أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطفي حداد - مدينة من نار - جزء رابع














المزيد.....

مدينة من نار - جزء رابع


لطفي حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1225 - 2005 / 6 / 11 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


سأُعطى براءة الاكتشاف
لأهمّ قرابة رحم
في القرن العشرين:
جمالُ باشا السفاح
هو الأبُ الحقيقيُّ والروحيُّ
والملهمُ السياسيُّ والأدبيُّ
والمعلمُ الماديُّ والنفطيُّ
لكبارِ العرب
وهم في السادسِ من أيّار في كل عام
يحتفلون بمأثرةٍ جديدةٍ
ذكرى لأبيهم الراحل..
***

لا فضلَ لحاكمٍ عربيّ على مثيله
إلا بالقتل والإرهاب
لا فضلَ لحكومةٍ عربيةٍ على جارتها
إلا بالخيانة والسجون
لا فضلَ لمواطنٍ عربي على آخر
إلا بالانفجار
***

ما نزالُ ننظرُ للوراءِ
كامرأةِ لوط
حتى صرنا أصناماً من ملح
ما نزالُ ننتشي
ببطولاتِ الأمسِ
حتى تقيأنا التاريخ
***

أجلسُ أمامَ رهبةِ البحرِ
أمامَ الأزرقِ الممتد
أنظرُ للبعيد
أتذكّرُ الضفّةَ الأخرى
يتراءى لي طارقُ بنُ زياد:
العدوُّ ليس أمامكم
والعدوُّ ليس وراءكم
إنّه في داخلكم
لكنه يُتّهم بالتجسّسِ
والتخريبِ
ومناوأةِ الحُكمِ
ويُحرقُ هو ومراكبُه

يخرجُ عبدُ القادرِ الجزائريّ
من الرمالِ القانية
ليحرّرَ الأرضَ من «أهلِها الغُرباء»
فتصطادُه جماعةٌ من الملتحين
وتصلبُ رأسَهُ على شجرة

ينتصب عبدُ الرحمنِ الكواكبي
شاهقاً كالطود
يحمل في يده «طبائع الاستبداد»
فتنتابني نشوةٌ قوميّة؟
ويرحل بي الخيال إلى تمثال شبيه
بتمثال الحريّة
لكن البحرَ يقهقهُ
بصوتٍ أشبهَ بالبكاءِ
وأفهمُ أنه صارَ
من آثارنا الخالدة المندثرة
وصار عنوانُه «روائع الاستبداد»

يتدخّل خالدُ بن الوليد
ليلمسَ جرحَ العراق
ويحملَ بغداد بين يديه
ويقبّل دمع البصرة
لكن القمّة العربيّة
تعتبرهُ حالماً ورهيفَ الحسّ
ولا يصلحُ لوقتنا الحاضر
***

هكذا حلمتُ بالأمسِ
اقتربت الضباعُ والسباعُ
ووحوشُ البرّيّة من بغدادَ...
لرائحةِ الدماءِ الشهيّة
فارتجلَ شاعرُهم
قصيدةً عصماءَ
عن لحومِ الأطفالِ الباردةِ
ودمائِهم اللزجة..
وأبدعَ رسّامُهم لوحةً تشكيليةً
يتداخلُ فيها اللونُ الأحمرُ
بلونِ الرصاصِ
والتقطَ مصوّرهُم مشهداً رائعاً
لخمسينَ طفلاً مشوهاً
ممزقاً
ومرَّ الزمنُ
وعادت الضباعُ والسباعُ والوحوشُ
إلى غابتها
ونسوا بغدادَ
وأصبح الأحفادُ
ينسبون مآثرَ اللوحةِ والقصيدةِ والصورةِ
إلى أجدادهم بفخر.

وهكذا حلمتُ اليومَ
اقتربَ ضبعٌ مسنّ
من طفلٍ لم يبقَ منه إلا الصدرُ والبطن
فحمله بينَ يديهِ
وسار بهِ إلى الغابة
وقال بخشوعٍ
أيها الصحابة.. يا معشرَ الضباع
دعوني اليوم أنطلقْ بسلامٍ
فقد رأتْ عينايَ خليفتي
وهذه أولى هداياهُ
فإليهِ العرشُ والجاهُ
***

كلَّ صباحٍ في بغدادَ
تحصي الأمهاتُ أولادَهنّ
وحين يأتي المساء
تحصيهنَّ من جديد
وتشكرنَ اللَّهَ
على كل طفلٍ ظلّ ينامُ
تحتَ سقوفهنّ
***

رفعت أمٌ من بغدادَ رأسَها للسماء
وتساءلت:
أيتها القبّةُ الزرقاءُ
لماذا ننجبُ الأطفالُ
إذا كانت سحبُكِ الداكنة
ستبتلعُ دماءهم
لكنّها لم تكملِ السؤال
حتى ابتسمت لها
سحابةٌ
وابتلعتها
***

أهل بغداد غيرُ كلّ العباد
ليس لهم جنّةٌ
ولهم جهنّمان
أهلُ بغداد
محكومون بالموت
وفي الحقيقةكل ما يجري
هو اختيارُ الطريقة
***



خمسةُ آلافِ عامٍ من الحضارةِ
كيف تُمحى
خمسونَ ألف زهرةِ ياسمين
كيف تُقتل
مليونُ عصفورٍ وحمامةٍ
أين تَرحل
خمسةٌ وعشرونَ مليون منجلٍ
كيف تبيد
كيف تبيدُ..
.........
نحنُ قادمون
من سنابلِ الحقولِ
قولوا معي: آمين..
من الوردِ والتفّاح
من زَهَرِ الرُمّانِ
وأشجارِ الخوخِ والدرّاقِ والليمون
من بغدادَ..
من نرجسِ عينيها
من حقولِ الكستناءِ
وشرايينِ الكرزِ البرّيّ
من خجلِ شقائقِ النعمانِ
من التمرِ والحنّاءِ
من نهر دجلةَ
قادمونَ..
نحن المكسورينَ والمظلومينَ والمقهورين
من وَجَعَ الخيبات
من أجنحةِ الفراشاتِ التي ذُبِحَت
من اختلاجِ العصافيرِ التي رحَلَت
من الماءِ والهواء
والشمس والربيعِ
نحن قادمون
قولوا معي: آمين
***
أيَّ اعتذار نقدّمُ
للعيونِ التي خَسرتْ ضوءَ النهار
أيَّ اعتذار نحملُ للجباهِ التي صُلبتْ
على بردِ الجدران
أيُّ اعتذار يعوّض
أشجارَ النخيل عن احتراقها
بالقنابلِ العنقوديّة
أيُّ اعتذار يشفعُ
لتاريخِ عُهرنا الطويل أمامَ إلهِ إبراهيم

أيُّ اعتذار يعيدُ السواقي
والبساتينَ والمروجَ
والخمائل والدوالي
أيُّ اعتذار يجدّدُ ضحكةَ الطفولةِ
ولهفة سودِ الجدائل

أيُّ اعتذار يُطفئ
مدينةً من نار
***

كان يا ما كانَ أميرةٌ سمراءُ
عيناها حقولُ كستناء
والشفتانِ الشهيتان
غفوةُ الكرزِ البرّيّ
وشقائقُ النعمان
كانتْ غاباتُ النخيلِ
شعرَها المسترسِلَ
وكان دجلةُ عنقَها الأملد

كان يا ما كان أميرةٌ سمراء
مرّ عليها هولاكو وتيمورلنك
وأرادا أن ينالا خصلةً من غابات
النخيلِ..
وضوءاً من حقولِ الكستناء
لكنها احترقت ساخرةً
ونامت في العراء

وبعد سنين
أتى برابرةٌ جددٌ
يوقّعون عصراً بربرياً
وحاولوا أن يقطفوا
شقائقَ النعمانِ والكرزَ الشهيّ
وأن يشربوا عنقها النديّ الطويل
لكنها ابتسمت ساخرةً
واحترقت وهي تقولُ:
عودوا لجديكم يا صغاري
إن أميرةَ الأحلامِ لا ينالُها الأقزامُ

كان يا ما كان أميرةٌ سمراء
كان اسمُها بغداد
وما يزالُ اسمُها بغداد



#لطفي_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبحاث في العلاقات المسيحية - الإسلامية
- مدينة من نار - جزء ثالث
- مدينة من نار - جزء ثانٍ
- مدينة من نار - جزء أول
- حضارة الحب
- حوار لاهوتي بين المسيحية والإسلام
- المخلصون الجدد
- المستشرقون والإسلام
- الإلحاد والبدع المسيحية الجديدة
- عيسى التائه
- جماعة كركوك.. الأدب العلماني
- البابا يوحنا الثاني والإسلام
- هاننتون وحدود الإسلام الدموية
- الكتاب المقدس والعنف
- هنري كوربان والإسلام الشيعي
- لويس ماسينيون، مسلم على مذهب عيسى
- جاك بيرك والعروبة
- ديزموند توتو وسجناء ربيع دمشق
- مانديلا .. سيد قدره
- -ساتياغراها- غاندي


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطفي حداد - مدينة من نار - جزء رابع