أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسن زهور - -الموريسكي - رواية للمفكر المغربي حسن أوريد ( قراءة نقدية)















المزيد.....


-الموريسكي - رواية للمفكر المغربي حسن أوريد ( قراءة نقدية)


الحسن زهور
كاتب

(Zaheur Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 4339 - 2014 / 1 / 19 - 13:33
المحور: الادب والفن
    



"الموريسكي " رواية للمفكر المغربي حسن أوريد
( قراءة نقدية)

تمهيد:

ما الفرق بين كتابة الحدث كتابة تاريخية تدوينا أو تأريخا وبين كتابة نفس الحدث أو اعادة كتابته كتابة فنية وأدبية على شكل رواية، سيما وأن الفن الروائي هو الفن الذي يستطيع احتضان الحدث بتفاصيله أكثر من الانواع الفنية والأدبية الاخرى؟
الفرق يكمن بين نظرة تحاول تدوين الحدث التاريخي كما هو، أو من منظور الذات الكاتبة بغية توجيهه لغرض ما، أو قراءته وفق زاوية معينة، أو دراسته وفق قواعد "علمية " لا تترك كثيرا المجال للإحساس ولا للذات للتدخل في الحدث و هذا هو ميدان التاريخ، و بين نظرة فنية تحاول الاقتراب من الحدث بمشاعر انسانية تتركه ينساب في مسالك فنية و جمالية مشبعة بأحاسيس انسانية و مفعمة بالحياة حتى ليكاد القارئ أن ينغمس في الحدث كأنه يعيش لحظته، وهو ما لا يستطيع المؤرخ احداثه في القارئ.
ينطبق ما قلناه على رواية " المورسكي " للمفكر حسن أوريد في نسختها العربية المترجمة من طرف الاستاذ عبد الكريم الجويطي(1) و التي راجعها مؤلفها، و الرواية هي إعادة لكتابة سيرة الموريسكي الهارب من قمع التطهير الديني للكنيسة الكاتوليكية الاسبانية ابان محاكم التفتيش المقامة للإسبان المسلمين و التي أدت الى اجتثاثهم منها.
استقى المفكر و الكاتب أوريد مادته " من سيرة أحمد شهاب الدّين أفوقاي (2)، الذي خلّف لنا شهادة عن سيرته في كتابه ‹‹ ناصر الدين على القوم الكافرين››(3)، بعد فراره من الأندلس خوفا على حياته و على دينه من بطش محاكم التفتيش الكنسية، وانتظم بعد هجرته إلى المغرب في بلاط السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي،عن ذلك يقول الكاتب في مقدمة روايته : " من المادة المتاحة في كتاب أفوقاي، صغت شخصية روائية أملأ منها فراغات صاحبها..صغت رواية تقف عند مأساة الموريسكيين..ثم توسعت و أغنيت تجربة أفوقاي بأن جعلته شاهدا على تجربة القرصنة بسلا الجديدة ، نعرف أن شهاب الدين أفوقاي، الشخصية التاريخية، عاش ردحا بسلا الجديدة(الرباط) و لكننا لا نعرف شيئا عن مقامه هناك.." (ص9).
وهذه الرواية هي عمل أدبي لا يروم منه المفكر و الروائي حسن أوريد إعادة كتابة سيرة أحمد شهاب الدين أفوقاي، و لا كتابة مأساة الموريسكيين في بلدهم اسبانيا و ما عانوه من قسوة و تطهير عرقي و ديني أو في المغرب الذي احتوى مأساتهم فقط، و هو ما لا ينفيه الروائي في مقدمة طبعته العربية، بل الهدف أكبر من ذلك و هو كتابة مأساة الانسان المعاصر المرحل بالقوة من هويته بصفة عامة أو المثقف الامازيغي الحامل لوعيه الشقي والذي يعيش ازدواجية ثقافية احداها غالبة اقحم فيها بالقوة و الثانية مغلوبة و مرتبطة بهويته و بذاته الوجودية ، و قد عبر عنها الكاتب في مقدمة الرواية : " فعملي هذا ليس حكياً لسيرة أفوقاي، ولا هو تأريخ الموريسكيين بالمعنى الدقيق للتاريخ. هو رواية استقيت مادتها من التاريخ ومن مأساة إنسانية، لأعبر عن قضايا راهنة.. فالموريسكي، في نحو من الأنحاء هو ‹‹نحن›› المرحّلون من ثقافتنا الأصلية " (ص9 ).
هذا الاحساس المأساوي الذي يغلف الرواية خصوصا في الفصل الاول للرواية " بلدة الحجر الاحمرفي خاصرة بلاد البشارات" يصدم القارئ من هول و فظاعة ما تعرض له الانسان الموريسكي في بلده اسبانيا من طمس لهويته و اقتلاع لكل ما يرتبط بجذوره اللغوية و الدينية بصورة لاإنسانية تجسد التطهير العرقي في أبشع صوره، حيث استطاع الكاتب تصوير هذا التطهير العرقي و الديني و تأثيراته المأساوية سواء النفسية و الاجتماعية والثقافية في بطل الرواية و غيره من الشخصيات الموريسكية المرتبطة به في هذه المرحلة الزمنية و الروائية بصورة تصدم القارئ و تدخله في جو المأساة العام ليعيش أحداثها بانفعال و هو ما لا تستطيع الكتابة التاريخية تحقيقه، وهنا تكمن ميزة العمل الابداعي و روعته.
تتوزع الرواية على ستة فصول متسلسلة، يتحدد كل فصل بمكان و زمان ينسابان بسلاسة مع أحداث الرواية وكأن الكاتب يكتب سيرة ذاتية للبطل منذ نشأته في بلدته باسبانيا الى هجرته الى المغرب في عهد احمد المنصور الذهبي الى وفاته بتونس، لكن الرواية تنفلت فنيا من هذا الجنس الأدبي لترقى نحو العمل الروائي المتكامل بشخصياته الانسانية المتنوعة و المتصارعة، لتعكس النفس الانسانية في ضعفها و في قوتها، في صدقها و في نفاقها، في أملها و في يأسها، في أنفتها و في ذلها، في قناعتها و في جشعها.. في مجتمع تاريخي معين تحاول الرواية ايهامنا بأنه المجتمع المغربي في فترة السعديين، في حين أن الهدف كما صرح به الكاتب بصورة مباشرة أو ضمنية هي المجتمع المغربي المعاصر من خلال استرجاع تلك الفترة التاريخية من التاريخ المغربي.

البناء الروائي للرواية:

تنساب الاحداث في الرواية وفق فصول ستة تتماوج وفق المسار الزمني و التاريخي لبطل الرواية :
1- بلدة الحجر الاحمرفي خاصرة بلاد البشارات 1585- 1595.
2- مراكش 1598- 1603.
3- امستردام 1612.
4- مراكش 1613.
5- سلا الجديدة 1615- 1637.
6- توزر 1642.
تنطلق أحداث الرواية بظهور فارس من فيلق النخبة الاسباني على الطريق وسط الحقول، وهو على صهوة جواده، فيسأل الاب و ابنه المزارعين عن حمالين يتعقبهما بتهمة القتل، فيصفهما بالموريسكيين الملاعين، ورغم أن الفاعل مجهول كما تؤكده الاحداث فيما بعد، لكن التهمة دوما جاهزة لتوجه الى كل موريسكي في اسبانيا المسيحية، إنها لعنة الكنيسة، و اللعنة أحيانا لا تميز بين من تنصر من الموريسكيين أي المسيحيين المزيفين في نظر الكنيسة، و بين من بقي على دينه الاسلامي سرا و خفية .
هذه الانطلاقة المفجعة و الصادمة للقارئ، والتي ستشده بعنف الى تلك الفترة التاريخية من حياة الموريسكيين في إسبانيا، هي تمهيد لتتبع الرعب الدراماتيكي الذي يعيشه الموريسكيون أنذاك من خلال تتبع مسار حياة أسرة موريسكية تمارس حياتها اليومية ظاهريا في القرية كأسرة مسيحية متنصرة و بأسماء مسيحية، و سريا داخل المنزل كأسرة مسلمة و بأسماء إسلامية حيث يمارس الاب ( و هو فقيه بحكم الوراثه) اسلامه بأقصى درجات السرية المغلفة بالخوف. هذا الازدواج في الشخصية وفي الهوية المفروض على الاسرة جعلها تعيش مأساة و رعبا تتجسد من خلال المواقف المأساوية التي عاشتها و انتهت بهروب الابنة من هذا الضغط الهائل ثم مقتلها في ظروف غامضة، ليلتحق بها الاب بعد ذلك ثم لتنزوي الام في دير هربا من الاضطهاد الكنسي القاسي المجرد من الإنسانية في حين يستطيع الابن " بيدرو" المسيحي ظاهريا أو " احمد" المسلم سرا من الهروب بهويته الدينية الى المغرب.
تنساب الاحداث الروائية في هذا الجزء من الرواية بصورة مأساوية تصدم القارئ، ينجذب اليها ليعيش فجاعة و مأساة الموريسكيين و ما تعرضوا له من تصفيات جسدية تصل الى القتل حرقا، و من اضطهاد ممنهج و باسم القانون الاسباني الكنسي أنذاك و الذي يمنع على المورسكيين الحديث بلغتهم و الاحتفال بأعيادهم و ممارسة عاداتهم و تقاليدهم ، و فرض عليهم التخلي عن ألبستهم الدالة على تميزهم وعن كل ما يشير الى هويتهم حتي في الاكل ليصل الى منع الكسكس ، ولم يسلم من هذا الاضطهاد أولائك الذين تنصروا منهم، إذ بقوا في نظر الكنيسة مشكوك في ولائهم و في دينهم. و لم يسلم التاريخ بدوره من هذا الاضطهاد حيث جندت الكنيسة ايديولوجيتها الدينية لمحو الاثر الاسلامي و لمحو الذاكرة الجماعية الحاملة للهوية الموريسكية في اسبانيا عبر تزوير التاريخ و تشجيع كل ما يشير الى الاصل المسيحي للبلد موظفة التنقيب الاثري و تفسيره من وجهتها المسيحية.
لكن في المقابل رغم الجو الماساوي الذي يصدم القارئ في هذا الجزء، سيجد القارئ عزاء في تلك الانتفاضات و الثورات التي قام بها الموريكسون و أهمها انتفاضة حي البيازين و ثورة جبال البشارات و التي انتهت بدموية و بتشريد البقية الباقية من الموريسكيين في اسبانيا.
تفاعل الأحداث المأساوية في هذا الجزء من الرواية، عبر عنها البطل كشاهد حي يروي مأساة أسرته كما عاشها و مأساة الموريسكيين في وطنهم و ما تعرضوا له من تطهير عرقي و ديني سواء ما عاشه أو ما رواه له أبوه، و من خلال هذه المأساة الانسانية يعبر البطل عن هويته الدينية المرتبطة بالأرض التي نشأ فيها، هي الهوية الاندلسية الاسبانية ، و يبدأ الاحساس بها في الرواية في حديث الاب الموجه لابنه ديدرو أو أحمد : ".. انهم يحملوننا مسؤولية المشاكل التي تعرفها قشتالة و الممالك الإبيرة الأخرى و يعتبروننا خونة في خدمة السلطان العثماني و كل هذا خطأ.. اننا ورثة حضارة عظيمة، يا بني.. ان هذه الحضارة لم تأت من مكان آخر، لكنها انبثقت من هذه الأرض (ص 30).
هذه الهوية المرتبطة بالأرض تتلبس البطل طوال مسار الرواية وإن كانت مغلفة بهوية دينية كآخر ما تبقى للبطل في وجوده المادي و الهوياتي.
في الجزء الثاني تنتقل الاحداث الى مراكش التي التجأ اليها البطل شهاب الدين هاربا بجسده و بهويته، و في هذا الجزء يصف لنا البطل البناء العسكري و السياسي للدولة السعدية في عهد احمد المنصور الذهبي التي استقاها الأخير من النمط التركي العثماني، كما يصف لنا بدقة المشاهد الاجنبي المراسيم الملكية في البلاط السعدي، والبناء السياسي و الايديولوجي لهذه الدولة التي تعتمد على النسب الشريف و على العنصر العربي و المرتدين من الاوروبيين في تسيير الشؤون العسكرية و السياسية في أسلوب روائي سلس يعتمد على الوصف العيني للبطل و على الحوار و تفاعل الشخصيات الروائية فيما بينها و تصارعها، و الذي يصل مستوى من الحدة حين يتعلق الامر بهوية البلد، تجسده في الرواية شخصيتان مختلفتان من حيث التكوين الفكري و الهوياتي، احداهما هي شخصية " أنتاني" الامازيغي أحد كتبة السلطان
وهي شخصية متسمة بالعقلانية و متشبثة بالأرض و معتزة بهويتها الامازيغية لكنها تعيش بدورها مأساة الوعي الشقي،
و تقابلها شخصية "الشاوي" أحد كتبة السلطان ، شخصية متلونة بتلون مكان تواجدها و مصلحتها، و الحاملة لإيديولوجية الدولة التي تعلي من قيمة العنصر العربي، و لعل الحوار التالي بين الشخصيتين تلخص لنا هذا الاختلاف بين الطرفين:
" بادر الشاوي انتاني في باحة القبة الخضراء بما كان أشبه بالاستفزاز:
- أما زلت أيها الامازيغي ترفض اعتمار الطربوش رغم أنها تعليمات مولانا السلطان؟
- اعتمر أجدادي دوما العمامة. الاتراك ليسوا أجدادي، رد أنتاني.
- و متى كان أجدادك مرجع؟ّ
- و متى كان أجدادك كذلك، إن كنت تعرفهم؟
.....
- انكم خونة.
- ليست هناك خيانة أكبر من انتزاع الارض من مالكيها، و طمس ذاكرتهم بالأكاذيب و الاراجيف. " (ص 78).
إن هذا الجزء الثاني من الرواية يعطي لنا صورة عن نظام الحكم في عهد السعديين و عن الاضطرابات السياسية التي شهدها المغرب، نظام حكم يمكن اعتباره بداية ترسيخ قواعد و أسس الحكم المخزني في المغرب المستمر الى العصر الحالي بمراسيمه البروتوكولية و بتراتبيته و اعتماده على نظام الريع وعلى أساليب الحكم المرتكزة على الولاءات بالترغيب و بالترهيب، وإظهار بطش الدولة و عنفها، وإلهاء الناس بالاحتفالات .. وكلها مظاهر للدولة السعدية أوردها بطل الرواية أفوقاي كشاهد لهذه المرحلة.
في الجزء الثالث تنتقل الاحداث الى اوروبا في مهمة ديبلوماسية لبطل الرواية شهاب الدين افوقاي مكلفا بها من طرف الملك بن زيدان السعدي الذي خلف والده في الحكم بعد صراعات دامية مع أخويه، يغلب على هذا الجزء طابع السجال الثقافي و الحضاري بين الضفتين المسيحية و الإسلامية يحاول فيها البطل أن يكون حلقة وصل و تقريب بين الثقافتين بحكم ثقافته الاسبانية الاسلامية ، لكن هذا الحوار لن يبرح مكانه بسبب تباعد الطرفين، و تمسك كل طرف بمرجعيته، هذا التقارب والتباعد بين الطرفين استطاعت الرواية تجسيده فنيا في العلاقة العاطفية التي جمعت البطل بفتاة افرنجية
" اوجيني". حاول البطل، بحكم تربيته الدينية، الهروب منها و لم يستطع الى ذلك سبيلا الا برجوعه الى المغرب لاستحالة هذا الارتباط شرعيا أولاشرعيا، و لعل هذا المقطع المعبر عن مناجاة البطل لنفسه خير من يعبر عن هذا التباعد بين البطل و الفتاة أو بين الضفتين بصفة عامة: ".. يا إلاهي، كيف يمكنني اتخاذ أوجيني زوجة و الاستقرار في بلاد الافرنج؟ لا يمكن ذلك: شرح كل ما أقوم به و ما لا أقوم به، و التخلي عن أبنائي . لا. مرافقتها لي الى المغرب؟ هذا مستحيل. فلا يتعلق الامر بنقل أوجيني فقط و انما تحويل السياق الاجتماعي و الثقافي، و هما غير قابلين للتحويل.." (ص 150).
بقية فصول الرواية تتحدث عن الاحداث المرافقة لضعف الدولة السعدية في عهد الملك بن زيدان و الصراع على الحكم ( الفصل الرابع)، و في الفصل الخامس تنتقل الاحداث الى سلا القديمة و سلا الجديدة ( الرباط حاليا) التي استقر فيها البطل شهاب الدين لتتحدث عن حياة الموريسكيين الاوائل ( الهورناشيروس) (4) بسلا القديمة و عن المورسكيين و أغلبهم أصحاب حرف بسلا الجديدة ( الرباط حاليا) لتعكس جانبا من النزاعات الدموية بين الطرفين، و محاولة بعض الزعماء
( كشخصية روديس) توحيد المجموعتين و الاستقلال عن الدولة المركزية الضعيفة بإعلان الجمهورية و بدعم من الإنجليز، و اعتمدت هذه الجمهورية في اقتصادها على التجارة و على القرصنة البحرية و على المرتزقة و المرتدين، لكن بوادر فشل هذه الجمهورية الموريسكية في المغرب تحملها في ذاتها، تجسده الكثير من الامور التي ارتبطت بأحداث الرواية في هذا الفصل، و لعل الحوار التالي بين شخصية فنيش أو سي عبد الرحيم من سلا القديمة و بين البطل شهاب الدين من سلا الجديدة ما يفسر ذلك، يقول فنيش لأفوقاي:
" - كان مشروع روديس محكوما عليه بالفشل من دون المورو.لا يمكن فصل مصيرهم عن مصيرنا، لأننا نقتسم نفس المصير و نفس الأرض.علينا أن نكون مرنين في التعامل معهم عوض أن ننظر اليهم من عل.
...
- عدني بشيء يا شهاب الدين.
- آه أ سي عبد الرحيم ، إنك تحزنني بقول أشياء من هذا القبيل.
- عدني شهاب الدين بأنك لن تفعل شيئا بإمكانه أن يفرقنا عن المورو. أنت صلة الوصل بيننا و بينهم. نحن ضيعنا أرضنا وهم بصدد تضييع لغتهم. و لدينا، و من الآن، وحدة مصير. أننا و هم فريسة لنفس الطيور الجارحة.." ص 203.

الهوية المنكسرة:

أن يكتب مفكر من طينة حسن أوريد رواية أدبية بأسلوب فني متميز يجمع بين ملامح السيرة الذاتية للشخصية التاريخية شهاب الدين أفوقاي و بين ملامح الرواية التاريخية و بين المتخيل الروائي المفترض وقوعه في العالم الادبي ، هو ما يعطي لهذه الرواية تميزها الادبي و الفني الذي يشد القارئ اليها منذ بداية الاحداث في انسيابها الى نهايتها.
يتخذ الكاتب من مأساة الموريسكي بيدرو أو شهاب الدين موضوعا لهوية منكسرة هي هوية الموريسكي المجتث من جذوره بقوة السلاح والبطش والتطهيرالعرقي و الديني ، هوية تنتمي الى أرض ( هي الاندلس أو اسبانيا) اقتلعت منها والى ثقافة متجذرة في هذه الارض و التي أبى الآخر( الاسباني المسيحي) المتجذر بدوره فيها إلا سحق و محو هذا الاختلاف و التنوع الثقافي و الإثني، هذا الجرح الهوياتي و النفسي يتلبس جميع شخصيات الرواية من الموريسكيين بأشكال مختلفة لكن يجمعها الجرح الغائر و الاحساس بضعف الذات أمام قوة الخصم و تخلي المحيط الاسلامي عن النصرة و دفع البلاء، هوية الموريسكيين في الرواية تتوزع على مستويين : الهوية الدينية التي يمثلها الإسلام، والهوية الإثنية المرتبطة بالأرض. المستوى الأول يمثله بصورة مثالية و أخلاقية بطل الرواية شهاب الدين أفوقاي في حين تمثل بقية الشخصيات الموريسكية ( رودييس، فنيش، رودريغيز، دوغا..) في الرواية المستوى الثاني المرتبط بالأرض ولا تمثل الهوية الدينية لديها إلا ما يميزها عن الآخر أي الاسباني المسيحي.
من خلال تتبع هذا الجرح الهوياتي لدى البطل شهاب الدين ترتبط الهوية لديه بالإسلام كجدار أخير للمقاومة و إثبات الهوية الاسلامية كهوية طوباوية يسعى اليها كذات منكسرة، فيتحول رد الفعل المقاوم لديه الى مقارعة المسيحية و الدفاع عن الإسلام كتعويض عن الاقتلاع من أرضه التي مسحت ( من المسيحية) بالقوة، لكن هذا التعارض وهذا التصادم العنيف بين المسيحية و الاسلام ستخف حدته لدى البطل افوقاي مع التفاعل الثقافي و الحضاري الذي عاشه أثناء سفارته بأوروبا و التي أعادت بلورة مفهومه للهوية و للآخر، فاحتكاكه العاطفي بأوجين و اطلاعه على الوجه الآخر للمسيحية في فرنسا و هولندا أنذاك غيرت نظرته الى الاخر و بالتالي الى هويته. ففي حوار داخلي يقول البطل:
" كنت في حرب مع المسيحيين الذين اضطهدوني و سلبوا متاعي و تعقبوني، و ها أنا الان في حرب ضد نفسي، و ربما هذه الحرب ضد نفسي هي التي أنقذتني..لا يمكن لمن دفعوني الى المنفى أن يمثلوا مجموع المسيحيين و لا يمكنهم أن يجسدوا المسيحية " ص 156.
لكن الهوية الإثنية لجماعته الموريسكية و الاندلسية تستيقظ لدى البطل في الجهمورية الموريسكية بسلا القديمة و الجديدة، سيعلن عنها البطل في الرواية بعد فشل هذه الجمهورية، يقول : " ..علي واجب الحفاظ على ذاكرة جماعتي ، و أحتكم للتاريخ لينصفهم يوما ما. لا يمكنني أن أغادر المدينة.." ص 198.
فهل أنصفتهم رواية الموريسكي؟
الرواية فتحت جرحا في الذاكرة الموريسكية التي تشبه الذاكرة الفلسطينية اليوم و ان اختلفت الظروف و المواقف، ملامسة الجرح هنا هو ادانة لما وقع في فترة تاريخية من تاريخ اسبانيا، و الادانة لا تروم محاكمة التاريخ باعتباره حدثا انقضى بقدر ما تريد الاعتراف بهذا المكون الموريسكي لاسبانيا الحديثة وإعادة الاعتبار له، و الاعتراف بهذا التاريخ الحضاري المشترك بين المغرب و اسبانيا بدلا من نظرة التعالي من أحد الطرف الى الطرف الآخر.
كما فتحت الرواية جرحا في الذاكرة المغربية التي آوت هؤلاء الاندلسيين والموريسكيين الذين ما زالوا ينظرون الى جماعتهم كجماعة متفوقة و متميزة عن الاغلبية من المغاربة المورو.
لكن هذه الهوية المنكسرة و المهيمنة في النص لم تحجب هوية أخرى جريحة حاول الكاتب إبرازها من خلال شخصية الامازيغي أنتاني الذي يظهر من خلال الرواية كمثقف عقلاني و كشخصية واعية بجذورها المغربية وبهويتها المتميزة التي ترتكز على الارض بثقافتها و بلغتها التي تحاول الفئة المهيمنة و الحاكمة تهميشها لفرض هوية أخرى و التي يمثلها في الرواية شخصية الشاوي أحد مساعدي شاعر البلاط " الفشتالي" و الذي تبرزه الرواية أي الشاوي كانسان متملق يقتات من وشايته : " لم يكن الاسلام بالنسبة له فلسفة و لا أخلاقا، و انما دين السلطان، و لهذا السبب كان يتبناه" ص 77.
فمأساة المثقف الامازيغي أنتاني في الرواية هي هذا الوعي الشقي الذي يحمله:هوية جريحة و منكسرة في بلدها، و تشبعه بفكر عقلاني ملازم لهويته و محاصر بفكر لاعقلاني : " لم يكن أنتاني يخص شاعر البلاط الفشتالي بالود. عدة أشياء تفصلهما. كان الفشتالي ينحدر من قبيلة عربية، و كان أنتاني أمازيغيا قحا. كان الاول يتبنى اسلاما أصوليا، و لهذا، كان يبدوا متشددا، أما الثاني فكانت له رؤية فلسفية للدين..لكن كانت هناك أشياء مشتركة بينهما: إتقانهما للغة العربية و إعجابهما بالمتنبي لأسباب مختلفة" ص 79.
يمكن تشخيص شخصية أنتاني في المثقف الامازيغي اليوم، ذلك المثقف الذي خبر السلطة فذاق منها الأمرين: احتقار لهويته و للغته، و احساس بمعاملته كآخر مختلف، أو كورقة في يد السلطة في لعبة سياسية ما، ولا يرقى الى مستوى " المثقف " الاخر المنعم عليه و الذي يجسد لغة السلطة و ثقافتها وهويتها المفروضة.

المستوى الفني في الرواية:

من الصعب على الكاتب الروائي الجمع بين الأجناس الروائية في عمل روائي واحد، فأن يجمع الكاتب المبدع بين الأجناس الروائية المثمثلة في السيرة الذاتية و الكتابة التاريخية و الرواية الفنية في عمل ابداعي واحد كما جسدته رواية
" الموريسكي " لحسن أوريد هو عمل فني متميز في الحقل الروائي المغربي، وعمل يسلك سبيل تأصيل الفن الروائي في الثقافة و الأدب المغربيين ليرتبط بهذه الارض تاريخا و ثقافة و هوية ، و هو المسار الذي بدأه الكاتب و الروائي أحمد التوفيق في رواياته " جارات أبي موسى" 1997 و " شجيرة، حنا وقمر" 1998..
إن عملية التأصيل التي بدأها أحمد التوفيق في المجال الأدب الروائي المغربي تجد استمرارها في هذا العمل الفني لحسن أوريد، رغم اختلاف التوجه الفكري لكليهما. رواية " الموريسكي " هو رجوع الى التاريخ لفهم الحاضر، عمل يستمد أحداثه من فترة تاريخية متميزة من التاريخ المغربي لمقاربة الواقع المغربي الحالي، إن التاريخ هنا أساسي لفهم الحاضر، أو لنقل إن التاريخ في الرواية حاضر في الحاضر المعاش ولا يمكن فهم الاخير الا بفهم الآليات التي أوجدت هذا الحاضر بمستوياته السياسية و الاجتماعية و الثقافية سواء في علاقة مكونات هذا المجتمع المغربي المعاصر بعضها ببعض، او في علاقة هذا المجتمع بالأخر الغربي أي اوروبا أو الآخر الشرقي العربي العثماني.
هذه المستويات المتعددة و المتنوعة و المتقاطعة للمجتمع المغربي المعاصر هي ما تحاول الرواية الاقتراب منها من خلال ايهامنا بالنبش في التاريخ المغربي من خلال مأساة الموريسكيين و تهجيرهم الى المغرب في العهد الذهبي للأسرة السعدية، و من خلال كيفية عمل النظام المخزني وهيمنة الأسر أو الشرائح الاجتماعية القادمة من الأندلس على مفاصل الحياة الاقتصادية و السياسية.
فما قام به حسن أوريد بعمله الابداعي هذا - وهو المعروف بإنتاجه الفكري - هو تجربة فنية متميزة تبين دور المثقف، كلما ابتعد عن السلطة و إغراءاتها، في المساهمة بفكره و بفنه في فهم مجتمعه بغية تغييره، و من جهة أخرى يساهم هذا العمل الابداعي في تأصيل الفن الروائي في الادب المغربي المعاصر و الذي ما زال يبحث عن هويته المغربية.

الهوامش:
1- دار ابي رقراق للطباعة و النشر، الطبعة الاولى سنة 2011.
2- أحمد بن القاسم الحجري، المعروف بشهاب الدين أفوقاي وهو الاسم سماه به السلطان احمد المنصور السعدي.
3- الكتاب مختصر لكتاب آخر سابق و لكنه مفقود بعنوان " رحلة الشهاب الى لقاء الأحباب" تحقيق محمد رزوق.
4- الفرق بين الاندلسيين و بين الهورناشيروس الموريسكيين هي أن اسم الاندلسيين يطلق على الذين توافدوا على المغرب قبل سقوط الحكم الاسلامي بالأندلس ، في حين أن الموريسكيين هم الوافدون إبان محاكم التفتيش و ما بعدها.



#الحسن_زهور (هاشتاغ)       Zaheur_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضائح الاسلامويين و القوميين المغاربة
- تهديدات التيار السلفي بالمغرب للمفكر العلماني أحمد عصيد
- فلسطينيوا الثورة و فلسطينيوا الثرثرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسن زهور - -الموريسكي - رواية للمفكر المغربي حسن أوريد ( قراءة نقدية)