أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان















المزيد.....

استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان


خالد شوكات

الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 10:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أخطر ما يمكن أن يصيب العقل الجماعي لأمة من الأمم، عدم وعي طبيعة اللحظة التاريخية الراهنة، وعدم القدرة على توصيف الواقع بشكل صحيح، والخطأ في ترتيب الأولويات المستحقة، وتوهم تحديات غير مطروحة وتهميش رهانات حاضرة واجبة المواجهة، وإهدار طاقات هائلة في مواطن غير ذات جدوى، والشح بإمكانيات لا مناص من رص صفوفها في الاتجاه القويم وتوجيهها باقتدار نحو المواجهة المستحقة.
والعرب اليوم، مقبلون على ارتكاب خطأ جديد وسوء تقدير فادح، مما سيفوت عليهم مجددا فرصة السير في الطريق الصحيح والالتحاق بركب الأمم التي أفلحت في الانعتاق من ربقة التخلف، فليس ثمة أفدح ولا أكثر ضررا من أن تتوهم أمة أنها في مواجهة تحد خارجي شامل، في حين أن التحدي الرئيسي داخلي بالدرجة الأولى، ومن أن تتصور أن معركتها الراهنة مع الاستعمار، في حين أن الاستبداد هو أساس البلية والأصل في أي تدخل خارجي.
إن التعميم بدل التخصيص واحد من أهم أمراض العرب المستعصية، ومن ذلك أن ارتهان فلسطين لاستعمار استيطاني بغيض، وغزو الأمريكيين للعراق، يشكلان استثناء من القاعدة، لا قاعدة تؤشر لتوسعها، فقد تحررت غالبية الأرض العربية من الاستعمار المباشر خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، فيما بقي الانسان مستعبدا لم يتحرر بعد من ربقة الفقر والجهل والديكتاتورية، وتحرير الانسان العربي أولوية الأولويات لكي تكتسب الأرض المحررة معنى وقيمة، وحتى لا تعود هذه الأرض فتستلب بطرق مستجدة ومستحدثة.
وكما خلص عدد كبير من الباحثين الذين اشتغلوا طيلة عقود على موضوع التنمية الإنسانية في العالم العربي، فإن تحرير الإنسان لا يمكن أن يحدث إلا بتبني الأنظمة السياسية العربية النموذج الديمقراطي في الحكم، فقد ثبت بأكثر من دليل وفي أكثر من بلد ومناسبة، أن الديكتاتورية قد قادت البلدان العربية إلى فشل ذريع على الصعيد التنموي، بما يهدد بعمق ما يعرف بالأمن القومي العربي، وبما يجعل الأرض التي دفع الأجداد والآباء أموالهم وأنفسهم وكل عزيز لديهم ثمنا لتحريرها، في فوهة مدفع، يتهددها الأسر الخارجي والافتتان الداخلي.
إن العودة إلى القضيتين المحوريتين اللتين تشغلان بال غالبية العرب في الوقت الحالي، تتيح الفرصة للتأكد من مصداقية الخلاصة التي جرى التوصل إليها فيما يتعلق بحقيقة الأزمة العربية المزمنة، وهي أن غياب الديمقراطية في الدول التي واجهت اسرائيل كانت وراء الهزيمة الفادحة أمام الدولة العبرية، تماما كما أن غياب الديمقراطية عن النظام السياسي الذي حكم العراق طيلة عقود قبل سقوط بغداد في يد الأمريكان قبل ما يزيد عن السنتين، قد جر البلاد في نهاية المطاف إلى الوقوع في الأسر الخارجي.
والديمقراطية مثلما جرت التوطئة لها، ليست كلمة سحرية يراد حشرها عنوة في كل سياق وفرصة، على نحو تغني عن البحث عن أسباب وعوامل أخرى للتخلف والأزمة، إنما هو السلطان الذي يزع به الله ما لا يزعه بالقرءان، وإنما هما الفئتان اللتان إذا صلحتا صلحت الأمة معهما، الحكام والنخب السياسية والثقافية الرافدة لهم والمشيرة عليهم والمعارضة لتوجهاتهم ان اقتضى الأمر، فالفساد كما تصحيح الأوضاع العامة، يستهلان من فوق وينتشران إلى سائر أعضاء البدن.
والديمقراطية هي الحكم الصالح الرشيد، القائم على توازن القوى السياسية والفكرية وتدافعهما، بحيث لا يحتكر الحقيقة أحد فيحال بين الحاكم والتحول إلى إله أو نبي لا ينطق عن الهوى، وعلى نحو يكون فيه الساسة بشرا يقوم بعضهم بعضا ويتداولون على مواقع المسؤولية سواء أكانت في السلطة أو المعارضة، ويشعر فيه المواطنون بالمسؤولية إزاء بلدانهم بعد أن شعروا بحريتهم وحقوقهم المصانة وكرامتهم المحفوظة وقدرتهم على محاسبة مسؤوليهم من خلال صندوق الاقتراع ووسائل الإعلام الحرة المفتوحة والقضاء العادل المستقل.
إن فقدان المواطنين في جل البلاد العربية للثقة في الأنظمة التي تحكمهم، قد قاد إلى فقدانهم الثقة في أوطانهم ومستقبلهم، وهو ما يسهل سبل استشراء مزيد من الفساد، ويزيد من إضعاف القيم الوطنية، و يجعل العلاقة بين الإنسان والأرض التي يعيش عليها مجرد علاقة جغرافية قابلة للتغيير، لا علاقة حب ومسؤولية وأمل في غد أفضل ومكانة أرقى.
ولا يمكن بأي حال مواجهة أزمة الثقة هذه، بدون إرجاع الثقة إلى المواطنين في الأنظمة السياسية التي تدير حياتهم العامة، من خلال إرجاع المسؤولية الكبرى في إفراز هذه الأنظمة لهؤلاء المواطنين، عبر عمليات انتخابية شفافة ونزيهة، وعبر عملية سياسية حرة وتعددية ومؤسساتية وقانونية، وهو ما سينعكس إيجابا على مختلف نواحي الحياة الأخرى، وفي مقدمتها الاقتصاد الذي ستدور عجلته من جديد، والتعليم الذي سيستعيد مصداقيته، والسياسة الخارجية التي ستجسد الكرامة القومية والوطنية، والإعلام الذي سيكون مرآءة لثراء الأوطان بالأفكار والإبداعات والطموحات الكبيرة.
إن الحرص على نصرة الشعب الفلسطيني ومواجهة التدخل الخارجي في العراق، لا يمكن أن يتم على الوجه الصحيح المجدي، إذا قامت النخب السياسية والفكرية العربية المنشغلة بالهموم العامة، بمساعدة الأنظمة العربية الحاكمة على إلهاء الأنظار وتوجيهها جميعا إلى هذين النقطتين الساخنتين في العالم العربي، وإبعادها مجددا بحجة الأخطار الخارجية على العناية بما يهم حاضرها المتعفن ومستقبلها الغامض، وحقيقة هذا الأمر لعبة قديمة مارستها هذه الأنظمة منذ الاستقلال عن الاستعمار قبل نصف قرن، عندما وعدت بتأمين الخبز أولا، قبل أن تحين ساعة التمتع بالحرية، فاكتشف أنه لا خبز قدمت ولا نية لها في تمتيع مواطنيها بالحرية.
ولعل من أهم ما يساعد الأنظمة العربية الشمولية على تحقيق هدفها في مزيد من إلهاء النخب والشعوب بفلسطين والعراق، والفرار بالتالي من التعاطي الجدي مع أي استحقاقات داخلية، استمرار ولع التيارات الفكرية والسياسية الرئيسية العاملة في الساحة العربية، بنظرية المؤامرة الخارجية، وارتهانها لقوالب ايديولوجية جامدة تتوخى دائما إخضاع تفاصيل الواقع المتغير لمقاييس ثابتة ومقدسة وغير قابلة للنقاش، بدل العمل على تجديد هذه المقاييس بما يتناسب مع مستجدات الواقع ومستحداثته.
إن ما سيفيد القضيتين الفلسطينية والعراقية حقا وعملا، هو التحرك الجماعي على الصعيد القطري، من أجل التغيير الشعبي السلمي لهذه الأنظمة الشمولية الفاسدة، والاستعاضة عنها بأنظمة ديمقراطية حقيقية تستكمل مسيرة الاستقلال التي بدأت منذ عدة عقود بتحرير الأرض، وعليها أن ترفد بتحرير الانسان الذي يعيش فوقها، فتحقيق معادلة التنمية والتقدم رهينة وجود إنسان حر يعيش فوق أرضه الحرة، وخلاف ذلك وجود إنسان مرعوب مرتعد مظلوم لا يمكنه الفعل في أرضه حتى وإن كانت إسما حرة، ولعله مؤهل لفقدانها في أي لحظة و مواجهة.
لقد أبرقت حركة "كفاية" المصرية أملا في سماء العرب، عندما وصلت عمليا إلى هذه المعادلة التي تجعل النضال من أجل فلسطين يبدأ بالنضال أولا من أجل نظام ديمقراطي محلي يصون حقوق المواطنين وحرياتهم، والتي ترى أن أفضل السبل إلى مواجهة التدخل الخارجي هو التحرك الداخلي من أجل وضع حد لأنظمة ديكتاتورية قوية في مواجهة مواطنيها وأضعف ما يكون في مواجهة الخارج الذي لا يدخر جهدا في ابتزازها واستغلالها.
إن صرخة "كفاية" المصرية، صرخة محقة وعاقلة ومتوازنة، يجب أن تتعمم لتكون في أقرب وقت ممكن صرخة عربية شاملة في وجه الديكتاتورية والتسلط والفساد في كل قطر عربي، ومن أجل عالم عربي ديمقراطي قادر على استغلال ثرواته البشرية والطبيعية الهائلة على نحو فاعل وعادل وشامل، لن يسعد مواطنيه فحسب، بل ستكون لديه المقدرة على إفادة البشرية جمعاء، وهي أشد ما يكون إلى أقطاب حضارية متعددة ومتوازنة ومتسامحة.
ولعل مصر التي هي قلب العالم العربي، مثلما صدرت إلى العرب حركة النهضة والحركات الوطنية المطالبة بالتحرر والاستقلال والدعوات الليبرالية والإخوانية والقومية واليسارية، وقادتهم في مسيرات الحروب والسلام والتنمية، قادرة على أن تصدر لهم معركة الديمقراطية والكرامة والحرية، وأن تقودهم في مسيرات استكمال الاستقلال وتحرير الإنسان العربي من براثن الشمولية والفساد والقهر والتعذيب والديكتاتورية.
* مقدمة كتاب جديد يصدر قريبا للكاتب بنفس العنوان.
** مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي - لاهاي



#خالد_شوكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادة يابانية في الديمقراطية العربية
- إعـــــلان تأسيس قناة -العفــو- الفضائية
- الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها
- لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-
- أليست الدولة العلمانية ضرورة دينية؟
- الدولة العلمانية


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان