أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وفاء البوعيسي - الإسلام -ليس- منهم براء (2)















المزيد.....


الإسلام -ليس- منهم براء (2)


وفاء البوعيسي

الحوار المتمدن-العدد: 4309 - 2013 / 12 / 18 - 08:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإسلام "ليس" منهم براء (2)
المرأة
"البدايات"
لماذا المرأة؟!
آثرتُ أن أبدأ هذه السلسلة من المقالات بالمرأة، ليقيني أن المرأة بالذات هي المدخل المناسب لكل موضوع يتبع هذا تقريباً، فهي تمثل في المخيال الإسلامي "واجهة الإسلام" من حيث كونه ديانة وحضارة في مقابل ديانات وحضارات أخرى منافسة ـ على ما سيرد في مقالة لاحقة ـ كما مثّلت المرأة وما تزال، المسطرة الحقيقية لقياس منسوب العدالة واحترام الآدمية التي يدعو إليها الإسلام، وهي مدخل مناسب للحديث عن علاقة الإسلام بـ "الآخر"، وما إذا كان الإسلام بريئاً أم مذنباً من إتهامه بكراهية "المختلف" وارتيابه منه وعدم تسامحه معه، عدا عن ذلك فهي الثيمة الملائمة، للحديث عن "تصنيع الشخصية المسلمة" وهل هو تصنيع يخضع لمعايير إنسانية قيمية عادلة أم معايير ذكورية عنصرية.
ولما كانت معالجة هذا الموضوع بكل تفاصيله، تستحق مجلداً بأكمله، ربما حوى آلاف الصفحات، وكنت أعتقد أن كثيرين وكثيرات كتبوا في هذا الموضوع منذ عشرات السنين، وإن بطرق وتقديم مختلف عن الذي أراه، فإنني سأخصص هذه المقالة والمقالات القادمة، لأبرز المحطات التي تستوقفك في سيرورة حياة المرأة المسلمة من مبدأ خلقها حتى تمام عبورها للجنة أو للجحيم، كي ننتقل لاحقاً لثيمات أخرى.
توطئة
لا يخلو بلد ولا قومية من ارتكاب درجات من العنف والتمييز ضد المرأة والتحرش بها واغتصابها، حتى في الغرب العلماني الذي تخلّص من سطوة الكنيسة منذ قرنين ونيّف، وتبنّى قيم الحداثة والديموقراطية وقيم حقوق الإنسان الكونية، إذ مازلت النساء تشكو التمييز في العمل والأجر ضدهن في بلد كفرنسا، وتصل نسبة جرائم العنف ضد المرأة إلى 25% من مجمل الجرائم بهولندا[1]، لكن هذه الدول تُجهد نفسها في فضح هذه الأفعال ومعاقبة مرتكبيها، وقد نجحت في خلق منظومة قضائية وقانونية تدين الفاعل والفعل، وتعين المرأة التي تطلب المساعدة، ونجحت تماماً في خلق ثقافة مجتمعية تدين التحرش والإغتصاب والعنف، وتنظر برعاية ولطف إلى المرأة الضحية، لكن ماذا عن الإسلام يا ترى، هل انطوت أحكامه على إغتصاب وعنف وتمييز ضد المرأة أم أن هذا محض افتراء؟ وهل ما نراه اليوم من تغييب لدور المرأة المسلمة واضطهادها مرده قراءة ذكورية للدين أم لذكورية الدين نفسه، وهل أن هضم حقوق المرأة المسلمة اليوم هو نتاج لتطويع الدين وليّ الشريعة لرغبات الفقهاء لبسط هيمنة رجالية بتحديد أدوار النساء، وضبط حصتهن من المشاركة في الحياة العامة، من خلال الإنتقائية في تبني النصوص، أم أن الإسلام نفسه هو مصدر لإضطهاد النساء كما كانت اليهودية والمسيحية من قبل؟
التاريخ بين الحقيقة والزعم!
ما إن تتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام ، حتى يرميك الجميع تقريباً بتهم مجمدة بالبراد، وهي أنك عميل لمشروع غربي صهيوني أميركي يستهدف ضرب الإسلام وهويته، وأنك تبتغي الوصول إلى جسد المرأة تحت مسمى الحرية، وأن المرأة الغربية تحسد المسلمة على مكانتها وإعزازها، وأن الإسلام رفع مكانة المرأة إلى حيث لم تفعل ديانة ولا حضارة سابقة ولن تستطيع حضارة لاحقة أن تصل بالمرأة إلى حيث فعل الإسلام، فالنساء "شقائق الرجال" وقد أراحهن الإسلام من أعباء كثيرة حمّلها للرجل وحده، لشدة اعتناء الإسلام بهن وبتكريمهن.
سيقرّعونك بشدة أن الإسلام حلّ في أقوامٍ مستوحشة، تكره الأنثى وتتشائم منها، استغلت جسدها واتجرت به، أقوام ترثها جسداً وروحاً ولا تورّثها، سيكلمونك عن الوأد، وتعديد الزوجات بلا حساب، وسيتلون عليك آيات تحريم الوأد وتعنيف الرجل الذي يسوّد وجهه حين يبشّر بالأنثى، فهل هذه الصورة "المرعبة" لحال المرأة قبل الإسلام حقيقة؟!
هذا كلام لا شك فيه قدر من الصحة، فمكانة المرأة في مكة وفي غيرما مكان وحضارة، لم تكن بالتي تدلل على حظوتها وعلو شرفها، لكن ثمة ممارسات إنسانية وحضارية، كثيرة تستحق أن تجعلنا نتحرز من تلك المزاعم.
وإنه وإن كان الإسلام حلّ في قوم جلاف غلاظ، يئدون الأنثى ويرثونها مع سائر الأمتعة ويتزوجونها بغير ضابط، إلا أنه حتى أولئك الجلاف عرفوا توريث المرأة، وها هي خديجة بنت خويلد ترث مالاً وفيراً من ترملها تستخدم عليه الرجال وتحاسبهم وتقيلهم، وهل كان النبي إلا أحدهم؟ وقد كانت النساء في الجاهلية يتبرجن، ويعرفن التختم والتعطر وتقلد الحلي والسفر ومجالسة الرجال والعمل بالتجارة وكنز المال، وطلب العلم ونظم الشعر كحفصة بنت عمر, وكريمة بنت المقداد, وأم كلثوl بنت عقبة, والشفاء بنت عبد الله, بل إن منهن من تعلمت الفروسية والضرب بالسيف وهل صفية بنت عبد المطلب إلا إحداهن[2]، وإن كانت مكة عرفت توريث المال للنساء كخديجة وغيرها وعدم تفشّي الوأد بالصورة التي يقدم بها، إلا أن تدمر مثلاً ورّثت المرأة دولةً بأكلمها، فقد برزت زنوبيا كملكة قادت جيوشاً دشنت بها أراضٍ تمتد من النيل حتى البوسفور، وكذا مصر حيث كليوباترا واليمن بالقيس، وقد عرف الغساسنة والمناذرة مكانة للمرأة حتى كان الرجل يُكنّى بأمه لعلو حسبها وعِظم شأنها، وقد عرفت كثير من الأمم المجاورة للعرب كالأمازيغ والفرس والأحباش والهنود تقديراً ملحوظاً للمرأة.
وليس الذكر كالأنثى
هذه الجملة ـ وليس الذكر كالأنثى ـ هي آيةٌ قرآنية جاءت بمعرض بيان خيبة الأمل التي منيت بها زوجة عمران، حين نذرت ما في بطنها محرراً لله، لتلحقه بالكنيس لخدمة الرب، وليتسلل إلى مجامع اليهود من بني إسرائيل ويقاسمهم الكهانة والشرف، لكن مسعاها خاب إذ وضعتها أنثى، فلا كهانة ولا رياسة ولا مرتبة للأنثى في اليهودية، فهل كانت هذه الكلمات هي موقف الله الشخصي من مسألة الذكورة والأنوثة وما يترتب لكل واحدٍ منهما، أم هو موقف زوجة عمران؟!
إن الله يعرف ضيق الرجل بالأنثى، وشعوره بالمهانة والنقص حين يعيّره أحدهم بها، لكن الله تعامل بمنطق التبرم والضيق نفسه، حين تطاول بعض الكفار في لصق أسماء أصنام أنثوية به، فها هو في سورة النجم يقول (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) فهل لو أًلصقت به أصنام تحمل أسماء ذكور صار مفهوم المخالفة للأية أنها "قسمة عادلة"؟
وإني أستغرب من الأمر، فاللاّت والعزى ومناة الثالثة يُرجّح أنها ثالوث أنثوي كان يعبده بعض العرب، وهي تدلل على تقديس للأنثى لا تحقير لها.
ويتكرر التبرم والضيق حين يزعم بعض المشركين أن الملائكة هي من جنس الإناث، فيستشيط الله بوضوح في سورة الزخرف (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) وهنا يمتعض الله لتقوّل المشركين بأن الملائكة (جنوده) هم من الإناث، حتى أنه يسترسل في المسألة ويتوعدهم بكتابة كلامهم والانتقام منهم، حتى ليبدو أنه يريد أن يقتص للعار الذي لحق بملائكته التي تتنزه عن أن تكون "مجرد" أنثى، وما هذا إلا لوقع كلمة أنثى في النفس، ودلالة قلة الشأن وكثرة الغواية والغدر التي تتصف بها، فكان هذا مثيراً لحنقه، أن يُتهم بأنه حين خلق ملائكته، لم يقدر على أكثر من خلقهن إلا على هيئة "إناث".
ثم إن العرب عرفت كغيرها من الأمم تكلفاً لا يستهان به بالذكر دوناً عن الأنثى، وقد جاء في سورة الأنبياء وسورة مريم على التوالي، أنه هو الوارِث والمورّث "للجينات والمال وللنبوة" في سلسلة لا تنتهي (وزكريا إذ نادى ربه ربِ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحي) (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث آل يعقوب) وقد كان زكريا طاعناً بالسن حينها، وفرصة رؤيته لابنه يكبر أمام عينيه حتى يشب ضعيفة جداً، لكنه ولع الرجل بوارث ذكر يخلّد اسم أبيه ليمتد ذكره في الزمان والمكان، وولع النبي في أن يورّث ابنه النبوة من بعده، ويستمر تقديس سلالة آل يعقوب الذين هدوا البشرية للسراط المستقيم إلى الأبد، في شكل من أشكال تمادي وراثة الأنبياء لشعوبهم، كوراثة الإقطاعيين لرعيتهم، والنص القرآني يفصح بجلاء عن تلبية تلك الرغبة لزكريا، نظراً لمغزاها ومترتباتها، فقد وهبه "الذكر المطلوب" وأورثه نبوة أبيه فصار "نبياً مستخلفاً" هو الآخر في آل يعقوب.
ثم أن سورة الكوثر جاءت لتؤاسي محمد ابن عبد الله، في انقطاع أثره لإنعدام الولد وتطييب خاطره، (إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر).
لقد وُعِدَ النبي بنهر في الجنة قيل في وصفه الكثير، ما يحمل مغزى التعويض المجزي له، على ألم عدم وجود عقِب، يرث النبوة في العرب من بعده نكاية في بني إسرائيل، وقد حملت السورة تشنيعاً على المتطاول بوصفه بأنه هو الأبتر لا النبي، ولم يحرص الله في السورة المذكورة على تذكير نبيه بفضل بناته، سيما ابنته فاطمة، المرأة التي سيرفعها السنة والشيعة لاحقاً لمرتبة سيدة نساء العالمين، فالقرآن يبين لنا هنا ما يعنيه "الذكر" لأبيه الرجل، فما بالك بأبيه النبي، وبالتالي أهميته في الحياة والإستخلاف، وليفصح لنا عن مقدار الألم والشعور بالإنهزامية والنقص الذي يلحق بمن يموت بلا عقِب (ذكر).
ومازلنا نلحظ شدة تولع النبي بسبطيه الحسن والحسين ابنا فاطمة زوجة علي، ولشدة ما تعلق بهما كان يقول إنهما أبنيه، وكان يشير للحسن أو أخيه الحسين قائلاً إبني هذا كذا وكذا، لأنهما من نسب قريش من بني هاشم الذين تبقّوا له، حين لم يعش له إبراهيم ابن مارية القبطية، وبقية أبناء بناته.
فإذا عرفنا أن الذكر وحده، هو الذي يحظى بشرف إتصال الله الحصري به، ويحظى وحده دونها بكرامة تبليغ رسالته للبشرية جمعاء، وإذا عرفنا ـ كما سيرد بمقالة لاحقة ـ مغزى ميراث الأموال ودلالة تقليل حصة الأنثى فيها، ومغزى ربط النسب والدين والطائفة والقومية (وحالياً الجنسية) بالأب وحده، وأن الزواج والطلاق والعتق والإسترقاق والقيم وتحديد الأدوار وتقسيم الأرزاق خضعت دائماً لقواعد وتعاليم استنها الرجال كهنة كانوا أو أنبياء أو ساسة، إذا عرفنا كل هذا، استطعنا فهم العلاقة الوثيقة بين الخالق "الله" الذي يشار إليه بـ (هو) (الذي) (إنه) وبين النبي ورجل الدين والأب والزوج والسيد والحليل، وفهمنا أخيراً من الأفضل الذكورة أم الأنوثة.
خلق المرأة بين القرآن والسنة
نتلمّس في نظرية خلق المرأة بالقرآن، ومنظومة الحديث النبوي، عكس ما يزعمه كثيرون، من مخالفة التوراة التي قدّمت امرأة ملعونة، رديفة للشيطان ومتبوعة في الخلق، ففي سورة النساء (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) والأعراف (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا) ومدلول هذه الآخيرة، أن ثمة نفس واحدة مبدأ الآمر، ولاحقاً خُلق منها زوجها، و"الزوج" في اللغة وإن كانت تطلق على الذكر كما على الأنثى، إلا أنه حين يُسكَنُ إليها حتى يتغشّاها فتحبل، فلابد أن المقصود بالزوج هي المرأة، وهذا يعني أن المرأة خلقت بالتبعية، وأن النفس الأصيلة التي تخلّقت منها هي الرجل، ومن هنا نتلمس الإفصاح عن أن الرجل هو الأصل، والمرأة هي الفرع في القرآن.
ورغم أنه لم يرد في القرآن ما يفيد خلق المرأة من ضلع أعوج كما ورد بالتوراة سفر التكوين، لكنك مع هذا تجد نفسك مواجهة مع حديث شريف يتبنى الطرح التوراتي بلا مراء (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا ) [3].
وإني هنا لأتسائل ماذا قصد النبي بأن "أعوّج شيء في الضلع أعلاه" هل قصد بهذا أن نهاية ضلع الرجل التي تنثني لتحوط قلبه، تصير بعد خلق المرأة منه هو رأسها وما يحويه من مخ وتصور للعلاقات والأشياء؟ وأغلب الظن عندي أنه قال هذا ليدلل على أن عقل المرأة ليس عقلاً في حد ذاته بل قلباً، لهذا جاءت خلقتها شوهاء لا يمكن تصحيحها، ولهذا ربما اختتم حديثه بعدم إمكانية إنصلاحها مهما بُذل في ذلك من جهد.
استقبال الأنثى جسداً وروحاً
وتتجلى أُولى دلالات استقبال الأنثى، بمناسبة قدومها للحياة طفلة رضيعة(جارية)، بذبح شاةٍ واحدة لها وشاتين للطفل (الغلام)، وهو طقس وثني قديم عرفته أمم كثيرة منها العرب ويسمى العقّ، وينطوي على تقديم قربان يُذبح شكراً للألهة على أُعطياتها، وعلى قدر الأعطية يكون الشكر، ولما كانت الأنثى أدنى مرتبة كان الشكر قرباناً هزيلاً (شاة واحدة) ولما كان الذكر أعلى مرتبة كان الشكر قرباناً كبيراً (شاتين) ويُصار إلى مسح رأس الغلام بدماء الشاتين تخلصاً من "نجاسة أمه" لئلا تعلق به، في حين لا يُصار إلى هذا مع الجارية[3]، وكل ما فعله النبي هو تحوير هذا الطقس قليلاً، بالاستعاضة بالزعفران الأحمر عن الدم، ومسح شعر الغلام به دوناً عن الجارية[5].
وشرّعنة تبنّي هذا الطقس الوثني من النبي، يساير السياق التاريخي لمرحلة ظهور دعوته، وما مسح رأس الغلام وحده بالزعفران دوناً عن الجارية إلا لدمغ تلك الصغيرة الآتية للحياة بأمها لا بقيمتها كإنسان، وتنزيه الولد منها إلى الأبد.
وأنت منذ هذه اللحظة ـ لحظة العقّ ـ ستفهم معنى أن تكون المرأة "فَرعاً" ما كان ليتقدم على "الأصل" وما كان ليستوي معه وهو الذي لا يعيش إلا به ولا يوجد إلا بوجوده فإن زال زال معه قطعاً، بعكس الأصل الذي هو الأول وهو المستغني عن الفرع والقادر على البقاء به وبدونه، بل إنه كثيراً ما كان الفرع ثِقلاً على الأصل لأنه يقتات عليه ويتعيش به فكان طرحه أدعى للحاجة أحياناً.
وستفهم لاحقاً أن تنصيص حقوق المرأة في كل شيء كما قال ابن الجوزية كان قدراً مرسوماً ينتظرها[6] وأنه قد بُدأ به مبكراً جداً لتعويد المرأة نفسها عليه، وتشريبه لها، ولعلك بدأت تعرف الآن لما قال النبي إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فها هو عطب خلقتها ظاهر في عدم الاحتفاء بها أُسوة بالغلام، وهل يُماثل الإحتفاء بالمعوق أو المنقوص، الإحتفاء بالكامل المنزه؟!
وفي وقت متأخر قليلاً عن طقس العقّ هذا، سيظهر طقس قديم آخر يتبّع لإقحام الأنوثة والذكورة في "الفطرة الإسلامية"، وهو طقس قديم عرفته شعوب يهودية وعربية وهندية وهو الختان[7]، حيث أقر النبي هذا الطقس لكلٍ من الغلام والجارية، وأدخله أبو هريرة في الفطرة بحديثه (خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر) [8].
ولست أفهم كيف يُزج طقس كهذا في الفطرة التي هي أصل الخِلقة، فهو طقس قائم على التدخل الإنساني "المادي" و"الخارجي" في الجسد، وإن كان هو اقتداءٌ بملة إبراهيم، فإن إبراهيم نفسه اختتن في الثمانين على روايات كثيرة، فكيف يكون فطرةً ذلك التدخل الذي يرسم "دالة ثقافية" على الجسد ستلاحقه حتى مماته، وربما تكون لنا مقالة لاحقاً عن هل أن الإسلام هو حقاً دين الفطرة أم لا.
وختان الغلام هو قطع الجلدة فوق الحشفة لتعريتها كلها، وهو لا يؤثر على قدراته الجنسية بحال، أما ختان الجارية فيسمى الخفاض، والخفاض هو قطع القلفة فوق البظر لمنع المرأة من الإستمتاع الجنسي وبلوغ ذروة الجماع، وقد ورد الخفاض في حديث لعائشة (يا معشر النساء إذا خفضّتن بناتكن فبقيّن إبقاءً للذّاتهن بالأزواج)[9]، وعن النبي عن أم عطية قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي ( لا تنهكى، فإن ذلك أحظى للزوج، وأسرى للوجه)، وإن أم حبيبة وكانت تخفّض الجواري سألت رسول الله إن كان ما تفعله حراماً فقال لها ( بل هو حلال، فادني منى حتى أعلمك فدنت منه، فقال يا أم حبيبة، إذا أنت فعلت فلا تنهكى، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج) ولا تنهكي أي لا تبالغي[10].
والخفض وهو إن لم يكن إعطاباً للمتعة الجنسية لدى المرأة كلياً، فهو على الأقل تحكّم بها وتقليل لها إلى أدنى الحدود، إنه لن يزيد عن كونه عملية تعديل للمرأة "الإنسان"، إلى جسد منطرح برثاثة وإذعان تحت رجل يغور في تضاريسه حتى يُشبِع متعة، ويستولده ما شاء من البنين والبنات، وبالكاد يستلذ بما يُفعل به.
ويحظى الخفاض بإعتراف مؤسسة الأزهر ومباركته، وقد شدد عليه مفتيه السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق بفتواة الصادرة بتاريخ 29 يناير 1981، تسلسل 709، المنشورة بموقع دار الإفتاء المصرية، وعلى ضرورة إجراءه تأسّياً بالفطرة وإلتزاماً بأمر النبي.
وقد أجهد ابن تيمية وابن قيم الجوزية نفسيهما في بيان فضل خفض الجارية، من أنه تعديل لأصل خلقتها المجبولة على الشهوة والإفتتان بالمتعة[11]، لهذا عدّ ابن تيمية المرأة المسلمة المخفضة أكثر شرفاً وضبطاً لنفسها من المرأة الأجنبية (الغربية) [12]، وخفاض المرأة واجب عند الشافعية والحنابلة، ومكرمة للمرأة لا تدانيها مكرمة عند مالك وأبو حنيفة ويؤثم تاركه[13].
وها أنت ذي، إزاء دالة أخرى يسم بها النبي جسد الأنثى، ليترسخ في المنظومة الفقهية "تنميط المرأة" وتشريط جسدها بشروط معينة كي تندرج في بقية الأحكام بسلاسة، فهي مخلوق مبتلى بطبيعته الجنسية المستفحشة، حمل غريزة متأججة على الدوام، قد تودي بمجتمع الإسلام في مهالك اختلاط الأنساب ، فكان لابد وهو الذي "لا ينطق عن الهوى" من أن يشرّعن لذلك التدخل في جسدها ويدخله في الفطرة، ليحد بصورة شرعية من تطوحه وجموحه، فهي وإن كان قد جرى خفضها، لكن يظل الشك يلازمها، من أن تعود طبيعتها فتغلبها فتنطلق كمسعورة تروي غريزتها مع أي رجل، وسنرى في الكثير الكثير من الأحكام رهاب يكبر شيئاً فشيئاً من المرأة المسلمة، ويتمدد في كل حياتها.






ــ هوامش المقالة:
[1] Lessen in burgerschap en integratie، de heer Henk Voorman، Almelo 2012، Nederland.
[2] للمزيد من معرفة أحوال النساء وريادة بعضهن في الجاهلية أنظر البلاذري في فتوح البلدان, ص 454.
[3] صحيح البخاري.
[4] انظر موطأ مالك، وكذا الكاساني في بدائع الصنائع ج 5 ص 69.
[5] أنظر ابن الجوزية زاد المعاد ج 2 ص 329.
ويلاحظ أن من الشيعة من يعقّ عن الغلام بشاة واحدة, ولا يعقّ عن الجارية, بما يعني ثبات مبدأ التمييز في الإحتفاء بميلاد الغلام في المذهبين, أنظر في هذا, ابن بابويه, من لا يحضره الفقيه, ج 3, ص 319.
[6] للإستزادة أنظر ابن الجوزية المرجع السابق ص 56، حين قصد (الشهادة الميراث الدية العتق)
[7] أنظر الكاساني المرجع السابق نفس الصفحة.
[8] أنظر شرح السنة للبغوي، ج 12، ص 109.
[9] أنظر الطبرسي في مستدرك الوسائل ج 15، ص 152.
[10] لتفصيل أكثر، راجع فتوى جاد الحق علي جاد الحق الصادرة بتاريخ 29 يناير 1981، تسلسل 709، المنشورة بموقع دار الإفتاء المصرية، وأنظر كذلك شرح السنة للبغوى ج 12، ص 109.
[11] أنظر ابن تيمية، مجموع الفتاوى ص 114، وابن قيم الجوزية تحفة المودود، ص 147.
[12] أنظر ابن تيمية المرجع السابق، نفس الصفحة.
[13] أنظر شرح السنة للبغوي المرجع السابق، ص 111.



#وفاء_البوعيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام -ليس- منهم براء (1)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وفاء البوعيسي - الإسلام -ليس- منهم براء (2)