أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ –الدين عندما يثير الإحتقان.













المزيد.....

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ –الدين عندما يثير الإحتقان.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 17:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


– الدين عندما يثير الإحتقان.(49)

لماذا الإسلام ذو نزعة تصادمية عنيفة .. لماذا يُنعت الإسلام بالعنف والكراهية للآخر .. لماذا الإرهاب الآن ذو صبغة ومذاق وهوى إسلامى بتفرد وبجدارة .. لماذا يتم نعت الإسلام والمسلمين بالتطرف والإرهاب والعنف لتصل الدعاية القميئة آفاق عنصريتها عندما تعلن أن كل مسلم هو إرهابى أو مشروع إرهابى لم يأت ميعاد إنطلاقه .
يعزى المحللون والمهتمون بالشان الإسلامى سواء كان تحليلهم بموضوعية أو بنزعة عنصرية أن الإشكالية تأتى من النص الإسلامى الغارق حتى أذنيه فى الكراهية والعنف والتحفز ضد الآخر ليصبغ المسلمين بتلك الصبغة .
بالطبع لا نستطيع أن ننفى تأثير النص على تكوين الأيدلوجية والثقافة الفكرية للمسلم أو أى صاحب معتقد فهو الطبق الذى يقدم على المائدة ولكن الإرتكان على هذا يعنى تناول الظاهرة من الخارج كما تعبر عن حسن نيه أو سوءها فى تناولها, فحسن النيه تأتى من القراءة الظاهرية المبتسرة للحالة الإسلامية فلا تتناول العوامل الحقيقية المنتجة لها , أما سوء النوايا فتأتى من تنفيس طاقة غضب وحنق على الإسلام غير راغب فى إصلاحه وتهذيبه وخروجه من النفق المظلم لإستمرار حالة القطيعة مع العالم والعداء والتشهير بكل ماهو إسلامى لوضعه كميدان لضرب النار.

لى رؤية تبحث فى سر الحالة الإسلامية تعتنى بجذر المشكلة الحقيقى غير غارقة فى المظهر الخارجى تتلمس عمق القضية فليست المشكلة ان النص الإسلامى عنيف داعى للتطرف والكراهية والعداء للآخر ,فالنص ليس قوى مادية بل مظلة لبشر يريدون ممارسة عنف نتيجة غضب وإحباط مجتمعى ودليلنا أن النص ليس المتفرد مشهدان ,أولهما أن هذا النص متواجد منذ 14 قرن فلم نجد الحياة الإسلامية تسير بوتيرة واحدة من التعصب والإرهاب عبر الزمان والمكان أى لم نجد المسلمون يتعاملون بنسق واحد من التزمت والتطرف والإرهاب دوما فى كل أرجاء الدنيا عبر الأزمنه المختلفة بل ممارسات المسلمين داخل المجتمع الواحد ليست متطابقة لينفى هذا تفرد التراث الثقافى الإسلامى وشدة وطأته .
المشهد الثانى الذى ينفى تفرد النص فى دفع المسلم نحو التطرف والإرهاب أن النص العبرانى على سبيل المثال مثقل بالإرهاب والدموية بل ترتفع أسقف الوحشية والعنف لأعلى مستوى مغلفة بنزعة عنصرية فجة لا تخفى عن العيان ورغماً عن ذلك لا نجد صدى لهذه النصوص فى ذهنية ونفسية أصحاب الكتاب المقدس .

لن يكون لأى نص أو نظرية التأثير بدون البشر الذين يحملونه على أعناقهم رافعين رايات حضوره ولنلاحظ أن تأثير النص والتراث على المسلمين وتصاعده يأتى دوماً فى حالات إنحسار أو إنعدام المشاريع المدنية أو تقزمها ليكون الحل الإسلامى التراثى هو الحاضن والفاعل والمؤثر كملاذ لجماعة بشرية تعانى من حالة تخبط وجهل وغياب بوصلة أى حالة مجتمعية شديدة التخلف والبشاعة طلبت إستدعاء ثقافة بشعة .
الدين لا قيمة له ولا تأثير بدون البشر فالدين معنوى كتاريخ ,لذا البشر هم من يجعلون للدين الحضور ليكون مزاج هذا البشر هوالإنحياز لتراثه كله أو جزء منه أو تصعيد جوانب تراثية وإهمال أخرى فى إطار حالة المجتمع الإجتماعية والنفسية والحضارية ولتبقى فى النهاية الحالة التراثية مرهونه بتطور المجتمع وطبيعة قواه الإنتاجية .
فى الحقيقة أن الأمور جدلية شديدة التعقيد والتشابك بحيث يختلط على الكثيرين أيهما أولا البيضة أم الدجاجة أى البشر أم الثقافة ,فهل الثقافة غيرت من تركيبة البشر النفسية أم البشر تبنوا ثقافة كونها إستهوت فيهم جوانب العنف والتشدد والتفرد والسطوة على شرائح إجتماعية أخرى ليكونوا داعمين لتلك الثقافة ولتتناسل منتجه أجنه فى دورات متتالية فلا ثقافة أخرى واردة تحتل مكان الثقافة المتأصلة ولا علاقات إنتاجية متقدمة تأتى بثقافتها ,ليستمر التداعى إلى أن نصل لحالة بزوغ ثقافة حديثة تحمل مشروع نهضوى مدنى تكون كابحة جماح الثقافة القديمة أو تقلل من وطأتها ,وفى حال تذبذبها وإنحسارها كما حدث فى مجتمعات عربية تبنت مشاريع مدنية بائسة ستطفو الثقافة القديمة لتملأ الفراغ وتجدد من قواعدها وهذا يفسر الردات الحضارية لبعض التجارب العربية البائسة التى تهاوت .

نتناول فى هذا المقال جزئية تراثية فى منتهى الخطورة تؤسس وتدعم حالة التطرف والغلو والتشتت فى المجتمع الإسلامى سامحة للفرقة والتعصب والصراع ان يسود لتخلق مفاهيم التزمت ونفى الحرية وتبدد أى إمكانية لمجتمع مدنى سلمى فى المجتمع الإسلامى من خلال تأجيج صراعات دينية ومذهبية تتحرك كبيادق على لوحة شطرنج تخدم فى نهاية مطافها مصالح نخب إسلامية وغير إسلامية وبأيادى فاعلة كلها إسلامية غبية.
" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ-;- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "هذه الآية من الخطورة بمكان فبالرغم أنها تدعو لمناهضة الفتنة لتصل بها إلى أعلى مستويات التصعيد والمواجهة من خلال القتال إلا أنه تؤسس للفتنة والإحتدام وتصعيد العنف والتوتر فى المجتمع ففى هذه الآية تكمن كل أسباب التشتت والتعصب والتزمت والرجعية الإسلامية ولكن قبل ان نسترسل فى الأسباب التى دعتنا لقول هذا علينا ان نشرح ماذا يعنى النص الاسلامى بالفتنه , فالفتنة إما تعنى الاختبار والامتحان والابتلاء الإلهي، سواء كان ذلك على مستوى الفرد المسلم أو الجماعة المؤمنة برمتها قولاً وسلوكاً وعملاً. وقد وردت الفتنة بهذا المعنى فيما لا يقل عن أربعين آية قرآنية، كقوله: «واعلموا انما أموالكم وأولادكم فتنة» وقوله: إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ."
وأما الفتنه فى معناها الثانى فتعنى الانقسام الداخلي الذي يمزق جسد الجماعة أو الأمة، وإثارة القلائل داخلها, فترد وفق هذا المعنى في سبعة مواضع كقوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، وقوله: "ألا في الفتنة سقطوا"، وقوله: «ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها".
وإذا انتقلنا إلى الأحاديث الواردة في هذا الشأن لوجدنا أنه عادة م تقتصر على استخدام الفتنة بمعناها الثاني، وهذا ما يهمنا فى هذا البحث تناول هذا الجانب المتمثل فى مواجهة الإنقسام الداخلى وتشتت وتمزق المجتمع نتيجة التناحر الفكرى .

" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ-;- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" تفسر ذاتها ولا تتعامل مع حالة خاصة تعنى قتال المشركين والكفار وإجبارهم على الإيمان بالإسلام فقط كما ذهب بعض المفسرين فالآية خطوطها عامة عريضة لا تحدد القتال لفئة المشركين وأهل الذمة فحسب فهى تقول وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ-;- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"أى تعنى كل من يثير الفتنه وينال من الدين سواء مشركين أو أهل ذمة أو فرق ومذاهب إسلامية منحرفة والدليل على ذلك "حتى ينتهوا" أى يرجعوا عن غيهم وضلالهم ولنا شواهد تاريخية وصور حاضرة تدل على أن هذه الآية تم التعاطى معها عند تناحر الفرق الإسلامية لتجد كل فرقة مظلة شرعية لها .
ما يؤكد أن آية "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " تفتح الصراع بين الفرق الإسلامية هى آية "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (سورة الحجرات: 9) ولو أردنا أن نستحضر أسباب تنزيلها من البخاري ومسلم وغيرهم سنجد قول أنس : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبيّ، فانطلق إليه وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فما انطلق إليه قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ربحاً منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فنزلت الآية»، وهذا ما قاله الطبرسي والقرطبي والشوكاني وابن كثير في تفاسيرهم.
فإذا كان القتال إحتدم بين المسلمين من أجل شجار على أذي نالهم من حمار فألا يكون القتال لازماً ونبيلا للفرق الضالة التى تشوه الإسلام كما الصراع السنى الشيعى الذى يكفر كل طرف فيه الطرف الآخر .
ثانى الحجج التى تجعل آية " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ-;- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" هى رؤية ابن تيمية بقوله : " كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله " وقوله : " بثت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة من شرائع الإسلام وإن تكلم بالشهادتين ( كتاب السياسة الشرعية) كما يستدل من سورة النساء قوله { فليقاتل في سبيل الله الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة ...}
ثالث هذه الحجج أن عقيدة التكفير فى التراث الإسلامى سهلة بلا قيود حادة ولا أسقف عالية أى تطول المسلم فى أى حالة أو تموضع , فتارك الصلاة كافر , وتارك الشريعة كافر , ومن لا يحكم بشرع الله كافر , ومن يمنح الولاء لغير المسلم كافر , ومن يواد الكافر هو كافر ,وهذا يعنى أن تقييم أى جماعة إسلامية لجماعة أخرى ووضعها فى خانة الكفر سهل ليتيح إمكانية التشاحن والتصاعد وفق معايير القوى والمصالح السياسية والتوزانات .

إذن هذه الآية إذا كانت تحث على قتل الفتنة ومحاصرتها وإنهاءها فهى المصدر الحقيقى لكل فتنة وفرقة وتشتت لتفتح الباب على مصراعيه لكل جماعة إسلامية لمناهضة جماعة إسلامية أخرى حتى مشارف القتال بدعوى ان تلك الجماعة أو الفرقة او المذهب مروج للفتنه بإنحرافاته العقيدية أو حتى بعدم تطبيقه لشرع الله وهذا يفسر الصراعات الداخلية الحادة بين السنه والشيعة على سبيل المثال , فأهل السنه يرون أن الشيعة على إنحراف فى التعاطى مع نهج الإسلام لتصل إلى تكفيرهم ونبذهم وكذلك أهل الشيعة ترى أن السنه على إنحراف وتحريف لمنهج الإسلام وآل البيت ,ليتحمل هذا الخلاف العقائدى القتال فهناك أمر إلهى بقتال الفتنه لتتحمل الأمور الإحتقان والتعصب والتزمت والكراهية لنصل لمشارف القتال وهو ما شاهدناه على الساحة العراقية من مشاحنات وتفجيرات للجوامع والحسينيات والمقامات ,كما شاهدنا الحرب الإيرانية العراقية ذات الثمانية أعوام ليكون تجييش المشاعر المغذية للحرب بواسطة "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " لذا اتنبأ بأن الصراع القتالى السنى الشيعى المتأجج فى الطريق وبوادره ليست خافية عن المراقب , فالولايات المتحدة تخطط للحرب على إيران بشحن أهل السنه بغية كسر إيران وسيتم إستخدام " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ-;-" على الجانبين لتأجيج الحرب لتخدم مصالح أمريكية فى النهاية .وهذا يفسر لنا سبب تبنى أمريكا للإتجاهات الأصولية فى المنطقة كتونس ومصر وسوريا علاوة على إحتضانها للنظام الوهابى فى السعودية ودول الخليج فهذه التيارات المتشددة ستعزف وتؤجج الصراع السنى الشيعى وتمنحه المظلة , كما يفسر الغضبة الأمريكية على ثورة المصريين فى 30 يونيو فقد أَجل هذا الحراك الخطط الأمريكية بحصار إيران والإجهاز عليها .

"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" آية ذات مفعول هائل فى تأسيس وتأجيج الفتنة فكونها دعوة ربانية للقتال ضد الفتنه فقد أعطت رخصة ومشروعية للمسلمين للقتال ضد مثيرى الفتن وكونها آية عامة غير محددة لشكل الفتنه ومن هم أصحابها ولمن يحق له تحديد الفتنه فمن هنا سر خطورتها وفتيل انفجارها فكل جماعة إسلامية ستدعو لذاتها الحقيقة وتنعت الجماعات الأخرى بالكفر والضلال ولا يكون رفعها مواجهة الفتنه وعدائها للآخرين على إفتراء وهوى بل عن قناعة كاملة وإخلاص تام للدين وفق منظورها .

لا تكتفى الأمور بالخلاف المذهبى فالنار تأكل نفسها لتفتح الباب على مصراعيه من خلال "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" المتغلغل فى جين الثقافة الإسلامية لينتج بالضرورة ظهور الجماعات التكفيرية والسلفية والجهادية لتحقق مبدأ "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " فلديها رؤيتها المخلصة اليقينية أنها تمثل الإيمان الإسلامى الصحيح وكل ما فى المجتمع هو كفر وتيه وإنحراف عن صحيح الإسلام كما أراده الله لتتصاعد رؤية دار حرب ودار إسلام داخل المجتمع ذاته وهو ما شاهدناه بالفعل من تيارات إسلامية تكفيرية .. لقد فعلت آية «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" فعلها فى إثارة الفتنة وإثارة التعصب والتزمت والنبذ والفرقة بين المسلمين .

"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ذات مجالات مفتوحة تسمح للجميع بإستغلالها وإستثمارها بإدعاء نشر الفوضى والتشتت بين المسلمين بتقويض السلطة الكافرة أو دعمها ضد مناهضيها الكفره وهو ما بدا واضحاً في الفتن الكبرى في تاريخ الإسلام. لتتمحور فى حالة سياسية فالحاكم يحتل الموقع المحورى فى السلطة ليروج أنصاره أن مناهضية يثيرون الفتنه وكذلك أعداءه سيروجون أنه ينحرف بالدين ويفتن المسلمين عن الإيمان القويم .
هذا المشهد يتم إستغلاله على أكمل وجه من قبل مناصرى السلطة ومناهضيها , فالجماعات الإسلامية الأصولية أحلت لنفسها مناهضة سلطة الحاكم والمجتمع الكافر بتنفيذ عمليات إرهابية تحل فيها الدماء لأدوات الحاكم من حرس وجند وإعلام يرون أنهم يدعمون الفتنة ويروجون لها , كما أحلت آية «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" للسلطة أن تمارس فعلها العنيف ضد مناهضيها ولابأس من حشر القوى المدنية فى الحلبة بتصفيتهم ضمن من يثيرون الفتنه .

"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" الباب الملكى لكل المستبدين والمتعصبين والطغاة وأصحاب الأهواء السياسية لمنحهم الرخصة الشرعية للتعامل مع الخصوم بتصفيتهم أو ممارسة كافة اشكال الإنتهازية والنفاق واللعب على الحبال فهى تفتح الطريق إما لمناهضة الحاكم أوالخضوع له فهناك جماعات إسلامية كما ذكرنا تروج لشرعية الخروج على الحاكم الجائر درءاً للفتنه ,بينما تميل جماعات أخرى نحو النهي عن الخروج خوفاً من وقوع فى الفتنة لتطالب بالطاعة والإلتزام بنهج الجماعة وهى لا تترك نفسها عارية بدون أسانيد فالتراث الإسلامى كسوبر ماركت تجد فيه كل ما تشتهيه, لذا هى تدعم موقفها بعدم الخروج على الحاكم بأحاديث تنهى عن ذلك آمرة بإلتزام الطاعة درءاً للفتنه مثل قول النبى «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع الإمام فقد أطاعني». وأيضاً ما روي عن حذيفة أنه قال:" ليس من السنّة أن تشهر السلاح على إمامك "، وما روي عن أنس بن مالك أنه قال: "أمرَنا كبراؤنا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نسبّ أمراءنا ولا نغشهم وأن نتقي الله ونصبر".وكذلك ما روي عن الحسن البصري أن الرسول قال "لا تسبّوا الولاة فإنهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر وإنما هم نعمة ينتقم الله بهم ممن يشاء فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية والغضب واستقبلوها بالاستكانة والتضرع."
يؤكد الفقهاء أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا في حالة واحدة وهي كفر السلطان، مدللين على ذلك بالحديث المرفوع إلى النبي عن عبادة بن الصامت وفيه: "وأن لا ننازع الأمر أهله... إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. وحقيقة الأمر أن محاولة وضع الفتنة في مقابل الطاعة ووسم الخروج على الحاكم الجائر بأنه فتنة تعكس في الأساس رؤية ومصالح سياسية .
إن إطلاق الخروج على الحاكم بدعوى أنه جائر أمر نسبي ومن السهل أن يوظف سياسياً مثلما تم توظيف النهي عن الخروج في المقابل. وأيضاً التشديد على النهي عن الخروج وهذا النهج وجدناه حاضراً بقوة وبإجماع القوى السلفية فى مشهد ثورة المصريين فى 25 يناير حيث أعلنوا رفضهم التام الخروج على حسنى مبارك ونهوا عن ذلك بل إعتبروا قبل الثورة أن التظاهرات المزمع انطلاقها هى فتنة يجب وأدها بعدم الخروج وبالفعل لم يشترك سلفى واحد فى أحداث ثورة المصريين فى 25 يناير ,والمضحك المبكى أنهم اصبحوا من الثوريين بعد ذلك وحصدوا مكاسب هائلة .
لكن على الجانب الآخر نرى نهج وأحاديث تؤيد الخروج على الحاكم، كقول النبى «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»، والحديث المعروف: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، وقوله أيضاً: «أفضل الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله على ذلك».
وهكذا نرى أن آية «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" يتم التعاطى معها على كافة الأصعدة والتوجهات وبكافة الأهواء والمصالح السياسية فهى تتيح للجميع التعاطى معها فيكفى أن تقتنع جماعة أنها تمثل الدين الحق لتقوم بتصفية من يخالف نهجها بإعتباره يثير الفتنه ليحل الشقاق والفرقة والكراهية فى المجتمع .

«وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ليست خطورتها أنها تصل بالأمور للقتال الدموى فهذا وارد بعد أن يصبح لها وجود ممنهج فاعل محتدم ولكن تبدأ «قاتلوهم حتى لا تكون فتنة" بالفرقة والتشتت والعصبية والنبذ والكراهية وهذا ما نتلمسه فى الصراع السنى الشيعى وداخل المجتمع ذاته عندما نتجول فى المنتديات ومواقع الإنترنت لنحظى بكم هائل من الكراهية الممزوجة بالسب واللعنات وكل شئ قمئ هى بدايات الفتنه الحقيقية .
أقول أن داخل كل أصولى جين «قاتلوهم حتى لا تكون فتنة" وإذا إستخدم عقله فيكون فى تقدير نوعية ومستوى القتال والظروف المتاحة له للفعل والتصعيد .. فالأصوليين والسلفيين محدودى الفكر للدرجة أنهم لا يعون أنهم أدوات تعمل لصالح مخططات كبيرة تخدم طبقات ونخب حاكمة وأنظمة غربية تستفيد من هكذا حالة تفتت وإحتدام .. انهم عملاء جهله وأغبياء يعملون بإخلاص بلا مقابل.!

ما لم ترفعوا ثقافة " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" من نهج فكركم وسلوككم فأنتم إلى نهاية فهى تحمل فى أحشاءها كل عوامل الفرقة والتفكك والنعرات التى تبدأ بكراهية لا معنى لها وتنتهى بدم .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناقضات فى الكتابات المقدسة-الأديان بشرية الفكر والهوى والهو ...
- ثقافة -إنت مال أهلك- المفقودة-الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.
- فى المعنى والقيمة والغاية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان.
- قضية للنقاش–الإسلام جانى أم مجنى عليه.
- قضية للنقاش-الإسلام الوسطى أكذوبة أم خالق توازن أم منسق أدوا ...
- سأكتب لكم خطاياكم-الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- القبح ليس سلوك شخصى بل ثقافة –الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.
- تنبيط –خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم.
- وهم العدالة والرحمة الإلهية-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- شرعنة النفاق والإنتهازية والوصولية والزيف-الدين عندما ينتهك ...
- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان-ماهية العقل والفكر.
- إيمان وثقافة مُدمرة–الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (45).
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان–تصحيح مفاهيم مغلوطة.
- هوا مفيش عقل خالص- هوان العقل الدينى(2)
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان بعيداً عن الخرافة- المادة وا ...
- إيمان يحمل فى أحشاءه عوامل تحلله وهدمه-خربشة عقل على جدران ا ...
- هوا مفيش عقل خالص(1)- لماذا نحن متخلفون.
- من دهاليز الموت جاءت الآلهة – لماذا يؤمنون؟
- الحرية والإمتلاك – لماذا نحن متخلفون .
- أتتوسمون أن نكون شعوب متحضرة–لماذا نحن متخلفون .


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ –الدين عندما يثير الإحتقان.