|
5 - المتنبي إنسان بالقوة ، ولهذا تلاقفه الدهر...!!
كريم مرزة الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 20:19
المحور:
الادب والفن
4 - المتنبي : أبو الطيب ، أحمد بن الحسين الجعفي الكندي ولد في الكوفة ( 303هـ - 915م ) ، وقتل بالقرب من النعمانية،عند دير العاقول سنة (354هـ - 965م) ،في موضع اسمه (الصافية) : المتننبي تعرفه مَنْ هو المتنبي ! والمُعرّف لايحتاج الى تعريف ، فالتعريف به تصغيرٌ لنا وله ! ،وقد ذكرنا هذا من قبل في معرض حديثنا عن تغرّبه الفسي ، وغربته في مقالات سابقة. بدأ حياته ملعلعاً صارخاً غير آبهٍ بهذا ولا ذاك ، يقول المعري في (معجز أحمد) :إنّ أول شعر قاله في صباه من (العراقيات) : أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني*** وفرق الهجر بين الجفن والوسن روحٌ تردد فـــــي مثل الخلال إذا **** أطارت الريح عنه الثوب لم يبن كفى بجسمي نحولاً أنني رجـــــلٌ **** لولا مخاطبتي إيـــــاك لم ترني المتنبي جشّم نفسه خمسة أشطر ، ليصل إلى الشطر السادس ، وهو بغيته ، ومراده ( لولا مخاطبتي إيـــــاك لم ترني ) ، فالرجل منذ طفولته كان يتطلع إلى زلزاله الكبير، وبركانه الرهيب ، لِمَ لا ؟! وكان محلهُ فوق محل الشمس ،والدهر لشعره منشد ،عرفته الخيل والليل ..والقرطاس والقلم،بيّن الله به الأقدار ، فملأ الدنيا وشغل الناس.... كلّ ُ هذا صحيح وأكثر منه ،والدّرّ ُدرّ ٌ برغم من جهله،ولكن الصحيح أيضاً وأصح منه ، كان فنـّه أكبر من عقله ،وخياله أوسع من فكره ،وطموحاته الدنيوية دون همّته الآبدية ، وإنْ زعم ، فما تزعّم ! ، وهذه من خفايا هبات الطبيعة للإنسانية وجمالية لطفها للخالدين ، وقد ارتجلت بيتاً من الشعر حول هذه اللمحة لحظة تطرقي إليها أبان تأليفي كتاب ( للعبقرية أسرارها ...) ، ، فخاطبت متنبينا قائلاً : لقد طلبتَ من الأيّام ضيعتها *** لكن أبىالدهرُ إلا يوهب الخَلدا !! مهما يكن من أمر ، مبالغات المتنبي لم تكن سوى الترفع عن خبث الجسد للسمو إلى جمال الروح ، وليكن بعدها ما يكن - يا دنيا - : وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْ *****بها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا كذا أنَا يا دُنْيا إذا شِئْتِ فاذْهَبي *** ويا نَفسِ زيدي في كرائهِها قُدْمَا فلا عَبَرَتْ بي ساعَةٌ لا تُعِزّني *****ولا صَحِبَتْني مُهجَةٌ تقبلُ الظُّلْمَا ألم تقرأ بربك الأبيات ؟! ، مثل هكذا رجل ، لا يمكن له أن يعيش مع مجتمعه إلا بالقوة ، لذلك كان متنبينا محسوداً ، مكروهاً ، مذموما حتى من قبل الملوك الذين خصهم بمديحه الذي رفع شأنهم في الحياة ، وخلدهم في الممات كسيف الدولة وكافور وعضد الدولة ، وتذكر بعض الرويات ، أن العضد البويهي ، هو الذي أوعز للفاتك الأسدي بقتل المتنبي ، أو على الأقل التغاضىي عن محاسبته ، نواصل مسيرة المتنبي القوية بإرادته الصلبة ، فقوله الآتي ، وهو مما نظم في بدايات حياته - أي من العراقيات - دليل أخر على تطلعه لفرض قوته جبراً ، ونجح ! : أيُّ محـــــــلٍّ أرتقي *** أيّ ُ عظيــم ٍأتّقي وكلُّ ما قدْ خلقِ اللـ ****ـــهُ ومـا لمْ يُخلق ِ مُحتقرٌ في همّتـــي *** كشعرةٍ في مفرقي ومع ذلك ،الشرخ الواسع ، والهوة السحيقة الفاصلة بين واقع الحال،والخيال المحال،ومحاولة جمع النقيضين ، والسلوك بمظهرين متضادين ، جعله عاثرا مُعثـَّرا في سلوكه الاجتماعي ، نظرة إعجاب وموضع إستهزاء ، فمدَّ غربته بتغربه،حتى رأى الناس غير الناس ،والدنيا غير الدنيا ، والزمن غير الزمن ،أراد أن يطوّع الزمن كما يشاء ،أو أن تجري الرياح كما يشتهي !! وإلا : أذمُّ إلى هذا الزّمــــــان ِ أهيلهُ **فأعلمهمْ فدمٌ وأحــزمهمْ وغدُ وأكرمهم كلبٌ وأبصرهمْ عمٍ ****وأسهدهمْ فهدٌ وأشجعهمْ قردُ ماذا بقى - يا قارئي الكريم - من كلام بعد هذا الكلام ، كي نُطالب بكلام أمّا بعد :هذا التغرّب النفسي الذي أجّج هياج المتنبي وتمرّده ، وأدلع همّته بغربته وتنقله.... . وللمتنبي قول رائع يصب في هذا المعنى , ولا أراه الا ما رأى نفسه بهذا البيت , ولو أنـّه رمى به غيره : إذا ساءَ فعل ُالمرءِ ساءتْ ظنونُهُ***وصدّقَ ما يعتادُهُ من توهّم ِ ولاريب ، أن العباقرة والمفكرين والشعراء هم أكثر الناس تفكيرا وتوجسا وتخيلا , ومن هنا نتفهم بسهولة قوله الرائع الآخر : ذو العقل ِ يشقى في النعيم ِبعقلهِ *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ للتغرب النفسي ظروفه الذاتية والموضوعية التي تتفاعل حيويا في عقل ووجدان العبقري في لحظات معينة - قد تطول ، وقد تقصر - لتنعكس على شكل إبداع أو كآبة أو تصرف ما ، وإذا زادت شدّته ،وطالت مدته ، قد يؤدي إلى حالة جنون أو فسحة مجون ! أو مغامرة طائشة ، أو محسوبة بدقة ترمي للمعالي ، والنفوذ والخلود ، فعندما كبست أنطاكية، وقتل مهره الذي وصفه ، طالعنا طامحاً بمطلغ من أروع مطالع قصائده ، بل القصائد العربية ، إذ غرف من ( وافره) : إذا غامرت في شرف مَروم **** فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير **** وتلك خديعة الطبع اللئــيم يرى الجبناءُ أن العجز عقل **** وتلك خديعة الطبع اللئيم هذا ليس بكلام مَن يسير بدنياه بهدوء ، أو تعقل جبان ، وإنما هو طموح يُفرض بالقوة ، ونكرر معه قوله : وكل شجاعة في المرء تغني***ولا مثل الشجاعة في الحكيم بربك قل لي إذا نتغاضى عن جبن الفرد ، وتعقله المزعوم ، وسكوته المنافق ، وشيطانه الكامن ، فكيف بنا ، وإلى أين سيرمينا الموج الهادر في الزمان الغادر ، عندما يخذلنا القادة الصغار ، طمعاً ببقاء مهزوم ،لتخمة كرش ، أوهش بش !! ، ويقف معهم العقل الجمعي أبان غيبوبته ، وغفوته ، وقد انتبه عبقرينا إلى هذه الثغرة في الحياة ، ولك أن تقول حكمة ، فما يدريك ، ويدرينا !! يموت راعي الضأن في جهله *** ميتة جالينوس فــــي طبِّه وربما زاد على عمــــــــــــره ***وزاد في الأمن على سِرْبه قلّة نادرة من البشر يلتفتون إلى ما نذهب إليه ، والندرة النادرة من يشير إليها ، وأنا منهم ، لك أن ترضى ، ولك أن تأبى !! أما أنا فسأسير على الدرب الذي فرضته الطبيعة عليَّ ، وجبلته بي، وما الدهر إلا عفطة عنز !! ، تعبت ، ومؤلفاتي الخمسة التي وعدتك بها ، والتي سأزفّها في السنة القادمة إلى القارئ العربي الكريم ، تنتظرني صابرة مجاهدة ، وما أنا - أناتك !! أكرر الأنا ، رغم أنفهم - سوى إنسان قوي بإرادته وإصراره وأمامي بحر الظلمات الذي يموج به عراقنا الحبيب دون شراع سليم ، ولا ربان حكيم ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، لعلهم يعقلون !!
#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
4 - دعبل الخزاعي عبقريٌ بالقوة، وثائرٌ طيلة قرنه !!
-
تمايز فكري وثقافي وعنصري تحت غطاء أمني ، الفيس بوك في أمريكا
...
-
3 - العبقري بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته ...!!
-
ما بيني وبين العبقري الخالد ابن الرومي ...!!
-
2 - العبقري ما بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته...!!
-
العبقري ما بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته...!!
-
ألا يا ليلتي ميلي لنسقيكِ وتسقينا
-
الليلُ يا ليلى ينادينا...!!
-
الشاعرة والصحفية المغربية سناء الحافي تحاورني - 1 -
-
ودربُ العراق كثيرُ الحفرْ!!
-
إخطار وتحذير مرة ثانية - للسلطة العراقية وسفارتها
-
تنبيه وإخطار وتحذير من الشاعر الباحث كريم مرزة الأسدي
-
حوار رئيس تحرير مجلة الرسالة المصرية مع الشاعركريم مرزة الأس
...
-
الدكتورة و الطبيبة أنوار الخطيب ...انتصاراً للمرأة العراقية
...
-
لعلك تتذكر يا رئيس الوزراء فتردع أصابع سلطتك ووزارتك ؟!
-
5 - أبو نؤاس من الأمين حتى الموت
-
يا أمًّ زيدٍ وطبعُ الدّهر ِينقلبُ
-
الغزل أرق وأعذب ما عبّر عن إنسانية الأمة وحضاراتها الراقية .
...
-
غابَ الزّمانُ وشمسُ الشّامِ لم تغبِ
-
مدخل لنشأة النحو العربي (*) - الحلقة الأولئ
المزيد.....
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|