أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (26)














المزيد.....

منزلنا الريفي (26)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 23:34
المحور: الادب والفن
    


الوجود الفارغ...(1)

أن توجد هو أن تكون، فكيف إذن تكون ؟ هل يكفي أن تتحيز في مكان ما حتى تكون ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأي فرق بينك وبين الكائنات الأخرى ؟ أنت إنسان، فهل يكفي أن تتحيز في مكان ما حتى تكون إنسانا ؟ فكيف تكون إنسانا إذن ؟ هل بالسكون ؟ بالحركة؟ أم بشيء آخر ؟
إذا تحيزت في مكان ما أيها الإنسان، وقبعت فيه كالجلمود، فأنت لست بالإنسان ؛ أنت شيء أيها الإنسان، إنه الوجود الفارغ الذي ليس له معنى، فإذا غاب المعنى غاب الإنسان، فكيف يصبح الإنسان إنسانا في مسرح الوجود ؟ إنها الحركة، والفعل، ونشدان الأفق، ورسم الطريق، كيف يتحقق هذا إذن ؟ يتحقق هذا باقتران الإنسان بالحركة والفعل، أو لنقل إن الإنسان هو الحركة، عندها يهدم وجوده الفارغ الذي يشبه إطارا مهترئا نخرته السوسة .
لا يمكن للإنسان أن يتحرك، وأن ينشد أفقا، بمعنى أن يوجد، ويبني ماهيته على الدوام إلا إذا ملأ وجوده الفارغ، ولكن بماذا سيملأه ؟ سيملأه بالوعي بشروط وجوده، وليس لهذا الوعي معنى إذا لم يدفع بالإنسان نحو الحرية، فالإنسان هو الوعاء الذي يمتلئ بالوعي والحرية، فهل يكفي الحرية ؟ الحرية مشروطة بالمسؤولية، فليس من السهل أن يكون الإنسان حرا، وإذا أردت أن تعرف ما إن كان وجوده فارغا أم ممتلئا، فلنتعرف على مدى وفائه بالمسؤولية، فإذا لم يكن مسؤولا، فلا يعدو أن يكون شيئا، وعوض أن يختار، يختار له، وبالتالي ليس إنسانا، بمعنى ليس مواطنا، أي رعية يقتات على فتات سيده...هذا هو الوجود الفارغ .
1- " الصغير " 13 سنة ...
هذا هو اسمه ! هل هذا صحيح ؟ هل يمكن أن نختزل وجوده في صيرورته وتغيره في اسم ؟ ليس الاسم إلا الشجرة التي تخفي وراءها الغابة، إن المجتمع لا يعدو كونه اختزاليا – تجزيئيا، أما الإنسان فهو متعدد الأبعاد منفتح على الممكن، ولكن رغم ذلك لا ينبغي أن يغيب عنا أن المجتمع بنظمه القمعية والتأطيرية يسعى إلى شل فاعلية الإنسان، كيف يبرز ذلك ؟
" الصغير "، فلنتأمل جيدا هذه اللفظة، فمن كثرة تعودنا لم نعد النظر فيها يوما، فلنعد النظر إذن، ما يظهر لنا أن شخصية مفعمة بالحركة والحيوية والتطلع إلى المستقبل، والتغور في الماضي، يتم حجزها في سجن اسم يتكون من ستة حروف، وهذه الحروف هي أشبه بالأقفال، يقول المجتمع : " أنت يا هذا الذي أسميه بالصغير إنك صغير وستبقى صغيرا "، إذن ليست هناك أية إمكانية للانفلات، ومعنى ذلك أن الإنسان سيبقى وجوده فارغا، لأن هناك توصيما موشوما على الشخصية، وعلى ضوء ذلك تظل متحيزة في مكان بدون حركة .
بشعره الأشعت الذي يتطاير منه الغبار كالشرر، يحضر " الصغير " في عرس من أعراس القرية .
- من تكون أنت ؟
- أنا " الصغير ".
فها هو إذن أصبح يردد اسمه كالأسطوانة المبحوحة، تلك هي سلطة المجتمع، وهي تتغلغل في الجسد كالإسفين .
- ابن من أنت ؟
- ليس من الضروري أن تعرف ...
سكت لحظة، ثم أتمم :
- والدي مات في السجن .
- كيف سجن ؟
ضحك " الصغير " كأن وجوده امتلأ، ثم عقب :
- كيف سجن ! ألا تعرف ؟ كلكم تدعون أنكم لا تعرفون، أو تتناسون .
حملق فيه شيخ القرية غاضبا :
- ماذا أيها المتسول ؟ هل أتيت إلى حضرة هذا المكان لتسبني؟ هل مقامي هو مقامك يا ابن السافل ؟
- والدي أحسن منك ومن أمثالك بكثير، جسد والدي الميت يعبق بالأريج، أما أنتم فمن أجسادكم تفوح رائحة الخيانة، والدي شهيد لأنه قتل ذلك الإقطاعي الذي هدده بالسلاح إذا لم يترك له أرضه .
- فلتمت أنت أيضا، من الذي جاء بك إلى هنا ؟ أنت تسيء إلى القرية، وإلى ناسها وأعراسها .
- كلكم جبناء، خائنون تعرفون أنه بريء، لكن جبنكم يا وجوه العار جعلكم تنبطحون، تبا لأتراح - أعراس القرية .
يأمر شيخ القرية رجاله بأخذ " الصغير "، وبينما هو مطوق من طرفهم، كان يقول :
- إذا توفقت في إخراس صوت القرويين، وتعميتهم بالاحتفالات الفارغة، فأنا لن أنبطح، أنا إنسان، اتركوني يا هؤلاء العبيد ...اتركوني ...
مطوق بسلطة الوجود الفارغ، محشور في اسم ملغى نتيجة إرث الوالد البطولي، مفعم بروح الإنسانية، فالبطولة لا يقدرها الجبناء، والعبيد الذين حكم عليهم بالموت، فمن خصائص هؤلاء هي الذوبان في أسيادهم، فوجودهم يبدأ مع وجود سيدهم، وينتهي لما ينتهي هو، إذن ليس هناك وجود ؛ " الصغير " يفتقد للوجود الفعلي، لكنه مختزن في عمقه، فالأرضية التي عبرها يتبلور وجوده لا يفسح المجتمع المجال بتحيزها، إذن تبقى هي إذن غير موجودة .
***************
كيف السبيل إلى الوجود الفعلي ؟ هو أن يؤازر هؤلاء العبيد ذلك الرجل الذي قتل الإقطاعي كأن ينتفضوا ضد من سجنوه وفق قانونهم لا قانونه هو . لكن لن يحصل هذا في ظل وجود فارغ يتسم به أناس القرية، فالجبن مازال يسكنهم، والإذلال مازال يستحوذ عليهم، فهم ليسوا مواطنين .
عبد الله عنتار – الإنسان / 20 دجنبر 2013 / واد زم – وسط المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )
- شحوب وغروب
- منزلنا الريفي ( 18 )
- منزلنا الريفي ( 17 )
- منزلنا الريفي ( 16 )
- دموع حبيبتي
- منزلنا الريفي ( 15 )
- الغروب
- منزلنا الريفي ( 14 )
- منزلنا الريفي ( 13 )
- المواطن - شعيبة - ( 3 )
- زوابع وخريف


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (26)