أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خضير فليح الزيدي - الوطن.. في حقيبة سوق الهرج














المزيد.....

الوطن.. في حقيبة سوق الهرج


خضير فليح الزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1226 - 2005 / 6 / 12 - 03:40
المحور: كتابات ساخرة
    



دائما في قلب المدن .. دائما خارج سياقات الزمن ..
يبدو ان المدن لاتبنى ولا تؤسس من غير مكان في قلبها او على سرة تكوينها لسوق الهرج .. وتلك متوالية تعمل بالضد من المدينة المبنى ، أي ان تطور المدينة حضاريا وعمرانيا واقتصاديا وصحيا يتناسب عكسيا مع هروج المدن ، وكذلك كلما عادت المدن تمشي إلى الخلف انتعشت أسواق الهرج الحديثة ومشت مسرعة إلى الأمام في غفلة من الزمن .. تلك متوالية المأساة المستمرة حان وقت كشف مستورها ..واماطة لثام ما اخفي من مأساة الوطن الذي تحول إلى حقيبة مملؤة من أسراره .
كنت راصدا بعين ثاقبة لهروج مدن الحصار .. أسواق الهروج متباينة ومتنوعة ومختلفة باختلاف المدن .. ومرآتها تختزل المأساة عبر العشرين سنة الأخيرة .. مرآتها مقعرة تحاكي لوعة الأسى وامتهان الرجال في استبدال المروحة السقفية في الشتاء بعشرة كيلوات من الدقيق الأسمر ( الوجه الأسمر مرغوب فيه الا الطحين ) وفي الصيف اللاهب تستبدل المدفأة النفطية أيضا بثمانية كيلوات من الدقيق الداكن …بدأ الحصار عام 1990في شهر آب عبر إعلان طويل وعريض من الأمم المتحدة المعضدة للقرار الأمريكي ، ومع تطور الأحداث وتوالي كوارثها علينا تحولت شيئا فشيئا أسواق ( الفرهود ) المستلبة من دولة الكويت الى سوق عشوائي التكوين يدعى غالبا بسوق الهرج .. أما البضائع المستعملة او المسروقة او المستلبة او بضائع ضريبة الجوع ..ليس بينها أية علاقة طبيعية فغسالة الملابس كانت تصطف بخشوع مع الأحذية الجلدية ، والمدفأة الزيتية بجوار الملابس الداخلية ، والكتب المنهجية المسروقة أيضا مع مكيف الهواء ،، والعقال ليس مع الكوفية بل اصطف مع قناني الغاز ،،وأسلاك الكهرباء المنتزعة على عجل من الجدران مع كومة قناني العطر ،، وهكذا تستمر سيمفونية الفرهود السريالية في التجدد واغناء السوق العراقية بما شح من البضاعة الجديدة مع تعاضم أيام الحصار واسوا طه اللاسعة ..
يستمر الحصار ونطرد من الكويت في كانون الثاني من عام 1991 ، وليس من يمول سوق الهرج بعد هذا التاريخ ، ألا أن العقلية العراقية مبدعة على الدوام ، إذ تحدث انعطافة سريعة في طروحات أسواق الهروج ، حيث بدأت البيوت العراقية المعدمة بتقيأ كل ما اقتنته من بضائع مستلبة تحت حجج كثيرة أذكر منها – ان أموال الحرام لا تدوم – الخبز أولا ومن ثم الأثاث – حتى استمرت متوالية جديدة تعلن عن نفسها في سوق الهرج ، هي أن الجوع لا يتضامن فكريا مع أثاث المنزل .. بدأ السوق يلتهب في السنوات اللاحقة 94 و95 و96 قبل مذكرة التفاهم .. حيث ان بورصة الطحين بدأ الخط البياني لها بالطفرات السريعة من مائة دينار 1992حتى وصل إلى 1200 دينار بعد إعلان مفاجئ من الحكومة بتخفيض حصة الفرد الواحد الى أربعة كيلو وقد كان ستة كيلوات مخلوطة بالجص او الرمل او بذور عين الشمس او بالبرادة العراقية الخالصة ،، اذ كانت المعدة العراقية تعبر عن شكرها لفارس الأمة بعد ان تتجشأ من تلك الخلطة المبتكرة العجيبة لاهم مادة غذائية ، ليس هذا فقط بل كانت قدرة البعض تتعاضم وحماسه لايكل في كل مسيرة جماهيرية احتجاجية او تأييد يخطط لها الرجال الزيتونيين ، وكان بعض الجائعين يبلون بلاء حسنا في التصفيق او القفز .. أما في موضوع السكر المادة الثانية لبارومتر السوق العراقية المحاصرة فقد اخذ يلازم الطحين في صعوده ، حتى وصل 1500 دينار للكيلو الواحد ، مما ابتكر أهل الدار بالاستغناء عنه بالدبس المحلي لتحلية الشاي العراقي وعمل شكولاته الدبس التي رماها الأطفال في المزابل ولم يستسغ مذاقها أبدا ..
اما سوق الهرج فكان بمثابة الرئة الأخيرة المتبقية ليتنفس من خلالها المعدمين ما تبقى من هواء سنين الحصار .. فكان السكر اقل من ثمنه في السوق العادية لانه قد خلط بالملح وبنسبة خلط قد وضعها خبراء سوق الهرج ..
في أحد زوايا سوق الهرج ، ثمة باحة خلفية للموظفين الذين ابتعدوا عن التسول الرسمي ضمن نطاق الدائرة الواحدة فقد خصصت لهم تلك الباحة الخلفية لشراء حديد سقوف بيوتهم:
صفقت كثيرا للذي باع المراوح كي لا تطير السقوف ( من قصيدة للشاعر المبدع داود سلمان محمد )
حيث بدأ الموظفون الصغار مبكرا ببيع حديد ( البيتونة ) في عام 1993 ولاحقا تدرجوا في خطة البيع الشاملة متخلصين بذلك من آفة الجوع - معظم الأبواب والشبابيك حتى نظفت البيوت تماما من كل الأثاث ( فائض عن حاجة البطون ) .. والى جوار باحة الموظفين الخلفية كانت باحة أخرى للمواد المسروقة في الليل سوى من دوائر الدولة او من البيوت ولا غرابة أن تشتري ما سرق منك في يوم ما من سوق الهرج ولكن بسعر مخفض إذا ثبت عائدية السرقة .. ولاغرابة أن تشتري كرسيا قد بعته قبل عاما أو عامين ..
ا سوق الهرج بعد الحروب الخارجية يأخذ منحى توسعي وذو دلالات تدلل على خصوصية البلد المحتل .. وهنا تجدر الإشارة للتطورات المادية التي رافقت هروج العراق في التأريخ المعاصر من حيث تنوع البضاعة المطروحة او من حيث الحداثة ..فمثلا ان البضاعة الكويتية قد حلت ضيفة في سوق الهرج لمرتين ، الأولى في عام 1990 كما أسلفت والثانية في عام 2003 بعد التنوع وقفزات التطور التكنولوجي والفرق في البضاعة كان الأطباق اللاقطة والكومبيوترات ولوازمها وكذلك سيارات المنفيست .في عام 2003 وما بعده .
بعد 2003 امتد سوق الهرج ليكتسح الشوارع والأرصفة والساحات والمنعطفات والأزقة .. سوق الهرج يتوسع يوميا وربما سيصل حتى بيوتنا او غرف نومنا – طوفان الوطن – أما آخر مستجداته فقد غزته هذه الأيام الأغذية المعلبة وأثاث جنود الاحتلال من علبة الكبريت إلي ماكنة الحلاقة واللباس الداخلي الأمريكي او البريطاني او الإيطالي ..
لهروج المدن رجالها الأفذاذ يمتلكون القدرة الفائقة ولغة إقناع عالية التكنيك بحيث يبطحون الرجل البائع ارضا بالكلام مما يضطر تسليم بضاعته إليهم بالثمن البخس وهروبه من سوق الهرج .. أما آلية الشراء فلها فلسفتها الخاصة لتحسين نوعية البضاعة المباعة يرافقها اغلظ الإيمان وتنوع مصادره حتى تتم الصفقة ويقبض الثمن .. وسلاما .



#خضير_فليح_الزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضاد ليست دائما اخت الصاد يااودنيس الشعر
- ..طريبيل ..الخارجون والداخلون الى دراما الوطن
- حيرة الكتابة ..وقلق الكتاب
- (رسالة من القاص الاب محسن الخفاجي الى القاص جورج بوش الابن ( ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خضير فليح الزيدي - الوطن.. في حقيبة سوق الهرج