أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض الهيرمينوطيقيا لدى بول ريكور















المزيد.....

نقض الهيرمينوطيقيا لدى بول ريكور


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 07:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نقض الهيرمينوطيقيا لدى بول ريكور
هيبت بافي حلبجة
من المحقق أننا عندما أنتقدناه في مفهومه عن الأيديولوجيا ، وددنا أن نبرز ، إلى جانب رؤيتنا في حقيقتها ، قضية أساسية في مسألة الهيرمينوطيقيا ، تلك القضية التي تتعلق بالأثنتين معاُ ، أي بالهيرمينوطيقيا وبالأيديولوجيا ، ومفادها إن كلتاهما لاتستطيعان حجب الواقع الفعلي ولا أخفاء العلاقة الرمزية مابين كافة عناصر هذا الواقع ، لإن التأويل من جهة ، والنص أو الخطاب من جهة ثانية قد يتباعدان أو قد يتقاربان لكنهما يخضعان لأربعة شروط موضوعية ، الشرط الأول لايوجد خطاب خارج تاريخيته الخاصة ( الظروف الذاتية للفاعل ) ، والشرط الثاني لايوجد تأويل خارج تاريخيته الخاصة أيضاُ ( الظروف الذاتية للفاعل الثاني ) ، والشرط الثالث لايوجد معنى ثابت أو جامد في علاقة هذا الأخير بتطور الفهم الإنساني نفسه ، ذلك الفهم الذي يقيس النص والتأويل حسب درجة وعيه من الزاوية الأولى ، وحسب درجة تخمر عناصر الواقع في ذلك الوعي من الزاوية الثانية ، والشرط الرابع لابد من معيار أو معايير تحدد مدى الحركة في كل من النص والتأويل ، والفاعلية الأصلية ( النسبية ) مابين الأثنين .
إن علم تأويل النص تدرج تاريخياُ في حيثياته مابين ( مناوشات ) هذه الأبعاد ، فنراه تارة يفسر النص بصورة عمياء ، وتارة بصورة مختزلة في المعنى ، وتارة بصورة مستبطنة في التكامل ، وتارة على طريقة ( أنصر أخاك ظالماُ أو مظلوماُ ) ، وتارة أصبح عنصراُ داخل النص ، وتارة عنصراُ خارج النص ، وتارة غدا كائنية مستقلة إلى جانب النص الأصلي ، لإنه أتى ، في الأساس ، ليردم الهوة مابين الوعي الإلهي والوعي البشري ، مابين العقل الإلهي والعقل البشري ، مابين الكلمة الإلهية والفعل البشري ، وهكذا كان هرمس ( وربما من هنا أتت التسمية هيرمينوطيقيا ) الوسيط مابين الإله والبشر ، ذلك هرمس الإله ( ورسول الآلهة أولمب في الميثولوجيا الإغريقية القديمة ) الذي أبى القطيعة في الكلي ، والذي أوصل الواقع البشري ووعيه بالوعي الإلهي .
وعلى مايبدو إن أفلاطون هو الفيلسوف البشري الذي بدأ يضفي على النص قيمة تأويلية تختص بالعلاقة مابين الإنسان والإنسان ، أي مابين النص والوعي ، وهاهو يقول على لسان سقراط ( إن فهم هوميروس هو ليس مجرد حفظ كلماته عن ظهر القلب ، ولن يتسنى لإنسان أن يكون راوياُ حقيقياُ لقصائد ملحمية مالم يفهم المعنى الذي يرمي إليه الشاعر ، لإن الراوي ينبغي عليه أن يؤول عقل الشاعر لمستمعيه ، وما كان له أن يؤوله حق تأويله مالم يعرف ما يعنيه ) .
لكن أختلف الأمر ، فيما يخص النص الديني ، وتحديداٌ النص التوراتي اللاهوتي ، لإن التأويل تخطى محتوى التفسير الرمزي واللغوي إلى إيجاد ضوابط وقواعد تفسيرية تأويلية لتلك النصوص المقدسة ، اي أصبح لدينا النص وتفسيره من جانب ، ومجموعة الضوابط والقواعد التي أمست جزءاُ منه من جانب آخر ، لذلك أمتدت نظرة المقدس إلى هذه المجموعة أيضاُ .
وفي الأزمنة الحديثة ، أتسعت دائرة الهيرمينوطيقيا بشكل جذري وباتت تتضمن معالجة مواضيع متعددة في كافة العلوم الإنسانية ـ مثل اللسانيات واللغويات والنقد الأدبي وعلم الإجتماع الإنثروبولوجي وفلسفة الروح والجمال والتاريخ ، حتى أضحت ، هي أي الهيرمينوطيقيا ، علماُ يكتسب أبعاداُ حقيقية على يد فلاسفة أمثال كل من شلايماخر ، وجادامير ، وديلتاي ، وبول ريكور .
أي ، وفي الحقيقة ، أنتقل مفهوم مصطلح الهيرمينوطيقيا من المستوى الأول حيث التركيز على النص وأشكالياته إلى المستوى الثاني حيث التركيز على النص والفاعل الأول والفاعل الثاني ، ففي المستوى الأول كمن الديني في فن التأويل ( البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس عبر النقد التاريخي ) ، وترجمة الكتاب المقدس ( فهم معنى النص عبر المبادىء اللغوية ) ، وثوابت المعتقد وضوابطه ( أدراك البنية الأصولية للنص) ، وفي المستوى الثاني أكترث المصطلح بالدلالات المتباعدة والمتقاربة بغية البيان والكشف عن الحقيقة النسبية لدى الجميع .
ولقد أصطحب هذا الإنتقال أنتقالاُ آخراُ في مضمون المعنى الذي يتجلى في الفرق مابين مفهوم التفسير والتأويل ، فالتأويل يختص أكثر بالمستوى النظري في حين إن التفسير يتعلق بالمستويين النظري والتطبيقي معاُ ، لذلك بدت لنا الإيديولوجيا كممارسة بعداُ مميزاُ في الهيرمينوطيقيا التفسيرية ، وبعداُ حيادياُ في الهيرمينوطيقيا التأويلية ، ولهذا السبب تحديداُ نرى آراء كل من ج . أ . أرنستي ، وفيليب أوغست بوكيه وأستاذه ف . أ . وولف ، باهتة في هذا الصدد ، حيث يركز الأول ( أرنستي ) على إن التأويل هو أدماج مابين ثلاثة عناصر هي الكلمة والحدث التاريخي وقصد المؤلف ، في حين عبر الثاني ( بوكيه ) عن رأيه ورأي استاذه ( وولف ) بقوله إن للتأويل ثلاثة مراحل هي : المرحلة النحوية ، والمرحلة التاريخية ، والمرحلة الفلسفية ، وفي الجانب الآخر عبر كل من ( ليسنغ ) و ( سيملر ) عن رأيهما على النحو التالي وهو إن التأويل هو شكل من اشكال إزالة الأسطرة ( اللينيالتية ) التي من خلالها يتم فهم فحوى النص ومن ثم تحويله إلى نص جديد بمصطلحات منطقية حديثة .
وهكذا تترآى لنا ثلاثة أتجاهات قد لاتكون متباعدة ، الأول ينتصر للفقه اللغوي التاريخي ( فريدريك أست ، أرنستي ) ، والثاني ينتصر للتأويل الفلسفي ( وولف ، بوكيه ) ، والثالث بنتصر للتأويل الإيحائي ( سيملر ، ليسنغ ) .
وخلافاُ لكل الأطروحات البليدة التي صنفت بول ريكور ضمن منهجية وسطية تنتقل مابين هذه الأتجاهات الثلاثة والأتجاه اللغوي ، فأننا نجزم إن بول ريكور أنطلق من أتجاه خاص وهو الإتجاه التأويلي الرمزي الذي يستند إلى خواص الرمزي في نسق ( الكلمة ) و( اللغة ) التي تقف في مركز أي نظرية تأويلية ، ودليلنا في ذلك إنه أكد أكثر من مرة إن التأويلي لاينتج ذاته إلا إذا توفر ما سماه ب( فائض المعنى ) أو ( فيض في المعنى ) الذي يدل دلالة تامة على محتوى الرمزي ، والذي قسم اللغوي ، بهذا المعتى ، إلى قسمين ، قسم لغوي جامد صارم جاف لايتجاوز ذاته ومحدد الأبعاد ، ضعيف التأويل ، ثابت التفسير ، وهذا مايناسب معظم النصوص اللاهوتية ، وقسم لغوي ذا تعابير متعددة الأصوات ، لايستقر على معنى معين لإنه يتخطاه إلى آفاق أرحب وأغنى ، ولايؤسس لأي معنى ثابت لإنه يخلق حالة من تناطح المفاهيم ، ولايسمح بإلغاء أو شطب أي معنى يلج في أبعاد اللغوي لإنه غني الدلالات تعددي الأتجاهات ، وهذا هو جوهر الرمزي الذي يناسب تماماُ جوهر تلك ال( تعابير متعددة الأصوات ) .
ومن هذا المنطلق تحديداُ يؤكد بول ريكور على حتمية التلاقي والقاسم المشترك الجزئي ، وعضوية تداخل وتشابك المعاني ، وضرورة العلاقة مابين علم الظواهر والبنيوية واللاشعوري ونظرية التأويل ( النظرية الرمزية ) ، ويكشف عن القاسم المشترك من خلال محتوى الذات أو الذاتية التي تتصارع في أنطولوجيتها في كل تلك الميادين لكي تتجسد ، هنا ، في ( الأبستمولوجي ) من خلال ثلاثية ( النص ، الخطاب والتأويل ) ، وإذا ما حذفنا ( التأويل ) لتبسيط الإشكالية ندرك بوضوح العلاقة مابين النص والخطاب اللذين أعتبرناهما ، حتى هذه اللحظة متطابقين على مستوى الدلالة أو متوازيين ، لكنهما ، في الحقيقة ، ليسا كذلك ، فالنص الذي هو ماهو يلتزم بذاته ويلد محتوى الخطاب ، ذلك الخطاب الذي يقوم بتفكيكه بواسطة أنزيماته الخاصة ( صراع التأويلات ) ويتجاوزه ( أي النص الأصلي ) ليخلق بعداُ جديداُ في الذاتية .
والعلاقة مابين النص والخطاب هي ذات العلاقة مابين التفسير والتأويل وهي ذات العلاقة مابين اللارمزي والرمزي وهي ذات العلاقة مابين ذينك القسمين اللغويين اللذين اشرنا إليهما آنفاُ ، وهي ذات العلاقة التي تحدد درجة أنعتاق ( الإنسان ) من ( الآلهة ) وهي ذات العلاقة مابين توافق التأويلات وصراعها ، وبمقدار ما تطابق ( وعينا ) مع مفهوم ( الأصل ) بمقدار ما أقتربنا من مفهوم النص ومضمون التفسير ومعنى اللارمزي والقسم اللغوي الجاف العاقر ومن مركز ( وعي ) الآلهة ومن توافق التأويلات ، وبمقدار ما تجاوز ( وعينا ) مفهوم ( الأصل ) بمقدار ما أقتربنا من محتوى الخطاب ونظرية التأويل ومعنى الرمزي والقسم اللغوي الولود ، وبنفس المقدار نبتعد عن مركز ( وعي ) الآلهة ، وبنفس المقدار تتفاقم حالات صراع التأويلات .
وهكذا نبلغ تلك النقطة التي تسمى بالممكنات ( وسماها البعض توهماُ وخطأ بالإفتراضات ) التي تتعلق بطبيعة المعنى أو ما يسمى بالفهم جراء التماس الدلالي المعنوي الذي ( ينتج عن كلمات النص – الخطاب - وقضاياه بحيث يشكل استقلاله الذاتي ) ، وبمجرد تشكل هذا ( المستقل الذاتي ) يتولد جدل مابين الذاتي والموضوعي وتتولد حالة من التناحر مابين الموضوعي الذي يتمسك بالمعنى الفطري في النص ( التفسير ) والذي يود العودة من ( الإبستمولوجي ) إلى ( الأنطولوجي ) ، والذاتي الذي يبحث عن معناه في الخطاب ( التأويل ) والذي يود أن ينطلق من ( الأنطولوجي ) إلى ( الإبستمولوجي ) ، وكأننا هنا إزاء حالة قلب الموازين ، وفي الحقيقة العملية معقدة ، لإن ماهو ( ذاتي ) في مرحلة معينة يتحول إلى ( موضوعي ) في مرحلة قادمة ، وهذا الموضوعي الجديد يكبت ولادة أي ذاتي جديد ، ذلك الذاتي الذي يبحث عن تأويل ليخرج إلى السطح ، أي ينتقل من حالة أنطولوجية مستترة إلى حالة أبستمولوجية علنية ، وهذا هو المقصود تماماٌ من مضمون ( التماس الدلالي المعنوي ) .
وبول ريكور ، الذي يدرك العلاقة المحمودة والصريحة مابين صراع التأويلات وذاك التماس الدلالي المعنوي وذاك المستقل الذاتي ، يؤكد أكثر من مرة إن الهيرمينوطيقيا ( هي نظرية عمليات الفهم في علاقتها بتأويل النص ) ، ويؤكد أكثر من مرة إن الفكرة الجوهرية في الهيرمينوطيقيا ( هي إدراك الخطاب بوصفه نصا ) ، والخطاب الذي يتولد من النص القديم يتحول إلى نص جديد يحل محل النص القديم ، فيتولد منه خطاب جديد ، وهكذا دواليك ، لإن مفهوم التأويل الحقيقي لايحدث مرة واحدة ، إنما يتجدد حسب عودة وعي الإنسان إليه وتطابقه مع درجة أدراك الإنسان لواقعه .
وفي الفعل ، لو حدث ( التأويل ) مرة واحدة أو مرات محددة معينة في شروطها ، لكنا إزاء حالة متشابهة يحل فيها تفسير جديد محل تفسير قديم ، أو كما أكد بول ريكور لحل النص المقدس محل الآلهة ، ومن ثم حل نص لاهوتي محل النص السابق ، ولما أستطعنا أن نبتعد عن وعي الآلهة .
وهكذا كلما أستردنا وعينا البشري ، أزداد مدى الإنزياح عن واقع النص الأصلي ، وأحدثنا قطيعة مابيننا وبين وساطة هرمس ، ودنونا من الهيرمينوطيقيا الحقيقية ، ولأضفى ذلك على التأويل مفهوم الصراع الحقيقي ، ولأقتربت منا ذاتنا ولتضاءلت درجة أغترابنا وأستلابناعن أنفسنا .
وفقط ضمن هذا المفهوم نستطيع حل الإشكالية الهيرمينوطيقية المركزية التي تتلخص في التعارض القاتل ما بين التفسير والفهم ، إذ كلما زاد الفهم قل التفسير وكثر التأويل ، وبالعكس كلما قل الفهم أزداد التفسير وقل التأويل ، لذلك لامنوحة من التكاملية مابين هذين المفهومين ، تلك التكاملية التي ندركها من خلال عملية تبرير السبب الذي من أجله تميل الهيرمينوطيقيا إلى تفكيكهما من جانب ، والتي سوف تمكن الإبستمولوجيا إلى إعادة توجيه الهيرمينوطيقيا ، بما يقتضيه مفهوم النص نفسه من جانب ثان .
ويمكننا أن نلخص ردنا على هذا التصور الريكوري على النحو التالي :
لدى القراءة المتمعنة والدقيقة لمؤلفه ( من النص إلى الفعل ، أبحاث التأويل ) ندرك حجم المأساة وجسامة ( الوضوح واللاوضوح ) لدى بول ريكور ، وندرك مباشرة إن البنيوي والتأويلي والرمزي واللاشعوري والفينومينولوجي واللغوي ليست إلا أشكالية في الخطابوي ، ذلك الخطابوي الذي نقارنه ، هنا ، بالنصوي ، لإن النصوي ، لدينا نحن ، ينفصل عن ( النص ) لدى ريكور .
وهذا التعقيد اللغوي مرده إن بول ريكور يستخدم ( النص ) بشكل لاشعوري في مستويين غير متقاربين ، المستوى الأول هو ( النص ) الذي يحتوي نفسه وذاتيته والرمزي ، والمستوى الثاني هو ( النص ) الذي يتجاوز الرمزي ، في المستوى الأول أستخدمنا كلمة النص مع كلمة الخطاب وتطوره في الزمن إلى محتوى الخطاب ، وفي المستوى الثاني نحن مضطرون إلى استخدام كلمة الخطابوي أو النصوي ، كي لانرتكب نفس الحماقة التي أرتكبها بول ريكور في تعامله مع مفاهيم غير متقاربة في المحمول بأستخدام ذات الكلمات في اللغوي .
ومن هنا تحديداُ لم نلمح أبداُ إلى فكرة بول ريكور التي حسبها ينبغي أن ننتقل ، في مستوى الهيرمينوطيقيا ، من محتوى الوساطة بالرموز إلى محتوى الوساطة بالنصوص بغية أن ندرك الدلالات الفعلية في علاقة التأويل بالخطاب من جهة ، وعلاقة التفسير بالنص من جهة ثانية ، لكن لامناص ، الآن ، من التطرق إلى حقيقة أبعاد هذه الفكرة ، فأنظروا إلى ما يقوله في مؤلفه ، من النص إلى الفعل ( ويظهر لي اليوم إن ذلك التعريف للهيرمينوطيقيا بتأويل الرموز ، هو تحديد ضيق ، وذلك لسببين سيقوداننا من الوساطة بالرموز إلى الوساطة بالنصوص ... فظهر لي إن الرمزية التقليدية أو الخاصة لاتبين من مواردها من تعدد المعاني إلا في سياقات خاصة ... ومن ثم لإن الرمزية تعطي فيما بعد مجالاُ لتأويلات متنافسة بل ومتعارضة بالتقابل حسب إذا كان التأويل يستهدف أختزال الرمزية عند قاعدتها الحرفية ومنابعها اللاواعية ، أو عند حوافزها الإجتماعية أو بقصد تكثيفها بحسب طاقتها الكبيرة للمعنى المتعدد ... وفي الحالة الأولى ترمي الهيرمينوطيقيا إلى إزالة الوهم عن الرمزية ، وفي الحالة الثانية تقصد الهيرمينوطيقيا إلى إعادة تجميع المعنى الأكثر ثراءاُ وسمواُ وروحانية ، لكن صراع التأويلات ، هنا ، يبين عن نفسه أيضاُ على المستوى النصي ) .
ويستطرد إنه ( ينتج من ذلك إن الهيرمينوطيقيا لايمكن بعد أن تعرف ( بضم التاء ) فقط بأنها تأويل الرموز ، إلا أنه يتبغي الإحتفاظ بهذا التعريف بصفته يدل على مرحلة ما بين الإعتراف العام بالطابع اللغوي للتجربة وبين التحديد الأكثر تقنية للهيرمينوطيقيا بوساطة التأويل النصي ) .
وهنا قد لانختلف كثيراٌ مع هذه الرؤيا ، أو ربما لايهمنا مدى صدقها ، ولكن يهمنا أبراز التناقض الداخلي في تصوره العام ، فهذه الرؤيا تختلف عن مفهوم التأويل ، ليس لإن هذا الأخير مرتبط بالرمزي ، كما أكد على ذلك بول ريكور نفسه ، إنما لإنها تحدث خللآُ في خمسة مجالات أصلية في الفكر الريكوري :
المجال الأول : إن البنيوي والفينومينولوجي واللاشعوري والرمزي والتأويلي هي ، حسب بول ريكور ، عمليات مرتبطة بالفهم وليس بالتفسير ، أي مرتبطة بالخطابوي وليس بالنص إلا أللهم إذا تحول النص إلى النصوي ، لإنه إذا تحول النص( القديم ) إلى نص جديد وظل يحتفظ بمفهوم النص فإنه يطيح بكل نظرية الهيرمينوطيقيا لدى ريكور ، وذلك لسببين أثنين ، السبب الأول لإننا أنتقلنا من حالة إلى حالة شبيهة ، لإننا أنتقلنا من حالة إلى حالة منعكسة خالية من شرط الفهم أو مفهوم الفهم وهذا كاف بحد ذاته لتفنيد ودحض كل ما زعمه بول ريكور في معالجته إشكالية ( الوجود والزمن ) لدى مارتن هايدجر وأشكالية الفينومنولوجيا لدى هوسرل ، لإن هاتين الإشكاليتين لاتستقيمان إلا بعد أعتمادهما على مفهوم ( شيء من التناقض ) لدى زمنية الأنتقال ، والسبب الثاني إن هذا الإنتقال لايوفر الشروط الذاتية و الموضوعية ُ لأنتقال جديد ، وإذا ما أنعدمت أي أمكانية للأنتقال أختنقت الهيرمينوطيقيا .
المجال الثاني : إن من أهم شروط الهيرمينوطيقيا هو شرط الأستمرارية ، وتحديداٌ مفهوم الديمومة ، ومن أهم شروط هذه الديمومة هو شرط مقدرة التأويل على خلق ذاته ، ولكي يستطيع التأويل على خلق ذاته لابد من الإنتقال ضمن الرمزي ، وتحديداُ الإنتقال من الرمزي ( واحد ) إلى الرمزي ( أثنين ) إلى الرمزي ( ثلاثة ) دون أن نرتكب حماقة المصادرة على المطلوب ، لإن بول ريكور يؤكد ضرورة وجود الوساطة بالرموز والمعادلات ، أو على الأقل في البداية ، لكن الوساطة بالنصوص تمنع أنتقال الوساطة بالرموز إلى بداية الأنتقال الثاني ، ناهيك عن الثالث والرابع .
المجال الثالث : لقد كانت المهمة التاريخية للتاويل ومازالت هي الأبتعاد عن سيطرة الوعي الإلهي ، وعودة الوعي البشري إلى مساربه ومغاربه ، ويالتالي القضاء درجة درجة على مفهوم الأغتراب ، ومن المستحيل أن تتحقق هذه الحالات الثلاثة إلا إذا أقترب التأويل من الواقع ، ومن المستحيل إن يدنو التأويل من الواقع إلا إذا دنا من الوعي التاريخي ، ذلك الوعي الذي لايسمح بالأنتقال على طريقة ريكور ، لإننا إزاء تطور في الخطابوي وليس في النص ، ولإن الخطابوي يتضمن النص الأعلى ورمزيته الجديدة ، ونسقط أستعمال النص الجديد لما لهذا التعبير من تبعية للنص الأول ، في حين إن تعبير النص الأعلى يتضمن تجاوز النص الأدنى تاريخياُ ووعياُ ورمزياُ ، لذلك تحدثنا في بداية الحلقة عن تلك الشروط الأربعة ، الشروط الذاتية للفاعل ، الشروط الذاتية للفاعل الثاني ، مسألة الفهم ، ومحتوى المعيار ، أي تلك الشروط التي تقضي على النص ورمزيته لتخلق نصاُ ( نصوياٌ ) أعلى ورمزيته ، ومن هذا المنطلق تحدثنا عن الأنطولوجي والإبستمولوجي والعلاقة فيمابينهما .
المجال الرابع : يؤكد بول ريكور إن الهيرمينوطيقيا تتعلق باللغوي ليس في القسم الأول منه ( الجامد العاقر ) إنما بالقسم الثاني الولاد المتكاثر ، ويستنبط من هذا القسم الأخير مفهوم ( فائض المعنى ) أو ( الفيض في المعنى ) ليستمد منه مضمون التأويل ، ومن المستحيل أن يتحقق فائض المعنى بمحتوى الكلمة أو الكلمات إنما لابد من الخطاب الكامل الشامل ( الخطابوي ) ، ومن المستحيل إن يتحقق بدون وجود الرمزي على طول الخط الذي بدونه نحصل على جفاف وشح في المعنى .
المجال الخامس : يؤكد بول ريكور إن الخطاب ( الخطابوي ) قد يستغني عن الأسناد وعن المحمول ، لكنه لايستغني عن المسند ، والمسند هو العمود الفقري للذاتية التي لاتستطيع أن تحيل نفسها إلى ذاتها بدون هذا المسند ، لإن الخطاب ليس بنية وحدات منفصلة معزولة ، إنما هو بنية التحليل التأليفي ، والتحليل التأليفي هو جوهر التأويل من جهة ، وهو جوهر الرمزي من جهة ثانية . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والأربعين .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم الإيديولوجيا لدى بول ريكور
- نقض الخصاء الرمزي لدى جاك لاكان
- نقض اللاشعور لدى جاك لاكان
- نقض آركيولوجية ميشيل فوكو
- نقض الإبستمولوجية التكوينية لدى جان بياجيه
- نقض مفهوم القطيعة الإبستمولوجية لدى باشلار
- نقض مفهوم التفكيك لدى جاك دريدا
- الثورة ومرحلة مابعد العولمة
- نقض مفهوم الصورة لدى أرسطو
- نقض مفهوم المادة لدى أرسطو
- نقض مفهوم الإحساس لدى أبيقور
- جنيف 2 أم أنهيار سايكس بيكو ؟
- نقض مفهوم الوجود لدى أفلاطون
- نقض مفهوم المثل الإفلاطونية
- نقض النوس ( العقل) لدى أناكساغوراس
- نقض مفهوم العقل لدى هيراقليطس
- نقض أنطولوجية بارمنيدس
- نقض المنظومة الفلسفية لدى القديس أوغسطين
- نقض مفهوم الزمن لدى القديس أوغسطين
- نقض المنظومة الفلسفية لدى سبينوزا


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض الهيرمينوطيقيا لدى بول ريكور