أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فالح عبد الجبار - الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض














المزيد.....

الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1227 - 2005 / 6 / 13 - 10:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لعل من باب المصادفة أن تنفرد لغتنا العربية, عن لغات شتى, في انحدار الأضحية والضحية من جذر واحد. هذا التوحد في المنبع لا يمنع ذلك الحرف الواحد والأول في الأبجدية, الأليف, من أن يحول الضحية الى أُضحية, وهو انقلاب للجور الاخلاقي الى واجب قدسي. هناك ثقافات عدة تلغي الفارق بين الاثنين, أو تمزج الواحد بالآخر.
الأضحية في معناها الأعم قربان وعهد, ينعقد في طقس خاص. وهذا القربان دليل عرفان, وبرهان امتثال, ودريئة ضد غائلات الزمان, أو لربما التماس ورجاء. وفي العادة يتعمد الطقس بتفجير الدم.
هكذا دأبت شعوب شتى, في غابر الأزمنة, على نحر عذراء, أو اقتلاع كبد فتى أعذر, كل عام, في حفل جمعي, طلباً للغفران, وغسلاً للأدران, وطمعاً في هناءة وجيزة, وإطالة لأعمار قصيرة, بل تعبيراً أيضاً عن العرفان. وحتى تعمّ كل هذه البركات أفراد الجماعة كان قلب الأضحية أو كبدها يقسم ويوزع. في لحظة آفلة استُبدل طقس الذبح الفعلي بآخر مجازي. حلّت بعض الحضارات هذه النقلة بإحلال بهيمة محل البشر. وحلّت حضارات اخرى المشكلة بابتكار طقس رمزي, يسيح فيه الصباغ الأحمر بدل الدم, وتقطع أوصال الدمى بدل تقطيع الكائن... الأضحية إرباً. أعفت الدمى, كما البهائم, البشر من سفك دماء بعضهم البعض.
هذا التعويض, أو هذا الابدال, يشي بمسعى للخروج من مملكة الحيوان, واعلاء شأن الحياة قيمة في ذاتها, تعلو على أية قيمة أخرى.
ولثقافتنا العربية - الاسلامية اسهامها في هذه النقلة من النحر الفعلي الى النحر الرمزي, وما الرمز سوى إبدال واستعاضة. ما زلنا نحتفي, حتى اليوم, بكبش الأضحية (أو "خروف العيد" في الدارج العاميّ). ويقوم الحجيج بالطقس ذاته: نحر قرابة مليوني كبش كل عام في موسم الحج. ولم تعد الذبائح ترمى الى العفن, بل صارت, بفضل ابتكار عقلاني, وشركات ذكية, تطعم الجياع. فلا مقدم الأضحية يرى ذبيحته, ولا الجائع الذي يقتات على لحم البركة هذا يعرف هوية المحسن. بعض الغلاة في ثقافتنا ارتأوا, لأسباب ليست وجيهة بالمرة, وجوب أن نعود القهقرى من الرمز الى الحقيقة, من نحر الأكباش الى نحر البشر, من مملكة الانسان الى مملكة البهائم. يشترك هذا الفعل في تقليد ذكوري لغسل دنس المرأة الزانية بالخنجر, على رغم ان الشريعة الاسلامية تنص بجلاء على الجلد وسيلة قصاص.
أما اليوم فإن التطرف الديني يوسّع فكرة الغسل بالدم خارج دائرة الشرف الذكوري, الى حقل الخلاف السياسي أو الديني. ثمة, والحق يقال, ايديولوجيات دنيوية تبيح القتل عـلى الهويـة الدينية أو السياسية. والحروب الأهلية, المعاصر منها والقديم, سواء بسواء, تحفل بضروب الإبادة الجمعيـة, من الفتك بالغاز الى الرمي بالرصاص. لكن ما يميز الداعية العصبوي عن غلو الايديولوجي, ليس القـتـل بذاتـه, بل وسيلته: حزّ العنق.
رأينا في عقد التسعينات صور نساء جزائريات انفغرت أعناقهن. كما شاهدنا مراراً, على مواقع الانترنت الحديث, أقدم مراسيم الذبح التي يتسابق على اكتساب "شرف" التنفيذ فيها رجال ملثمون, ينتشون طرباً لتولي دور الجلاد.
وتدور هذه الدراما البدائية في أجواء مثقلة بالمعاني السوداء. ثمة السيف, وثمة اللثام, وثمة الأضحية البشرية المقيدة, وثمة عدسة الكاميرا. وهذه الأخيرة هي المعلم الوحيد من الحضارة التكنولوجية الحديثة. هناك أيضاً لافتة, وهناك أيضاً الاصطفاف العسكري المنضبط لهذه الثلّة من العتاة. الرموز ثرية جداً في هذا العالم الفقير في تفاصيله, والمدقع في خوائه الروحي. والسيف المسلول, لا في الحرب ازاء فارس, بل ازاء نعجة بشرية مسلوبة الارادة, يرمز الى تعطش للجبروت لا يرتوي, وهو الحدّ الباتر بين الحياة والموت في تلك الغرفة المعزولة عن العالم. غير ان السيف, في عالم اليوم, سلاح نافل, لا قيمة له ازاء أصغر سلاح ناري. لكن حامله لا يكترث لذلك, فهو معني بإظهار القوة ازاء كائن أعزل, وهو يلتمس عودة الى التاريخ الذي كان ولم يعد, لابساً لبوس ورع زائف, متخيلاً نفسه قديساً أرضياً يمارس تعبّداً من طراز خاص.
نعلم ان العبادة اتحاد روحي, تذوب فيه النفس في وجد باطني. لا يحتاج المصلي الى نظارة, ولا يبتغي المتعبد جمهوراً. فالابتهال علاقة جوانية وليس مسرحاً للفرجة. ولا يفكر المتبتل, وهو في محرابه, في ذاته, ولا يخطر له قط أن ينظر الى نفسه حين يدعو ويبتهل. المتعبد في محراب الدم لا يقبل بذلك, فهو يحرص على متطلبات الفرجة. فالقناع للإثارة, والرهبة, مثلما هو للتخفي, لكه نوع صارخ من التخفي, ينتشي حين يعرض نفسه أمام عدسة الكاميرا, ويذوب في ثمل هذه الشهرة السرية. ومتعته في ذلك عصبوية. ذلك ان شركاءه في الطقس هم وحدهم الشهود على هويته. ولكيما ينسى ان هذا القتل فعل سادي, ومبتذل, يرفع يافطة بالأهداف السامية, لإقناع جمهور متشكك.
تدور هذه الدراما في غرفة صغيرة مجردة من معالم الحياة, خاوية خواء الممثلين فيـها. يستـطيع هؤلاء اطلاق النار على الضحية في عتمة زقاق, أو حفرة منزوية (كما اقترح أحد المفكـرين العرب). لكـن لا. فالممثل يـريـد اظهـار رموز قوة يفتقدها, وان يطرد الخوف الكامن في الأعماق بإظهار قسوة لامتناهية على الشاشة. ومغزى هذا التعارض بين ما هو جواني وما هو برّاني يوحي أن مسرح الفرجة السادي هذا يكشف عن سطوة الرعديد واستعلاء المهان, وهي ازدواجيات نمت في تربة الذل والخنوع.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروطة أم المستبدة؟
- الأفندية والملائية بين قرنين
- كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها
- العراق: مصادر العنف ومآله
- نحن والغرب من إدوارد سعيد إلى محمد عبده
- تأملات في العنف, لا سيما عنف أولئك الذين يفجّرون العراق
- في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فالح عبد الجبار - الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض