أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - في مسألة الأخوان المسلمين في سورية















المزيد.....

في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1228 - 2005 / 6 / 14 - 10:13
المحور: المجتمع المدني
    


المعضلة الحقيقية في تناول موضوع الحركات السياسية الإسلامية هي صدور هذه الحركات عن ربط الدين بالسياسة، وتزداد المعضلة صعوبة كون هذه الحركات محقة بهذا الربط نظراً إلى أن الدين الإسلامي جاء بالفعل مغمساً بالدنيا. ولئن كان هذا التداخل الديني الدنيوي هو، برأيي، سر نجاح الدعوة الإسلامية الأولى، فهو الآن أس المشكلة. لن استطرد في هذا الجانب بل سأشير إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي الفارق الجوهري بين التداخل الديني الدنيوي (السياسي) في مرحلة الدعوة الأولى وبينه اليوم. هذا الفارق هو وجود قناة الوحي عندئذ (بوجود الرسول) وغيابها بعدئذ (بوفاة الرسول). فكثيراً ما كان يتدخل مصدر الوحي ليحل معضلة دنيوية ما أقلقت الرسول أو ليصحح خطأ ما هم به الرسول. والآن فإن انقطاع هذه القناة جعل من التداخل الديني الدنيوي معضلة بلا حل.
والأخوان المسلمون، كغالبية الحركات السياسية الإسلامية، يسندون السياسة إلى الدين، وما في هذا، كما ذكرنا، من مشكلة إحالة الأمور الدنيوية إلى مرجعية علوية لا سيطرة للعقل عليها. وبالتالي لا مجال للحوار العام فيها، فيعود الأمر إذن، شرعاً، إلى أولي الأمر، إلى "مجلس أوصياء" أو "مجلس إفتاء" ..الخ! وهذه نقله من شأنها أن تحرق المستوى السياسي برمته.
وتتراكب، في مسألة الأخوان المسلمين في سورية، هذه المعضلة على معضلة أخرى هي المعضلة الطائفية. فهم يكرسون الانتماءات الطائفية بسعيهم للتعبير، تنظيمياً وسياسياً، عن فئة محددة عمودياً (طبيعياً) في المجتمع؛ وتحويل الأديان والطوائف الأخرى بالتالي إلى "أغيار". وربما دفع هؤلاء الأغيار إلى تعبيرات طائفية ودينية خاصة بهم.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن الأخوان المسلمون، وكل الحركات المماثلة، يعملون على تحويل الانتماء الطائفي (الذي لا يختاره المرء بطبيعة الحال) إلى انتماء دستوري مؤسسي. أي إعلاء الانتماءات ما دون الوطنية فوق الانتماءات الوطنية. الأمر الذي يحيل وحدة البلد، إذا تحقق، إلى وحدة كتل مترابطة خارجياً وجاهزة للانفراط، أي إلى لا وحدة.
عقدة الوكالة؟
يلفت النظر هذا الترحيب غير النقدي من قبل أقلام علمانية بكل ما يصدر عن الأخوان المسلمين. ويتساءل المرء ما سر هذا الاحتفال "العلماني" بحزب طائفي مع الكف والامتناع عن النقد والتمايز؟ لا شك أن هناك تغيراً في خطاب الأخوان المسلمين في سورية، وهو تغير محمود بالتأكيد. ولكن لماذا تغيب أسئلة بسيطة من نمط: ما هو شكل الدولة الحديثة (التي يتحدث عنها السيد البيانوني) التي يمكن انتظارها من حزب طائفي. حزب يعتمد في بنائه التنظيمي على انقسامات عمودية في المجتمع، انقسامات طبيعية لا مدنية. حزب يكرس الانقسامات الطائفية في المجتمع ويمأسسها؟ وماذا يعني أن يحق لمواطن دون آخر (وفق التمثيل الطائفي) استلام منصب ما مثلاً؟ ألا يعني تراتباً في المواطنية؟ قل نكوصاً إلى ما قبل مفهوم المواطن؟ وهل هذا حقاً هو ما يجنبنا الانقسامات؟ هل الارتماء في البحر ينجي من البلل؟ أم ما ينجينا فعلاً هو ترسيخ الأرضية المشتركة بيننا لا تفتيتها؟ ثم لماذا هذا الحماس لحرية رأي (طائفي) دون الحماس لنقده؟ هل لدى "العلمانيين" ولع بالوكالة عن الغير؟ كما لو أن عدوى العقلية "الجبهوية" انتقلت من جبهة السلطة إلى جبهة المعارضة. أم ثمة في الأمر "براغماتية" و"حنكة" من نوع ما؟
تغيب هذه الأسئلة البسيطة وتكبت وراء لغة "علمانية" تسويغية. ولكن ستار اللغة لا يخفي هشاشة المنطق. إن مصلحتنا المشتركة تقضي الترحيب بكل خطوة إلى الأمام من أي جهة جاءت، ولكن مع التنبيه إلى المخاطر التي تبقى عالقة في الأفكار المطروحة، أي ترحيب مع النقد. فما هو مطلوب من العلمانيين هو التمايز لا الالتحاق، الأصالة لا الوكالة. وهذا هو ما يدفع الحركات السياسية الإسلامية إلى الانفتاح على العصر وتحرير المستوى السياسي من القيود العقيدية التي تشله. والمثال التركي مؤشر على ذلك. فالحركة الإسلامية المتعايشة في تركيا مع نظام ديموقراطي هي كذلك بفعل قوة التيار العلماني ثمة، وليس بفعل تميز الإسلاميين الأتراك عن الإسلاميين العرب، وهذه من الخدمات التي يمكن أن تقدمها الحركات والأقلام العلمانية للمجتمع.
مثال
لنتناول، على سبيل المثال، فقيه إسلامي متنور حقاً، أقصد الدكتور محمد سليم العوا. فهو بالفعل يصل درجة من المعاصرة يرى منها أن الانتماء الوطني فوق كل الانتماءات الأخرى، إذ يقول: "المسلمون وغير المسلمين سواسية في حقوق المواطنة وواجباتها. لا فرق بين مسلم وغير مسلم في التمتع بالخدمات والانتفاع بالمرافق وشغل الوظائف – غير الدينية- التي يقوم بها كيان الدولة وبنيانها". ومع ذلك فإنه، بعدم تحريره المستوى السياسي تماماً من أسر العقيدة، يجد نفسه محكوماً بقيود لا يستطيع الفكاك منها وإن شاء. فهو رغم قوله: "إن المسألة السياسية كلها مسألة اجتهادية"، يستأنف فيقول: "ولكن هناك قيم إسلامية ملزمة للحكام والمحكومين والفقهاء والمجتهدين...والقيمة الأساسية التي تتفرع عنها سائر القيم السياسية الأخرى هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". لا خلاف مع الدكتور في شأن ذلك، ولكن تبدأ المشكلة هنا بالضبط: ما هو المعروف وما هو المنكر ومن يحددهما؟ لاحظ كيف يتم إقحام مفهوم ديني في ميدان دنيوي (السياسة). لذلك ينطرح السؤال: هل يمكن لباحث أو سياسي علماني أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع (طالما أنه موضوع ديني)؟ هل يحق لمواطن غير مسلم أن يساهم في حل هذه المسألة (الإسلامية)؟ هل يتساوى أبناء المذاهب الإسلامية المختلفة في تحديد هذه المنكرات؟ ثم ما هو النهي المقصود؟ هل يبقى في المجال الوعظي التربوي الإرشادي ويترك للفرد حرية الاختيار وفق ما يملي عليه عقله، أم يمارس عليه القسر؟ وما شكل هذا القسر؟ أليس قسر الناس على ما تراه جهة ما (تحتكر الرؤية) معروفاً هو أمر منكر يستوجب النهي؟ إذن هذه القيمة الأساسية الملزمة تطرح مشاكل أكثر بكثير مما تقدم حلولاً، وهي تطرح مشاكل مستعصية في الواقع بقدر انتماء هذه القيمة إلى مجال مقدس، وبالتالي فإن نوعية هذه المشاكل التي تطرحها هذه القيمة مختلفة تماماً عن نوعية المشاكل التي يطرحها خلاف ما على سن قانون مدني. ذلك أن هذه الأخيرة لا تحمل توترات نفسية عقيدية الطابع تدفع إلى مسالك تقويمية جهادية قد تكون رهيبة، وقد يباشرها أفراد يعتبرون أنفسهم قيمين على الناس بعيداً عن المؤسسات المتواضع عليها.
إن نقطة التماس هذه بين الدين والسياسة والتي لم يستطع الدكتور العوا – رغم كل سعة أفقه وعقلانيته – تجاوزها، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة.
لنأخذ أيضاً مسألة التعددية السياسية، يتحمس الدكتور العوا حماساً شديداً للتعددية السياسية ولحرية الرأي، ليعود ويسحب جل البساط الواسع الذي مده فيقول: "وكان من رأينا – ولا يزال – أنه لا تثريب اليوم على دولة إسلامية إن هي سمحت بتعدد الأحزاب فيها. وأنها يجوز لها، لا بل يجب عليها، أن تشترط على هذه الأحزاب الالتزام بقيم الإسلام وأحكامه، ثم تدعها بعد ذلك وما تدعو إليه (كذا)..". مرة أخرى نجدنا أمام الحائط. ما الجهة التي تحدد قيم وأحكام الإسلام؟ هل هي عموم الشعب بما فيه من مسلمين (بكل مذاهبهم) وغير مسلمين؟ الجواب الأكيد هو: لا. فمن غير المعقول أن يحدد غير المسلمين قيم الإسلام وأحكامه، ومن غير المعقول أن تلغي جميع الفرق الإسلامية خلافاتها لتتفق على قيم وأحكام محددة اليوم. إذن ينتهي هذا القول إلى احتكار جهة ما لحق تحديد قيم وأحكام الإسلام التي سوف يتم فرضها على البقية. ومن البديهي أن الأحزاب المرشحة للحظر – قياساً على هذه القيم والأحكام - هي من النوع الذي لا يحق له تحديد قيم وأحكام الإسلام وبالتالي فهي محكومة سلفاً بالإقصاء الأبدي.
إذن، مرة ثانية، عدم تحرير المستوى السياسي من أسر المستوى العقيدي يحيل كل التقدم البادي والحسن النية إلى مجرد كلام ضعيف التأسيس.
في موضوع الثقة
الأخوان المسلمون قوة واقعية في سورية لا يمكن ولا يجب تجاهلها. الممكن والواجب هو نقد المنظور الذي يحكم رؤيتهم للواقع السياسي في سورية. وموضوع عدم الثقة بهذه الحركة لا ينتمي إلى مجال الشعور (كما لو أنهم قدموا للعقل كل ما يستوجب الثقة وظل في القلب ظل من شك) بل إلى مجال الوعي. وكما سبق أن أشرت كيف يمكن أن تثق بالدعوة إلى بناء دولة حديثة من قبل جهة طائفية؟ ضعف الثقة إذن من ضعف المعطيات المنطقية التي تنبني عليها الثقة، وليس من باب الحدس أو عقدة عدم الثقة بالآخرين.
ويمكن القول على ضوء التجربة في بلدان العالم الثالث، إن الأفكار الكبيرة (الاشتراكية، القومية، الإسلام...)، بالإجمال، تحولت في الممارسة إلى تبرير معنوي للقمع والقتل والتهميش واللامنطقية في توزيع الثروة، أي تحولت إلى غطاء لكل ما هو مخالف لحقيقتها. لقد جاءت الأفكار الكبيرة في مجتمعاتنا سقوفاً بلا أعمدة فانتهى بها الحال إلى أن جثمت على رؤوس الناس. وهذه حقيقة يجب أن توقظ الحذر لدينا كي لا نفتح ثانية حساباً جديداً لدستور آخر بمادة ثامنة أخرى.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - في مسألة الأخوان المسلمين في سورية