أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور















المزيد.....

مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4327 - 2014 / 1 / 6 - 22:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور
طلعت رضوان
الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور(3يناير1931- 13أغسطس 1981) أحد المُجدّدين فى الشعر الحديث. واستفاد من تجارب الشعراء الأوروبيين. وكان وهو فى شبابه يمتلك جرأة انتقاد الميتافيزيقا فكتب أنّ الأنبياء جاءوا ليضعوا نظريات ميتافيزيقية كى تـُحدد علاقة الله بالإنسان. وأنّ التفكير العلمى قوّض الميتافيزيقا ، فإذا كان التفكير الميتافيزيقى لا يبحث عن العلة ولا يفكر فى السبب ولا يعنى بالظواهر ويرد كل شىء للسماء ، فإنّ التفكير العلمى يفتش عن السبب ولا يقتنع بالألفاظ البراقة أو الحجج الدينية ((فماتتْ الميتافيزيقا وأصبح التفكير الميتافيزيقى الغيبى دليلا على التأخر والجمود)) (مجلة صباح الخير23/5/57) وفى مقال آخر تكلم عن ((حكماء شريعة الإنسان)) (صباح الخير5/12/57) وفى مقال ثالث كتب ((حين انتصر العلم فى القرون الثلاثة الأخيرة تخلى له الدين عن سلطانه وأصبح هو الأمل فى مستقبل أسعد وحياة أكثر رغدًا)) وأضاف ((لقد بدأت التكهنات الحديثة بكوبر نيكوس ثم نيوتن وانتهتْ بالعالم العظيم تشارلز دارون)) (مجلة أصوات العصر- يناير58) وهكذا نراه فى تلك المرحلة العمرية (قبل أنْ يتم الثلاثين) قد حدّد موقفه وانحاز للغة العلم ، وهو ما يدل على أنه اطلع على التيارات الفكرية والدراسات العلمية فى أوروبا ، خاصة التى ظهرت مع بزوغ عصر التنوير الأوروبى ، كما أنه لم يجد أى حرج وهو يتكلم عن دارون (صاحب نظرية النشوء والارتقاء) وهى النظرية التى لاقتْ أشد الهجوم من الأصوليين فى كل دين (حتى فى أميركا نفسها) بأنْ يصفه بالعالم العظيم .
وفى مجال الشعر صدر ديوانه الأول (الناس فى بلادى) عام 57 ومن العنوان يتضح انحيازه للجماهير الشعبية ، لدرجة أنّ البيت الأول فى القصيدة التى حملت عنوان الديوان يقول فيه ((الناس فى بلادى جارحون كالصقور/ غناؤهم كرجفة الشتاء ، فى ذؤابة الشجر/ وضحكهم يئز كاللهيب فى الحطب)) وقد يقتلون ويسرقون ((لكنهم بشر.. وطيبون ومؤمنون بالقدر)) إلى أنْ يقول ((ومدّ عزريل عصاه/ بسر حرفىْ (كن) بسر لفظ (كان)/ وفى الجحيم دُحرجت روح فلان/ يا أيها الإله كم أنت قاسٍ موحش يا أيها الإله)) ويكون البيت الأخير((فالعام عام جوع)) فى هذه القصيدة جمع الشاعر بين شدة البؤس الذى أجـّـل البوح به لآخر بيت فى القصيدة (العام عام جوع) فإذا كان صدور الكتاب عام 57، أى بعد سيطرة ضباط يوليو على الحكم بخمس سنوات ، فإنه لم يخش بطش السلطة فأدان غياب العدالة الاجتماعية التى روّج لها البكباشية ، وكما أدان الظلم الاجتماعى ، أدان فى نفس الوقت فكرة (القدرية) عندما قال ((كم أنت قاسٍ موحش أيها الإله)) أى أنه ربط بين الظلم الاجتماعى وسيطرة الفكر الغيبى ، وهو السلاح الذى تستخدمه كل أنظمة الاستبداد. وفى ديوان (أقول لكم) قصيدة بعنوان (الظل والصليب) قال فى المقطع (4) منها ((هذا زمن الحق الضائع/ لا يعرف فيه مقتول مَنْ قاتله ومتى قتله/ ورؤوس الناس على جثث الحيوانات/ ورؤوس الحيوانات على جثث الناس/ فتحسّس رأسك)) هنا تمكن الشاعر من توظيف الفلسفة مستفيدًا من المدرسة الحديثة فى الشعر. ولكن هذه (الفلسفة) كانت الستار الذى غلــّـف به نقده الاجتماعى للمنظومة السياسية السائدة بعد يوليو52 فالزمن زمن الحق الضائع ، والقتيل لا يعرف من قتله. وامتزجتْ جثث البشر بجثث الحيوانات. ومع افتقاد الأمن والأمان فكان من الطبيعى أنْ يختتم تلك القصيدة البديعة قائلا (فتحسّس رأسك) وأظن أنّ الاسقاط واضح إشارة إلى زمن القهر وإلى الشيوعيين الذين ماتوا من التعذيب فى معتقلات عبد الناصر. وفى قصيدة (مذكرات الصوفى بشر الحافى) قال على لسان بشر بن الحارث ((حين فقدنا جوهر اليقين/ تشوّهتْ أجنة الحبالى فى البطون)) إنّ فقدان اليقين لا يتحقق ويسود إلاّ تحت مقصلة منظومة سياسية تتعمّد سيطرة الفكر الغيبى الذى يُشوّه الواقع المادى ، فتكون النتيجة (تشوه الأجنة فى بطون الحبالى) وتأتى الأبيات التالية لتؤكد وتوضح ما غمض إذْ قال ((إحرص ألا تسمع/ إحرص ألا تنظر/ إحرص ألا تتكلم/ وتعلق فى حبل الصمت المُبرم)) ثم ينتقل من نقد المنظومة السياسية التى كرّستْ لآفة (لا أسمع، لا أرى ، لا أتكلم) إلى نقد الغيبيات فقال ((تعالى الله ، أنتَ وهبتنا هذا العذاب/ وهذه الآلام/ تعالى الله، هذا الكون موبوء، ولا بُرء) ومع شدة اليأس مع تعاظم البؤس فإنّ الأمل فى الموت ((تعالى الله ، هذا الكون، لا يصلحه شىء/ فأين الموت)) وعلى نفس الوتر كتب قصيدة (أصوات ليلة للمدينة المتألمة) قال فيها بعد أنْ تكلم عن ((الخوف الداجى/ والرعب المُتمدد/ والأحزان الباطنة/ آه.. ليس هو الليل/ بل القدر/ الرؤيا الهيولية)) ويختتمها بقوله ((ما سر هذه التعاسة العظيمة؟ / ما سر هذا الفزع العظيم؟)) ولكى نعرف مقصد الشاعر فى قوله (الرؤية الهيولية) يجب تعريف مصطلح (هيولى) فى الفلسفة ، فالكلمة يونانية وتعنى الأصل أو المادة. والهيولى لا صورة له ولا صفة. أما فى علم الفيزيا فهو حالة من حالات المادة يمكن وصفها بأنها غاز. أى أنّ الشاعر عندما ربط (القدر) بالرؤية الهيولية ، كأنما أراد أنْ يربط بين (الهيولى) الذى لا صورة له ولا صفة ، وبين الواقع الذى يعيشه الناس فى المجتمع المصرى فى العهد الناصرى .
000
إذن نحن أمام شاعر كبير وموهوب ومع الحداثة وضد الظلم الاجتماعى ، ومع ذلك عندما تناول شخصية الأفغانى فلم يختلف عن الأصوليين الإسلاميين كثيرًا فكتب عنه بصيغة تقريرية ((لقد أعطى الأفغانى مصر. وأعطته مصر)) (قصة الضمير المصرى بين الإسلام والعروبة والتغريب- سلسلة اقرأ اللبنانية- ص62) فهل هجوم الأفغانى على الثورة الفرنسية عطاء لصالح مصر؟ وهل هجومه وتحقيره وسبه لفلاسفة التنوير عطاء لصالح مصر؟ وهل هجومه على العلوم الطبيعية بهدف التنفير والابتعاد عنها عطاء لمصر؟ أسئلة لم ترد على ذهن أ. عبدالصبور، لأنها تستهدف وجه الحقيقة. والحقيقة- غالبًا- تتعارض مع الإعجاب بشخص ما. وبسبب هذا الإعجاب ابتعد الشاعر عن الموضوعية. لقد كان أمينـًا وهو ينقل كلمات الأفغانى ، ولكن تعليقه على كلماته كان شيئـًا آخر. لقد مهّد لكلام الأفغانى قائلا ((كان الأفغانى حينما جاء إلى مصر لم يُحرّر أو يكتب إلاّ رسالة الرد على الدهريين . وقد كتبها بالفارسية وهو ببلاد الهند. وترجمها الشيخ محمد عبده فيما بعد إلى العربية بمعونة أحد الفرس المقيمين بمصر. والدهريون الذين ردّ عليهم الأفغانى هم أولئك الشبان المسلمون الهنود الذين قرأوا شيئـًا من العلم الحديث. فوجدوا فيه نظريات النشوء والارتقاء على اختلاف نتائجها وبخاصة نظرية دارون الذى كتب كتابه (أصل الأنواع) عام 1859 فهز به وجدان المتدينين فى كل مكان . وسأل سائل الأفغانى عن رأيه فى مذهب الطبيعيين هذا. هل هو موافق للدين أو مخالف له؟ وتصدى الأفغانى للرد فى رسالة طويلة استعرض فيها تاريخ الأمم وتاريخ الفكر مُبينـًا أنّ الأمم المتعاقبة كالإغريق والفرس والمسلمين والفرنسيين والعثمانيين ضلتْ عن سواء السبيل حتى استشرى فيها تيار الطبيعيين أو الدهريين))
بعد هذه الفقرة الطويلة لم يُعلق أ. عبدالصبور بكلمة واحدة وإنما أضاف بعدها مباشرة ((ونقرأ له يحكى جزءًا من تاريخ العالم والفكر من وجهة نظره المُصطبغة بالحماسة الدينية المُتأججة. فقال بعنوان (الشعب الفرنساوى) : ((شعب تفرّد بين الشعوب الأوروبية بإحراز النصيب الأوفر من الأصول الستة الأخلاقية. فرفع منار العلم وجبر كسر الصناعة فى قطعة من أوروبا ، حتى ظهر فيهم وولتير (يقصد فولتير) وروسو يزعمان حماية العدل ومغالبة الظلم والقيام بإنارة الأفكار وهداية العقول ، فنبشا قبر أبيقور الكلبى وأحيا ما بلى من عظام الناتورالسم الدهريين . ونبذا كل تكليف دينى وغرسا بذور الإباحة والاشتراك . وزعما أنّ الآداب الإلهية جعليات خرافية. كما زعما أنّ الأديان مخترعات أحدثها نقص العقل الإنسانى. فأخذتْ هذه الأضاليل من نفوس الفرنساويين ونالتْ من عقولهم ، فنبذوا الديانة العيسوية. والأضاليل التى بثها هذان الدهريان (فولتير وروسو) هى التى أضرمتْ نار الثورة الفرنساوية المسعورة. ثم مزقتْ أهواء الأمة. وأفسدتْ أخلاق الكثير من أبنائها. نعم إنّ نابليون الأول بذل جهده فى إعادة الديانة المسيحية إلى ذلك الشعب استدراكـًا لشأنه. لكنه لم يستطع محو آثار تلك الأضاليل ، فاستمر الخلاف بالفرنساويين إلى الحد الذى هم عليه اليوم. هذه الأباطيل الدهرية قام عليها مذهب الكمون (الكيمونزم) أى الاشتراكيين ونما هذا المذهب بين الفرنساويين . ولو لم يتدارك الأمر أرباب العقائد النافعة والسجايا الحسنة ، لنسف الاشتراكيون كل عمران على أديم فرنسا . ومحوا مجد الأمة تنفيذا لأهوائهم)) (ص 63، 64) فكان تعليق أ. عبدالصبور((هذا هو موقف جمال الدين من عصره حتى عام 1870وهوعام كتابته لرسالته. وهذا هو تقديره للتيار الليبرالى فى الفكر والفلسفة وهذا موقفه من العلم والاشتراكية. وهو موقف سلفى شديد المحافظة)) ولو أنه توقف عند هذا الحد لاتسمتْ كتابته بالموضوعية. ولكنه أضاف جملة نسفتْ ما سبقها إذْ كتب ((ولعلّ له فى ذلك بعض الحق)) ثم أحال موقف الأفغانى هذا (فى محاولة للدفاع عنه) إلى نظرة أبناء الشرق للغرب ، فهم أنكروه جملة وخلطوا بين علم الغرب وحضارته واستعماره واقتصاده المتقدم ((وكثيرًا ما اختلط الوجهان فى نظر أبناء الشرق)) ورغم أنه أضاف ((ونحن ما زلنا نسمع حتى الآن كلمة (الغزو الثقافى) يرفعها بعض الناس علمًا مرفرفـًا يُجنـّدون تحته أعوانهم ، رغم أنّ الكلمتيْن (غزو وثقافة) لا يمكن أنْ تتآلفا بحال من الأحوال رغم أنّ الثقافة الأوروبية ليست مسئولة عن الاستعمار بل لعلها كانت من عوامل تفتيح الوعى على وجوب محاربة الاستعمار والتخلص منه)) ورغم هذا الكلام الموضوعى ، فإنه أصرّ على أنّ الأفغانى معه بعض الحق .
ويبدو تناقض أ. عبدالصبور بين الموضوعية والإعجاب عندما يعترف بأنّ الأفغانى لم ((يجد خلاص الشرق المسلم إلاّ فى العودة إلى حظيرة الخلافة العثمانية)) ثم ينمو هذا التأرجح ويتطور لدرجة أنْ يصف الأفغانى باعتباره من مفكرى الاستنارة فكتب ((ولكن الخلافة العثمانية التى كان الأفغانى يدعو للانضمام تحت لوائها والتفانى فى خدمتها والموت فى سبيلها ، كانت للأسف هى خلافة بنى عثمان فى عهودها الأخيرة المحتضرة والتى تحكم بغير ما أنزل الله. وتضطهد العرب والعربية)) (ص65) وكأنّ أ. عبدالصبور لم يصل إلى علمه أنّ كل المعارك التى خاضتها الفرق الإسلامية ضد شعوبها كانت تدور من منطلق أنّ هذه الشعوب محكومة بحكومات ((تحكم بغير ما أنزل الله)) منذ اغتيال الخليفة عثمان وحتى الآن. وكأنه لا يعلم أنّ الهم الأول للأصولية فى كل دين هو حتمية التطبيق الحرفى والعملى لشعار(الحكم بما أنزل الله) وكأنه لم يُدرك أنّ الهدف الرئيسى للأصولية الإسلامية التى تأسّستْ فى مصر على يد الأفغانى هو الحكم بما أنزل الله. وكأنه لم يستوعب أنّ ذلك الهدف هو الذى فتـّتْ أبناء الوطن الواحد وحوّلهم إلى أعداء.
أما قوله وتضطهد (أى خلافة بنى عثمان) العرب والعربية فهو دليل على أنه لا يرى أية خصوصية لمصر فى ضوء التعريف العلمى للثقافة القومية. وكأنّ الثقافة القومية للمصريين هى ذاتها الثقافة القومية للسعوديين (كمثال) وهل هناك من سبب لغياب الرؤية لخصوصية الثقافة القومية غير الذهنية التى وجّهت مجمل المشروع الثقافى لغالبية الكـُتاب المصريين ومن بينهم أ. عبد الصبور الذى يرى أنّ مصر دولة عربية (ص26) رغم أنه فى شبابه كتب عن الفولكلور المصرى والفنون الشعبية المصرية ((وأنّ فى هذه الفنون طابعنا ومميزاتنا كمصريين وفيها روحنا وتراثنا وتاريخنا. إنّ فيها قوميتنا)) (صباح الخير24/1/57) وكتب ((الفولكلور هو حياة الشعب الوجدانية التى يتوارثها أفراده البسطاء جيلا بعد جيل)) (صباح الخير17/1/57)
فما الذى غيّر أفكاره بعد أنْ نضج وتخطى مرحلة الشباب ، لدرجة جعلته يصف بلاد الأفغان بأنها بلاد العجم ؟ فرغم أنه شاعر من جهة ومدافع عن (العروبة) من جهة ثانية لا يعرف معنى كلمة (العجم) فى قواميس اللغة العربية فهى ((العجم ضد العرب. والعجماء البهيمة. والمرأة عجماء)) (مختار الصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 440)
هل فى الأمر حاجة إلى تعليق؟ إنّ كل شعوب العالم- باستناء العرب- أعاجم أى بهايم. ومع إنّ الأفغانى جاء إلى مصر((من أقصى بلاد العجم)) فإنّ هذا لم يمنع أ. عبد الصبور أنْ يقول عنه ((موجز الرأى أنه كان لقاءً بالتياريْن معًا : تيار الأحداث وتيار الرجال. وأنّ هذا اللقاء هو الذى جلا الوجه المستنير للشيخ الأفغانى)) (ص66) فكيف للأعجمى (البهيمة) أنْ يكون مستنيرًا ؟
هل هناك من سبب يُفسر تقديم الأصولى (الأفغانى) الذى روّج لشعار (الإسلام هو الحل) أى تقسيم الوطن على أساس دينى ، على أنه من رجال الفكر المستنيرين ، غير الإعجاب والانبهار؟ وهل الإعجاب بالشخصية ينفصل عن الإعجاب بما كانت تـُروّج له تلك الشخصية من أفكار؟
000
حياة أ. عبدالصبور مفعمة بكل عناصر الدراما الإنسانية التى تبحث عن مؤلف ، فهو شاعر كبير بلا شك ، وقرأ التراث الإنسانى بروح عاشق للمعرفة. وكما كتب وأشاد بالمفكرين والعلماء الأوروبيين ، كتب مسرحيته الخالدة (مأساة الحلاج) عن الصوفى الكبير: الحسين بن منصور الحلاج (858- 922) الفارسى الأصل ، والذى قال بإمكان الاستعاضة عن الفرائض الخمس بشعائر أخرى . ومن أقواله الشهيرة ((أنا الحق)) وقد حاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية على أساس من التجربة الصوفية. فتوحّدتْ سلطة الحكم الإسلامى الغاشمة مع شيوخ تلك السلطة الذين اتهموه بالكفر. وظلّ فى السجن لمدة 8 سنوات وبعد محاكمة استمرتْ 7شهور، صدر أمر الخليفة حامد بن العباس بقتله. فتم تقييده وضربه بالسياط ثم صلبه وقـُطع رأسه وأحرق . ورغم إجماع الفقهاء على تكفيره كان الناس يعتبرونه من الصالحين . ولعلّ المعلومة الأخيرة (حب الناس البسطاء للحلاج) والتى ذكرها كثيرون ممن أرّخوا لحياته ، كانت من بين الأسباب التى جعلتْ عبد الصبور يكتب مسرحيته الخالدة عنه ، والتى جمع فيها بين فلسفة الحلاج فى التصوف وبين عشقه للعدل والحرية ودفاعه عن المظلومين . إذن الشاعر عبد الصبور مثقف كبير عشق المعرفة وبحث عنها وانحاز للجماهير الشعبية وأدان قمع السلطة وعبّر عن كل ذلك فى أشعاره. ثم كانت نهايته المأساوية عندما تولى رئاسة هيئة الكتاب المصرية. ويشاء سوء حظه أنْ ينتفض الشباب من شعبنا ضد إسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد. واستغلتْ إسرائيل تلك المعاهدة كى تـُشارك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. فلما علم الشباب بذلك نظموا أنفسهم للاحتجاج ورفض مشاركة إسرائيل. وقعتْ السلطة فى (حيص بيص) فماذا تفعل مع إسرائيل بعد توقيع المعاهدة ، وماذا تفعل مع الشباب؟ المسئولون عن المعرض (وعلى رأسهم أ. عبد الصبور) تضامنوا مع الشباب ، واستفادوا من خبرة (البيروقراطية المصرية) أحيانـًا بحجة أنّ الفترة المسموح خلالها بتقديم طلب الاشتراك انتهتْ. أو إهمال إرسال الدعوة الرسمية. ولما أدركتْ إسرائيل مخطط البيروقراطية المصرية تدخل السفير الأمريكى واتصل بالسادات لكى يُصدر الأمر للمسئولين عن المعرض بمشاركة إسرائيل . استمر الشباب فى الاعتصام والتظاهر ضد مشاركة إسرائيل فى المعرض. فصدرتْ الأوامر بتخل الشرطة. وتم اعتقال عدد كبير من الكتاب والشعراء. ولكن كانت الفاجعة الكبرى ما حدث فى مكتب رئيس الهيئة (عبدالصبور) وهنا كانت قمة التراجيديا فى حياته. كان رجال الشرطة يضربون الطلاب والأدباء بالسياط فى مكتبه وأمام عينيه. فماذا يفعل هذا الشاعر الكبير المنحاز للعدل والرافض للتطبيع؟ كان سلاحه الوحيد (الذى أملاه عليه ضميره وعقله أنْ أعطى ظهره لما يحدث من ضرب وتنكيل بالأدباء وانطلقتْ دموعه من محبسها وبعدها مات (غالى شكرى- أقنعة الإرهاب- دار الفكر للدراسات- عام 90- ص 207) فهل خنقه القهر لأنه لم يفعل ما تمنى أنْ يفعله ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (7) أحمد بهاء الدين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (6) نعمان عاشور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (5) د. محمد عماره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (4) محمد سيد أحمد
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (3) نجيب محفوظ
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (2) د. مصطفى محمود
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى
- المؤسسة الإعلامية والأصولية الدينية
- وزارة الشئون الاجتماعية والأصولية الإسلامية
- المؤسسة التعليمية والأصولية الإسلامية
- مؤسسة الأوقاف
- نماذج من مؤسسات دولة البكباشية الدينية
- الضحية والجلاد : علاقة مُلتبسة
- تحويل الأزهر من جامع إلى جامعة (ضمن توابع يوليو1952)
- تابع مرحلة ما بعد يوليو 1952 (2)
- مرحلة ما بعد يوليو 1952
- الثقافة السائدة قبل يوليو 1952
- الوطن درع المواطنة
- الدين والروح القومية قبل يوليو1952
- الدور الحضارى لحكماء مصر القديمة


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور