أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعيد الوجاني - حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب















المزيد.....


حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 14:02
المحور: حقوق الانسان
    



مؤخرا صدر قانون في مصر يجرم تنظيم التظاهرات في الشارع العمومي بدون الحصول على ترخيص من قبل السلطات العمومية المختصة . بطبيعة الحال هناك من رحب وأيد ، وهناك من انتقده لكونه يعتبر تراجعا عن قيمة اعلاء الصوت والحق في الصراخ حينما يشعر الانسان بالوجع والظلم ، او حين يشعر بحقوقه تدوسها نعال السلطة المتجبرة التي تجتهد في خدمة الحاكم قبل المواطن .
وبالرجوع الى الفترة التي سادت ابعاد الدكتاتور حسني مبارك ، فان حق التظاهر في الشارع العام لم يكن بأحسن حال مما هو عليه اليوم . في نظام مبارك لم تكن الشرطة تتردد في تطويق تظاهر صغيرة امام مقر الصحافة او المحامين او احدى الاحزاب بأعداد غفيرة من البوليس لبضعة العشرات من المحتجين ، ولم تكن تتردد في استعمال العنف المادي والمعنوي لحصار الوقفة او لتشتيتها حتى وان لم تكن تهدد في شيء الامن القومي او النظام العام المصري . لكن منذ الحراك الذي قلب نظام مبارك ومجيء الاخوان الذين سرقوا انجازات التغيير الطفيف ، هدد مرسي منظمي المظاهرات بدون ترخيص ، وذلك لخنق التنظيمات العلمانية واليسارية والقومية المناوئة ، وحتى يخلو له ولحزبه الميدان للتفرد بالحكم الذي كانوا يتجهون به الى الأخونة . وبعد اسقاط حكم الاخوان الذين منعوا حق التظاهر في الشارع حتى لا يؤثر ذلك على مشروعهم الانقلابي ، حتى عاد هؤلاء من جديد الى ممارسة ما حرموه ومنعوه على معارضيهم ، ومن ثم فإنهم احتلوا الشارع والأماكن العمومية بغية التحضير للعصيان المدني الشامل الذي سينتهي في مخططهم بالاستيلاء على الحكم مجددا ، وتطهير مصر من كل القوى التي لا تؤمن بالمشروع الاخواني الرجعي الذي يهدف الى ربط مصر بالمشروع العام للإخوان المسلمين الذي مقره انقرة التركية . هكذا لم يتردد الاخوان في ممارسة العنف المادي والمعنوي ضد الشعب والأهالي وضد الدولة التي يبحثون عن اضعافها بكل الطرق الخسيسة ، ولعل التهديد التي تتعرض له مصر اليوم بالحرب الاهلية من قبل الاخوان دفع الحكومة المصرية الى اصدار قانون يجرم كل تظاهرة في الشارع العام بدون ترخيص من السلطات المختصة ، وهو ما يعني ضبط الامن والنظام العام ، والحفاظ على المصلحة العامة بما يفوت الفرصة على المتأسلمين لتنفيذ مخططهم الانقلابي والتبعي لتركيا اردوغان .
يعد التظاهر في الشارع العام امرا تافها في ظل الديمقراطية الغربية ، فهو على كل حال حق من الحقوق التي يمارسها المواطن الاوربي للتعبير عن احتجاجه او غضبه او للدفاع عن حقوقه ، او لمواجهة قرارات حكومية ستضر بمستقبله ومستقبل ابناءه . لكن رغم ان هذه الحقوق هي تعبير عن ممارسة للحرية العامة ، فإنها مقيدة بإجراءات وضوابط قانونية يأتي على رأسها الزامية الحصول على ترخيص من قبل السلطات المختصة بعد تقديم طلب في الامر . هذا ما يجري به العمل في فرنسا وفي المانيا وبريطانيا واسبانيا وبالولايات المتحدة الامريكية ... لخ . واذا كانت الحركات الأناركية تحاول تحدي هذه الضوابط الاجرائية وهي صغيرة في حجمها وتأثيرها لا يتعدى التكسير وإشعال النار في السيارات ورجم رجال الشرطة ، فان جميع المظاهرات والتظاهرات التي تنظمها النقابات العمالية والأحزاب السياسية تخضع لهذه المسطرة الضبطية والإجرائية مع تحميلها المسؤولية القانونية عن كل خلل او نقض للمطالب الواردة في طلب الترخيص بالمظاهرة ، لأن المسألة تتعلق باحتلال الشارع العام ، مع ما يمكن ان ينجم عن ذلك من تهديد للأمن والنظام العام داخل الدولة .
وبالرجوع الى القانون المغربي وبالضبط الى ظهير الحريات العامة لسنة 1958 والمعدل بتراجع عن ممارسة الحقوق في سنة 1973 ، نكاد نجزم انه اقر بحق التظاهر بشرط احترام الضوابط والإجراءات المسطرية المنصوص عليها بمقتضى قانون الحريات العامة . لقد خضع هذا القانون المنظم للمسيرات والتظاهرات المحتلة للشارع العام ، الى تقييد صارم من قبل المشرع المغربي بحيث فرض نواميس تمنع منعا مطلقا كل تظاهرة تحتل الشارع العام بدون ترخيص ، بحيث يمكن ان تصل هذه الاجراءات الى استعمال الرصاص والعنف لإرجاع هيبة الدولة المتحكمة في الشأن العام ، وهذا ما حصل اثناء مظاهرات يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، وفي 23 مارس 1965 ، وفي احداث يناير 1984 بمدن الشمال وبالجنوب ، وأحداث 1990 بفاس ، بل ان المحاكم تتشدد في احكامها ضد المتابعين في قضايا التجمهر واحتلال الشارع العام مع ترديد شعارات سياسية مناوئة او استعمال التهديد والفوضى ضد منشئات الدولة وضد ملكيات الخواص التي تتعرض للإتلاف في مثل هذه الاحداث . لكن اذا كان القانون صارما في تحديد الحقوق والواجبات التي يفرضها الحق في التظاهر واحتلال الشارع العام ، إلاّ ان ممارسة هذا الحق استعملت في احيان كثيرة دون مراعاتها المساطر الاجرائية التي ينصص عليها القانون ، بحيث يكون لميزان القوى في الساحة القول الفصل في فرض الامر الواقع وليس لما تنظمه القوانين في هذا المجال . لقد لاحظنا هذا في خرجات 20 فبراير ، ولوحظ في خرجات المعطلين ، وفي تنظيم الاستاذة للوقفات والاعتصامات المحتلة للساحات العمومية بدون الحصول على ترخيص من قبل السلطات المختصة، كما يلاحظ في المظاهرات غير المرخص بها التي تتزعمها المجموعات الانفصالية بالأقاليم الجنوبية وبالأحياء الجامعية .
اذا عدنا الى القانون المغربي سنجده صريحا عند معالجة هذه الحقوق المتعلقة بحق التجمهر او التظاهر او تنظيم المسيرات التي تحتل الشارع العام بدون ترخيص ، فالقانون يعتبر ان التظاهر حرية من الحريات العامة التي يكفله المشرع . لقد كانت هذه الحرية موجودة خلال عهد الحماية ، ومنذ الاستقلال صار يحكمها واحد من الظهائر الثلاثة الصادرة بتاريخ 15 نوفمبر 1958 التي تعرف بقانون الحريات العامة ، والواقع ان هذه المدونة التي ادخل عليها تعديل تراجعي في ممارسة الحريات العامة في سنة 1973 لا تتناول بالتنظيم والضبط جميع الحريات ، لكنها تتناول فقط حق تأسيس الجمعيات والصحافة والتجمعات العمومية لا غير .
وفيما يتعلق بهذه الاخيرة ( التجمعات العمومية ) يميز القانون المغربي بين الاجتماعات العمومية ، والتجمهر والمظاهرات في الطرق العمومية . وفي هذا الصدد يستوقفنا المشرع المغربي بالإجراءات التالية ، حتى لا نجد انفسنا امام حالات خاصة احتل فيها الشارع العمومي دون احترام بنود النصوص القانونية التي ينصص عليها قانون الحريات العامة المتعلقة بهذا النوع من المظاهرات او التجمهر . اذن لا بد من تصريح مسبق تحت طائلة فرض عقوبات قانونية قاسية ضد المخالفين لأحكام القانون .
هنا ينبغي العلم ، لان الكثيرين للآسف يجهلون ، ان المظاهرة في الشارع العام تقتضي الخضوع لتصريح مسبق مهما كان الشكل الذي سوف تكتسيه المظاهرة : مسيرة ، تجمعات بالمناطق والساحات العمومية لأهداف سياسية او نقابية ، غير ان القانون يستثني من هذا الاجراء ، الخروج الى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية . ان موسم الشموع بمدينة سلا او موسم الخطوبة بإملشيل ، او موسم مولاي بوعزة بعمالة اقليم خنيفرة ، او موسم الهدي بن عيسى بمكناس .. لخ لا تحتاج الى التصريح المسبق .
واذا نحن اردنا ان نفهم القانون في جوهره لا في شكله فإننا سنجد انفسنا امام مشاكل كبيرة ، فالتصريح يجب ان يسلم الى السلطات الادارية ممثلة في الباشا او القايد قبل التاريخ المحدد للمظاهرة بثلاثة ايام على الاقل ، وخمسة عشر يوما على الاكثر . ويجب على هذه السلطة طبعا ان تسلم للمصرحين في ( الحال ) و ( بقول النص ) وصلا بهذا التصريح طبقا لما امر به المشرع في النص ، واذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصل ، فان التصريح يوجه الى السلطة المختصة في رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل .
يجب ان يتضمن التصريح الهوية الكاملة للمنظمين للمظاهرة او المسيرة ، وان يوقع عليه ثلاثة منهم يحددون وجوبا محل اقامتهم في المدينة او القرية التي ستجري فيها المسيرة او المظاهرة ، فضلا عن وجود شروط جوهرية لا بد من توافرها ، تبين في التصريح الغاية من المظاهرة او المسيرة ، والمكان والتاريخ والساعة المقررة لتجمع الهيئات المدعوة للمشاركة فيها ، وكذا الشوارع والأزقة والطرق التي ينوي المتظاهرون المرور منها .
اذا كان هذا الاجراء القانوني واضحا ، فان اهميته تكمن في العقوبات المترتبة عند مخالفته ، وهذه تختلف بحسب الاحوال والظروف وميزان القوة ، كما تختلف بالسمعة التي يمكن ان تتركها المظاهرة غير المرخص لها عند ممارسة الدولة حقها المنصوص عليه في القانون الخاص بالعقوبات وبسلطات الزجر .
ففي الشق الاول نجد ما يلي " اذا ارتأت السلطة الادارية ان من شأن المظاهرة المزمع القيام بها الاخلال بالأمن العام ، فإنها تمنعها بتبليغ ذلك المنع الى الموقعين على التصريح بمحل سكناهم المختار " .
وفي الشق الثاني ، سنجد ان القانون يتضمن درجتين من الجزاء :
-- الدرجة الاولى : يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين ستة اشهر وثلاث سنوات ، وبغرامة يتراوح قدرها ما بين 3000 و 7000 درهما :
1 – الاشخاص الذين يقدمون تصريحا غير تام او غير صحيح من شأنه ان يغالط في احوال المظاهرة المزمع القيام بها ، او الذين يوجهون بطريقة ما استدعاء للمشاركة في هذه المظاهرة سواء قبل ايداع التصريح المنصوص عليه في الفصل الثاني عشر ام بعد منع المظاهرة
2 – الاشخاص الذين يساهمون في تنظيم مظاهرة غير مصرح بها او وقع منعها . ( ان هذا التعريف للحقوق والواجبات هو الذي اضحى معتمدا منذ شهر ابريل 1973 ، التاريخ الذي اصبح فيه هذا القانون اكثر صرامة وشدة اثر الاحداث التي وقعت قبله بشهر . يلاحظ انه في نص 1958 كانت العقوبة هي الحبس من خمسة عشر يوما الى ستة اشهر وغرامة يتراوح قدرها بين 12000 و 100000 فرنك ، وكان القاضي فضلا عن ذلك ، حرا في الاختيار بين الحبس والغرامة ، الشيء الذي لم يعد ممكنا منذ تعديل 1973 ) .
-- الدرجة الثانية : يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات ، وبغرامة يتراوح قدرها ما بين 5000 و 10000 درهما كل من يوجد في احدى المظاهرات حاملا لسلاح ظاهري او خفي ، او لأداة خطيرة على الامن العمومي ( يلاحظ انه في سنة 1958 كانت العقوبة هي الحبس من شهر الى ستة اشهر فقط ) ، وتضاف الى هذه العقوبة ، عند الاقتضاء ، العقوبات التي قررها التشريع بالنسبة للأسلحة والعتاد والمواد المتفجرة ، وتلك التي قررها القانون بالنسبة للتجمعات .
وتكميلا لهذه الترسانة التأديبية ، فقد استبعد القانون ظروف التخفيف ، وقرر ان من يضبط في حالة عود في مجال التظاهر ، ’تضاعف في حقه العقوبات المذكورة اعلاه ، ويمكن الحكم عليه ، علاوة على ذلك ، بالمنع من الاقامة .
لا جدال هنا من ان المغزى من هذه القوانين الزجرية ، ان المشرع اراد ردع كل ما من شأنه ان يؤثر على النظام العام او الامن العمومي او استقرار المجتمع ، فيكون كل ناشط مدعوا الى التفكير مليا قبل ان يجد نفسه في ورطة جريمة يستحيل الخروج منها بسلام ، ومع ذلك فان هناك من يتحدى هذه القوانين الزجرية التي لا ترهبهم في الدفاع عن مصالحهم اي قوة مهما بلغ شدة بأسها ، فتراهم ينزلون الى الشارع العمومي بالآلاف ، وربما بعشرات الآلاف مثل ما حصل في يناير 1984 ويونيو 1981 و 23 مارس 1965 ، وعندئذ تتدخل اجهزة الدولة الامنية لمواجهة الحالات الطارئة التي لم تكن على البال ولا هي اتبعت مسطرة تقديم التصريحات للحصول على الترخيصات .
ان رد الفعل هذا الذي يكون قاسيا ، وربما يصل الى استعمال الاسلحة الثقيلة مثل ما حصل في 1984 و 1981 و 23 مارس 1965 ، يدعو كل مرة الى التساؤل حول المشاكل الخطيرة التي تطرحها المظاهرات غير المرخص بها من قبل السلطات المختصة . ان هذه المشاكل منها ما هو قانوني ، ومنها ما هو سياسي . فأما القانوني فهو في تضارب التفسير بين السلطات المختصة التي تسلم او ترفض تسليم الوصل للمظاهرة ، او لما يقوم الناشطون عند امتناع السلطة عن تسليم الوصل بتوجيه التصريح بالبريد المضمون مع الاشعار بالتوصل . ثم كيف سيكون الحال بالنسبة للمنظمين للمظاهرة في حالة رفضت السلطة الترخيص للمظاهرة شفهيا وليس كتابيا حتى يسهل طرق ابواب القضاء الاداري . اضافة الى التبعات القانونية امام المحاكم المختصة والتي قد تصل الى توزيع عشرات السنين سجنا على الموقوفين .
هناك اشكالية قانونية كذلك تثار حول التفسير والفهم والتأويل القانوني الذي تعطيه كل من السلطة والجماعات المنادية للتظاهر ، وهذا يجعلنا امام تفسيرين مختلفين بخصوص فهم النص القانوني والتعاطي معه . مثلا ماذا لو ضبطت السلطة عاملا مشاركا في مظاهرة وهو يحمل سكينا صغيرا يستعمله في الطبخ مثل قس البطاطس او الطماطم او الخضر ، او في ازالة قشرة الليمون او التفاح ؟ ثم ماذا لو تقدم المصرحون بتصريح الى السلطات يحدد عدد المتظاهرين في مائة ، لكن اثناء سير المظاهرة التحقت بها عناصر طلابية او اناركية او من البروليتارية الرثة ، ووصل عدد المتظاهرين الى الآلاف ؟ ثم ماذا لو حدد المصرحون في تصريحهم المقدم للسلطات المختصة ، الشوارع التي سيمرون منها ، لكن انضمام جماعات يسارية او اناركية او اسلاموية الى المظاهرة دفعت بها الى تغيير الشوارع والأزقة التي حدد المسئولون عن المسيرة او المظاهرة المرور بها ؟ فهل نحمل المسؤولية عن ذلك الى المسئولين عن التصريح ، رغم ان الامور تجاوزتهم ، ام نعتبر الامر حالة طارئة يتحمل مسؤوليتها الوافدون الجدد على المظاهرة ؟
ثم كذلك هل يمكن اعتبار امتناع السلطات من تسليم الوصل الى المصرحين رغم استيفاءهم الشروط القانونية ، هو قاعدة عامة تطبقها السلطات ضدا على القانون الذي يلزمها بذلك ، ام نعتبرها ظاهرة شاذة تعبر وبالملموس عن الشطط في استعمال السلطة .
اما الجانب السياسي فيكمن في البلبلة والاضطراب السياسي الذي تخلفه المحاكمات ، وتأثير ذلك على صورة الحكومة او الدولة المنظمة للمحاكمة في مجال حقوق الانسان ، وخاصة ان هذه الحقوق اضحت بمثابة سيف دمقليس مسلط من قبل جمعيات حقوق الانسان الدولية على الدول التي ترفض الاذعان للإملاءات الخارجية الماسة بسيادتها ، وهو ما يجعل الدولة او الحكومة المنظمة للمحاكمة تنتظر المسائلة بجنيف امام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ، واذا كانت الدولة ضعيفة او يسودها اضطراب سياسي واجتماعي ، ستتأثر حقا بالعقوبات التي ستفرضها العديد من الدول باسم حقوق الانسان ، مثل تخفيض المساعدات المالية او حجز القروض ، او تعطيل مساعدات الدعم العسكري ... لخ . وهنا لا بد من الاشارة الى ان جائزة الانفصال التي حصلت عليها خديجة الرياضي عضو الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، كان بسبب الموقف من تأييدها الانفصال في الصحراء ، بالتركيز على الاستفتاء لتقرير المصير كحق من الحقوق التي تنص عليها المبادئ العامة للقانون الدولي ، وينصص عليها ميثاق الامم المتحدة لسنة 1948 على الرغم ان هذا الحق في الحالة المغربية ، هو حق يراد به باطل .
ودائما في مجال التأويل السياسي للسلطة ، نطرح سؤالين خطيرين هامين : ما هي المظاهرات التي يحق للسلطات منعها . هل المنع او التوقيف يستند على روح النص القانوني ، ام انه يستند الى ميزان القوة في الساحة بين السلطة وبين الاحزاب او النقابات او الجماعات الداعية للمظاهرة ؟
وكيفما كان الحال ، ودرءا لكل التباس ، على الجماعات الداعية الى المظاهرة الالتزام بما ينصص عليه القانون في هذا الصدد ، وعلى السلطة المختصة ان تحترم القانون بتسليم الوصل للمصرحين بالمظاهرة ، لأن الامتناع عن التسليم الذي ينص عليه القانون هو خرق للقانون ممّن يفترض فيهم السهر على تطبيقه . واذا لم يتسلم المصرحون الوصل ووجهوا التصريح مجددا بالبريد المضمون مع الاشعار بالتوصل ، فان مرور ثلاثة ايام من تاريخ وصول التصريح في اقل تقدير ، وخمسة عشر يوما في ابعد تقدير ، ودون جواب بالرفض الصريح من قبل السلطات المختصة ، يعتبر موافقة على تنظيم المظاهرة ، لكن اذا الجواب هو الرفض فيجب ان يكون ذلك كتابة حتى يتسنى للمصرحين طرق ابواب القضاء الاداري للطعن في قرار السلطات ، خاصة اذا كان مبنيا على نزوة التسلط ولم يكن يستند الى اساس قانوني . ان اي ديمقراطية بدون مظاهرات منظمة ومسئولة ، لهي في الحقيقة ديمقراطية مصابة بفقر الدم . ان المتظاهرين الذين يكونون يجوبون شوارع المدينة او القرية في هدوء وانتظام و احتراما للمقتضيات المنصوص عليها بمقتضى القانون ، يكونون بمثابة الدم الذي يجري في عروق الجسم البشري وشرايينه ، وعلى غرار هذا الجسم ، فان المدينة الديمقراطية تصبح كائنا حيا ، والمظاهرات شئنها شأن الدم ، هي الحياة .
الكل يتذكر نهاية سنة 1986 التي احتل فيها الطلبة الباريسيون الشارع احتلا افضى الى الغاء الاصلاح الجامعي الذي كانوا يشجبونه . في هذه الاثناء خضع الشارع الفرنسي وبالضبط بالشارع اللاتيني حيث جامعة السوربون التي تذكرنا بأحداث مايو 1968 ، الى نقاش سياسي وثقافي بين مؤيد للاحتلال ومعارضا له . قال البعض من غير المقبول ان يعلو الشارع بهذا الشكل عن الارادة الوطنية التي يجسدها البرلمان ، وكان الرد عليهم من قبل المؤيدين ، وبحق ، هو ان الارادة الوطنية تعبر عن نفسها ايضا بواسطة المظاهرات ، وان البرلمان لا يحتكر هذه الارادة ، وان من مصلحته الاصغاء والاستماع لأصداء الشارع ، اي الشعب ، وهذا ما فعله مثله مثل الحكومة التي اضطرت الى سحب مشروع قانونها .
اذن انطلاقا من هذه الاخلاق السياسية بنى مجلس الدولة الفرنسي ، وهو اعلى جهاز قضائي في فرنسا اجتهاده القضائي في هذا الصدد ، والمعيار الذي اعتمده في حكمه نابع من فلسفة الثورة الفرنسية ، بحيث لا يمكن ان تمنع إلاّ المظاهرة التي يكون من المؤكد تقريبا انها ستولد اضطرابات خطيرة ، لأن قوات الامن التي توجد تحت تصرف السلطة غير قادرة على الحيلولة دونها ، وبعبارة اخرى ، فالمظاهرة ينبغي ان يكون بإمكانها ان تقع بكل حرية ، ومن واجب الادارة تعبئة قواتها من اجل قيام هذه المظاهرة ، وليس من اجل منعها ، لأنها حرية مضمونة . ولكن اذا كانت القوات الموجودة تحت تصرف الادارة عاجزة عجزا ظاهرا عن تأطيرها تأطيرا فعالا ، ولاح في الافق ظهور اضطرابات خطيرة ، عندئذ يمكن منعها او تفريقها في اللحظة التي تبدأ فيها بالتحرك . وحتى لا نمر مر الكرام ، فان الصحافة الدولية امتعتنا من السويد بخبر طريف وفي غاية الاهمية ، هو ان شرطة السويد فرقت بالأمس القريب تظاهرة نسائية غير مرخص بها بغاز الضحك .
واذا كان تدخل السلطات العمومية في الحالات الملغومة ضروريا فيجب ان يتم ببرودة دم مطلقة وبدون حقد ، وبأقل ما يمكن من العنف ، لأن كل استعمال للقوة المفرطة يكون متبوعا بالعواقب لأنه ليس هناك حل بوليسي لمشكل سياسي . ان قوة رجل الشرطة والسلطات العمومية هي التشبث بالقيم الاخلاقية : التسامح ، الليونة ، تفتح الذهن ، الهدوء ، الثقة في النفس ، الحياد وأخيرا الصرامة .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب
- هل فهمتم شيئا ؟ خديجة الرياضي -- (الدولة مجازا ) زمرة العصبي ...
- الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع
- الدولة الحكومة المجتمع -- طبائع الاستبداد --
- قوة المغرب في تنوعه الثقافي
- اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
- الوحدة العربية بين الحلم والغبار
- خواطر ومستملحات انتخابية
- ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف ...
- فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
- تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
- الاساطير وما ادراك من الاساطير
- المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
- حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور ...
- حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
- الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
- الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
- تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج ...
- التقنية والسياسة
- المدرسة والمسألة المعرفية


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحري ...
- بعد تقرير كولونا بشأن الحيادية في الأونروا.. برلين تعلن استئ ...
- ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في غزة
- تفاصيل قانون بريطاني جديد يمهّد لترحيل اللاجئين إلى رواندا
- بعد 200 يوم من بدء الحرب على غزة.. مخاوف النازحين في رفح تتص ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في قطاع غزة
- العفو الدولية تحذر: النظام العالمي مهدد بالانهيار
- الخارجية الروسية: لا خطط لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إ ...
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة تلقيه رشى


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعيد الوجاني - حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب