أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - المحجوب حبيبي - وحدة اليسار وقوى الديموقراطية والعلمانية خيار دونه السير اتجاه الكارثة















المزيد.....


وحدة اليسار وقوى الديموقراطية والعلمانية خيار دونه السير اتجاه الكارثة


المحجوب حبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 10:39
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


لقد بات من المؤكد وبشكل لا يقبل الشك ولا التردد أننا أمام خيارين:
إما المشروع التحرري الديموقراطي الحداثي، وما يتطلبه من تغيير وتجديد وتحالفات وتنازلات.
وإما خيار الكارثة المحدقة، حيث تتحول كل الأحلام الجميلة والآمال إلى خراب ودمار، وحيث تعن إلى السطح قوى سياسية صاعدة تحمل مشروع (طلبنة) المجتمع متسترة وراء العقيدة، وناطقة باسم الإله، وباسم الشرعية، التي تعمل على اغتصابها، مستغلة قوة الحضور الديني في الوجدان الشعبي، وبحيلة السيطرة على الإيمان؛ بطرق انتهازية ومغامرة وانقلابية، حيث لا تتردد اليوم في استعمال مختلف أشكال القذف والسباب والتهديد بالقتل ضد أعدائها الكفرة من الاشتراكيين العلمانيين والديموقراطيين والقوميين...، وكل عناصر المجتمع الكافر ومكوناته معتمدة الكذب والنفاق والاحتيال؛ واستغلال الدين لأغراض سياسية وهذا ليس جديداً، وليس حدثاً طارئاً، أو خاصا بدين دون آخر، فهو نفس الأسلوب الذي سبق للكنسيين أن استعملوه وببشاعة كبرى، حيث ساندوا الإقطاع، وقادوا الحروب الصليبية، والحروب الدينية بويلاتها، وساندوا النازية والفاشية، وكانوا وراء الحروب الكثيرة والويلات التي لحقت بالإنسانية؛ ( واعترافاً بالخطيئة؛ قدمت الكنيسة الاعتذار للإنسانية، عما حصل بالأمس من ويلات، ومن محاربة للعلم والعلماء…) ونفس الشيء الذي مارسته النزعة الصهيونية في الديانة اليهودية لتستولي على أرض فلسطين، معتمدة الاحتيال والابتزاز على الشعوب الأوروبية، وعلى اليهود بتزوير التاريخ، وتأويل النصوص الدينية، واستعمال معاداة السامية كتهمة ضد كل من لا يتفق معها، حتى وإن كان سامياً، وتحت ستار الدعاية الدينية مورس ويمارس الإرهاب ضد الإنسان العربي المسلم والمسيحي؛ وهو عين الشيء الذي مارسته وتمارسه الظلامية والرجعية الإسلاموية من جبرية وقدرية ووهابية… حكاما وتنظيمات( ) ضد النهوض التاريخي العلمي، الفكري والحضاري الذي أجهض غير ما مرة؛ وما مورس ضد الفكر العلمي والفلسفي وضد مناضلي الحركة التقدمية والاشتراكية العلمية، وضد القومية والعلمانية، وضد العلماء والمفكرين والأدباء، والذي شاركت فيه بالدعاية والدعم المالي والعسكري (الجهادي) ( ) الذي قاتل جنبا إلى جنب مع قوات الينكي الأمريكي الإمبريالي ضد حركات التحرر في أمريكا اللاتينية ( في نيكاراغوا حيث تم تسليح "الكُنْترا" بمال البترول العربي ـ الإسلامي)، و كذا الأمر في أفغانستان، والآن في العراق…، وفي العديد من المواقع؛ وخلال الحرب الباردة ساهمت الثروة العربية البترولية إلى هذا الحد أو ذاك، في ترجيح كفة الولايات المتحدة الأمريكية، قائدة العالم الحر لتتسلم العالم كله، على الأقل الآن! على طبق من ذهب، منطقة موحدة للتحكم العولمي، متوجة قائدة العالم بلا منازع؛ في حين تجد حركات التحرير نفسها تنزوي إلى الجدار في فلسطين وفي العالم العربي، وفي العديد من بقاع العالم؛ تجتر ويلات أخطاء البيروقراطية والجمود العقائدي أمام ردة ظلامية تزحف بظلالها الرهيبة على العالم العربي والإسلامي ناشرة نموذج من البؤسوية والشعبوية الرثة، والنموذج أفغانستان (المجاهدين) التي تحولت خربة وأطلالا وظلاما، وصار فيها الإنسان هائما على وجهه، يجر أسماله، وصارت المرأة بلا وجه ولاهوية ولا معنى؛ ذلك البلد الذي أصبح قاعدة وبؤرة (لطلبنة) العالم الإسلامي وتهديد أمن حتى أولئك الذين دعموا وساندوا بالمال والدعاية والسلاح مشروع الجهادية (الممجد) ضد الاتحاد السوفياتي!! بما فيهم أمريكا التي كان في إمكانها سابقا أن تتساهل في أن يهرق دم أبناءها (لٍيتَطَلْبَنَ) العالم الإسلامي والعربي؛ ولتبقى البلدان العربية تجر ذيول التفرقة والتخلف، وبذور التراجع والحروب الأهلية، والإرهاب والفقر والجهل والمرض، وبنسب عالية ومخيفة، كحالتها المستديمة وبفضل حكامها المؤمنين الصالحين، مادامت في منأى عن النتائج الوخيمة التي يحملها هذا المشروع القاتل ...ولكنها بعد 11 شتنبر أدركت فضاعة الغول الذي ساهمت في تغذيته ورعايته لينطلق مستندا إلى ما يتوفر عليه من إمكانيات تجييشية تحملها الإيديولوجية الجهادية التي بواسطتها يوسع استقطاباته، وفي زمن ردئ كثرت فيه هزائم مكونات هذه الأمة في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية... حيث لم تبق إلا الهوية المأزومة والمنجرحة (في هذا العالم الزائل) تغذي الدعوة إلى الموت...
ولم يجد الحاكمون أمام هذا المد الأصولي المدعوم دوليا والذي يقاسمونه المرجعية، والذي يتجدر يوما بعد يوم في الأوساط الجماهيرية التي تعاني من مختلف درجات الأمية والتي منع عنها التنوير بفعل الحصار والتضليل والقمع الذي طال حركة التقدمية وأجهض نموها وتطورها، وبفعل البرامج التعليمية الأصولية الحابلة بالمتناقضات وبفعل سياستهم التي استقوت لردح من الزمن بهذه القوى الأصولية نفسها لقمع الحركة التقدمية وفي أكثر من موقع الجامعات والنقابات وفي الممارسة الانتخابية الشكلية... لم يجد الحاكمون من فرصة تبقي لهم طابوهاتهم التي يرتكزون إليها في التحكم والسيطرة إلا أن يدخلون مجال المزايدة والمنافسة مع القوى الظلامية والأصولية الرجعية على الإيمان والقيادة الدينية وإمارة المؤمنين، حيث يغرقون البرامج التعليمية والإعلامية بمتطلبات الحزبية الإسلاموية، بل ويفتحون لها الأبواب مشرعة، بما يقدمونه من تساهلات لها حساباتها، في جو من المزايدة الدينية، وهم بذلك كانوا يساهمون في بناء الظلامية والأصولية بإنتاج الشخصية المهيأة دينيا والخانعة والخائفة والمتزمتة والمنغلقة والمتخلفة، وحيث تحشد في مجمعات الاحتياط العاطلة المعطلة بأحياء الفقر ودروبه، قوات جاهزة نفسيا لمناصرة التوجه الظلامي المعبر عن مشروع إقطاعي ـ برجوازي هجين ورأسمالي بؤسوي متخلف، يمجد الملكية الفردية، ويدافع عن طبقة الإقطاع، والبورجوازية المتخلفة، والمصالح الضيقة، ويعادي وحدة الشعوب العربية، ويقاوم الديموقراطية والعلمية، وحق المرأة في المساواة والعدل، ويناصر اللبرالية المتوحشة؛ كاتجاه يسير ضد التيار وضد التاريخ، إذ يناصب مختلف الأقوام اللامسلمة العداء، ويعتبرها دونية ويهددها، ويعلن ذلك على الملأ قائلا: إن أي أمة ليست بمسلمة، فهي كافرة وتجب محاربتها، مستشهدا بنصوص قرآنية موائمة، يؤولها كما يشاء، وهو بذلك يصب واقعياً وموضوعياً في طاحونة المنع والعزل التي يتبناها الغرب ضد إمٌلاكِنا حاجتنا من التكنولوجية العالية الدقة، التي نحن في أمس الحاجة إليها، لنبني حضورنا العلمي والتكنولوجي والمعرفي لخيرنا، وخير الإنسانية جمعاء؛ ويرى هذا المروق الأسود في حقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا احتكاما إلى الكفر "وكل من احتكم إلى شرع غير شرع الله ... من القوانين الوضعية كالحقوق الدولية مثلا فهو كافر ومشرك بالله !!" ويحاول هذا الاتجاه منع الباحثين ودارسي الإسلام، من إعادة قراءة التراث قراءة جديدة وتطويره وإغنائه؛ ويعمد إلى اتهام كل من لا يتفق وظلاميته بالزندقة، سيرا على نهج اتهام ابن رشد وسواه من فقهاء الأمة الإسلامية وفلاسفتها بالزندقة؛ وهو اتجاه يعتقد أنه يستطيع أن يوقف التاريخ؛ ويصادر الحقائق العلمية الموضوعية، متناسيا الحقيقة التي تؤكد أن التوقف معناه الموت، والموت عنده مطلب؛ بل أن هذا الاتجاه جملة وتفصيلا دعوة إلى الموت وهو يهدف بما يقدمه تحت غطاء (منهج الطاقية) من مخادعة وتضليل وخلط وتخويف، تعطيل التطور التاريخي وصرفه عن مساره ولو إلى حين، لأنه في الحقيقة لا أحد يستطيع أن يوقف التاريخ، ويثبِّت أي قيمة من القيم البالية، أو يوقف تطورها إلى الأبد، وإن حدث ذلك بالتضليل وبالقوة والجبروت، فإنه يحدث دائما على حساب تقدم الشعوب وتطورها، حيث ينتشر بين الناس العاديين نوع من البرود والاستسلام والانتظار، والكسل كاستعمال للحياة تلقائي لأجل البقاء، ولا يخلو هذا النهج من غباء جماعي، وفي فترات اشتداد الهجوم الظلامي ترفع الدولة من وتيرة القمع والمنع، أو تعمد إلى ترتيبات وتوازنات محسوبة في دعم ومساندة حلفائها وصنائعها لتحافظ على وجودها وسيطرتها الطبقية، وجميع التوقعات تؤكد إمكانية تحالف الاتجاه الجبري الحاكم والمتطرف، مع الظلامية لما بينهما من نقط تلاقي إذا تنازلت عن عدائها له، وفق تسوية من التسويات التي قد تسوقها الخارجية الأمريكية ودوائرها المختصة، لتستمر هذه الظلامية في خدمة التوازنات وقادرة على تعطيل الدينامية الاجتماعية والتنوير طريق الشعوب المقهورة إلى التحرر والديموقراطية والإشتراكية، وفي نفس الآن إذا لم تتطاول على الأنظمة الرجعية وعلى استقرارها ومواقع هيمنتها...ومتى تجاوزت ذلك فإن الأنظمة تعمد إلى قص أجنحتها بعنف وقوة معهودتين كما يحدث الآن وفق مخطط محاربة الإرهاب... والذي يجد مبرراته في الفعل الإرهابي الذي قامت به هذه العناصر وتقوم به على اكثر من ساحة، والتي أدركت درجة من التطرف كمستوى من مستويات التطور المرضي وكمرحلة عليا من مراحل اندفاعها نحو (الجنة)... وإذا كان من المفروض أن تتعبأ قوى التحرر والديموقراطية والعلمانية باعتبارها مستهدفة كذات ومشروع، في هذه المرحلة التي بدأت تعن فيها ملامح الحرب الدينية التي تأتي نتيجة تراكم هزائم نظام الصلات التقليدية المصاب بداء التخلف حيث تدخل مأزق التنازع بين الجمود والتجديد بين الموت والبقاء بفعل اشتداد التطور التاريخي عليها الذي يأتي هذه المرة من خارج تشكيلاتها الاجتماعية، والذي لم تلتقط خيوطه القوى التقدمية والديموقراطية والعلمانية... حيث لا يزال فعلها معاقا نتيجة تشردمها وضعف فعاليتها وعدم قدرتها على تأطير الجماهير وعدم اضطلاعها بأدوارها في التربية والتثقيف والتوعية والتعبئة وسقوط بعض قياداتها في الأنانية والتعالي والطموحات الفردية... عوارض تخلفها عن مهامها التاريخية...فهل تستوعب الأطر الشابة وقواعد القوى التقدمية والديموقراطية العلمانية اللحظة التاريخية وتدفع في اتجاه وحدة صف هذه القوى من خلال نضالها الديموقراطي الداخلي من أجل (ثورة اجتماعية) كتحرر وتغيير وتحديث نحو الأرقى على قاعدة النضال الديموقراطي الشامل كخيار أممي بتحالفاته المعقدة والمغايرة للمألوف...
إنها مهمة تاريخية لبناء الذات لبناء أرضية الإنطلاق، للتحكم في أسس ومنطلقات التنوير والتغيير والتحديث، لإعادة تنشئة الجماهير على مبادئ الديموقراطية والحرية والنقد والتعددية والمساواة البشرية... ولمواجهة غول العرقلة والإعاقة ـ الكامن في كل زاويا وتجاويف الذاكرة الثقافية التي تم تزييف مضامينها، ـ والذي على الرغم من توهجه وعنفوانه... فهو آخذ في استنفاد مقومات وجوده مهما كانت خطورة وضخامة الشحنات التي تزوده بالكثير من إمكانيات المقاومة والتي أقصاها (القابلية للموت).
علينا أن نتخلص من بقايا ومؤثرات الحملات القمعية الموشومة في الذاكرة والتي طالتنا وجودا وفعالية سنين طويلة، والتي قلصت الإقبال الجماهيري على الحركة التقدمية اليسارية، حيث ساد المنع والقمع الأسود؛ فكان طبيعي أن الناس سيلجأون إلى مرجعيتهم التي هي منبع هويتهم الأصولية التي تكرست بفعل ثقافة مجتمعية معززة بقوة القانون، وبقوة النص الديني وحتى المخالفون منهم يلجأون إلى الاستعمال السري للحياة؛ وهكذا ينتشر بين إنسان الطابوهات عصاب وتيه جماعي لفترة قد تطول وقد تقصر، حسب شكل المقاومة ومستواها، حيث يسود التراجع المترتب عن وضعية الخلل والاهتزاز في أنظمة التوازن الاجتماعي العام. وقد حدث هذا مع توسع المد الأصولي والذي شكل نفسية لا تزال تغذي وإلى اليوم ذلك التراجع الذي خصب الاندحار الحالي في الممارسة السياسية، والتذبذب والانتهازية والتمظهر الديموقراطي الذي غالبا ما يحاول أن يجمع الحمل والذئب في زريبة واحدة باسم التحضر والمدنية والديموقراطية... فكان من نتائجه المرة تنمية الإقبال على الحركات الأصولية باعتبارها تتبنى المرجعية الدينية والوعود الإلاهية بالجنة والنعيم لبؤساء هذه الدنيا ومحروميها، هذه الدعوة التي تجد صدى لها في النفوس منذ التعليم ما قبل المدرسي، إضافة إلى ما أسدته النخب الانتهازية المرتشية من حجية بفعل تراجعاتها على الحدود الدنيا من البرامج الإصلاحية الديموقراطية التي طالما روجت لها، هذه المغازلات اللامبدئية التي غالبا ما روج لها أدعياء محسوبين على الصف التقدمي والديموقراطي والعلماني والذي أعطى الاتجاه الشمولي الظلامي بكل تلويناته العقدية والمذهبية فرصته ليتحرك، بشكل محموم وغير مسبوق، في العديد من الواجهات ليحتل مواقع تؤهله لولوج مجلات اجتماعية وسياسية انطلاقا من عسكرة المجتمع إلى مقاومة المرأة، إلى انجاز مهام خيرية واجتماعية للسيطرة وصولا إلى ممارسات وأعمال إرهابية تحضيرية وإعدادية مبرمج لها كي تكون تصاعدية لتصل إلى توسيع الإغتيال ونشر الرعب على طريق الحرب الشاملة على دولة الكفرة... والأمر متفاوت من ساحة لأخرى، وهو بالعراق بلغ حدودا قصوى يركب مبرر مقاومة المحتل ويكتسح ساحة المقاومة بامتياز ليس بغاية تحرير الوطن من المستعمر الإمريكي بل لإقامة الدولة الثيوقراطية. وهذا الإتجاه دو نزوع أممي يستهدف كل بلدان العالم انطلاقا من البلدان الإسلامية التي ينبغي أن تحسم فيها الحرب الدينية لصالح المؤمنين ضد الكفرة المرتدين، إننا أمام إنذار بحرب دينية ليست على شاكلة الحرب الدينية التي عرفتها أوروبا بشروط موضوعية وتاريخية متميزة... تدل على ذلك الحركات والدعوات والأسانيد والمرجعيات والعمليات والسوابق، الأكثر دموية ورجعية، والأكثر فظاعة التي تقودها هذه الحركات الإسلاموية، ونماذجها المنتشرة شكلا وهيئة والآخذة في الاكتساح كنمط انتاج واستهلاك قروسطوي قد يشكل خطورة على التطور الاقتصادي أيضا، ويبشر بنموذجه الفريد (طلبنة) المجتمعات الإسلامية، وبخطابات متعددة تروج لمفاهيم تتراوح بين" الأمر والنصح والتدخل في حياة الناس وإشاعة الكآبة في حفلاتهم وصولا إلى ترويج شعارات كالجهادية؛ والحاكمية؛ ولا اجتهاد مع النص…" ومصادرة الرأي الآخر وتشويه اجتهادات العلماء والمفكرين وتأويلاتهم وشروحاتهم للتراث، بدعوى أنهم في جلهم علمانيين، وبدعوى لا أحد ينازع إمارة الجهاد في امتلاكها حق النقد (الفيتو)! بل وحق الحِسٌبة والوصاية، وما إلى ذلك من أمور تجعله يحتكر الإيمان ويحتكر وحده تأويلات النصوص الدينية الذي قيل فيها قديما أنها "لا تنطق بلسان" وأنها "حمّالة أوجه". تلك التأويلات التي خدمت قديماً وتخدم الآن أغراضا سياسية لنخب تعزز الفشل الاجتماعي الرهيب، مما أصبح معه اعتبار مطالب الديموقراطية والوطنية والوحدة والاتحادية مطالب كفرية، وأصبحت الدعوة العلنية إلى ممارسة العنف والإكراه، كواجب شرعي على كل من اعتبر مرتدا وكافرا! وكل من هو مشكوك في أمره، أي أولائك الذين ليسوا معهم؛ ومتى يتجرأ الباحث ويفتح هذا الملف للدراسة والبحث والتفسير، إلا ويتهم بمختلف الاتهامات وصولا إلى التهديد بالتصفية وممارستها فعلا وحقيقة ( وقائمة التهديدات والتصفيات طويلة…) أمام هذه الوضعية التي أعطت هؤلاء إمكانية الاستيلاء على الإيمان واحتكاره واستخدامه من خلال حق امتلاك المساجد، وكذا من خلال المؤسسة التعليمية عبر برامجها وموادها الملائمة والمناسبة...، ومهاجمة كل ما هو عقلاني علمي متنور، حيث لم تسلم العلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب ولا الرياضيات ولا العلوم التجريبية ولا الطب ولا الفلسفة ولا التربية الفنية من رسم وموسيقى... من التدخل والمنع والرفض لمفاهيمها، محولين المؤسسة التعليمية من الروض والمدرسة والثانوية وصولا إلى الجامعة بمختلف تخصصاتها، مشتلا للتنشئة الظلامية بعمقها الأيديولوجي والسياسي، مدعومين سرا وعلانية وبطرق وتقنيات ووسائل مادية ضخمة من طرف الإمتدادات الدولية، التي تقودها الوهابية وسواها ومن خلفهما أولئك يبتغون تأبيد سيطرتهم وجبروتهم واستمرار استغلالهم بدعوى المواءمة مع العقيدة والتزكية الشعبية وإرادة الأمة الإسلامية...، وما إلى ذلك من نوايا قد تصل مستوى التحالف بين الحكام والظلامية لتقاسم السيطرة على الإيمان والتحكم والتوجيه.
فهل يمكن أن ندعي أن مؤسسة تربوية تعليمية أو ثقافية أو دينية هذا ديدنها؟ كبيئة مناسبة للاحتلال الظلامي العلني، وللتنشئة العالية التشريب والمذهبة، في مجتمع فقير يفقد فيه الإنسان قيمته بفعل البطالة وشح الشغل، ويجد فيه وعلى مدار الساعة خطاباً يفضل الموت على الحياة، وأن الدنيا دار زوال وفناء، وأنه لا قيمة لها، هل يمكن لمؤسسة كهذه، أن تمارس شروط التنمية والتقدم والانفتاح والتحديث؟؟… فأي جهد وعناء وبذل تستحقه الحياة أمام دعوات من هذا النوع، وأي مرونة تنتجها هذه الوضعية التربوية وأي اعتدال وتسامح؟! وأي تقدم أو حداثة يمكن أن يهدف إليهما مع هذا النهج؟! هذا إذا أضفنا إلى ذلك الإمكانيات التأويلية، التي يوفرها النص الديني والتي استعملها بالأمس أئمة السلطان! كما يستعملها اليوم أئمة الظلام والشيطان، معتمدين شروحا وتأويلات لمضامين ومحتويات نصية اقتضتها معارك مرحلة قيام الدعوة مثلا مع: (بني قينقاع)، أوفي التعبئة ل(معركة خيبر)…أو لاستقطاب (أبي سفيان عند فتح مكة)! وما إلى ذلك وهو كثير… مستخرجين نصوصا من سياقها التاريخي، وتبثوها قاعدة وحكما، ليعودوا بالمجتمع القهقرى لمئات السنين، وكأن العملية كلها مجرد فعل إرادي، يريدونه أو لا يريدونه؛ وهذه الكارثة المحدقة بنا، لا قدرها الله؛ تأتي في سياق مهزوم متميز بالسيطرة الإمبريالية التي دعمها وساهم في استتبابها أنظمة الاتجاه الإسلاموي الظلامي الرجعي، بتمويلها وبتعاملهم وتعاونهم معها ضد حركات التحرر والتنظيمات اليسارية واستقوائهم بها ضد الشعوب المتعطشة للحرية والديموقراطية، وتبعيتهم المطلقة لها وعلى أكثر من صعيد، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى تأتي هذه الأوضاع نتيجة فشل المشاريع التحررية الوطنية والقومية والاشتراكية؛ والتي أفشلت بفعل الضعف والإختلال الذاتي والأخطاء القاتلة، وبفعل التآمر الإمبريالي المتحالف مع القوى الرجعية اليمينية، والصهيونية العالمية؛ يأتي بفعل التشجيع الذي لقيته الحركة الجهادية الأفغانية والتسهيلات التي تمتع بها العرب الأفغان والذين عادوا إلى أوطانهم يبحثون عن أعداء جدد وعن إشتراكين وعلمانيين كفارا... يجب فيهم الجهاد والقتل هذا الأمر الجلل والكارثة المحدقة بنا، وحدهما يكفيان لضرورة تحقيق تحالف القوى اليسارية والتقدمية والديموقراطية والعلمانية لأجل الثورة الاجتماعية؛ صحيح ومؤكد أن هذا المطلب الثوري سيواجه بمقاومة عنيدة وعنيفة ومتعددة الأوجه والمشارب من طرف جميع القوى الرجعية اليمينية والظلامية المتأسلمة وحتى من طرف القوى البورجوازية الهجينة والطفيلية المدعوة ليبرالية كذبا وبهتانا، والتي لها مصلحة في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، من تخلف وبؤس وفقر وجهل، أي ميادين استقطابها وتوسعها وانتشارها، وستتحالف تنظيماتها بالرغم مما تبديه من خلاف في العديد من الأقاويل الشكلية حيث ستسقط الحدود بينها، متى اقتضت المصالح المشتركة ذلك، ومتى اختل ميزان القوى لصالحها. إن وعي واستيعاب حقيقة الدعوة إلى انطلاق الثورة الاجتماعية من (حركة تنويرية تربوية تثقيفية تحررية واسعة) تفصل بين التعليم والثقافة والتربية، وبين الدين كاستعمال إيديولوجي وسياسي حزبي ( )؛ الأمر الذي سينزع عن القوى الظلامية الإسلاموية سيطرتها الدينية وسيحد من مجالات نشر دعايتها الأيديولوجية والسياسية وتفريخها، لكي تفقد مبررات استعمال الدين لأغراض سيلسية واستقطابية...
ومن المؤكد أن هذه الثورة الاجتماعية هي ثورة تربوية تثقيفية أولا لأنها تأسيس لمؤسسة تربوية مغايرة، تحمل قيما علمية وحداثية وتساهم في بناء الديموقراطية، من حيث أنها تعدد وتنوع واختلاف وجدل، مؤسسة تروج لقيم المجتمع المدني وتمتد من الروض إلى الجامعة، خيارها العلم والمعرفة والحرية والتنمية، تصون الفكر والإبداع وحرية الاختيار، وحرية الإيمان دون أن تكون ملزمة بذلك، فالدين لله والوطن للجميع( ). إن هذه الثورة مقدمة أساسية لتحديث بنيات مجتمعنا، وانه بدونها لا حداثة ولا تجديد ولا تقدم؛ وبها وحدها وعلى أساس ما ستشيده من تحرير الثقافية والتربوية من السيطرة الإيديولوجية الثيوقراطية، ستنبني بصلابة وتماسك مبادئ الحرية والعدالة والمساواة؛ وإذا كانت الديموقراطية لا تستقيم إلا بالعلمانية كأساس لحرية الاعتقاد وكتعدد، فإنه مما يثير العجب والتساؤل ويجعل المرء يصاب بالاحباط هو لامبالاة المثقفين والأنتليجنسيا والذين من المفروض أن متنفسهم ومجال حرية فكرهم هو المجتمع الديموقراطي الذي دونه يختنقون، والذين من المفروض أنهم جنود الديموقراطية وحماتها والذين عليهم أن يعلنوا موقفهم صراحة وينضموا إلى الثورة الاجتماعية ومقدماتها التربوية والتثقيفية وبكل استعجالية من خلال تنظيماتهم المدنية والسياسية الموحدة الأهداف والمقاصد التي عليها أن تطلِّق المناسبتية والموسمية، وعليهم أن يتذكروا، أن الانتظارية واللامبالاة هي التي اغتالت مئات المثقفين في وطننا العربي وهي التي تغتال بالجملة المواطنين ببلاد الرافدين دون رحمة ولا شفقة؛ فعلينا جميعا أن نتحمل مسئوليتنا التاريخية، فلن يعذرنا التاريخ، الذي أصبح يسير بسرعة فائقة لا تنتظر المتكاسلين والمتذبذبين، وعلينا أن ندرك أننا كشعوب لازلنا خارج التاريخ، بالرغم من المظاهر والقشور الاستهلاكية المسوقة لنا، والحقيقة مهما كانت مظاهر الفخامة والثراء الذي يرفل فيه حكامنا وأثرياؤنا، أو ما تعرضه المعارض والأسواق الرفيعة المستوى، فإننا لازلنا نعيش تحت سيطرة توجهات لا تاريخية ولا ديموقراطية مأزومة تتحكم في كل شيء، وتستدخل من الحداثة والتقدم ما يفيدها ويخدمها ويديم سيطرتها، وهذا نفسه ما تلجأ إليه قوى الظلام، التي هي نتاج الأزمة المركبة والهيكلية ووريثها، والتي تستعمل كل ثمرات التكنولوجية التي تصلح لدعايتها أو لما تعده من وسائل خراب ودمار، بفعل الدعم القوي الذي تتلقاه بصفة مباشرة من مرجعيات ومصادر مالية محلية ودولية عديدة أو من خلال آليات ووسائط تجارية هامشية بسيطة ومتوفرة بكثرة، كما أنها تستعمل مختلف ثمرات العلم والتكنولوجيا في مجال الإتصال والتواصل، وفي نفس الآن تمنع مورديها من جلوس المضارب والأرائك، والأكل على الموائد، وحلق ذقونهم، وتتبع البرامج التلفزيونية، وقراءة كتب الكفرة والزنادقة... وتمنع ذلك على مورديها ليس فقط تحقيرا لهم ووصاية عليهم بل للتحكم في قدراتهم العقلية وجعلهم جاهزين عند الحاجة… ومن خلال التحصين وإحاطة الموردين والأتباع بجدار الممنوعات المدعومة بخرافات ودعايات، فإنها تؤهلهم لاستعجال النعيم الموعود ليوم القيامة، وتجد هذه العملية السيكولوجية صداها المؤثر عند من أعدتهم المدارس وهيأتهم للحزبية الإسلاموية، التي تقبل بها الدولة المأزومة وتساندها سرا وعلانية، تلك الدولة التي ستجد نفسها في يوم ما ضحية نتاجها، الوريث الشرعي الذي أنجبته، منذ أن أجهضت المشروع التحرري في التغيير والحداثة والتنمية، وأفشلت الخيار الديموقراطي بالقمع والتزييف...
(يتبع)



#المحجوب_حبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي مشروع نحن بصدده الآن كاشتراكيين علميين هل الثورة الاشتراك ...
- النضال الديموقراطي، وحدة اليسار تنظيمات المجتمع المدني أية آ ...
- هل تنجح استراتيجية القاعدة في لبنان تتمة
- قراءة في استراتيجية القاعدة في العراق وهل تنجح نفس الاستراتي ...
- الاصلاح التربوي... أي مدرسة لأية آفاق
- المنهاج المقومات البيداغوجية والديداكتيكية
- الطفولة المشردة من المسؤول؟؟
- حول الاصلاحات التربوية التي يعرفها المغرب
- قراءة في مسودة قانون الأحزاب


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - المحجوب حبيبي - وحدة اليسار وقوى الديموقراطية والعلمانية خيار دونه السير اتجاه الكارثة