|
امي والله
فرهاد عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 07:41
المحور:
الادب والفن
امي والله 6
تذكرت معها حالة امي التي تعرفت على الدين كبنات جيلها وهي امية ، لكنها فتحت قلبها لإله احبها واحبته ، ذابت فيه ، وصارت هي السامية في بيتنا ، هادئة ، صبورة ، مقلة في الكلام ، واثقة مما تقول ، نسترشد بها كلما دفعتنا الحاجة للتعرف على انفسنا وتوجهاتنا المستقبلية ، وبتنا نحن اولادها الذين نعتبر انفسنا قد تشربنا العلم والمعرفة في جامعات البلاد وكلياتها، اسرى معرفة هذه المرأة التي باركها الله بمعرفة باطنية وذكاء انساني مفعم بالخير ، وكانت البركة تسللت الى بيتنا ليتوسع غرفة بعد أخرى، ويزداد عدد افرادها ، لدرجة بت حين ادركت ، اتسائل مع نفسي متى ينعمان بالسر ؟ وكيف لتجد الولادات نفسها مثمرة عاما بعد عام ، بعد سنوات القحط والفقر؟ . كانت حين تمارس العشق الروحي تغطي نفسها بعباءة سوداء لم افهم مغزاها ، وربما لتحافظ على الجسد والروح متعانقين في ممارسة سرية وفي ثلاث حركات متداخلة ، حول نفسها في دائرة صغيرة ، لتتوسع الدائرة الى أخرى اكبر ، وتكون في الثالثة قد طافت في محيط الغرفة وهي جالسة تزحف نحو هدفها المقدس ، لتتفوه بكلمات لا يفهما الا الذي نفخ فيها الصور ، وكانت النساء تجتمع في بيتنا وهن يجلسن حولها مطاوعين لها حركاتها ، زاحفات خلفها تقودهن الى حيث المعرفة وهي تغوص في عرفانها ، وكن يخبأن في نواياهن تساؤلات وآمال ، تلك التي تريد جوابا على حبها ، واخرى تسأل عن سر حزن زوجها ، وثالثة تسأل ان كان في صالح ابنها الزواج ام لا ، ورابعة تسأل عن الرزق وابوابه ، وكانت تجيبهن بلغات لم تكن لتعرفها وهي في وعيها ، واتضح لي فيما بعد ومن خلال متابعتها وهذه الممارسة ، انها كانت تعرف نواياهن ولغاتهن دون ان ترى وجوههن ، لكنها باللمس كانت تتعرف على ماهياتهن حين يضعن ايديهن على كتفها الايسر ، ولماذا الكتف الايسر ؟ لم تستطع أمي الإجابة عليه ، وكانت اسهل الاجوبة لديها بانه مكان جلس عليه الملك الصالح وهو حارسها ، ولم اكن لأخشى هذا الحارس ، اذ كنت متيقنا منه ، ومقتنعا بأنه مادامه حارس امي وملاكها فهو حتما يحبني ، لانها تحبني كثيرا. لا اكتم السر كان على ان اعرف مستقبلي ، ولم اكن لأختار اليوم ، لكن الحرارة كانت فيه اقرب الى تذويب البشر منه الى الاشياء الاخرى ، كنت متعبا ، جائعا قد جئت لتوي من المدرسة ، وجدتها في جولتها التفقدية حيث باطن الروح واسرار النفس الانسانية ، لأستسلم الى فضولي ، وخوفي من جواب والدتي وكنت قد تسللت من بين النساء المتجمعات الى حيث وصلت مكانا وسط الصالة ، تتماوج في دوراناتها وتمارس عشقها ، فوضعت يدي على كتفها الايسر كما يفعلن النساء ، خائفا ، متعرقا ، مرتعشا . - ان رحلتك ياولدي ليست سهلة ، لأن التي تبحث عنها صعبة المنال ، وقد تكلفك مراحل العمر وسنوات ضياع ، لكنه ثمن تدفعه لتسمو بروحك وعشقك ، فهي رحلة قاسية تعاني فيها الاهوال ، تتسلق الجبال ، تبحر كثيرا ، تجوب بك الدروب والمنافي متألما تبكي في عذاباتك ، لتلتقي هنا وهناك ، وتسأل الدروب التي تذهب بك الى حيث مخاطر ومنزلقات ، وقد تموت لتحيا ، ثم تموت لتبعث حيا ، لكنك في رحلتك هذه ستسمو بك الاخلاق والسلوك وتسكنك العبرات ، ويتيه بك الزمان ، ولا تستقر في مكان ، وتكون فيه نفسك تائهة دون قرار ، فطاوع نفسك حين تجدها طمأنينة للروح ، واستسلم فهي التواصل ، واكتشاف لذاتك ، لتندمج معها في المكان والزمان . افكر بالحارس الامين لأمي ، قد يكون هو ملاكها الصالح يتبعني حيث احتجت وضعفت ، انا متيقن بان الجبابرة كانوا يلتـقون مع الضعف الداخلي ومع انفسهم حين يكونون اقرب الى النهاية ، وكل منهم يحاول ان يقنع نفسه بأن ماتركه يخلده ، وكذلك الفلاسفة والكتاب والعباقرة ذهبوا الى نهاياتهم كبشر وبقى الفعل الممارس بيننا ، وكلهم كانوا اقرب الى الضعف عند النهاية ، هي الملحمة الانسانية هذه ملحمة كلكامش ، هي الطوفانات والمدارات الكونية هي البداية التي لا تنتهي ولن تنتهي وكلنا ننتهي ونحاول ان نتذكر البدايات ونعزي انفسنا باننا لاننتهي ، وكلنا امل بان البداية لا تتنهي ، ورغم كل هذا الهذيان عن النهاية والبداية ، اكون انا اقرب الى النهاية واحاول ان اتجاوز الضعف الانساني باندماجي بالافلاك ، والاكوان تائها خارج الفضاءات الكونية ، وكذلك الاخرين الذين يتأملون نهاياتهم بطرقهم المختلفة وتصوراتهم المختلفه بحثا عن الخلود والازلية .
بغداد اواخر كانون الثاني عام 2013
#فرهاد_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصوت حاجة هنا وهناك
-
ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم
-
أين الخلل ، فينا أم منا
-
الحياة لمن يستحقها
-
نكسة الاتحاد الوطني في الانتخابات وللمرة الثانية مسئولية من
...
-
ديمقراطية رحم المجتمع
-
هل يتمكمن العراق ، ان يتحول الى مشروع حضاري ، لدولة مواطنة ،
...
-
الدولة الطائفية المسيسة والدروع البشرية
-
الفيليون قضية دولة العراق بعد قرارالمحكمة
-
الفيليون ليسوا ملفا على الرف
-
الدولة والدين
-
اسئلة بين سطور الخبر
-
العائدون لكن دون اشلاء
-
تفعيل عمل الجالية العراقية المشترك في الدنمارك مهمةاحزاب ام
...
-
اربعينية فنان الشعب الكردي الراحل محمد جه زا
-
مجلس جالية مهمشة الحضور الا من كلمات المناسبات
-
حلم جالية عراقية في الدنمارك لم تتجسد على ارض الواقع
-
قداس في الكنيسة تابينا لارواح شهداء كنيسة سيدة النجاة
-
أنا مع الله لكن اي اله ؟
-
الجالية العراقية في الدنمارك ومجلسها
المزيد.....
-
في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|