أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الشاطيء الشاهد














المزيد.....

الشاطيء الشاهد


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 08:14
المحور: الادب والفن
    


إذا كان " ميشيل " يقضي الكثير من وقته على الشاطيء، فلأجل ابنته الحبيبة. إنّ " جيما " الجميلة، ذات الشعر الأشقر كالذهب ( مثل أمها المنتمية للشمال الايطالي )، كانت مهووسة بالسباحة في البحر. ولكننا استخدمنا كلمة " سباحة " تجاوزاً، بطبيعة الحال. فما تجاوز الماءُ المالحُ مرةً ركبتيّ الطفلة ( المرتدية المايو الدقيقَ الحجم حدّ الطرافة )، حينما دأبت على الركوض عند الشط وهيَ ممسكة بيد أحد والديها. وها هوَ الأبّ الآن وحيداً مع ابنة الأربعة أعوام، مع انسحاب امها إلى حجرتهم الكائنة في الفندق القريب. لولا اعياء زوجته الحامل، فكّر " ميشيل " بأسف، لكان قد ترك الطفلة معها ومضى في جولة حول أسوار " الصويرة " القديمة. كونه معمارياً ( ارشيتيكت )، ما كان يُهمل ما يتوالى أمام عينيه من مشاهد الأبنية العتيقة، العريقة، التي دخل تحت رقّ فنها أسلوبا العمارتين المغربية والبرتغالية.
" جيما "، من جهتها، استحقّ اهتمامَها مشهدٌ عمرانيّ واحدٌ، حَسْب. وإنه لبناءٌ أثريّ، أيضاً: " هناك، تسكن الساحرة.. أليسَ كذلك، بابا؟ "، تساءلت أكثر من مرة وهيَ تشير بيدها الغضة إلى جهة الجزيرة المهجورة. ثمّة، كان يبدو فعلاً حصنٌ متداعٍ، متماهٍ بالأفق الأزرق وأشعة الكوكب الناريّ، الذهبية. على أنّ نظرَ " ميشيل "، كما سلفَ القول، كان منجذباً نحوَ أسوار المدينة القديمة، التي تبعد عن موقفه بضعة مئات من الأقدام. حينما كان يرمي ببصره إلى تلك الأنحاء، لم يكن ليهمل لحظةً مراقبة الابنة وهيَ تتصنّع حركة الهارب من الموجات الهيّنة الارتفاع والمتواترة الاندفاع. بينا هوَ يتابع " جيما "، إذا بعينيه تضبطان أحدَ الرجال " العرب "، وكان واضحاً أنه يتبرّز داخل الماء على مسافة ليست بالبعيدة عن الشط الرمليّ. برهة أخرى، على الأثر، وكان على " ميشيل " المتقزز أن يمسك يدَ طفلته ويبتعد بها عن المكان، بعدما شاهدَ إحدى فضلات البراز طافيةً على الماء وقد دفعها الموجُ إلى ناحيتهم.
لما كان يهمّ بسحب الفوطة من عربة الابنة، كي يجفف جسمَها، فإن هذه راحت تصرخ بعناد مطالبةً بالعودة إلى البحر. مُحْرَجاً تحت أنظار المستجمّين ( وكانوا أيضاً من جنس ذلك الرجل المتبرّز )، رضخَ " ميشيل " لرغبة طفلته وآبَ مجدداً معها إلى الشط. ثمّة، كان زوجٌ فتيّ من الأوربيين يتمشيان على الرمال المتلألئة، المتناوب عليها مدّ وجزرُ الأمواج، فما أن مرا بالقرب من الطفلة اللاهية حتى رمقاها متبسّمين. والدُ الطفلة، تابعَ مواطنَيْه هذين وهما يبتعدان باتجاه الناحية المؤدية إلى الكورنيش. ثمّ حلّق نظره ثانيةً، كما النورس، فوق مناظر المدينة القديمة، التي لطالما سحرته. فبرغم أنه لم يمض هنا سوى أسبوع أو نحوه، فقد تسنى له الاحاطة بالكثير من تفاصيل الأشياء الحميمة. هوَ ذا يتنقل بعينيه رويداً، مبتدئاً برصيف المرسى، أين برزت منه مقدمات سفن الصيد الزرقاء اللون، الكبيرة والرثة في آن. ليتناهى به البصرُ فوق أحد برجيّ القلعة البحرية، التي تعدّ لوحدها في رأيه معجزة عمرانية. ومن ثمّ انتقلت عيناه باتجاه ساحة القصبة، الأثيرة عند السيّاح خصوصاً، وقد كشفت عن جزئها المحتفظ بكراج السيارات. ثمّ توالت مشاهدُ البيوت التقليدية، المتميّزة بلونيها الأبيض والسماويّ، والمعتلي بعضها الأسوار مع أبراجه الهرمية والخضراء اللون. فما أن عادَ النورسُ، أخيراً، فحطّ من جديدٍ على الموج، حتى انبعث هتافٌ مروّعٌ على الاثر: " جيما..؟ ".
خلال لحظاتٍ، خالَ أنها العمرُ، كان " ميشيل " ينادي باسمَ ابنته وهوَ يتراكض كالمَمسوس من مكان إلى آخر. ملابسه، المكوّنة من شورت وقميص بكمَّين قصيرين، حقّ لها أن تقطر بالماء المالح بسبب خوضه الموجَ المرة تلو الأخرى. ولكن، عبثاً كانت صرخاتهُ و عَدْوُهُ. أيضاً لم يَفِد استنجاده بأولئك المستجمّين، المكوَّمين على أنفسهم فوق الرمال، والذين بدوا غير معنيين بلغته الانكليزية. في لهوجته، كان " ميشيل " قد خاطبهم أولاً بالايطالية؛ هوَ من كان يجهل الفرنسية على كلّ حال. ظهورُ زوجٌ آخر، من مواطنيه الأوربيين، كان للأبّ المنكوب بمثابة بصيص من أمل: " ابنتي.. طفلتي الصغيرة.. أرجوكم، كانت هنا قبل لحظات حَسْب "، راحَ يردد بصوتٍ أبحّ ومتهدّج فيما نظراته تتوه بين الرجل والمرأة. لحسن الحظ، كان كلاهما يعرف الانكليزية. فحاولا تهدئة روعه ما أمكن. فما أن همّت المرأة بالتوجه نحوَ المستلقين على الرمال، كي تستنطقهم بالفرنسية، حتى بان لها عن بُعد شرطيان يمتطيان حصانين وكان يبدو أنهما متجهان بهمّة إلى مكان الحادث. ها هيَ الحركة تدبّ في التماثيل الرملية كذلك، بعدما حمّسها على الأرجح ظهورُ رجال أمن الشاطيء. عندئذٍ، تناهض العديد من هؤلاء المستجمّين لكي يخوضوا الحرَ بحثاً عن البنت المفقودة. فلما عادوا إلى الشط خائبين، بعد نحو ربع الساعة، اتجهوا هذه المرة نحو الشرطيين لبثّ ما قد شهدوه من أمر اختفاء الطفلة:
" كانت ابنة هذا الكَاوري { الأجنبي النصراني } تلهو بالمياه "
" ثمّ ابتعدت عن أبيها قليلاً.. "
" انها ابتعدت كثيراً، وكأنما قوة سحرية كانت تجذبها إلى البحر "
" وما هيَ إلا دقيقة، بل ربما ثوان، حتى اختفت المسكينة في خضمّ اليمّ "، كان أولئك الشهود يتكلمون بلغتهم المحلية مع الشرطيين. في هذه الأثناء، صار بعضهم يتواصل مع الزوج الأوربيَيْن بالفرنسية. هذان، كانا يختلسان بين فينة وأخرى نظراتٍ قلقة من أب الطفلة، المفجوع. وها هوَ الآن، ذاهلاً عما حوله، يُردد سؤالاً واحداً: " لماذا لم أسمع صوتَ جيما؛ لماذا لم أسمع صوتَ هؤلاء الناس..؟ ". وقبل أن ينهارَ كموجةٍ فوق رمال الشط، صرخَ الأبّ باسم " جيماه " للمرة الأخيرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس
- القضيّة
- الطوفان
- مسك الليل
- خفير الخلاء
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الشاطيء الشاهد