أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن إدريسي - الفكر اللغوي عند دي سوسير















المزيد.....


الفكر اللغوي عند دي سوسير


حسن إدريسي
كاتب وباحث من المغرب

(Hassan Idrissi)


الحوار المتمدن-العدد: 4330 - 2014 / 1 / 9 - 18:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الفكر اللغوي عند دي سوسير
اللغة ضرورة اجتماعية، وهي أساس قيام العلاقات الاجتماعية ( التواصل ).فبها نعبر عن حوائجنا وأحاسيسنا ورغباتنا ومواقفنا.وهي شرط تماسك الجماعة مادام الإنسان اجتماعي بطبعه، لأن " ما يحصله الإنسان من مظاهر حضارية. من علوم ومعارف وطرق ورسائل مادية فإنه يشعر في قرارة نفسه بأنه يعتمد اعتمادا كليا على ما لديه من قدرة لغوية لتحقيق مآربه". (1) فهي أداة للتخاطب، إذ بها يتم التفاهم وتبادل الآراء والأفكار، بل وحتى المشاعر، وبها نلج إلى قلب الإنسان وذوقه، ومنه نستطيع التأثير فيه، ونحقق سبل التكافل معه. ومنه بناء أواصر المحبة والعيش في سلام، وهكذا " تصبح أساسا لتوفير الحماية والرعاية للإنسان بين أفراد مجموعته، وعاملا مهما به تتحقق منافعه، ورغباته وتتسهل سبل تنشئته، وتتيسر أمور عيشه في إطار هذه المجموعة." (2) وربما هذا ما أشار إليه هدجر بقوله: "إن اللغة هي منزل الكائن البشري " (3) كل هذا الاختلاط والامتزاج والعلاقات القوية تزود الإنسان بالخبرات، وتنمي لديه القدرات والمهارات اللازمة لتـــطوير حياته. فبفضل اللغة إذن "تتصرف شؤون الفرد ويتأكد وجوده وانتمائه إلى الجماعة البشرية، وبفضلها أيضا تنمو علاقات أعضاء الأمة وتتطور حياتهم وترقى حضاراتهم، وتيسر دفة الأمــور في المجتمع الإنساني عامة حيث يكون الفرد نواة في مجتمعه، ومجتمعه حــلقة في كيان المجتمع البشري." (4) ومادامت اللغة بمثابة المصـباح الذي ينير حياة الإنسان بمختلف جوانبها، فلا غرو ولا جرم فيما أولاها سوسير من العناية والتحليل في نظريته البنيوية التي اعتبرت نقطة تحول من اللسانيات التاريخية التي كانت تهدف إلى معرفة تاريخ اللغات، والكشف عن العلاقات الموجودة بينها، وإعادة بناء اللغات الأولى المنقرضة، إلى ما أصبح يعرف اليوم باللسانيات الآنية synchronic linguistics.(5) فاستحق بفضل عمله هذا أن يسمى زعيم الاتجاه البنيـوي في اللسانيات وأب اللسانيات الحديثة.هذا الاتجاه الذي كان هدفه دراسة اللغة في نقطة معينة من الزمن.
والبنيوية structuralisme نسبة إلى كلمة بنية structure ذات الأصل اللاتيني struere وتعني بناء. وارتبط اسم المدرسة البنيوية باللساني السويسري سوسير الذي حاول التفريق بين الدراسات التعاقبية، والدراسات التزامنية، فشبه اللغة برقعة لعبة السترنج. فوضع الرقعة أثناء اللعب يتغير باطراد تبعا لنقل كل بيدق من طرف أحد اللاعبين ، وفي كل لحظة من لحظات اللعب يمكننا أن نقدم للرقعة وصفا مخالفا للحظات السابقة، وذلك بتحديد مواقع مختلف القطع ( الملك، الوزير، القلعة، الفيل، البيادق).
واللغة شأنها شأن الرقعة إذ بإمكاننا أن نقدم لها وصفا في كل مرحلة من مراحلها. وإذا كانت لاتهمنا الكيفية التي صارت عليها البيادق، داخل الرقعة، والخطة التي اعتمدها اللاعبون في ذلك أوعدد النقلات التي سبق القيام بها. بقدر ما يهمنا الوضع الراهن للمباراة مع نسيان اللحـظات السابقة. فنفس الأمر يسري على اللغة لأنها تتطور مطردة من مرحلة زمنية إلى أخرى. وبإمكاننا أن نقدم لها هي الأخرى وصفا في كل مرحلة من مراحلها من دون الرجوع إلى ما كانت عليه سلفا، وبغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه. (6) فمتكلمي اللغة في استخدامهم لكلمات أو جمل لغـــة مـن اللغات، لا يفكرون في كيف كانت تستخدم تلك الكلمات أو تلك الجمل، مما يبرهن على كون الاستخدامات السابقة التي تنتمي إلى مرحلة تاريخية منفصلة عن المرحلة الراهنة ( محل الدراسة ) ليس لها أي تأثير في الوضع الحالي للغة. والتأثير الذي يهمنا في هذه النقطة هو الناتج عن علاقة العنصر اللغوي الذي يستخدمه المتكلم ، أو الذي يصفه اللغوي بالعناصر اللغوية الأخرى ذات الصلة بالعنصر المستخدم أو الموصوف، ومن أمثلة ذلك نظام الألوان في اللغتين العربية واليابانية، فالأزرق يتحدد في علاقته بغيره من الأوان في اللغة الموصوفة؛ ومنه فالأزرق في اللغة العربية هو ما ليس بأخضر ولا أحمر ولا أبيض ولا أصفر ...إلخ. أما في اليابانية فالأزرق هو ما يعبر عنه ب " أوي aoi "، وهو ما يعني في العربية الأزرق و الأخضر معا مما ما يمنعنا من أن نقول بأن الأزرق في العربية يقابل " أوي aoi " في اليابانية. فتحديد أي لون من الألوان إذن لا يتم إلا في علاقته بباقي الألوان الأخرى و هذا معناه أننا نتعامل مع بنية متميزة ومحددة ليس للتــاريخ فيـها أي دور، بل ولا لأي عامل من العوامل الخارجية كيفما كانت أي صلة ولا دور في تحديد معنى اللون الأزرق في العربية أو اليابانية، ويبقى المحدد هو اللون في علاقته بالألوان الأخرى. ( وهذا ما نلاحظه كذلك في التقديرات، فميزة حسن مثلا ، لا يمكن إدراك معناها إلا في علاقتها بباقي الميزات الأخرى من قبيل جيد، وممتاز، ومتوسط، ومقبول،... ومنه فميزة حسن هي : ما ليست بجيد ولا متوسط ولا مقبول ولا ممتاز... إلخ ) . وكل لغة تتصور العالم الخارجي وفق منظور الجماعة التي وجدت فيها. وهو ما ينسجم مع الفكرة التي عبر عنها سوسير ب" اعتباطية العلامة اللغوية" ( الدال والمدلول) . ومنه فالترجمة لا تتعلق بإعادة تسمية الأشياء، وإنما بتفكيك عناصرها اللغوية، وإعادة تركيبها من جديد. وتحديد بنية أي عنصر لغوي لا تنحصر في العلاقة الاستبدالية القائمة بينه وبين مختلف العناصـر الأخرى، لأنها غير كافية لتحديد المعنى المعجمي أو القواعدي لهذا العنصر، وهو ما يستوجب استدعاء العلاقتين الاستبدالية، والائتلافية، كعلاقتين متكاملتين، لأنهما المسؤولتين عن تشكيل وتـأليف البنية. (7)
إن اللغة حسب البنيوية بنية داخلية مغلقة يحكمها نظام نظري مجرد، في انفصال تام عن العالم الخارجي وعن التاريخ.
هذا النظام المجرد يمكن أن ينتقل إلى الواقع الفعلي عن طريق الكلام أو الاستعمال، فعندما نقول مثلا : " أنتما رجلان كريمان" لم يعد تحديد معنى كلمة "أنتما" مقصورا على علاقتها بغيرها من الضمـائر، بل ينبغي أيضا معرفة ما يشير إليه الضمير في العالم الخارجي؛ أي معرفة الشخصين اللذين يقصدهما المتكلم. (8)
- اللغة عند سوسير :
يجدر بنا أن نشير هنا إلى الجدال الكبير المتمحور حول مفهوم اللغة بين الباحثين في جل العصور من حيث اللغة والاصطلاح قبل الثبات على تعريف شامل ودقيق مع دي سوسير.
اللغة لغة :
قال الخليل بن أحمد في حد اللغة: " لغو : اللغة واللغات (اللغون ) اختلاف الكلام في معنى واحد ولغا يلغو (لغوا ) .يعني اختلاط الكلام في الباطل . وقول الله عز وجل " وإذا مروا باللغو مرورا كراما " ... وقوله : " والغو فيه" يعني رفع الصوت بالكلام ليغلطوا المسلمين (...) وفي الحديث " من قال في الجمعة صه .فقد لغا، أي تكلم ." (9)
وفي في ذلك قال الرازي : " (لغا) قال باطلا، وبابه عدى وصدى وألغى الشيء أبطله، وألغاه من العدد ألغاه منه " (10) وقال أيضا: "واللغة أصلها لغى لغو وجمعها (لغى) (...) ولغات أيضا".(11ّ) ومنه فمعظم المعاجم العربية القديمة تشير إلى أن اللغة لغة تعني الكلام الغير المفيد والفارغ الذي لا ترجى من ورائه فائدة .
اصطلاحا:
اختلف جل الباحثين القدامى منهم والمحدثون في حد اللغة ومفهومها. (12) فهذا ابن خلدون يعرفها من الناحية الاصطلاحية بقوله:"اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد في إفادة الكلام (...) وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم." (13) وفي حدها قال ابن الحاجب:"حد اللغة كل لفظ وضع لمعنى." وعرفها الإسنوي في شرح منهاج الأصول بأنها:"عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني." وعرفها صاحب سر الفصاحة بقوله:"اللغة هي ما تواضع عليه القوم من الكلام." (14)
لكـن لا يهمنا هنا رصد هذه الاختـــلافات، أو الأسس التي قامت عليها اللغة، بقدر ما يهمنا الوقوف على تعريف يوافق بين مختلف الآراء التي قيلت في هذا الباب. ومن ذلك أنها: " قدرة عقلية مكتسبة يمثلها نسق يتكون من رموز اعتباطية منطوقة (وقد تكون غير منطوقة ) يتواصل بها أفراد مجتمع ما" (15). هذا التعريف ينطوي على مجموعة حقائق من شأنها أن تبين طبيعة اللغة، وحقيقتها، وكيانها الداخلي بكل دقة. ذلك أن اللغة :
-;---;-- عبارة عن قدرة ذهنية تتكون من معارف لغوية عديدة بمن في ذلك المعاني والمفردات والأصوات، والقواعد المنظمة لها تتولد، و أنها تنمو في ذهن الفرد (ناطق اللغة ).مما يساعده على إنتاج عبارات لغته كلاما، أو كتابة، كما تمكنه من فهم مضامين ما ينتجه أفراد مجموعته اللغوية من هذه العبارات، وبالتالي ربط الصلة بين فكره وأفكار الآخرين. وتتداخل في تكوين هذه القدرة عدة عوامل منها ماهو فزيولوجي (تركيبة الأذن، والجهاز العصبي، والمخ، والجهاز الصوتي عند الإنسان)، وما هو غير فزيولوجي (16).
-;---;-- القدرة السابقة الذكر لا تولد مع الإنسان؛ وإنما يولد الإنسان ومعه استعداد فطري لاكتسابها "ويدفعه لهذا الاكتساب في العادة تصوره بالانتماء إلى مجموعته البشرية نفسيا واجتماعيا وحضاريا، ورغبته في التعايش وتبادل المنافع والمصالح بينه وبين أفراد هذه المجموعة." (17)
-;---;-- إن هذه القدرة هي بمثابة نسق متعارف ومتفق عليه بين أفراد الجماعة. ويتشكل هذا النسق من مجموعة أنساق متفرعة يرتبط بعضها ببعض:
أ- النسق الصوتي: إذ لا يقبل من الكلمات أو أجزائها إلا ما تعارفت عليه الجماعة اللغوية.
ب- النسق الدلالي: ويعمل على ترتيب الوحدات اللغوية من الناحية المعنوية، وذلك وفق سمات دلالية مقبولة لغويا.
ج- النسق الإعرابي (النحوي) ودوره يتلخص في ترتيب الكلمات داخل الجملة في أشكالها المقررة في اللغة.
د- النسق الصرفي: ويعنى ببنيات الكلمات وأنواعها وتعارفيها واشتقاقاتها.
ه- النسق المعجمي: وفيه إشارة إلى مجموعة المفردات اللغوية المتاحة للتعبير عن المعاني المختلفة في إطار اللغة.(18)
إن اللغة ليست غاية وإنما وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع ولربط العلاقات بينهم، ولقضاء أمور حياتهم أو كما قال ابن جني: "يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" (19) لهذا كانت اللغة من الضروريات الحياتية التي تستقيم بها حياة الإنسان وسلوكاته.
- اللغة من منظور سوسير :
حاول سوسير جاهدا أن يفرق بين اللغة واللسان والكلام، وقد تأتى له ذلك على هذا النحو :
- اللغة: إن اللغة حسب سوسير هي: " مجموعة من الاتفاقات الضرورية التي وضعها الهيكل الاجتماعي ليسمح باختيار أو استخدام ملكة الكلام لدى الأفراد ". (20) فهو في قوله هذا يؤكد على أن اللغة ملكة التخاطب التي يملكها البشر طبقا لقوانين الوراثة، أي أنها ظاهرة إنسانية عامة. وهي نظام نحوي له وجود كامن في كل عقل، وبتحديد أدق في عقل الجماعة، لأن اللغة ليست كاملة عند أي متكلم. فهي توجد وجودا كاملا في عقل الجماعة فقط. وهي حصيلة يحاكيها الفرد، فهي: مجموعة في شكل مجموعة من الانطباعات المودعة في عقل كل فرد من الجماعة. (21) وإضافة إلى هذا كله هي: " تنظيم من الإشارات المفارقة ". (22) بل إنها: مجموعة من الرموز والقواعد التي تعتمدها جماعة ما في التواصل، وهي قواعد ملزمة للأفراد.كما أنها عبارة عن نظام تترابط أجزاءه في شكل نسق كلي؛ وكل جزء من أجزاء اللغة يتحدد تبعا لموقعه داخل النظام، ومع ذلك كله تبقى: " ظاهرة اجتماعية تخدم غرض التفاهم المتبادل، كما أنها نظام من العلاقات يرتبط بعضها ببعض على نحو تكون فيه قيم كل علامة مشروطة على جهة التبادل بقيم العلامـات الأخرى، فاللغة مؤسسة على التعارضات oppositions " (23).تبقى كنسق مكون من عناصر متفاعلة فيما بينها عبر علاقات مضبوطة، وكلما اختلت تلك العــــلاقات أو تغيرت، إلا واختل نظام النسق، وأدى ذلك إلى إفساد اللغة.نقول مثلا : "يكتب حسن بحثه بالليل" فهي جملة متماسكة العناصر، صحيحة التركيب، ولكن إذا غيرنا نظامها على هذا الشكل: "بحثه حسن بالليل يكتب" فسد التركيب واختل المعنى، وهذا ناتج عن تغير العلاقات بين العناصر من داخل النسق.
- اللسان langage :هو ملكة يقتدر بها على التعبير باستخدام الـــرموز اللغوية .فهو " نظام اجتماعي عند جماعة لغوية محددة، وهو ما يدور على لسان أصحاب كل لغة، ويستخدم في التفاهم بينهم" (24). فقد فضل سوسير كل ماهو جماعي على كل ماهو فردي، وما هو جوهري على كل ما هو ثانوي عرضي." إن اللسان ليس هو وسيلة الذات المتكلمة، بل هو النتاج الذي يختزنه الفرد بمطاوعة. بينما يبدو الكلام على النقيض مــن ذلك، فهو فعل فردي ينم عن الإرادة والذكاء" (25) فاللسان من هذا المنظور يتميز بمجموعة من الخصائص هي:
-;---;-- إنه موضوع محدد من بين المجموع المتنافر الذي تمثله اللغة، ويمكن تحديد موقعه من داخل دورة الكلام في الحيز الذي تُربط فيه الصورة السمعية بالتصور.
-;---;-- هو القسم الجماعي من اللغة، والمنفلت من إرادة الفرد، إذ لا يمكن للفرد أن يخلقه بمفرده.
-;---;-- يمكننا أن ندرسه بشكل مستقل.
-;---;-- اللغة متنافرة، أما اللسان فهو " شيء" منسجم، وهو نسق من الدلائل، والجوهر فيه يكمن في وحدة المعنى والصورة السمعية، وعنصرا دليله يملكان طبيعة نفسية. (26) ويمكننا التمثيل لنمط وجود اللسان على هذا الشكل :
" 1+1+1+1...= I ( نموذج جماعي ). " (27)
- الكلام parole :
الكلام حسب سوسير فعل فردي صادر عن الإرادة والفطنة (28). فالفعل الكلامي يشترط وجود شخصين على الأقل، ويعتبر الكلام هو نقطة انطلاق مدار الكلام، ففيه تُربط الوقائع الذهنية بالصور السمعية المستخدمة للتعبير عن تلك التصورات الذهنية، وهذه العملية تبقى عملية ذهنية تليها عملية فزيولوجية، فيها يحفز الدماغ أعضاء النطق فتنتشر الموجات الصوتية من فم المتكلم إلى أذن السامع، وهي عملية فزيائية خالصة، وهو ما يوضحه الشكل الأتي :

يوضح هذا الشكل الدورة الكلامية وهي تنقسم إلى ثلاث أقسام (29) :
أ- القسم الفزيائي: ويتعلق بالموجات الصوتية.
ب- القسم الفيزيولوجي: ويشمل التصويت والسمع معا.
ج- القسم النفسي: الصور الكلامية، والتصورات ( التصورات الكلامية لا يقصد بها التصورات بل التمثلات الذهنية).
فالكلام يتجسد في كل العبارات التي ينطق بها الأفراد. هنا تتضح نقطة الفصل بين اللغة والكـلام فـ " الكلام عمل واللغة حدود هذا العمل. والكلام سلوك واللغة معايير هذا السلوك (...)، الكلام نشاط واللغة قواعد هذا النشاط (...)، الكلام حركة واللغة نظام " (30).
إن الكلام إذن هو مجموع ما يقوله الناس. ويحتوي على :
أ- تأليفات فردية خاضعة لإرادة المتكلمين.
ب- أفعال تصويتية إرادية، وضرورية لإنجاز هذه التأليفات، ومنه فلا شيء جماعي في الكلام.فهو فردي بامتياز، وآني في نفس الوقت، وهو ما نوضحه في الشكل التالي: 1+1 +1 +1 (31).
كان من الضروري التمييز بين هذه المفاهيم، لأن اللغة غير منسجمة ولا يمكن التعرف عليها في شموليتها إلا إذا تم التمييز بين اللسان والكلام .(32)
اللسان الكلام
1- بناء رموزي .
2- اللسان مجرد تلقي: حيازته تستحث الملكات المتلقية، وخاصة الذاكرة.
3- ظاهرة اجتماعية. 1- استعمال هذا البناء ووضعه موضع التنفيذ من قبل المتكلمين.
2- كل نشاط مرتبط باللغة ينتمي إلى الكلام.
- ترتيب الإشارات في جمل .
- مزج معانيها لتأليف المعنى العام للجملة.
3- ظاهرة فردية.

وقد فصل بول فابر ، وكريتيان بابليون هذا التقسيم التنائي على هذا الشكل (33) :
أ‌- يعتقد أن الكلام يمتلك ترتيبا منفصلا عن اللسان.والحال أن الكلام ليس سوى تجسيد لترتيب اللسان ( مارتنيه).
ب‌- يؤكد على أن المجتمع ينشئ البناء الرمزي اللساني للأفراد، ذلك أن أوليات الجمل تكون إما متشابهة بالنسبة لجميع أفراد الجماعة اللسانية وإما غريبة عن اللسان. والحال أن هناك تغيير كبير بين الفهم الذي يعطيه عدة أفراد لجملة مركبة.
ت‌- كون سوسير يعتبر الكلام نشاط شخصي، يدفعه إلى أن ينكر أن للنشاط اللساني معايير اجتماعية، إضافة إلى أن ظروف استعمال اللغة وأثرها على المتكلمين لا يمكن أن يخضع للعادات فحسب بل للتقاليد أيضا.
ث‌- أنه يضع انتماء الدلالة إلى علم اللسانيات موضع الشك، ويناهض اللسانيات الآنية.
ج‌- أن الكلام على أحد الألسن، كالفرنسي أو العربي مثلا لا يعني إقامة تجريد وتعميم كبيرين، لأنه تمة عدد كبير من اللهجات -عربية، وفرنسية-…، يضاهي عدد الجماعات المختلفة التي تتحدث هذا اللسان، بل وربما عدد الأفراد الذين يتكلمون هذا اللسان.
- الدليل اللساني :
الدليل اللساني كيان نفسبي يتشكل من عنصرين يمثلان وجهين لعملة واحدة، والعلاقة بينهما حسب سوسير اعتباطية؛ لعدم وجود أي علاقة بين الفكرة والمتوالية الصوتية، ما يبرهن على هذا اختلاف الألسن.


1- الدال signifiant: وهو الصورة السمعية، ويمثل حقيقة نفسية ومادية.
- المدلول signifié: وهو الصورة الذهنية للأصوات المسموعة.إن مقولة الدال والمدلول هي مقولة تركيبية، الهدف منها اختصار الجهد، وإلا فقول إنسان لآخر أرنب مثلا يستدعي إحضار الأرنب إلى مرآة العين. إلا أنه وبفضل هذه العملية التدليلية يستطيع الإنسان أن يرمز لمختلف الأشياء برموز لغوية تغنيه عن ذلك كله، وهو ما سنحاول توضيحه على هذا الشكل:


كانت هذه بعض الأفكار التي أثارها سوسير، والتي جسدت نواة البنيوية في مستهل القرن العشرين . وهي أفكار تلقفها بعد ذلك مجموعة من الأعلام وطوروها، مشكلين بذلك مدارس مرتبطة بأمها البنيوية السوسيرية.
علامات مرجعية:
1) روي ، هجمان : اللغة والحياة الطبيعية البشرية ، ص:27.
2) أحمد محمد المعتوق : الحصيلة اللغوية ، مجلة :عالم المعرفة ، ص: 31.
3) المرجع والصفحة نفسها .
4) ستيفن ،أولمان(1975) : الكلمة في اللغة ، (تر) د: كمال محمد ، بشر ، مكتبة: الشبان القاهرة ،ص: 20-25.
5) أحمد مومن(2005) : اللسانيات :النشأة والتطور ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ط :2،ص: 118.
6) محمد محمد، يونس علي: أصول اتجاهات المدارس اللسانية الحديثة، مجلة عالم الفكر ،ص:143.

7) د، محمد محمد ، يونس علي (2004) : مدخل إلى اللسانيات، دار الكتاب الجديدة المتحدة ، ط: 1،ص:65-66.
8) محمد محمد ، يونس على (2004): مدخل إلى اللسانيات ، ص : 67-68.

9) الفراهدي الخليل بن أحمد (1984) : العين ، مادة (لغو) ،(تح) د.مهدي المخزومي ، إبراهيم السمرائي ، دائرة الشؤون الثقافية والنشر ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، سلسلة المعاجم والفهارس، 50، الجمهورية العراقية ، ج:4،ص : 449
10) الرازي أبي بكر ( 1989) : "مختار الصحاح " ، تح : لجنة من علماء العربية ، ترتيب محمود الخاطر ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان ، مادة (لغا) ص: 745.
11) المرجع والصفحة نفسها .
12) محمود فهمي ، حجازي(1998) : أسس علم اللغة العربية ، دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة ،ص :7-8.
13) ابن خلدون عبد الرحمان (2006)، المقدمة ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ، ط: 9، ص : 469.

14) الزياتي عز الدين ، التواصل اللفظي وغير اللفظي ، ص: 225.
15) روي سي ،هجمان (1939 م/ 1409هـ): اللغة والحياة الطبيعية البشرية ، تر: د: دار حليلي أحمد السيد ، جامعة الكويت ، مقدمة المترجم ، ص: 15 وما بعدها.
16) أحمد، محمد المعتوق( 1996) : الحصيلة اللغوية (أهميتها –مصادرها – وسائل تنميتها ) مجلة عالم المعرفة، ص: 29-30.
17) د، أحمد،محمد المعتوق : الحصيلة اللغوية ( أهميتها – مصادرها – وسائل تنميتها ) مجلة عالم المعرفة ،ص: 30.
18) نفسه،ص:30.
19) ابن جني ، أبو الفتح عثمان : الخصائص ن تح ، محمد علي النجار ، ص: 33.
(20Ferdinand de sousure(1916):course de linguistique général , wade baskins translation ,p --;--p : 25-419.

21) د، وفاء ، محمد كامل : البنيوية في اللسانيات ، مجلة عالم الفكر ، ص: 227.
22) ميشال زكريا (1983) : الألسنية علم اللغة الحديث ، المبادئ والأعلام ن، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتـوزيع ، بيروت ، لبنــان ، ط: 2، ص: 228.
23) وفاء ، محمد كامل:البنيوية في اللسانيات ، مجلة عالم الفكر ، ص:226.
24) وفاء ، محمد كامل:البنيوية في اللسانيات ، مجلة عالم الفكر ، ص: 227.
25) حنون مبارك ( 1987): مدخل للسانيات سوسير، دار تبقال للنشر ، سلسلة توصيل المعرفة ، ط: 1، ص: 27.
28)المرجع والصفحة نفسها .
29) حنون مبارك ( 1987): مدخل للسانيات سوسير ،ص : 34.
30) با ول فابر ، وكريستيان ، بابليون (1992)، مدخل إلى الألسنية مع تمارين تطبيقية ،( تر) طلال وهب ، المركز الثقافي العربي ، بيروت، ط:ة1، ص:59.
31)حنون مبارك ( 1987): مدخل للسانيات سوسير ،ص:25.
32) تمام حسان : اللغة العربية ، معناها ومبناها ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، ص:32.
33) حنون مبارك ( 1987): مدخل للسانيات سوسير ، ص: 34.








#حسن_إدريسي (هاشتاغ)       Hassan_Idrissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن إدريسي - الفكر اللغوي عند دي سوسير