أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خيري حمدان - أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي














المزيد.....

أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 15:02
المحور: المجتمع المدني
    




ما يعانيه المثقّف العربي في الآونة الأخيرة هو انعكاس لحالة التيه والبحث عن الذات الإنسانية والمبدعة، وربّما البحث عن الانتماء الحقيقي في المجتمع العربي، الذي يبدو غير متماثل ومنفصل أخذًا بالاعتبار تركيبته الطبقية الاجتماعية والاقتصادية. ورغبة منّا بتوضيح بعض الجوانب الخفّية والظاهرة وبعيدًا عن الشأن السياسي، لا بدّ من الاستعانة ببعض الأوجه السياسية، وإلا، سنجد أنفسنا قد فشلنا في تشريح مظاهر أزمة الانتماء وتعذّر التوصّل لبعض الحلول المنطقية لمعالجة النتائج السلبية المتمخّضة عن هذه الأزمة. ونذكّر بأزمة الانتماء بالتزامن مع وفاة كولن ويلسون الفيلسوف والأديب البريطاني، مبدع لقب اللامنتي “The Outsider”، الأديب الذي وجد شهرة كبيرة في العالم العربي تفوق الشهرة التي حققها في بريطانيا والغرب.

أزمة الانتماء الثقافية ليست بالحالة الجديدة وليست حكرًا على المثقّف العربي بالطبع، ويمكن ذكر العديد من نماذج اللانتماء في الشعر الأوروبي المعاصر، مثالا على ذلك الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، الذي هجر الشعر بعد فترة قصيرة من كتابة روائعه، وبعد التفرّغ لممارسة حياة بوهيمية عابثة مع رفيق حياته بول فيرلين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ رامبو مرحلة طويلة من التسكّع والعمل في تجارة السلاح المحظورة شبه الشرعية، وهو الشاعر المبدع الذي كتب الحياة وغنّاها، ولم تعترف فرنسا وأوروبا بعبقريته قبل مرور عقود من الزمان على وفاته، متأثرًا بالسرطان الذي أصاب قدمه اليمنى، التي بترت دون فائدة بعد ذلك، ليفارق الحياة ولم يتعدّى السابعة والثلاثين من العمر.

يحضرني اسم آخر ترك أثره الكبير في الأدب العالمي، والمقصود بذلك الأديب الأمريكي هنري ميلر، مؤلف رواية "مدار الجدي" والتي قيّمتها بعض المؤسسات المهتمة بالآداب العالمية كأفضل رواية كتبت في القرن العشرين، الرواية أطلقت نجم هذا الأديب وفتحت له الآفاق الواسعة للثراء والعمل والتجوّل. ومدار الجدي بحدّ ذاتها تعتبر حالة من الانقلاب على كلّ ما هو منطقي وأخلاقي متعارف عليه في النصف الثاني من القرن العشرين، بل وحتّى في وقتنا المعاصر الذي يشهد عودة للمحافظة والأصولية في أوروبا والعالم العربي على حدّ سواء. وهناك بالطبع آلاف الأمثلة على حالات التوحّد والانفصال عن الحاضر والمجتمع على المستوى العالمي، وعودة لعالمنا العربي في محاولة لدراسة ملف محنة الانتماء أو الانسلاخ.

قبل أيام، بعثت قيادة رابطة الكتاب الأردنيين رسالة هاتفية لتهنئة أعضائها بعيد الميلاد المجيد نكاية بالوهابية! التهنئة أمر ضروريّ وأحد علامات التسامح الدينيّ والألفة ما بين الأقليات الدينية على اختلافاتها، والمسيح عليه السلام هو رمز المحبّة "ربّما وحده القادر على إدارة خدّه الأيسر إذا لُطِمَ خدّه الأيمن"، لكن إقحام المسيح وولادته المجيدة في الشأن السياسي والصراع القائم أمرٌ غريب ومستهجن، كما إنّ هذا التوقيت يترك الكثير من علامات الاستفهام، توقيت ولادة رمز المحبّة والتسامح. تخلّى الغرب الرافض لموجات الهجرة الكبيرة القادمة من الشرق وبخاصّة من سوريا، عن مخاوفه وهواجسه الأمنية والعقائدية، وهبّت المؤسسات الرسمية والمدنية لتقديم الهدايا للأطفال ووجبات الطعام الساخنة، للاجئين الباحثين عمّا يسدّ الرمق في مراكز اللجوء البائسة. باسم يوم الميلاد المجيد تجاوز العالم الغربي عن حواجز الاختلاف والخوف وأوفى برسالة الخلاص والإنسانية التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام. لكن الأمر بقي مختلفًا في موطن المسيح وأبت رابطة الكتّاب الأردنية "اعتذرت لاحقًا عن خطوتها" تجاوز الخلاف وسياسة فرض الرأي الواحد واستثمار هذه المناسبة بغية تسييسها وزرع الخلاف بين الفئات الاجتماعية بغضّ النظر عن الطرف المعنيّ سواءً كان وهابيًّا، سنّيًا، شيعيًا، درزيًا، علويًا، مسيحيًّا شرقيًا، كاثوليكيًا، أرثوذوسكيًا أو غير ذلك. المجتمع العربي مختلف وثريّ بتنوعه وإذا ما استخدم هذا التنوّع وسيّس لتحقيق مصالح معيّنة أو لفرض الرأي الواحد، فإن الفتنة ستصبح قائمة وأمرًا واقعًا لا محالة. في لبنان أيضًا، قرأنا واستمعنا لتصريحات زياد الرحباني ومحاولة توريط السيدة فيروز في الخلاف السياسي ما بين مناصر ومعارض للأسد، في إحدى أسوأ المراحل التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، وقرأنا تعليق واستدراك السيدة ريما رحباني، شقيقة السيد زياد الرحباني والمتحدثة باسم الفنانة فيروز واعتبار تصريحات أخيها "تكهنات وتركيبات زياديّة على حساب فيروز فقط لا غير، ونقطة على السطر".

تتمثّل المأساة غير المقروءة في الصراع السوري في عدم القدرة على رؤية حجم مأساة الشعب السوري بكلّ أطيافه، وفي الواقع لا يوجد منتصر في هذا الصراع ولن يتمكن أيّ من الطرفين من تحقيق أيّ انتصار. ما يحدث حقيقة هو تفكيك لكلّ سوريا ومحاولة فريدة وناجحة لشقّ المجتمع العربي في شأن ملف الصراع السوري الذي أخذ بعدًا دوليًا. وبعد مضيّ المزيد من سنوات الصراع الدمويّ في سوريا، سنجد بأنّ المنطقة بأكملها منقسمة على ذاتها، كلّ شقّ على أتمّ الاستعداد لتدمير الشقّ الآخر، وستستمر عمليات الذبح "عالسكين" والتسمية قبل قطع الرؤوس، وستستمرّ عمليات إلقاء بالبراميل الملأى بالمتفجرات بطريقة بدائية حاقدة ممنهجة. مزيد من القتل والانقسام، ما سيترك أثره الواضح في بناء شخصية المثقف العربي غير القادر على تحديد موقعه في جغرافيا ذات سمات انقسامية متفجّرة وتاريخ لا يعترف بالتحبير ومصرّ على استخدام احتياطيّ الدم العربي لكتابة ذاته. المأساة يا "تاريخنا" تكمن في أنّ احتياطي الإنسان من الدم لا يتعدّى في أفضل الحالات ستّة ليترات، فهل تخبرنا بالله عليك يا تاريخنا عن كميّة الدماء التي تحتاجنا لتريح وتستريح؟!.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة متلبّسة بالدهشة
- الكيلومتر الثلاثون
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة
- ذاكرة معطوبة
- الخطاب ما قبل الأخير
- البصطار
- يوم قُتلت كارولينا
- الشاعرة البلغارية المعاصرة سيلفيا تشوليفا
- بوحٌ في أعلى السلّم
- الشاعر البلغاري داتشو غوسبودينوف
- غرغرينا
- خيري حمدان ونصيرة تختوخ ونصّ مشترك - هواجس خريفية
- ألا ترى بأنّ صلاحيتهنّ قد استنفذت - مانويل فيلاس
- تانغو في عمان
- على شفا رحيل


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خيري حمدان - أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي