أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - شعارات حرب في شوارع المدينة!















المزيد.....

شعارات حرب في شوارع المدينة!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1229 - 2005 / 6 / 15 - 12:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم أدرك أن هتاف "بالروح، بالدم، نفديك يا بشار!" هو صيحة حرب في الواقع إلا في اعتصام يوم 25 ايار في "حديقة المدفع" في دمشق. ففي وقت واحد أخذ أعضاء فرقة حزبية بعثية يهتفون الشعار المذكور بضراوة وعدوانية، وعناصر كتيبة حفظ النظام ينقضّون بهراواتهم السوداء على المعتصمين، وعناصر فروع الأمن يسجلون الشعارات المكتوبة على لافتات مرتجلة حملها المعتصمون ويراقبون كل شيء. كان قرابة 200 شخص قد تجمعوا أمام باب الحديقة المطل على "شارع أبو رمانة" احتجاجا على اعتقال أعضاء مجلس إدارة "منتدى جمال الأتاسي" قبل يوم واحد.
كشف ذلك "العدوان الثلاثي" على معتصمين مسالمين الجوهر الحربي لـ "أبو الشعارات" هذا، جوهر لا يحتجب إلا خلف فرط إلفة السوريين به وبأمثاله. لكن ماهو ذو دلالة أنها هتافات لا تسمع إلا حين يريد النظام تأكيد قوته وترهيب أعدائه. الأعداء الداخليين حصرا. الوجه الحميد للشعار هو إعلان تماهي الهاتفين مع المهتوف له، أما وجهه المنذر فهو إعلان العداء المطلق للخصوم والاستعداد لبذل الروح والدم ضدهم ومن أجله. التماهي لا ينبع من مضمون الشعار فقط ولا من رابطة الدم والفداء التي يعلنها فقط، وإنما كذلك من الهتاف الجماعي الجهير به. يندمج الهاتفون في صوت واحد لا نشاز فيه، يذيب استقلالهم واختلافاتهم. لذلك سيان أن يكون الشعار "بالروح، بالدم.." أو "الله، سوريا، بشار وبس!". للشعارين بنية واحدة تعتمد آلية التماهي/ الإقصاء. لكن في الشعار الأخير التماهي ثلاثي: الله والوطن والرئيس، والإقصاء تتكفل به كلمة "وبس" التي تطرد أي "تدخل خارجي" محتمل بين أقانيم الثالوث هذا. أما في الأول فالتماهي ثنائي: نحن وأنت، البعثيون والقائد، وتضمينا: السوريون والرئيس. الإقصاء مضمر في عنف الرسالة: الروح والدم والإفتداء. العنف بطبيعته إقصائي ونخبوي.
لذلك لم يكن خيارا سليما أن يهتف بعض المعتصمين يوم 30 ايار: "بالروح، بالدم، نفديك سوريا!" أو "الله، سوريا، حرية وبس!". إذ هنا تتم المحافظة على البنية العميقة وآلية التماهي /الإقصاء المثبّتة لها مع الاعتراض على المضمون السطحي. دمقرطة الشعار لا تكون بإحلال مفهوم مجرد يفترض انه أوسع طاقة استيعابية وأقل استبعادية محل اسم علم أقل استيعابا وأكثر استبعادا، بل بكسر آلية الاستيعاب/ الاستبعاد (أو التماهي/ الإقصاء) للشعار، التي تبقى طاردة للاختلاف والتعدد من داخلها بقدر ما هي ترفع الاختلاف مع خارجها إلى مرتبة المطلق. هذا شعار نرجسي متمركز حول الذات، لا يناسب الوعي الديمقراطي المأمول في سوريا. وإنما بنية هذا الشعار وتمركزه حول الذات هي التي استوردت من مصر إلى سوريا والعراق. فما يوحد "بالروح، بالدم، نفديك يا جمال!" مع "بالروح، بالدم، نفديك يا حافظ!" ومع "بالروح، بالدم، نفديك يا صدام!" هو نرجسية الأنظمة وعشقها لذاتها.
وربما تكون آخر مرة هتف فيها الشعار في العراق أيام الغزو الأميركي له، حيث ظهر الرئيس العراقي السابق وحوله عشرات الناس يهتفون بالروح والدم نفديك يا صدام. الظهور العلني والهتاف الجهير والجوقة ورفع القبضات في الهواء عناصر من طقس التماهي والإقصاء غير قابلة للحذف. الحرب الحقيقية أو المفترضة هي الخلفية المحتومة لهذه الرسالة الموجهة للأعداء.
في سوريا ايضا ارتبط تاريخ الشعار برغبة السلطة في حشد الموالين لها ضد أعداء الداخل، بصورة خاصة الإسلاميين في بداية عقد الثمانينات. ومفهوم أعداء الداخل مميز لأنظمة "الوطنية التخوينية" التي تفرض تماهيا تاما بين الوطن والسلطة، وتختزل هذه في شخص الرئيس أو الملك. العدو الداخلي هو شائبة ينبغي حذفها من أجل تمام التماهي وصفاء الماهية. تتناسب حدة الهتاف طردا مع حدة المواجهة. في ايام عز الروح والدم في الثمانينات الماضية كانت الأرواح تقطف والدماء تفصد بالفعل. "رسالة" الشعار هي إسكان الرعب في أوصال الأعداء. نحن متماهون تماما مع الرئيس، تفيد أن الخصوم مطرودون تماما من هويتنا المشتركة. مطرودون من الخصومة التي تعالج بالسياسة إلى العداوة التي تعالج بالعنف وحده.
وفر اعتصام يوم 30 ايار في "ساحة يوسف العظمة" وسط دمشق "التجربة الحاسمة" لاختبار "رسالة" شعار بالروح والدم: كان بعثيون يهتفون "بالروح، بالدم..."، ومسؤول حزبي أو حكومي محاط بأركان سلطته يطلق بعصبية وهياج ظاهرين اتهامات الخيانة في وجه المعتصمين الممنوعين من الكلام. التخوين هنا طرد من الماهية الوطنية النقية التي لا اختلاف فيها. وهي بريئة من الاختلاف لأنها تقصيه بعنف مطلق من داخلها إلى خارج مباح ومستباح، اختلاف محض. هنا مفاهيم المعارضة والخصومة السياسية والاحتجاج السلمي غير متصورة وغير ممكنة. ثمة نحن الذين نفدي بالروح والدم الرئيس وثمة الخونة الأعداء الذين يستحل سحقهم.
في مواجهة اعتصامي 25 و30 أيار لم تكن ثمة عقلانية واحدة. ثمة عقلانيتان أو ثلاث. تهدف الأولى إلى فض الاعتصام دون دماء ودون اعتقالات (الأمر لا يستدعي)، وهي عقلانية عناصر حفظ النظام. عقلانية الحزبيين التي تتحدث عن الروح والدم والافتداء، وهي بالضبط لا عقلانية، إغراؤها الضمني إبادة المعتصمين. بينهما عقلانية عناصر الأمن التي تبقى في خلفية المشهد دون أن تكون أقل حضورا. فهي التي تتجمع لديها المعلومات عن المعتصمين وعددهم والجهات المشاركة..، وهي التي تمتلك وحدها حق المتابعة فيما يقتصر دور الحزبيين وعناصر حفظ النظام على التنفيذ وينتهي بانتهاء المهمة. الأمنيون هم الذاكرة وهم السجل، إليهم المناب ومعهم الحساب.
مع ذلك فإن عقلانية الحزبيين هي الأسوأ، وهي الأشد تخريبا للسلم الاجتماعي ولمفهوم الدولة معا، والأكثر إثارة للعداوة كذلك. عنف عناصر حفظ النظام منضبط وعقلاني بصورة ما. وهو وظيفي أيضا لا يشذ عن منطق الدولة. الأمنيون بينهما، نصف دولة ونصف حزب، أو نصف عام ونصف أهلي.
وهو ما يعني أن العلاقة بين العنف والعقلانية ليست عكسية بالضرورة. وأن لا عقلانية النظام السوري لا تنجم عن محض عنفه بل عن عدم احتكار الدولة وحدها للعنف والسماح بسيلانه في أقنية استنسابية، حزبية وميليشياوية وأشباهها. العنف العقلاني ليس بالضرورة العنف الأقل. إنه العنف الممركز، غير المنتشر، الذي تحتكره الدولة.
انسحاب شعارات "الروح والدم.." من الشوارع ضروري من اجل عقلنة الدولة وحفظ السلم الاجتماعي.






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية وتنمية في الشرق الأوسط!
- ماذا يريد -الإخوان المستلمون-؟
- هيمنة بوجوه متعددة، لكن بلا روح
- أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟
- سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
- كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
- مبارك انتهاء الخط العسكري!
- الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - شعارات حرب في شوارع المدينة!