أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شلباية ولميس، وكمان أم أيمن














المزيد.....

شلباية ولميس، وكمان أم أيمن


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4319 - 2013 / 12 / 28 - 15:12
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


صورتها لا تزال حية في مخيلتي وهي تمشي حافية القدمين بصعوبة في وحل الشتاء تسحب حماراً مربوطاً بعربة كارو ذات أربع عجلات محملة بخضروات الكرنب والقرنبيط والخص والفجل والجرجير والكرات...الخ. صوت زوجها، عبد الله النصراوي، ممسكاً بكرباج يلسع به جلد الحمار المتعسر، يزعق فيها، وفي الحمار، بكل أصناف الشتائم والبذاءات اللفظية ومن حين لآخر يميل من شدة الغيظ بكرباجه عن ظهر الحمار لينهال به فوق جسد الزوجة أينما وقع. الحمار قد يقفز ويرفص ويجأر من شدة الألم وثقل العربة، لكن شلباية لم تكن تتذمر أبداً، وإذا تألمت كانت تكتم وجعها في نفسها وما كانت تنبس شفتاها بكلمة شكوى قط.

هي التي قد حرثت وغرست ورويت ثم اقتلعت الزرع كله، ثم حملته فوق رأسها في النهاية لتضعه على العربة حتى تذهب به إلى السوق. وكما يتربع الآن زوجها مستدفئاً بثيابه النظيف من فوق العربة ’في العلالي‘ بينما هي الموحلة وحدها مع الحمار في الطين من أولها إلى آخرها، كان أيضاً خلال جميع مراحل الزرع والقلع لا يزيد دوره عن مجرد الناظر صاحب الأمر والنهي وهو لابس حذائه وجوربه من على رأس الحقل دون أن يبلل أو يهين نفسه بالمشاركة في عمل شيء يذكر. وفي النهاية كانت النقود من بيع المحصول كاملة توضع بيد النصراوي لينفقها كيفما يشاء، وليس أمام شلباية إلا أن ترضى بالفتات الذي يرميه لها مغمساً بأشد عبارات المن والاستعلاء.

المرأة شلباية هي عمود الوطن مصر؛ هي التي، بشقائها وكدها وعرقها، تطعم وتسقي كل أبناء وبنات مصر. هي المدرسة التي تتخرج من تحت أيديها الزوجة والأم المصرية الأصيلة فيما بعد؛ وهي أيضاً التي ترسل الفتيان الأصحاء إلى معسكرات الأمن المركزي الموزعة على جميع المدن المصرية، خاصة القاهرة الكبرى. وهي التي تعول الجيش المصري نفسه، سواء من زرع يدها في الحقل أو من حمل بطنها من المجندين البواسل. مع ذلك، ورغم كونها تمثل الشريحة الأكبر على الإطلاق في المرأة المصرية، هي تبقى دائماً مهملة ومنسية. هي الجندي المجهول الحقيقي، لكن من دون نُصب. وهل سمع أحد أبداً عن شلباية؟!

على النقيض تماماً، ’لميس الحديدي‘ نار على علم، غنية عن كل تعريف. مع ذلك، هي لا تمثل سوى شريحة هزيلة وضئيلة للغاية، لا تكاد ترى بالعين المجردة، من المرأة المصرية. لكنها متعلمة تعليم عالي وغنية- لأنها عكس شلباية تستطيع أن تأخذ ثمن عملها وتعبها في جيبها ولا تتنازل عنه لزوجها- وتعيش تحت رفاهية وأضواء المدن الكبرى والعاصمة. إضافة إلى ذلك، هي أيضاً نافذة، مسنودة على عائلة ومعارف كبيرة واتصالات وشخصيات وجهات نافذة، وإلا ما كانت قد حققت كل هذه المكاسب التي قد عجزت عنها شلباية عبر حقول الريف المصري. الإعلامية اللامعة لميس الحديدي تمثل المرأة الحضرية ابنة النخبة ذات التعليم والتمكين العالي، المتصلة بمكتسبات الحضارة الغربية، المسلطة عليها معظم الأضواء والتي تتحدث باسم جميع النساء المصريات وتمثلهن في شتى المحافل. لميس الحديدي هي التي تتحدث باسم شلباية النصراوي وتمثلها على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية؛ في الوقت نفسه، لا لميس تعرف شلباية، ولا الأخيرة قد سمعت أبداً عن الأولى وكأن الاثنتان (الشريحتان) تعيشان في عالمين منفصلين- وقد يكون كذلك بالفعل.

أخيراً قد ظهرت في الصورة أم أيمن، أو عزة الجرف، ممثلة لبنات تيار الإسلام السياسي. إذا قلنا أن شلباية هي ابنة الأرياف والأحياء الشعبية المصرية، ولميس ابنة الحواضر والنخب ذات الصلة بالغرب، يمكن أيضاً القول مع شيء من الارتياح أن أم أيمن هي، بشكل أو بآخر، ابنة الأموال النفطية والثقافة الخليجية التي بدأت تتدفق على مصر وتحقق نمواً وانتشاراً مطرداً هناك منذ الطفرة النفطية أوائل السبعينات، لدرجة أنها قد أصبحت الآن تعد منافساً شرساً للميس على مكانة النخبة الممثلة الشرعية لبقية المصريات.

لكن رغم الصراع المستميت فيما بين لميس وأم أيمن على تمثيل شلباية، تبقى الحقيقة واضحة ومؤلمة أن شلباية لا تعرف، ولا حتى يهمها أن تعرف، شيئاً عن هذه أو تلك لأنها، ببساطة، مهمومة أكثر بصراعها مع أعباء الحياة اليومية وتدبير قوت منزلها وعيالها، بعدما تركتها الدولة- تماماً مثل عبد الله النصراوي- تدبر حالها وتلاقي مصيرها وحدها دون سند من ضمان اجتماعي أو رعاية صحية أو فرص عمل حقيقية أو عدالة اجتماعية مع الرجل المستغل لثمرة شقائها.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل مصر على فوهة فوضى؟
- الأنثى الداجنة
- هيا بنا نقتل إسرائيل
- حكومتها مدنية
- باشاوات ثاني؟!
- وهل ماتت دولة الإسلام؟!
- دولة الإسلام- دينية، عنصرية، متخلفة
- إيران الإسلامية تحتمي بالقنبلة النووية
- برهامي، ومثلث الرعب الإسلامي
- الإرشادية تمثيل الإلوهية على الأرض
- الأزهر سبحانه وتعالي
- تحذير: للكبار فقط
- بأمر الواقع، السيسي رئيساً.
- ثورة دي، ولا انقلاب؟!
- رثاء
- كبير الإرهابيين، إمام المغفلين
- في حب الموت
- حين تعبد الديمقراطية
- في آداب القتل الشرعي
- أنا الله


المزيد.....




- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟
- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شلباية ولميس، وكمان أم أيمن