها إعلام اليوم. في اللحظة الراهنة كل منا يستطيع ان يتذكر جدل برامج تلفزيونية عديدة, وما نوقش فيها من آراء وافكار, ويستطيع ان يتذكر تفاصيل بعض النشرات الاخبارية التي غطت احداث معينة, والشريحة الاكثر ميلا بإتجاه الافكار والثقافة لعلها تتذكر بسهولة ايضا كتابا تابعت نقاشه على هذه الفضائية او تلك, او لقاء ادبيا او فكريا بُث مع هذا الاديب او ذاك الاديب. تأتي تلك "المتذكرات" وسط عاصفة لا تهدأ من الاعلام المتواصل والذي يتسم بالإيقاع السريع والحركة الدائمة التي ما ان تلبث ان تغطي حدثا ما, حتى تنتقل إلى آخر جديد. لا وقت في هذا الاعلام السريع لإنضاج الافكار وتعميقها والاستطراد في تفكيك طبقات معانيها. كل ذلك يعني مزيدا من الإحتكار للفكرة السريعة اللافتة والمخرجة بطريقة جذابة, ولا يهم مدى سطحيتها, فالمهم هو مدى جاذبيتها. ليس جديدا القول ان الفكرة العميقة وكل ما له علاقة بها يسقط ضحية اولية وسط تلاطم بحر الاعلام السريع وفيضانه عبر الحدود وعبر نوافذ البيوت وشاشات الهواتف النقالة. والضحية المرافقة بطبيعة الحال هي صاحب الافكار نفسه, المثقف. ذلك ان جسور التواصل بين هذا المثقف وفي اي بقعة في عالم اليوم اصبحت محدودة بوسائل الاعلام الجماهيري, ولا وسيلة اخرى يتواصل من خلالها هذا المثقف مع من يريد التواصل معهم, او إيصال افكاره لهم.
وحتى يحصل المثقف على نافذة صغيرة وسريعة يهرّب من خلالها ايا من افكاره وتداعياته عليه ان يتنافس مع اخبار ساخنة على مدار الساعة اكثر جذبا, ومع استعراضات غنائية ومقطوعات تقودها مذيعات جميلات قضين نصف النهار امام المرآة, ومع برامج خفيفة وبراقة وموسيقاها سريعة ولا ترحم تأني المثقف وتأمله وعدم انباهه للوقت الذي يجري في ساعة المخرج, وهو يلعن الساعة التي استضاف فيها "المثقف الُممل". يظل المثقفون بالتالي محشورون في كتبهم وابحاثهم, وتئن الافكار التي ينتجونها من كساد القراءة والاطلاع.
بيد ان مشكلة الوصول للجمهور والتأثير فيه ليست إلا جزءا من مشكلة اكبر تكمن في ضحالة انتاج الافكار في المشهد الفكري والثقافي العربي. إذ حتى لو توفرت جسور التواصل على اوسع نطاق بين المثقفين وافكارهم والجمهور فإن ما سيتم نقله لن يكون بالشيء الكبير ولا العميق ولا المؤثر. ذلك انه من ناحية تأريخية وعمليه طبقة "المثقفين والمفكرين" في العالم العربي اصبحت رقيقة جدا, وليس هناك "مشهد فكري" تؤمه الافكار ويشهد اصطراعها وتعميقها وانضاجها. الموجود هو مشهد انفصامي جزؤه الاول تكفيري, وجزؤه الثاني اقصائي, وكلاهما لا ينتج افكارا, بل آليات لقمع الآخر. على صعيد انتاج الافكار ذاتها نحن في مواجهة انسداد حقيقي, إن لم يكن تراجع. وما يُكتب وُينشر بين الوقت والآخر هو إعادة تدوير لأفكار كتبت ونوقشت مرارا وتكرارا منذ حقبة ما يسمى ب "النهضة". لم نستطع تفكيك الاشكاليات التي واجهها فكر النهضة منذ قرن ونصف: الدين والسياسة, العلاقة مع الغرب, وضع المرأة, التقاليد, العلاقة بين العلم والدين, الدولة الوطنية والامة, وهكذا. كأننا اضعنا ذلك القرن ونصفا من قرن آخر ونحن لا نمتلك الشجاعة الكافية لحسم ايا من تلك الاشكاليات, وعوضا عن ذلك نتلحف بتوفيقية تحاول ان تزاوج بين افكار متناقضة, فتتحول تكلس حقيقي على ارض الواقع وتحول حياتنا الفكرية والسياسية الى حالة حقيقية من الشلل.
وفي هذا السياق تنتقل المسؤولية إلى جانب المثقفين, وجانب انتاج الافكار, وليس فقط جانب الاعلام والجسر الناقل للافكار المُنتجة. والواقع ان غياب الجرأة الفكرية عند الشريحة العريضة من المثقفين العرب أمر ملفت, ولئن امكن الإشارة إلى بعض اسباب ذلك الغياب, فإن ذلك لا يقدم تفسيرا مقنعا وشاملاً. في كتابه الشهير عن المثقفين العرب والغرب والذي نُشر في سبعينيات القرن الماضي حاول هشام شرابي تحليل هذه "الظاهرة", اي عدم جرأة المثقفين, وترددهم الكبير في القطع مع الفكر التقليدي والماضي المتكلس الذي يعيقهم ويعيق مجتمعاتهم. شرائح المثقفين التي ناقشها شرابي انتمت إلى حقبة العقدين الاخيرين من القرن التاسع عشر والاوليين من القرن العشرين, والتي اسماها شرابي حقبة التكوين. مقاربة شرابي في فهم التردد الذي شاب اولئك المثقفين اعتمدت على تفكيك وتحليل السياق الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الذي عاش فيه اولئك المثقفون. ارتباطاتهم الحياتية واحتياجاتهم الاقتصادية, وانتماءهم للأغلبية العربية المسلمة في مجتمعاتهم كبل ايديهم وافكارهم, واضطرهم لأن يكونوا محافظين في طروحاتهم ويبقوا في اطار التوفيق بين الافكار المتضادة – او التلفيق في ما بينها. على ذلك بقي الإرث القبلي والعائلي والديني وما يسميه شرابي البنية القروسطية مسيطرة على تفكيرهم, ومنعتهم من القطع الثوري مع واقعهم الاجتماعي والثقافي.
ثمة قرن ونصف القرن مرا على شريحة المثقفين التي ناقشها شرابي, ونحن اليوم امام شريحة اخرى, اقل تأثيرا وبروزاً, لكنها تعاني من نفس عوارض التردد وعدم الجرأة – إلا في حالات فردية هنا وهناك, وبما لا يشكل "مشهدا فكريا" عاماً ينتقل بالفكر المجتمعي من مرحلة إلى اخرى. هل لا زال تحليل شرابي صائبا إزاء جبن طبقة المثقفين في مواجهة البنية القروسطية, أم اننا نحتاج إلى تطوير تحليله في ضوء العقود الطويلة التي مرت؟ هل يمكن القول ان تلك البنية التقليدية الصلدة ذات المعالم القروسطية استطاعت ان تبتلع اجزاء من العقل الجمعي والفردي وتعيد تأكيد احتلاله والسيطرة عليه, بحيث ما عاد بالإمكان التحرر منها؟ بل إن التوفيقية والتلفيقية على علاتهما صارتا تعانيان من التردي والتقهقر امام الزحف المتواصل للبنية والتفكير القروسطي. كأن السياق الذي احاط بشرائح المثقفين في مرحلة زمنية ما, امتد إلى داخل طرائق التفكير وحول البنية العقلية ذاتها إلى بنية قروسطية, وبذلك وعوض ان يدحر العقل الناقد السياق القروسطي, تمكن هذا الاخير من العقل ذاته واحتله وضمه إلى بنيته المتخلفة.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح
- ساقان اصطناعيتان فلسطينيتان تتسلقان كليمنجارو
- ما هو تاريخ الحاضر؟
- هل الدم والحرب طريق العقلانية؟
- لماذا تغيب فلسطين عن الأجندة الإيرانية مع الغرب؟
- مكارثية العقل الأيديولوجي والكتابة الهوجاء
- لم يصل -نجم- امستردام ... تجازوها
- أنتهاك ثوابت الدين بمتغيرات السياسة
- ضد المكارثية العربية إزاء «الإخوان» أو غيرهم
- أين فلسطين في اتفاق ايران مع الغرب؟
- اوجاع اريترية: الحب والحرب والاغتراب
- مستنقع الطائفية: الغرق جميعاً ام النجاة جميعاً
- انفلات غول الطائفية
- الحداثة وعبقرية النقد الذاتي
- دول الخليج و «الصفقة الكبرى» بين اميركا وإيران
- من حق المرأة السعودية سواقة السيارة ولنغلق هذا الملف!
- مواجهة الاسلاموفوبيا: نموذج بريطاني ناجح
- جدل النص والواقع
- درس ديمقراطي من كردستان
- تعويض عربي لضحايا الإرهاب!


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير