أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - الحلم















المزيد.....

الحلم


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


"بلوتو" اله الأموات, يتسلل في ظلمة الفجر لينشر في صقيع الأرض خياشيمه, في عروق الطين يتوغل..وعلى الشجيرات بهياكل البوم وعيون الوطاويط مكسوة, ينفث رماد الموتى..هوذا يشد خراطيم الوقت,وحين يقول للشيء كن ,تكون الظلمة,وما بين فخديها دم يسري وجماجم تدحرجها الريح على الأرض..الأرض جافة,والحر يخنق صدر الريح,وذاك البحر لاموج فيه ولازبد..
كانت الأرض تغلي كسطح بركان, والريح تبعث في المدى حشرجات, تقدم البحر قال:
-"أيها الإله "بلوتو",في جوفي الماء ساخن,ولا موج على الصدر يحبو.."
في داخله زمجر "بلوتو", ثم بنظرة من طرف العين ارتجت الأرض, امتطى الطين سائل أسود, ومضى باتجاه البحر, يجرف هياكل البوم وعيون الوطاويط التي على الشجيرات كانت..
داخل نفسه بكى البحر, ثم دارت الريح الدورة الثالثة..(...), الشجيرات تمايلت تتحسس أغصانها المنثورة في شظايا الحرائق, وتلك التي كانت هناك تداعب جذعها, قالت:
"ها جفت عروقي من الدم..!"
في داخله قهقه "بلوتو"..ثم بإشارة من يديه, اشتعل خصر الشجيرة, فتحولت رمادا ترقصه الريح.التحف "بلوتو" عباءته السوداء,اندخل في ثنايا الغمام,ونام..
أمام البحر,كان الرمل,كان صدف صغير,وكانت صخرة من جوفها يصعد الدخان,يتشابك في المدى,وعلى صدرها كف موشومة بالدم,حول الكف اعشوشبت سوسنات,كلما غفا "بلوتو",رقصت رقصة البدء,ومضت توشح الشجيرات البعيدة بتمائم منقوش عليها نشيد الحلم..حتى إذا "بلوتو", ترنح, عادت فوق صدر الصخرة ترقص, تحضن الكف, وترقب إغفاءة البحر.
(..)فوق البحر, شيء يطير, يعلو ليخترق الغمام, ينحدر ليشق بخور الماء المتطاير من قاع البحر..ثم..نورسة كانت تجدف الريح,تتمايل الشجيرات على البحر,يتناثر الماء على الماء,والحصى تحت أقدام "بلوتو"يتدحرج..نورسة كانت في المدى ترقص,ترسل البريق الغامض من حدقة العينين,تحوم حول الصخرة التي من جوفها الدخان يعلو,وعلى صدرها الكف الموشومة بالدم,يشهق "بلوتو",يهرش بأظافره حواجب عينيه,تسرح النورسة سوالف الجناحين..رجلاها إلى الخلف..تهوي..في صدر الصخرة تغطس..
قرب تابوتي المحنط بالطين, بدت تصب من جوفها الماء, وتنفض من على الجناحين الغبار.أحسست التابوت حولي يدور.. بداخلي شيء ما يترنح, تغمر أنفي روائح بطعم الحلم..ثم البريق من عينيها يطير,حول تابوتي يلف شعاعه المطرز بالشمع,تدور النورسة حول نفسها دورة,تدور حولي دورتان,تدور في داخلها ثلاث دورات...امرأة تصير في قماش أبيض ملفوفة, وضفائرها الوردية مدت جذورها في القاع..على التابوت نقرت ثلاث نقرات,وبدأت ترقص, يتطاير من بين أصابعها الماء,فينجرف الطين من فوق التابوت,وتحتي الحصى يتسنبل.
قالت:
-"افتح"
بيدي المكبلتين فتحت باب التابوت, أحسست..يلمسني هواء خفيف..ودهشة تركد في خلايا القلب..ثم شيء ما في شرايين جسدي يتبرعم..يحرضني كي أستعيد الصرخة التي دوت حين من جوف أمي خرجت.
قالت:
-"اخرج"
كسرت القيد ومزقت الكفن الذي كان ملفوفا حول صدري, ثم خرجت.جاف حلقي..ومبلل شعري بالغبار..يتقاطر الدم من القلب والعينين..وعلى جسدي حفر غريب,وعلامات .....
قالت:
-"اجلس"
جلست فوق ربوة خضراء,عيناي التي منها الدم يتقاطر تستطلع المكان,و قلبي يتحسس عتمة الجرح,حولي دارت,ثم..جلست أمامي..بدت تشبه وجه أمي..يحكون..كانت جميلة..ممشوقة القد..موشومة الخدين بحمرة قانية..وعيناها الواسعتان فيهما الندى يتراقص..عندما كنت في جوفها ..كان وجع ما يحنطني,يحضن أشيائي الصغيرة,ولما خرجت من جوفها,لم تكن هناك..لكن عطر أنفاسها عشش إلى الآن في دواخل القلب..وتذكرت نساء وطني ، كان اليتم ينمو في دواخلهن كلما عدن من فسح الكدح الطويلة,فيرنو الصمت الذي ينخر العيون المتعبة,كان غناؤهن وهن محمولات فوق الشاحنات يشق المدى,تتمايل أجسادهن..تحتك..وأصواتهن المجروحة تتدحرج في عناق مع الريح..
قالت:
-"احك يا فتى"
قلت:
-"في البدء كان الصراع"
قالت:
-"ثم"
قلت:
-"..كان الحلم"
قالت:
-"ثم"
قلت:
-"...كان وطني قصيدتي"
قالت:
-"وما بعد؟"
قلت:
"..وكان دمي المنقوش على الصخرة علامة"
من فوقنا ترنح "بلوتو", في داخله زمجر, كان..يحس..شيئا ما في القاع يحدث,الشجيرات تطل على البحر,البحر يتفقد المويجات التي كانت على الصدر تحبو,مشى "بلوتو" يداعب الكرباج بين يديه,ثم عاد يسترخي على الريح.
أخرجت من ثنايا صدرها كنانيشها الحمراء,قرأت في سفر الصراع:
-"أيها الفتى الذي لا فتى قبله, لافتا بعده, لافتا إلا إياه, كلما بعت نفسك لفك التيه, فضاع الوطن, الحلم منك..كلما مزقت تلاوين القهرووقرعت نواقيس الرفض,هشموا قصائد نبضك,في الزنازين غيبوك."
كان صوتها كالصدى تحت قدمي يرتج,فتهزني من القلب ارتعاشة,وذاك الدم الذي من عيني يسيل,يجف على صدري,يزهر وريقات خضراء,أغلقت كنانيشها..مشت بضع خطوات,تتطاير خلفها الضفائر الوردية,ثم عادت,على ربوة أمامي جلست..فرأيت..يشبه وجهها توأم الروح..كنا أمام البحر نجلس..نفرش فوق الرمل دفاتر العشق, ونقرأ أشعار الفقراء.التقينا هناك..حين غطت الفراشات سماء السطوح, واتسع في جرحنا الوطن الضيق..فتشابكنا, تعانقنا, توحدنا..
قالت:
-"حلمك؟"
قلت:
-"أن أفتح قلبي شارعا للوطن"
قلت:
-"وأنت؟"
قالت:
-"أن يصير قلبي قصيدة ,يسبح فيها الفراش,يحبو على جدائلي الطويلة"
على الرمل نقشنا سورة الجرح, ثم ترجلنا الشوارع, نقرأ الزمن الرمادي في عيون الفقراء, كان النبض في داخلنا حزين, وعيوننا تلتقط هذي الأجساد التي عجنها الوقت..ثم يحضر البحر..والشمس فوق زرقة الماء تتدحرج..تبتعد..تختفي...
قالت:
-"لما البحر واسع؟"
قلت:
-"لأن وطني يضيق"
توغلنا في مصارين الأزقة,يسيجنا الصمت..ثم..من هناك..بدأ الصراخ..الحناجر الصادحة بالأوجاع..الشعارات التي تشق سديم الصمت..العرق الطازج..لمحت يرقص في جوفها القلب, تقدمنا..تقدمنا أكثر..نحس العشب ينمو في خلايانا, و العصافير في دمنا تعوم, تذكرنا نافورة الماء, شارع الظل, والبحر الذي على رمله نقشنا سورة الجرح...كانت الطائرات تطل من بعيد,فترتعش الأرض..والرصاص يوزع أحزمة النار..يختلط بالدم الصراخ أو ما يشبه بحبحة الحناجر..يتداخل الناس في الناس..يمتزج العرق بالريق..يسقط قتلى هناك..تتهاوى على الأرض...رأيتها..الرصاصات تنهش صدرها المعفر بالحلم..انحنيت..يضربني الجند بكعب البنادق..لمحتها تغرس أظافرها في الأرض..
قالت:
-"وكيف إلى التابوت جئت؟"
قلت :
-"توغلت في شوارع الصمت,أزف بحبر الجرح مشهد الموت..حوصرت..سمعتها تنشد لطوابير القتلى هناك.."
قالت :
-"أأطلقوا النار؟"
قلت :
-"أطلقوا رشاش السؤال, كان السوط كالسهم ينزل كي يوقع نشيدي اعترافه..وتلك الأسلاك على دفة الصدر تجثو, تغطس في عروقي, كأنما تخرج الدم إلى السطح."
فتحت كنانيشها,قرأت في سفر العشق :
-"أيها الفتى العاشق,تلك معشوقتك بدم القلب شيعت على جبين الوطن المثخن بالجرح..وهذي أسفارنا نتلوها لعلهم يفلحون"
أغلقت كنانيشها..وقفت..وقفت..
قالت :
-"ردد حكمتي..من غضب عينيك تولد, ومن حلمك الذي يعزف لحن الشوق"
وطفقت أنشد(...)..كصوت الرعد كان الصدى من فوقنا يزمجر..و"بلوتو" الإله ملفوفا في قماش الجنون يهرول في اللاتجاه ,تلك الصخرة التي من جوفها الدخان يصعد,تتدحرج,في البحر ..تغوص,ثم الشجيرات تتمايل,تتمدد,تتراقص بين راحة الريح.
قالت :
-"ماحكمتك؟"
قلت :
-"الحلم, الوطن, العشق"
قالت :
-"ما الحلم"
قلت :
-"أن أرى وطني قد فك القيد, وأرى الضوء قد غسل جسد الليل وشجر الظلمة."
قالت :
-"ما الوطن ؟ "
قلت :
-"فسحة للحلم "
قالت :
-"ما العشق؟ "
قلت :
-"ساحة للعناق "
ران الصمت هنيهة,ثم من فوقنا تدلت جذوع الشجيرات,وتمايلت ريح خفيفة,امتشقت كنانيشها,قرأت في سفر الولادة :
-"أيها الفتى الموعود بالحلم,بالدم غطيت تقسيمة الجرح,وانكتبت بين تجاعيد الفقراء سفر العشق,فاحب كما فيك الحلم يحبو,واعصر جبين الوجع كي تحضنك الولادة"
دارت حول نفسها دورة,دارت حولي دورتان,ثم كما في البدء عادت نورسة,غاصت في صدري,فأحسست يتراقص في عيني الضوء,مددت يداي,ضربت رجلاي بقاع الأرض,ثم إلى السطح طرت.............



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - الحلم