أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - رؤساء المخافر














المزيد.....

رؤساء المخافر


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1228 - 2005 / 6 / 14 - 10:34
المحور: الادب والفن
    


رغم أنّ الصلة قد تبدو واهية قليلاً، أو حتى كثيراً، بين الروائي السوري الكبير هاني الراهب (1939ـ 2000) والمؤتمر العاشر لحزب البعث الذي اختتم أعماله مؤخراً في دمشق، فإنّ الراحل كان في قلب التداعيات الكثيرة التي كان لا مناص من استعادتها إزاء خبر إعادة إنتخاب علي عقلة عرسان، رئيس اتحاد الكتّاب المزمن منذ ربع قرن، في عضوية اللجنة المركزية للحزب.
والحكاية، التي يعرفها معظم المثقفين السوريين وأعاد تفصيلها مؤخراً «المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية» ضمن تقرير واسع حول بنية السلطة الحاكمة، تعود إلى العام 1985 حين شارك الراهب في مؤتمر إتحاد الكتّاب. آنذاك أغلظ الراحل القول للمكتب التنفيذي المنتخَب، واعتبرهم «عملاء وأزلام للمخابرات»، و«مجرّد عناصر شرطة عند الحكومة»، كما أطلق على علي عقلة عرسان صفة «الرقيب علي، رئيس مخفر إتحاد الكتّاب»...
بعد أيّام معدودات، اعتُقل الراهب في مطار دمشق وهو في طريقه إلى اليمن حيث كان يعمل مدرّساً بالإعارة، وسُحب جواز سفره، كما فُصل على الفور من وظيفته كأستاذ للأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وظلّ طيلة سنتين ممنوعاً من السفر. البطل الثاني في هذه الواقعة، أو لعلّه الأوّل في الواقع، هو أحمد درغام الذي كان آنذاك عميداً لكلية الآداب إلى جانب موقعه القيادي في حزب البعث، حيث استحقّ لقب «جدانوف البعث» بسبب هوسه بممارسة الرقابة الثقافية والفكرية.
لكنّ الراحل عاد إلى الذاكرة في مناسبة مؤتمر البعث لأسباب أخرى أيضاً، في رأسها أنه كان أحد أبرز نماذج وعي إبداعي إنشقاقي تحلّى بسمات تكوينية وفلسفية وسلوكية مميّزة. وكان الراحل إبناً وفيّاً لتلك الأطوار التي شهدت ارتجاج الوعي بالهويّة الوطنية والموقع الإجتماعي والموقف الفكري للمثقف من طراز الراهب: اليساري غير الماركسي، القوميّ ولكن الوجودي على غرار جان بول سارتر أو ألبير كامو، الريفيّ المتحدّر من بيئات فقيرة، المتحالف في الحزب أو الجامعة أو المقهى مع رفيقه أو زميله أو صديقه المدينيّ البرجوازي الصغير الذي يشاطره الحساسيات ذاتها، القادم إلى الحاضرة الكبيرة (دمشق، بصفة أساسية) حاملاً عناصر اغترابه وتمرّده على «الحياة الأخرى» وتعطّشه إليها في آن معاً.
وكان العمل السياسي (في حزب البعث أو الحزب السوري القومي الإجتماعي، على نحو خاصّ) هو بوتقة تعريف ذلك المثقف على الحياة الأخرى تلك، وكان أيضاً بوتقة انصهاره فيها أو انسلاخه عن أعرافها وشروطها، وخيرها وشرّها. البوتقة الثانية تمثّلت في العمل الإبداعي، ولم يكن مفاجئاً أنّ تكون الهزيمة الشاملة هي الموضوعة المركزية الطاغية في النتاج الأوّل لمعظم أبناء هذه الفئة. هذه حال الأعمال الروائية والشعرية لأمثال الراحل (خصوصاً في روايته الأولى «المهزومون»، التي نالت جائزة مجلة «الآداب» مطلع الستينيات، وكان مؤلفها في الثانية والعشرين من العمر)، ومعه حيدر حيدر ونبيل سليمان وممدوح عدوان وعلي كنعان ومحمد عمران، على سبيل الأمثلة فقط.
لكنّ الراهب انفرد عن هؤلاء بخصيصة واحدة، أظنّ أنها علامة مشرّفة في مساره الشخصي والإبداعي، هي تلمّسه المبكّر لمعنى ارتباط الإحتجاج بالحرّية، ومدى الحاجة إلى الديمقراطية على صعيد المجتمع العريض بأسره أوّلاً، ثم على صعيد المبدع بعدئذ واستطراداً. وليس من المبالغة التذكير بأنّ الحديث عن «الديمقراطية» بدون صفات لاحقة (مثل «الديمقراطية الشعبية» على سبيل المثال) كانت في مطالع الستينيات أقرب إلى السُبّة، لأنّ التبشير العقائدي في تلك الإيّام كان يدرج هذه المفردة في المعجم الإمبريالي وحده، وكان القائل بها يصنَّف فوراً في عداد الطابور الخامس.
وهكذا، ولأنّ درغام وعرسان صنّفاه في صفّ «عملاء كامب دافيد»، مُنع الراهب من الكتابة في الصحف السورية (مراراً، وبقرارات رسمية كانت تصدر عن وزراء الإعلام المتعاقبين)، ثم فُصل من جامعة دمشق كما سبقت الإشارة، وخُيّر بين التقاعد المبكّر أو تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الثانوية (وهو الحائز على الدكتوراه في الأدب الإنكليزي، عن أطروحة متميّزة تناولت الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية). وهكذا، اضطرّ الراحل إلى الإستقالة ومغادرة سورية للتدريس في جامعة الكويت.
وقد يردّ أحد المتفائلين خيراً بمؤتمر البعث العاشر بالقول إنّه رغم إعادة إنتخاب عرسان في اللجنة المركزية، إسوة بنقيب الصحافيين صابر فلحوط ونقيب الفنانين أسعد فضة، فإنّ أحمد درغام لم يُنتخب في القيادة القطرية. والحال أنّ الأكثر شراسة من درغام قد وصل إلى القيادة القطرية، وأقصد اللواء المتقاعد هشام بختيار مدير إدارة المخابرات العامة، وأحد أشدّ ضبّاط الأمن السوريين عنفاً ودموية. والكاتب والصحافي السوري الشهيد رضا حدّاد (1954ـ 1996)، الذي اعتُقل سنة 1980 وخرج سنة 1995 مصاباً بسرطان الدم، كتب شهادة بليغة حارّة شجاعة هي القول الفصل في مآثر بختيار.
الأمر الذي لا يجعلنا متأكدين من أننا لن نترحّم على أيّام درغام!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هشام بختيار: مجرم حرب عضو في القيادة القطرية
- تقاعد خدّام: استباق العاصفة أم التباكي على السياسة؟
- تأتأة عن الماغوط
- اغتيال سمير قصير: الوحش الأمني حيّ يسعى ويؤدّب ويقتل
- ماركسية عصرنا: أداة تحرير ومقاومة
- نبوءة ماركس والأشباح العائدة
- إسكندرية كافافيس
- الدستور الأوروبي الموحد وانحطاط الحلم إلى ردّة
- وما أدراك ما القراءة
- سورية والجوهري هذه الأيام: عود القمع على بدء الاستبداد
- مواطَنة فخمة
- السعودية: عنف يتفاقم، مأزق يستحكم، ونظام يتآكل
- تحية إلى المؤتمر السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري
- من طروادة إلى بغداد
- بلير والولاية الثالثة: الناخب أعطى، وثاتشر أخذت
- أبقار نووية
- بشار الأسد بعد الإنسحاب من لبنان: اختبار النار؟
- العراقي الطائر
- القيادة السورية: أيّ انقلاب أبيض يصلح البنية المستعصية؟
- غسان كنفاني... شكراً


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - رؤساء المخافر