أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - من أجل تعميق الوعي في صفوف الماركسيين.. بمهامهم















المزيد.....


من أجل تعميق الوعي في صفوف الماركسيين.. بمهامهم


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 4337 - 2014 / 1 / 17 - 08:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


من أجل تعميق الوعي في صفوف الماركسيين.. بمهامهم
تفاعلا مع ما توصل إليه الرفاق في مجموعة "البديل الجذري" من خلاصات، وهي المجموعة التي تطمح لتجميع البعض من خريجي وأنصار الفصيل الطلابي "البرنامج المرحلي"، خاصة قدماء جامعة "ظهر المهراز" بفاس.. ضمن تيار سياسي فكري يستند للمرجعية الماركسية اللينينية.
ارتأينا الإدلاء برأينا في الموضوعات التي ناقشتها المجموعة، وتقديم بعض الملاحظات حول ما أصدرته في ورقتها المعنونة "بمسؤوليتنا: تعميق الوعي الطبقي في صفوف العمال"، والتي يمكن اعتبارها ورقة متقدمة عمّا سبق وأن نشرته المجموعة، بعد أن اهتدى الرفاق للطريق، الذي هو في تقديرنا الطريق الصواب، طريق "تعميق الوعي الطبقي في صفوف العمال"، و"ملحاحية العمل السياسي المنظم"، و"ضرورة الأداة الثورية" و"الحزب البروليتاري"..الخ خصوصا بعد أن أكدّوا بما لا يدع مجالا للشك والتشكيك، تبنيهم لخلاصات "البيان الشيوعي" فيما يتعلق بالرسالة التاريخية للطبقة العاملة "الطبقة المؤهلة تاريخيا وصاحبة المشروع الثوري البروليتاري"، وهي في الحقيقة مؤهلة لقيادة الجماهير الشعبية الكادحة وكافة الشغيلة غير المالكة والمحرومة، في المدن والأرياف، من أجل الثورة ضد البرجوازية ونظامها الرأسمالي. وبلا شك فإن مشروعها الثوري لن يكون سوى الإطاحة بسلطة الرأسمال وبناء سلطة المجالس العمالية ومجالس الكادحين المنتجين في المدن والأرياف، لتشييد الاقتصاد الاشتراكي المبني على التخطيط، بعد المصادرة والتأميم والثورة الزراعية..الخ
وبعد اطلاعنا على هذه الوثيقة المهمة في مسار هذه المجموعة، والتي شكلت في تقديرنا انعطافا مهما، ستدشن به المجموعة، لا محالة، الولوج الفعلي لنادي الماركسيين اللينينيين، نادي الفكر الاشتراكي العلمي الذي تغلغل فعلا في الأوساط اليسارية الجذرية، الشبابية والنسائية المعارضة.
فالوثيقة في مجملها، تستدعي الحوار والنقاش، دون إبطاء، مع هذه المجموعة من الرفاق، الذين لم يضمروا تشبثهم بالمرجعية الماركسية اللينينية وبالخط البروليتاري وببرنامج الثورة الاشتراكية.. ولم يترددوا عن النقد الضمني للتجربة السبعينية، ولما توصل إليه دعاتها ومنتسبوها الأولون، عبر الدعاية لبرنامج الثورة الديمقراطية البرجوازية، بعد أن ارتأى أصحابه بأن يرجؤوا الثورة الاشتراكية مرحليا إلى حين، أي إلى ما بعد إنجاز "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية"، هذا البرنامج المشروط بانتزاع القيادة من الطبقة العاملة وحزبها البروليتاري، وتسليمها "للجبهة الموحدة للطبقات الأربعة" وفق النظرية الستالينية "البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة، والعمال والفلاحين"، وهي الأطروحة التي عرقلت لعقود مهمة التغلغل والانصهار وسط الطبقة العاملة والاعتماد عليها كطبقة قائدة وموجهة لكافة مجالات النضال والصراع الطبقي، بل وساهمت بشكل كبير في تعطيل النقاش والبحث في آليات التغلغل هذه، والتي من بينها بالطبع الاتحادات والنقابات ونوادي التثقيف العمالي..الخ ليتم تعويضه بالنقاش حول الكفاح المسلح وحرب العصابات، ونظرية الفوكو والبؤر الثورية المتحركة، والحرب الشعبية الطويلة الأمد.. بناءا على التقديرات الخاطئة والمتسرعة للمنظمات السبعينية، التي حسمت الموقف بأن النظرية اللينينية، نظرية الإضراب العام والعصيان المدني والانتفاضة الشعبية المسلحة في المدن والأرياف، نظرية غير صالحة وغير ملائمة للواقع والمعطيات المغربية! الشيء الذي لم يعمل سوى على نشر الفكر الشعبوي، وتقديس العفوية والفوضوية والتآمرية..الخ وهو ما يمكن ملاحظة تداعياته إلى هذا الحد أو ذاك في الأوساط الطلابية ومجموعاتها النشطة بالجامعة، التي ادعت وما زالت، انتماءها للحركة الماركسية اللينينية.
كان لا بد من الإشارة لهذه الملاحظات باعتبارها موضوعات خلاف داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية.. فلم نطرحها من باب التأكيد والتشبث بالخط البروليتاري ومرجعيته الماركسية اللينينية، وفقط، بل وكذلك لما لاحظناه من استمرار هذه الأطروحة كحمولة وترسبات بادية في خطاب المجموعة المعنية، إذ سبق وأن أدلينا بالرأي في مضاعفاتها الخطيرة، وآثارها السلبية على مسار هذه المجموعة ومجموعات أخرى شبيهة بها، في مقالات وردود سابقة.. فما زال الرفاق ينكرون على أنفسهم إنجازاتهم الخاصة ليلصقوها بالجماهير الشعبية، كمثلا ما قالته الوثيقة بصدد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو شعار رفعته في الحقيقة وللتاريخ الأصوات الثورية المناضلة في تحدي سافر لقوات القمع، خلال الحراك الشعبي الأخير، شعار زايدت به القوى السياسية الإصلاحية على بعضها بعض، كذلك.. دون أن ننكر تعاطف العديد من الأصوات الشبابية التي شكلت طلائع هذا الحراك الاجتماعي، مع هذا الشعار.. أمّا أن نعتبره "شعار الجماهير"، فتلك خرافة لا بد من دحضها وتفنيدها، مردها وأصلها نجده في استمرار المجموعة في ترديد نتفات من الخطاب الشعبوي الفوضوي، الذي يجب على الرفاق التخلص منه والتغلب عليه نهائيا بالعودة للاشتراكية العلمية بمنهجها وقوانينها وتراثها وتجاربها ونصوص أساتذتها الكبار، وبشكل خاص النقد اللينيني للعفوية والاقتصادوية في الأطروحة التاريخية "لما العمل؟".
نجد هذه التسربات بارزة في صيغ مثل "شوارع المدن شكلت مدرسة حربية" وبأن هذه الشوارع نفسها هي "المعلم السياسي الأول لتكوين وتأهيل المناضلين الثوريين".. الشيء الذي لا ينسجم ولا يتوافق مع الخلاصات المهمة والمثيرة، التي قدمتها الوثيقة كعصارة تقييم لهذا الحراك السياسي والاجتماعي الذي انطلق بداية العشرين من فبراير 2011، بالتأكيد عن "الشرط الذي لا بد منه" "الأداة الثورية الضامن الفعلي للخط الإيديولوجي والسياسي للطبقة العاملة" والتي ننتظر منها ألا تكون شيئا آخر غير حزب الطبقة العاملة المستقل نظريا وسياسيا وتنظيميا عن باقي الطبقات والفئات الشعبية الأخرى، المناهضة للبرجوازية ونظامها الرأسمالي.. حتى لا يقع التأويل أو التشويه لطبيعة هاته الأداة، وحتى لا يخذلنا الرفاق كما خذلنا البعض من قدماء الحملم السبعينية، وبشكل خاص الرفاق في منظمة "إلى الأمام" الذين أسسوا حزب "النهج الديمقراطي" دون أن يحسموا الأمر في طبيعة وشكل "الأداة الثورية" المنشودة، هل هي الحزب الطبقي، أم الجبهة، أم ماذا؟ فعلى طول تجربة الحركة العمالية الاشتراكية من ماركس/انجلز إلى لينين، لم تكن هناك من مدارس للنضال، والمعارك والحروب الطبقية، والشيوعية سوى تنظيمات الطبقة العاملة وبدرجة أولى الحزب والنقابة.. فجميع المنظمات العمالية الجماهيرية وشبه الجماهيرية والحزبية، تصبح مدارس فعلية للشيوعية إذا ما توفرت على أحسن وأجود القيادات في التنظيم والسياسة والفكر..الخ ولا يمكن الادعاء أو الدعوة للتعلم من الشارع ومن الجماهير..الخ
إذ يمكن أن نتعلم أي شيء من الشوارع والجبال والصحاري.. إلا التنظيم والسياسة والفكر والبرنامج والشعارات اللازمة لأية مرحلة مرحلة ولأية لحظة لحظة.. فنحن كماركسيين لينينيين أنصار الخط البروليتاري، ننتمي إلى خط فكري وسياسي واعي كامل الوعي بمهامه في نشر الوعي الاشتراكي على أوسع نطاق، في صفوف الطبقة العاملة وداخل الأوساط المتعلمة والمثقفة من تلاميذ وطلبة وخريجي الجامعات والمعاهد، المعطلين عن العمل، أي جميع الذين لهم علاقات ارتباط وانتماء للطبقات الشعبية الكادحة والمهمشة.. نعمل على تصدير الوعي وتطويره وتجذيره، عبر الاحتكاك الميداني والمشاركة في جميع الاحتجاجات والإضرابات "إن نشاطنا السياسي قوامه المساعدة في تطوير وتنظيم الحركة العمالية، وفي تحويل محاولاتها الحالية المنعزلة للاحتجاج و"التمردات" والإضرابات ـ وهي خالية من أية فكرة موجهة ـ إلى نضال متجانس تخوضه الطبقة العاملة ضد النظام البرجوازي.. إن هذا النشاط مبني على اقتناع الماركسيين العام بأن العامل هو الممثل الوحيد والطبيعي لكل السكان الكادحين المستغـَلين".. هي ذي المنهجية والتوجيهات اللينينية، التي لم توصي قط مناضليها ومناصريها والمتعاطفين مع خطها، بالخنوع والانتظارية لما ستتصرف به الأقدار في حق انتفاضات وتمردات واحتجاجات العمال وسائر الكادحين، ليقع بهم ما يقع، وحينها يمكننا التعلم منهم، ومن سذاجتهم الثورية، وتضامنهم الأخوي الصادق وعدالتهم المثالية..الخ! حينها لن يكون من معنى للمناضل، وسنصبح فكلنا جماهير أبناء الجماهير، وكفى الرفاق "شر النقاش" "شر" الكتابة، والدعوية" ونشر الوعي..الخ فلن يتشرف التيار أو المجموعة أو الفرقة، بالانتماء للمدرسة اللينينية، إلا إذا كان المعنى يعمل فعلا ليصبح "تنظيما كفاحيا يعمل على تحقيق التحريض السياسي كأمر إلزامي في الظروف "الرمادية والسلمية".. في مرحلة هبوط المعنويات الثورية.. لأنه يفوت الأوان لإنشاء التنظيم في أوقات الانفجارات والغليانات، ينبغي أن يكون التنظيم جاهزا لكي يقوم بنشاطه على الفور".. وهو الشيء الذي لا ينتبه له أغلبية الرفاق المنظرين لهاته المجموعة أو تلك، فالظاهر أن غالبية الفرق لم تستوعب بما يكفي ويلزم، المنظور الماركسي اللينيني للتنظيم باعتباره أرقى مستويات الوعي في صفوف الحركة العمالية، ولا يتشكل التنظيم وفق هذه النظرية الثورية، من احتجاجات الشوارع، ولا من إضرابات العمال، ولا من تمردات المحرومين من الأرض، ولا من اعتصامات الطلبة أو المعطلين أو الشغيلة..الخ هو مستوى لا يرقى إليه أي تنظيم، باعتباره الشكل الفعلى للتنظيم الطبقي البروليتاري، يضم في صفوفه، أو هكذا يُفترض، أجود المثقفين الثوريين، وأجود القادة المحرضين والمنظمين، وأجود الطلائع الصدامية المجربة في النضال الميداني النقابي والاحتجاجي..الخ "قادة ذوو أفق سياسي على درجة من الاتساع، وعزيمة ثورية على درجة من القوة، وموهبة تنظيمية على درجة من السمو، بحيث يمكنهم أن ينشئوا حزبا سياسيا كفاحيا".
فالمهمة النضالية الرئيسية والأساسية، البارحة واليوم وغدا وبعد غد..الخ ستكون، لا محالة، بالنسبة للمناضلين الماركسيين اللينينيين هي التغلغل، والانغراس، والالتحام بالطبقة العاملة منتجة فائض القيمة، ثم عموم الجماهير الشعبية الكادحة غير المالكة، بهدف تنظيمها وتأطيرها ورفع مستوى وعيها الطبقي، وفق خط سياسي واضح وبرنامج نضالي دقيق، يكون هدفه الإطاحة بالنظام القائم كنظام سياسي واقتصادي، أي كنظام رأسمالي تبعي وعميل للإمبريالية، والقضاء عليه يعني القضاء على الرأسمالية ـ وليس المَلكية وفقط ـ وكذلك فك الارتباط مع الإمبريالية نهائيا، بل والعمل على محاربتها أينما وجدت وبلا هوادة.. وهو الشيء الذي لا يعني شيئا سوى البناء الاشتراكي ومساندة جميع الشعوب وجميع القوى المناهضة للرأسمالية في نضالاتها من أجل التحرر والانعتاق، عبر الاستقلال الفعلي، السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي..الخ هكذا نفهم العمل الثوري المسنود بالنظرية الثورية "فلا يكفي أن نعلن أن الحياة صعبة وأن ندعو إلى الثورة، فإن أي ثرثار يعرف كيف يفعل ذلك، ولكن دون فائدة كبيرة، ينبغي أن يدرك الشعب العامل سبب تعاسته ومع من ينبغي عليه أن يتحد للنضال في سبيل الخلاص من البؤس" هي ذي الخلاصة التي كان يجب الانتباه لها وأخذها بعين الاعتبار لتوجيه حركة النضال الاجتماعي والطبقي، بما فيه حركة العشرين من فبراير.. ونعرج هنا بالمناسبة لما قيل بصدد يوم الانطلاقة الذي اعتبرته الوثيقة "إضرابا سياسيا بامتياز"، لنعلن عن تحفظنا ومعارضتنا للاستعمال السيئ لمصطلح الإضراب، وما يمكن أن يلحقه من ضرر حين يستعمله المرء كيفما اتفق، باعتباره السلاح الأمضى لهزم البرجوازية ونظامها الرأسمالي، فلم يكن يوم العشرين سوى التتويج لحركة احتجاجية اجتماعية شعبية طال اختمارها لسنوات، لتعجل بانفجارها انتفاضات الشعبين التونسي والمصري، حيث لم تخلو الاحتجاجات على طول هذه المدة من شعارات سياسية جذرية ومناهضة للنظام القائم، كنظام سياسي استبدادي، وكنظام اقتصادي رأسمالي تبعي مرهون بالتوجيهات الإمبريالية وبقروض ومخططات مؤسساتها المالية، المعادية للشعوب التواقة للحرية والاستقلال السياسي والاقتصادي.. أما الإضراب فلا معنى له بدون الانقطاع عن العمل، ولا وجود لإضراب يوم الأحد، وهو يوم العطلة الأسبوعي في المغرب، بالنسبة للعمال والشغيلة والموظفين والطلبة والتلاميذ والغالبية الساحقة من التجار..الخ كان العشرون من فبراير يوم أحد وكانت جميع الاحتجاجات التي نظمت باسم الحركة ومجلس دعمها، أيام أحد منذ الانطلاقة إلى حدود كتابة هذه السطور.
فيستحسن أن نسمي الأشياء بأسمائها حتى لا يقع التشويش والتضبيب، فهو أي يوم العشرين، يوم احتجاج وليس إلاّ.. أي دون أن يكون احتجاجا سياسيا بامتياز، لأن في ذلك مبالغة وسوء تقدير. يمكن أن نتفق بأنه يوم احتجاج جماهيري بامتياز، لم يعرف تاريخ النضال الاحتجاجي بالمغرب يوما مثله، من حيث عدد الوقفات والمسيرات وعدد المدن والقرى المشاركة وعدد المواطنين المشاركين في هاته الأشكال النضالية الاحتجاجية والتي فاقت عشرات الآلاف ببعض المدن حيث كانت الغلبة للشعارات والمطالب الاجتماعية.. وإلى هذا الحد من حيث التقدير الموضوعي، يمكن أن نتفق.
فيما يخص النقابات والعمل النقابي والموقف من الانشقاقات، فلن نضيف شيئا إذا قلنا بأنه ليس بماركسي أصلا من يتردد في الانتماء للنقابات العمالية، وليس بماركسي من يعادي النقابات والنضال النقابي، على اعتبار أن النقابة بما هي اتحاد عمالي شكـّل ويشكـّل مكسبا تنظيميا مهما ومدرسة للشيوعية، بما تعنيه الشيوعية من سلطة مستقبلية، وتدبير للإنتاج والتوزيع والاستفادة من كافة الخيرات الطبيعية والمنتجة، لمصلحة الكادحين المنتجين، كافة. هذه الاتحادات والتنظيمات الطبقية التي يجب تدعيمها وتشجيع الانتماء لها إلزاميا. أما العمل النقابي وفق التصور الماركسي، بما هو نضال وكفاح، فأشكاله ووسائله مرتبطة أشد الارتباط بمدى تغلغل القوى الماركسية الثورية في صفوف العمال والعاملات، وفق منظور وأطروحة "ما العمل؟" التي ناهضت العفوية والاقتصادوية بكل شراسة.
ما نؤاخذ عليه الرفاق في "البديل الجذري" والذي يمكن اعتباره سوء تقدير وضيق في النظر، هو أن يتم التركيز على الإطارات والمركزيات المتوفرة حصريا، والحال أن هذه المركزيات التي تناسلت بشكل فظيع ومشبوه من ستينيات القرن الماضي، والذي تجاوز عددها الثلاثين مركزية فما فوق، عجزت مجتمعة على استقطاب العمال والعاملات وكذا جماهير الشغيلة الموظفة لدى الدولة أو المستخدمة في الشركات العمومية والشبه عمومية، حيث تتكلم الإحصاءات عن أرقام جد هزيلة لا تتجاوز في أقصى الحالات وأحسنها 6%! الشيء الذي يستدعينا لنقاش آخر من زاوية نظر أخرى، مغاير ومتجاوز للنقاشات التبريرية التي أغرقت السوق، عن البيروقراطية والأرستقراطية، وعن الاتجاهات المخزنية والاتجاهات الديمقراطية..الخ فليست المهمة في نظرنا، هي انتشال الإطارات والمركزيات النقابية من براثين أية قوى غير اشتراكية وغير عمالية، بل المهمة هي مواصلة مد جسور التواصل مع الطبقة العاملة، ونشر الوعي في صفوفها وتقوية التكوين والتثقيف النظري والسياسي لمصلحة طلائعها.. عبر قنوات وأشكال تنظيمية متنوعة مع الاستفادة من العلنية المكتسبة.. المهم هو أن ينسجم هذا الشكل أو ذاك مع تاكتيات وأهداف الحركة الماركسية الثورية، من أجل نشر الفكر الاشتراكي، ومن أجل تعميق الوعي بالرسالة التاريخية للطبقة العاملة، ومن أجل شرح البرنامج الاشتراكي برنامج الثورة من أجل الحرية والديمقراطية والقضاء على الاستبداد والاستغلال وعدم المساواة الطبقية..الخ فلا يمكن إقناع جماهير العمال والعاملات بالانتماء أو التشبث بأية مركزية من المركزيات، حين تكون جلدتهم قد لسعتها قيادات هذه الإطارات جميعها، حيث لا تكون الحاجة للعمال سوى لحظة اقتناء البطائق وخلال مسيرات الفاتح من ماي ولحظات أخرى للحشد في الحافلات صوب الرباط والبيضاء "لتسخين الطرح" وإبراز العضلات..الخ!
لا يمكن كذلك إقناع الطلائع العمالية المجربة، ببناء النقابات داخل الشركات الكبرى لسبب بسيط يتعلق بسيف الطرد الذي يهدد كل المحاولات لتأسيس أي شكل من أشكال العمل النقابي. فكثيرا ما تجد أن الكتاب والمهتمين بقضايا النضال النقابي، لا يفصلون بين العمل النقابي العمالي وبين العمل النقابي المهني والحرفي أو العمل النقابي الخاص بالموظفين لدى الدولة مثل رجال التعليم والصحة والبريد وموظفي الإدارة والجماعات..الخ فشتان بين النضال وسط المعامل والمصانع والشركات وبين النضال في المكاتب، فخلال الأول أنت مهدد بالطرد وفي أحسن الحالات الفصل مع مناولتك مستحقاتك وفوقهم علاوة عسى أن تبتعد ليس على المعمل والعمال وفقط بل يمكن عن المنطقة الصناعية بكاملها وعن المدينة العمالية وعن القطاع الذي تشتغل فيه لسبب بسيط أنك أصبحت في اللائحة السوداء باسم "الشغب النقابي".. أما النضال في المكاتب فقد حقق مكتسبات عدة أهمها "حرية" العمل والانتماء النقابيين وما يستلزم هذه الحرية من حرية عدم الانخراط في الإضراب وحرية مكسري الإضرابات في الشغل بدون عرقلة أو تهديد!
إشارات بسيطة قدمناها ليس من باب التيئيس والإحباط، بل لتحفيز النقاش بعمق حول جسامة المهام، وعدم التبسيط في الدعوات، حيث يخيّل للمرء بأنه بمجرد دخول المعمل، واقتحام فضاء الاستغلال ونهب فائض القيمة، بأن العمال المستغـَلون سيتبعون دعواتك وخطاك، للمقاومة والنضال ضد الاستغلال ومن أجل بناء جنة الاشتراكية مجتمع المنتجين الخالي من الاستغلال.. فإذا كان العمال في أول التاريخ الرأسمالي هم من بادروا وأسسوا الاتحادات النقابية، بعد أن أفلحوا في تشكيل الجمعيات والمنظمات والروابط ـ "التراسل"، "الميثاقيون"، "الشيوعيون"، الأممية..ـ فقد أبدعوا كذلك وبدون سابق وصفات أو مرجعيات، وشيدوا تنظيمات موازية أخرى كالتعاونيات والنوادي والجمعيات ولجن الإضراب وصناديق التضامن، بالإضافة لحلقات التثقيف والدراسة وكذلك السوفييتات..الخ وكلما تطورت وتعددت الآليات الكفاحية تتطور وتسعر كلاب الثورة المضادة وتتعقد القوانين وتتعدد الكوابح والموانع لانطلاق النضال والزحف على الرأسمالية والرأسماليين..
بهذا نقول للرفاق بأنه إلى جانب دعوتكم الصادقة هذه، فيجب التمعن جيدا في مضاعفاتها ومستلزماتها الفكرية والسياسية والتنظيمية العملية.. فأن يستمر خطاب "قيادة المناضلين للمعارك" و"احتلال المواقع" و"انتشال الإطارات"..الخ بهذا الحماس فلن يجدي ذلك نفعا، ولن يعيد سوى تجربة "النهج الديمقراطي" الذي طالما زحف على بطنه وقدّم التنازلات في جميع الميادين، النظرية والسياسية، من أجل احتلال الكراسي والمواقع، لتجده الآن في وضعية تثير الشفقة سواء داخل المركزيات ا.م.ش وكـ.د.ش، أو داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي أو داخل منتدى الحقيقة والإنصاف..الخ
فحين تكون أهدافنا واضحة كما جاءت في عنوان المقالة: تعميق الوعي الطبقي في صفوف العمال، فلن يصعب علينا إيجاد الوسائل والآليات، فهي عديدة ومتنوعة، منها من دخل التاريخ دون أن نعتبره مقدّسا ودون أن ندّعي استنفاده لإمكانياته النضالية والكفاحية.. ومنها ما تم تهميشه لظروف ما، مرتبطة أشد الارتباط بتجارب وبظروف سياسية وفكرية وتنظيمية عرفتها الحركة العمالية العالمية، حيث يجب إحياءه وإنعاشه.. ومنها ما ينتظر البناء والتأسيس والتنويع، خدمة لهذه الأهداف. فالحزب السياسي نفسه قال عنه ماركس بأنه لا يعدو أن يكون سوى وسيلة، أما الهدف في نظره وفي نظرنا نحن كماركسيين هو التغيير الاشتراكي لمصلحة المجتمع بأكمله وليس للعمال وحدهم، وبنفس المنهجية قال إنجلز عن النقابات بأن لها تاريخ وحاضر وسيكون لها مستقبل علاقة بعمل الشيوعيين داخلها.
الخلاصة هو أنه لا يمكن أن يحرر العمال سوى العمال أنفسهم، ولا يمكن أن ندعو لثورة اجتماعية إلا إذا حصل الوعي والثقة بالمشروع الاجتماعي الذي ندعو إليه، والذي يجب أن يكون، بالضرورة، مشروعا يغير بشكل جذري في أحوال الكادحين المنتجين وغير المالكين وسائر المهمشين والمحرومين.. السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وبأن يقضي على التسلط والاستبداد والاستعباد والاستغلال والتهميش والحيف الثقافي واللغوي، والعنصرية واللامساواة..الخ إذ للطبقة العاملة ميزات خاصة بوأتها ذلك الموقع ووقع عليها الرهان من لدن الماركسيين في صيغة وخلاصات البيان الشيوعي الذي اعتبرها رسالة تاريخية وعبّر عنها لينين في إحدى كتاباته بهذه الطريقة "إذ يمكن حل المنظمات الجماهيرية من هذا الشكل أو ذاك، ويمكن اضطهاد النقابات العلنية ويمكن بوسيلة شتى المضايقات البوليسية هدم كل مبادرة سافرة من جانب العمال في ظل نظام الثورة المضادة، ولكن لا يمكن لأية قوة في العالم أن تزيل تجمع العمال الجماهيري في بلاد الرأسمالية.."
وديع السرغيني
يناير 2014



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في سياق التخليد لذكرى استشهاد سعيدة
- تضامنا مع الجماهير الطلابية بمرتيل
- في ذكرى المعطي الذي لم يساوم ولم يستسلم حتى الشهادة
- على خطى البلاشفة..في ذكرى ثورة أكتوبر العظيمة
- تضامنا مع الذين اعتدوا على -الموظفين- المساكين!
- فتاوي -ماركسية- ضد الشيوعية والإلحاد..
- في ذكرى الشهيدين الدريدي وبلهواري
- في ذكرى استشهاد الرفيق شباضة
- من أجل تمرد شعبي خارج الحسابات الانتخابية الضيقة..
- مرسي يُعزل من الكرسي.. والبقية تأتي
- أحداث وقضايا راهنة
- عودة لنقاش مهامنا داخل الشبيبة التعليمية
- على هامش الفاتح من ماي بالمدينة العمالية طنجة.
- دفاعا عن الحريات الديمقراطية.. ومن أجل إطلاق سراح المعتقلين ...
- نصرة للعمل الوحدوي داخل الصف اليساري التقدمي المكافح
- دفاعا عن حرمة الجامعة دفاعا عن حرمة الجامعة
- في سياق التحضير للفاتح من ماي
- عين العقل.. فيما صدر عن الطلبة المعتقلين من موقف
- ضد اليسراوية الرفضوية، وضد الانتهازية اليمينية وضد الرجعية ا ...
- عن قصة طرزان الذي رفض التحالف مع الإخوان


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - من أجل تعميق الوعي في صفوف الماركسيين.. بمهامهم