أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد حمودي عباس - الهجرة المعاكسة للفلاحين .. هي الحل .















المزيد.....

الهجرة المعاكسة للفلاحين .. هي الحل .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 11:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سوف تبقى التجارب المستندة على المعايشة اليومية المستمرة ، لما عليه مجتمعاتنا من حال ، هي أصدق المراجع لمن يهوى أن يفهم طبيعة الأسس التي تستند عليها مجمل اعراف وقوانين الحياة لدا تلك المجتمعات ، وهي ، التجارب ، تعتبر مفاتيح جميع الفلسفات والمفاهيم الراقية والتي أرساها العظماء في العالم .
ومن هنا ، فانني أزعم ، وبكل فخر ، بكوني ، واعتمادا على قدرتي الفكرية المتواضعة ، قد تنبهت ، وبشكل قاطع ، الى أن هجرة الريف الى المدينة ، هي من أهم الشروخ وأوسعها في بنية المجتمع العراقي ولحد هذه اللحظة ، إذ أن هذه الهجرة قد تسببت بحدوث جميع المآسي وكافة الاخفاقات الحاصلة في البلاد منذ أن بدأت بواكيرها بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 .
لقد سعدت كثيرا ، وأنا أقرأ فصول من كتاب ( حكومة القرية ) للسيد طالب الحسن وهو يصف شريحة من الحكومات المنبثقة من الريف ، حيث قضى الشعب العراقي تحت سيطرة تلك الحكومة بين عامي 1963 ولغاية 2003 متعرضا لأفظع ملامح القهر والاستبداد ، وما أسعدني أكثر هو ما دونه الكاتب العراقي نعيم شريف على ظهر ذلك الكتاب مذكرا بما قاله الكاتب الفرنسي ( ألبير كامو ) عن ( الفاشية الريفية ) ضمن دراسته عن حالة المانيا ابان الحكم النازي .. وهذا ما يعزز الفكرة المبنية على المنطق القائل ، بأن الحكومات التي تأسست مقاديرها على المنحدرين من الارياف ، كانت وعبر التاريخ السياسي للعديد من بلدان العالم ، وليس العراق فحسب ، وبالاً على شعوبها ، وقد تسببت ، حتى ولو عن طريق عدم القصد ، في تهشم هيكل الدولة ، ونقلها من نظام مؤسساتي راقي التشكيل ، الى نظام تسوده العشوائية ، ويفتك به الفساد وعدم الشعور بالمسؤولية .
يقينا فان حقيقة كهذه قد تثير حفيظة البعض ممن يرون فيها تجنيا اخلاقيا على شرائح واسعة من السكان ، قد تصل نسبتهم اليوم الى الاغلبية من قاطني المدن ، في حين ، يجب التعامل معها كواقع يحمل في طياته مبررات تدعونا لمعالجته كمشكلة ليس السبب في نشأتها المواطن ، بقدر مسؤولية الحاكم نفسه في ذلك .. فخراب الاراضي الزراعية وبشكل كبير ، نتيجة ما حل بمنظومة الري ، وطمر النسبة العالية من قنوات البزل ، اضافة الى الاختفاء الكامل لأية مشاريع عمرانية تتعلق بالصحة والتربية والتعليم ، والغياب الكامل لبرامج التنمية البشرية عموما في الريف ، جعل من المدن مأوى بديل لتوفير سبل لعيش الفلاحين المهاجرين وأسرهم . الأمر الذي جعل من الريف ، بقراه التي كانت عامرة بكل شيء جميل ، خاليا من سمته الرفيعة ، باعتباره كان منبعا للخير والعطاء اللامحدود ، ومصدرا لصنع المناضلين الاشداء ضد الانظمة الديكتاتورية المتسلطة ، ورافدا مهما من روافد البناء التنموي للبلاد ، وبكونه سلة غذائية تساهم في تعديل الميزان التجاري والاقتصادي لصالح كفة الاكتفاء الذاتي تدريجيا ، حتى انه في بعض المحاصيل ، أغنى البلاد عن استيراد العديد منها والى الحد الذي جعلها تفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي ، فيركن الى تصديرها الى الخارج كما هو الحال بالنسبة للتمور مثلا ، غادر الريف حيزه هذا الى حيز آخر مختلف تماما ، لينتج المزيد من المزاحمة الضارة لابناء المدن ، واحداث عشوائيات وبمساحات واسعة اصبحت تضغط على خاصرة جميع المحافظات العراقية بما فيها العاصمة بغداد ، ناهيكم عن ظهور ازدواجية حادة المعالم ، بدأت تغزو مواقع الحضر ، حين راح الفلاحون واسرهم ، وبضغط من ظروف العيش الجديدة وغير الكافية لسد رمق عوائل راحت تتكاثر وبشكل سرطاني مرعب ، الى ممارسة ذات المهن التي كانوا يمارسونها قبل الهجرة ، كرعاية المواشي مثلا ، او تربية الدواجن في البيوت ، مما أضر كثيرا بملامح البيئة وجمالية المدينة .
ولو علمنا بأن سكان المدن انفسهم ، لو تم ترحيلهم ولأي سبب كان ، الى ربوع الريف ، فانهم سيكونون حتما ، وبالا على محيطهم الجديد ، ولحل ذات الخراب كما حل بالمدينة حين رحل الفلاحون اليها قسرا ، لو علمنا ذلك ، لكان من الممكن تجاوز أي حساسية مفرطة ، يمكن الوقوع ضحية لها جراء تبني فكرة الخطأ الذي قامت به الانظمة الرسمية المتعاقبة في البلاد ، حين حطمت مقاييس التقسيم الاجتماعي ، وبهذه الحدة القاسية .
ان العراق ، ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، بلد لا زراعة فيه تماما وبالحدود التي تحمله هذه الكلمة من معنى ، وهو بلد بلا صناعة ، ولا يوجد في أي سوق من أسواق العالمين المجاور والبعيد ، بضاعة معروضة في السوق ، تحمل اسم العراق .. بلد يستورد علبة اللبن كما يستورد السيارة .. انه حاضنة لاستيراد بضائع جميع بلدان العالم ولا يصدر اليها أي شيء .. تحمل الى اسواقه شاحنات افقر البلدان الخضر والفواكه ، وتتلون ارصفة شوارعه بالوان حبات البطيخ الايراني والتفاح السوري والرمان المصري ، وتغزو الموانىء فيه كبديل لنفطه المصدر ، أكياس الشاي الفاسد ، وحاويات الدقيق الرديء .
كل ذلك ، بسبب تلك الفعلة التي تصل ، باعتقادي ، الى حدود الجريمة ، حين تم ترك خيوط الهجرة الشنيعة لابناء الريف ، تمتد وبشكل حر وعشوائي .
انني هنا ، لا أنوي التجني على حقيقة أن الكثير من ابناء الريف ، قد اضطرتهم اعمالهم المهنية التخصصية مزاولة مهنهم في المدن ، ولا يمكنني ان ابخس حق اولئك المساهمين في ارساء الحياة في الحضر من مهندسين واطباء وفنيين وسطيين ممن بلغوا حدودا من العمر ، ما لا يسمح لهم بالانتقال الى حيث القرية وبطريقة لم يجري الاعداد لها مسبقا ، غير انني اعني تلك المجاميع الغفيرة من الاسر التي بدت جميع الدوائر الخدمية في الحضر ، عاجزة عن توفير ما تتطلبه تلك العشش والعشوائيات السكنية الحاوية لهم ، من ظروف حياتية لائقة بالبشر ، في حين ، تفتقر مساكنهم وقراهم واراضيهم لسواعدهم في احياء الارض بزروع توفر لهم كرامة العيش ، ولبلدهم سلة غذائية توفر له الاكتفاء وعدم الرضوخ للمصالح الاجنبية .
انك حينما تتوفر لك امكانية الاستفسار من أية امرأة تراها وهي تجمع العلب الفارغة من اكوام القمامة في شوارع المدينة ، أو أي راع يرعى ماشيته في الحدائق العامة ، أي شاب عاطل عن العمل ، أو أي طفل يعتاش على مهنة التسول عند تقاطعات الشوارع .. سوف تجد بانهم من منحدر ريفي ، وسوف تعلم بان لهم جميعا أصول كريمة قبل ان يطالها اعصار الهجرة البغيض ..
لقد بدأت اجيال الفلاحين المهاجرين تتعاقب ، حتى لم يعد ممن بقوا من الاجيال الاولى الا القليل ـ اولئك الذين لا زالت تربطهم بقراهم واراضيهم ذكريات وممارسات مهنية وعرفية قد تهبهم القدرة على التعايش مع محيطهم الاصلي لو عادوا اليه من جديد .. ولو انقرضت هذه البقية بحكم التقادم ، فسوف يتعذر على الاجيال الفتية من ابنائهم ان تذوب في عالم غريب لم يألفوه .. فهؤلاء ليسوا فلاحين ، بل باعة لقناني غاز الطبخ ، أو من اصحاب عربات البيع المتجولة ، أو أنهم من عمال محطات توزيع الوقود ، والبقية الباقية منهم فهم من العاطلين عن العمل ، ويشكلون الغالبية العظمى من الشباب الضائع وغير الواعي .
ما الحل اذن ؟؟؟؟
الحل .. يتطلب الى جانب توفر النية في استعادة الحياة للريف ، كخط شروع لهذه المهمة الجليلة ، ما يلي :
1- استنفار كافة الطاقات العلمية ذات العلاقة بالزراعة واستصلاح الاراضي والري والبيئة ، الى جانب اساتذة علم الاجتماع ، لتشكيل فريق متكامل ، بغية وضع دراسة مفصلة لحال الريف العراقي ، ومن ثم تكوين رؤى علمية رفيعة المستوى لشكل وطبيعة الحلول المناسبة لتشجيع الهجرة المعاكسة للفلاحين .
2- تهيئة ميزانيات مالية كافية لتنفيذ برامج تنموية توفر للقرية ظروف افضل للعيش ، من مراكز صحية ومدارس وطرق ومراكز للتسوق .. ويقينا بان الريف حينها سوف لن يحتاج لمصادر امنية تحميه من اعدائه التقليديين لكونه قادر على حماية نفسه كما كان دائما عندما كانت ربوعه عامرة بالخير الاخضر .
3- العمل على ابعاد ابناء الريف عموما ، عن المماحكات السياسية الرخيصة ، والعزوف عن استغفالهم ليكونوا اداة لبلوغ السلطة من قبل رواد السياسة ونجومها المخضرمين .
4- تهيئة السكن اللائق بهم في قراهم ، من قبل الوزارات المتخصصة ، ضمن برامج واسعة للاسكان والتعمير ، بدل الانشغال برصد الاموال المخصصة لاعمار العشوائيات ومناطق التجاوز على اراضي البلدية ، ومن ثم القيام بسرقة هذه الاموال ، والنتيجة دائما وعلى مر السنين ، هي بقاء الاحياء الفقيرة والمحيطة بالمدن ، وجميع سكانها من الفلاحين المهاجرين على حالها وبنفس الظروف الحياتية البائسة .
5- تهيئة السبل الكفيلة باستصلاح الاراضي الزراعية ، وتوفير المتطلبات الساندة للزراعة كافة ، مع دعم وتوسيع عمل الدوائر المعنية بالارشاد الزراعي ورفدها بالكادر المتخصص ، ووضع خطط شاملة لبناء شبكات الري المتطورة ، واعادة فتح قنوات البزل الكافية للتصريف .
6- ان محاولة الاستثمار الامثل للمياه الجوفية عن طريق وضع الدراسات ( الهيدروجيولوجية ) و ( الهيدروكيمائية ) لكافة الاراضي العراقية ، ومعرفة طاقة ونوعية مياه الخزانات الحاوية لها ، من شأنه ان يوفر البدائل المائية الضرورية لزراعة الاراضي البعيدة عن مصادر الري عن طريق الانهار .
انها شروط عامة ، تلك التي خطرت في ذهني كحلول لابد منها ، لوضع حد لتردي حال القطاع الزراعي في العراق .. وتبقى تفاصيل انجاز هذه المهمة الواسعة ، واقعة على عاتق كافة وزارات الدولة باعتبارها مهمة وطنية عظيمة ، لا ترقى لها في المستوى ، أية مهمة اخرى .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليابان .. وآمال شاكر الناصري
- مرة أخرى .. من أجل يسار موحد .
- حصار الثقافة .
- منظمات المجتمع المدني في العراق .. والدائرة المغلقه
- الأستاذ برهان غليون .. انه النبأ اليقين
- حقوق المرأة في اقليم كرستان .. الى أين ؟
- الحرب الطائفية في سورية .. وكذبة الأمة الواحدة
- حقيقة التدخل الدولي في سورية ( مداخلة مع الاستاذ سلامة كيلة ...
- فراشاتي الثلاثه
- هجرة الارياف الى المدن ، واحدة من الاسباب المهمة لظاهرة البط ...
- بذور عباد الشمس
- رمية في بحيرة الربيع العربي .
- كنت في القاهره ( تجربة في طيات مخيلة ممنوعة من السفر )
- داء الوعي
- أوراق صفراء
- اللعبة القذره ..
- قوافي مبعثره ..
- تردي الوضع البيئي في العراق .. من المسؤول ؟ ..
- هل من دور للحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي ؟
- لم يتبقى لقوى اليسار الآن غير أن تتوحد


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد حمودي عباس - الهجرة المعاكسة للفلاحين .. هي الحل .