أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عز الدين بونيت - الإيمان والردة والمواطنة














المزيد.....

الإيمان والردة والمواطنة


عز الدين بونيت

الحوار المتمدن-العدد: 4334 - 2014 / 1 / 14 - 22:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يشدد المسلم الخائف على دينه من متغيرات العصر، على أن القرآن، كتابَ الله، كل لا يتجزأ، وأن ما فيه من أحكام صالحة على التفصيل والإجمال في كل العصور. لكن هذا المسلم نفسه سرعان ما ينسى أن سورة "الكافرين" أسست لواحد من هذه المبادئ: "لكم دينكم ولي دين"، وأن مبدأ "لا إكراه في الدين" مبدأ مؤسس لمفهوم الإيمان في الإسلام.

يرفض المسلم اليوم إعمال هذين المبدأين، ويصر مع ذلك على ضرورة الحكم بما أنزل الله دون قيد ولا شرط. يتذكر فقط أن تعدد الزوجات مشروع، وأن احكام الإرث ثابتة لا محيد عنها. بل وينساق وراء من يقول له بأن مناقشة كيفية تطبيق هذه المقتضيات الشرعية، كافر مرتد يجب قتله.

يقول بعض المفسرين إن ما ينبغي أن يفهم من سورة الكافرين ليس هو إقرار القرآن بأحقية دين الكافرين، بل هو إنكاره واستنكاره. وهذا قول نافل، لأن كل مؤمن يجرب أن إيمانه لا يستقيم ولا يكتمل إلا بتكذيب وإنكار ما لا يدخل في نطاق ذلك الإيمان. وهذا جوهر كل دين.

ما يهمنا هنا هو أن تلك السورة تقرر أن الإيمان الشامل لكل الناس مستحيل (" ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد"). هذا مقرر في علم الله إلى يوم القيامة. سيقول معترض: "لكنك لم تراع أسباب النزول" وسأرد عليه: "إذا أعملتَ هذا الاحتراز فعليك أن تُعمِلَه في كل آيات القرآن" وبذلك تبطل حجتك في إطلاقية الأحكام القرآنية.. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، في هذه أيضا.

السعي إلى تعميم مضمون واحد للإيمان على كل البشر، ضرب من الخبط الذي ينافي سنة الله في الكون. تبين هذه الحقيقة خطل وخبط كل الفقه الذي قام في العصر الحديث على الدعوة إلى إحياء فريضة الجهاد، (منذ كتاب :"الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج، أحد منظري الجماعات الجهادية المعاصرة) بمعنى إرغام الناس على الإيمان أو إكراههم على الخضوع للأحكام المترتبة عليه، والمطالبة المستمرة بإعمال ما سمي بحد الردة، وهو من الأحكام التي أحدثت في الفقه الإسلامي، وتمسك بها الفقهاء لفائدة الحكام دون أن يثبت بها نص قاطع في القرآن ولا في السنة. حتى إن الحديث المنسوب إلى الرسول بأنه قال: " من بدل دينه فاقتلوه" لا يستقيم بأي حال ان نفهم منه الإسلام وحده، بل هو منصرف إلى عموم الدين، أي دين. وبذلك يكون كل من غير دينه – مهما كان هذا الدين – معرضا للقتل من طرف المسلمين (الذين هم ملتزمون بتنفيذ كل ما ينسبونه إلى رسولهم، تنفيذا حرفيا). وهذا من الحمق الذي ننزه عنه رسول الإسلام.

لو صح مضمون هذا الحديث لضرب في الصميم مبدأ "لا إكراه في الدين" (البقرة: 256) الذي يعترف لكل دين بقيامه في نفس من يؤمن به، وليس في علاقته بالغلبة أو الخضوع لقانون أو حاكم. ثم هل يخفى على الله أن إكراه أحد مخلوقاته على إعلان إيمانه به لن ينتج عنه سوى النفاق والتقية. فهل يرضى الله بعبادة غير خالصة كهذه؟ وكيف سيقيم الحجة على عبده يوم الحساب، لو أنه أمر غيره بالقصاص من هذا العبد في الدنيا، أو إكراهه على إظهار ما لا يبطن؟ أليست هذه حكمة الله في أن خص نفسه بمعاقبة من يكفر به، ولم يفوض ذلك لأحد من خلقه؟

حد الردة حكم مبتدع ذهب إليه الفقه الإسلامي في ظروف خاصة، وتم تعميمه، عن طريق لَيِّ أعناق النصوص وتأويلها تأويلا متعسفا، والاعتماد على أخبار وأحاديث لا يستقيم فهمها إلا بشكل مغرض. وقد حاول كثير من أهل العلم المتنورين، في العقدين الأخيرين، أن يسلطوا الضوء على حقيقة حد الردة ويبرزوا عدم استناده إلى أي سند شرعي مطمأن إليه.

لكن كتابات هؤلاء المجددين الذين حاولوا إقامة توازن بين حرية المعتقد في الإسلام وبين حكم الردة، مرجئين حكم المرتد إلى الله، لم يكشفوا عن الرابط الحقيقي بين الردة والقتل، سواء فيما نسب إلى الرسول قيد حياته أو فيما نسب إلى من بعده من الخلفاء والحكام، ألا وهو خلع البيعة: ما كان يزعج الحكام في الماضي هو ما يترتب عن الردة من خلع لبيعة الحاكم من عنق المرتد أو دخوله في جوار عدو كافر يستقوي به على دولة المسلمين.. ولذلك كان أقصى ما يطلب من المرتد هو إعلان إسلامه، كي يدرأ عنه العقوبة. والإسلام غير الإيمان، إنه إعلان الخضوع لدولة المسلمين وشوكتهم لا أقل ولا أكثر.. كانت البيعة أساس شرعية الحاكم والدولة. وهي عقد لا يستقيم مضمونه دون الاستناد إلى واقع إسلام طرفي هذا العقد (الحاكم والمحكوم). من هنا أهمية حد الردة. إنه عقوبة سياسية في جوهرها، إذ ما الذي يخيف المؤمن الحقيقي من الكافر أو المرتد، حتى يسعى إلى قتله؟ هل يخاف منه على إيمانه؟ أم يخاف على مصير هذا الكافر أمام الله؟ لا هذا ولا ذاك.. من يخاف حقا هو صاحب السلطة (أيا كانت هذه السلطة، سياسية أو اجتماعية أو ثقافية رمزية).

السؤال اليوم هو: هل نحن في حاجة إلى الخوف من انفراط البيعة، في زمن سيادة الشعب التي تمثلها الدولة، وإرادته التي يعبر عنها الدستور، وما يترتب عنه من قوانين، من بينها قانون الجنسية الذي يحدد واجبات وشروط المواطنة؟ هل يستقيم مفهوم الملة التقليدي (غير الاعتقادي) مع مفهوم المواطنة في الدولة الحديثة..

أيها المواطنون المؤمنون: لن تكونوا على الإطلاق أكثر سعادة وأنتم تحولون وطنكم إلى مجزرة يسكنها المنافقون الخائفون من بطش أحكامكم الباطلة بالردة.. لن تكونوا أكثر طمأنينة على إيمانكم لو انتدبتم أنفسكم لإصدار أحكام في قضية خص الله بها نفسه لأنه الأعلم بما في النفوس. لن تكونوا أكثر إيمانا وأنتم تشرعون بطش حكامكم وأقويائكم وجهالكم، بل ستصيرون فقط أكثر جهلا وجاهلية....



#عز_الدين_بونيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيمان والردة والمواطنة


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عز الدين بونيت - الإيمان والردة والمواطنة