أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - غربة المثقف العراقي في المنفى البريطاني في فيلم وثائقي ثقافي















المزيد.....

غربة المثقف العراقي في المنفى البريطاني في فيلم وثائقي ثقافي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4302 - 2013 / 12 / 11 - 19:46
المحور: الادب والفن
    


"بين وطنين" للمخرجة فرح أبو الروس

عرضت قناة "الغد العربي" بلندن فيلماً وثائقياً متميزاً للمخرجة الفلسطينية فرح أبو الروس يتمحور حول التجربة الإبداعية للشاعر العراقي المغترب صلاح نيازي وزوجته الروائية سميرة المانع اللذين تركا بصمة واضحة في المشهد الثقافي العراقي.
إنّ منْ يشاهد هذا الفيلم الوثائقي بتمعّن سيكتشف من دون لأي أن فرح أبو الروس تمتلك قدرة جيدة في الرصد والالتقاط. وحينما قرأتْ السيرة الذاتية المعنونة "غصن مطعّم في شجرة غريبة" للكاتب صلاح نيازي عرفتْ كيف تستغور النص وتغوص في مستوياته المتعددة كي تجعل منها مهاداً لفلمها الوثائقي الثقافي الذي أسمته "بينَ وطنين" وهو عنوان شديد الدلالة يضع المتلقي في قلب القضية التي تروم مناقشتها مع خالق النص السيري ومبدعه الدكتور صلاح نيازي الذي تتوزع اهتماماته الإبداعية بين الشعر، والسيرة، والنقد الأدبي، و الترجمة.

الشخصية المفوّهة
لا شك في أن الدقة في انتقاء الشخصية المُحاوَرة تلعب دوراً مهماً في إنجاح الفيلم الوثائقي، خصوصاً إذا كانت هذه الشخصية الإبداعية مفوّهة، لبقة وقادرة على التأثير في المُشاهد فكيف إذا كان الأمر مع شاعر وناثر ولغوي مثل صلاح نيازي الذي أمضى جل حياته في حقول الأدب والفن والمعارف الإنسانية المتنوعة؟
اعتمدت المخرجة فرح أبو الروس في هذا الفيلم الوثائقي على محاور عديدة، وأفكار مهيمنة تجذب انتباه المتلقي وتحفِّزه على التفكير والمشاركة بقدرٍ أو بآخر خصوصاً إذا كان المُشاهد مُتلقياً عضوياً فاعلا.
ولو دققنا النظر في مهيمنات هذا الفيلم الوثائقي لوجدناها كثيرة ومتشعبة نذكر منها الخشية، الاغتراب، التشوّه، الحُب، المطاردة، القتل، الهزيمة، الغربة، الحنين، المثابرة، النفي، العزلة، الاختلاف، النفرة، البراءة، الثقة، الوهم وما إلى ذلك من مهيمنات فكرية وثقافية ونفسية تصلح كل واحدة منها أن تكون مادة لفلم وثائقي قائم بذاته.
كسرت المخرجة المألوف حينما تركت لنيازي أن يقدِّم بتقنية "الفويس أوفر" المشهد الاستهلالي للفيلم حيث يتسيّد مفهوم الغربة المكانية، ليس له ككائن مغترب حسب، وإنما للأشجار الإستوائية التي لاذت بالبيوت الزجاجية النباتية في حدائق "كِيّو" الملكية حيث تمت استعارة المناخ الإستوائي الذي يجعل الأشجار المغتربة كلها تتصبب عَرقاً وكأنها تدفع ضريبة غربتها ونأيها عن موطنها الأصلي.

النخلة المغتربة
تتجسّد أولى الأفكار الصادمة التي يهزّ بها نيازي مشاعرنا الداخلية حينما يلفت انتباهنا إلى النخلة العراقية ذات الجذع الملتوي التي يكاد رأسها أن يلامس سقف المبنى الزجاجي حيث يعقد مقارنة مؤلمة بينه وبين هذه النخلة المغتربة التي تشوّه نموّها ليتساءل بصيغة استفهامية مفادها: "هل أنا كذلك أنمو مشوّها؟" وهو سؤال جوهري ينبغي أن يطرحه كل مغترب على نفسه سواء بنبرة عالية أم بصوت خفيض.
تحاول المخرجة عبر تقنية "الفويس أوفر" أيضاً أن تتوسّع في مفهوم الغربة بأشكالها المتعددة المكانية والروحية لتصف المغتربين بالطيور المهاجرة إلى فضاءات جديدة لم تألفها من قبل حيث تختلُّ المواسم، وتتغيّر المفاهيم. لقد ولجت فرح أبو الروس منزل نيازي لتستمع من كثب إلى غربته الأولى حينما كان طفلاً يلوذ بعباءة أمه. يعترف نيازي بأنه كان منذ طفولته يحبِّذ أن يكون إنساناً مجهولاً، كما فاقم الأمر لون شعره الأصفر الذي بدا غريباً آنذاك لأقرانه الأطفال الذين لا يتورعون عن ضربه أو الاعتداء عليه مما زاد الطين بلّة وعزّز خشيته المستديمة من الاختلاط بهم.

هدف متحرّك
تطل المخرجة غير مرة بتقنية "الفويس أوفر" لتتوقف عند المحطات المفصلية في حياة نيازي حيث تحيط المشاهدين علماً بحجم المعاناة المريرة التي تعرّض لها إثر اعتقاله في انقلاب شباط الأسود عام 1963 حيث يسترسل قائلاً: "لم يكن لي خيار آخر سوى الهروب من العراق لأنني كنتُ هدفاً متحرّكا وأعيش شبه متنكّر"، وربما يكون مقتل أخيه هو نقطة التحول الخطيرة في حياته الشخصية، إذ قرّر الهروب من العراق كي يموت موتاً كريماً لأن الموت في العراق قد أصبح آنذاك رخيصاً ومذلاً وقاهراً.
ركّزت أبو الروس على اكتشافات نيازي الأولى حينما شاهدت عيناه المدهوشتان المناظر الأوروبية الخلابة التي سحرته وهزّته من الأعماق حيث أيقن أن المساقط المائية هي أجمل معزوفة على سطح الكرة الأرضية. كما اكتشف طبيعة الحياة المغايرة بلندن متقبلاً منظومة قيمها الاجتماعية والأخلاقية والثقافية حيث وصف غربته في المجتمع الجديد بالغربة اللذيذة التي منحته القدرة على نسيان الماضي والشروع ببداية جديدة لافظاً لغته القديمه، وتراثه، وآراءه الفلسفية الشخصية. لقد عانى من الجوع لمدة سنة ونصف، لكنه كان يتحايل على العيش ويطمئن غائلة الجوع بالنزر القليل من الطعام.
يعتز نيازي بجَلَده ومثابرته في تعلّم اللغة الإنكليزية من دون الذهاب إلى مدرسة أو معهد لغوي، بل أنه بدأ بداية جديدة من كتب الأطفال التي علّمته البراءة، وأفضت به إلى عوالم غريبة ومدهشة يتحاور فيها الأسد مع القرد برقة ونعومة.

المَهر الثقافي
في إطلالتها الثالثة ركزت المخرجة على الجو الثقافي المكثف في منزل نيازي العائم بالكتب مُقدمةً فيها لمحة سريعة عن كتبه المؤلفة والمُترجمة. كما لم تنسَ في هذه الإطلالة أن تشير إلى الروائية سميرة المانع التي تشارك نيازي في همّه الثقافي والإبداعي فهي ثنية روحه، ورفيقه دربه، وصنّوه الإبداعي. أتاحت المخرجة لسميرة ونيازي في آنٍ معا أن يتحدثا عن الشرارة التي أوقدت قصة الحب بينهما أيام الدراسة الجامعية حيث أفضت اللقاءات الثقافية إلى أخرى عاطفية حتى ارتضت سميرة بقصيدة "الباص رقم 7" مَهراً لها، ولا تزال تحتفظ بهذا المَهر الثقافي بين طيّات أوراقها الأثيرة على القلب والروح والذاكرة.
ربما تكون مجلة "الاغتراب الأدبي" هي المحطة المهمة التي جمعت الشاعر والروائية لسنوات طويلة في العمل الإبداعي المتواصل حيث أسند نيازي مهمة فحص القصص إلى سميرة، فيما أخذ على عاتقه انتقاء القصائد الشعرية، كما وزّع المقالات بينهما بالتساوي. لقد استقطبت مجلة "الاغتراب الأدبي" الكُتّاب المستقلين الذين أثروا صفحاتها بنتاجاتهم الأدبية. يرى نيازي أن هؤلاء الكتاب كانوا يستنهضون الماضي في قصائدهم، ويكتبون عن الطمأنينة والأمان والرحم. أما القصاصون فتعتقد سميرة أنهم كانوا يكتبون عن الأشياء الحميمة كالبيت والقرية والوطن.

العزلة الروحية
أما موضوع الحاجة إلى العزلة الثقافية والروحية فتعتقد سميرة أنها تحتاج إليها أكثر نيازي كي توطّد علاقاتها بأبطالها، أما نيازي فيمكن أن يكتب قصيدته في المقهى أو في أي مكان آخر. يؤكد نيازي من جهته بأنه يحتاج إلى العزلة حينما "يخمِّر الأفكار"، ولكنه يستطيع أن يكتب لاحقاً في أي مكان آخر حينما تكون أفكاره جاهزة. لابد للاختلافات أن تدّب إلى الطرفين، ولكنها تظل اختلافات ثقافية لا تفسد للود قضية حتى وإن بلغت درجة النفرة والاكفهرار. ويتجاوزاها غالباً بالبراءة والطيبة والثقة المتبادلة.
لقد نجا نيازي من الموت الذي كان يبحث عنه، وتجاوز كل الصعوبات التي واجهته في منفاه البريطاني حينما كان يشعر بأنه مجرد "ريشة في مهب الريح"، لكنه ما إن تعلّم اللغة، ووطّن نفسه على نمط الحياة الأوروبية الجديدة حتى وجد نفسه أمام منعطف كبير قلَبَ حياته رأساً على عقب.
تعتقد سميرة أنها لم تغادر العراق إلاّ بجسدها، وأن روحها لا تزال ترفرف هناك لذلك كتبت رواية "حبل السُرّة" في إشارة واضحة إلى ارتباطها الأبدي بالعراق. يؤكد نيازي ما ذهبت إليه سميرة بصدد العلاقة الحميمة بالوطن مستعيناً بمقولة جيمس جويس الذي سألوه عن طبيعة مشاعره حينما عاد إلى دبلن من ألمانيا التي أمضى فيها ثلاثين عاماً من الغربة فقال: "وهل فارقتها يوماً؟". ثم عزّز رأيه بمقولة الروائي الإنكليزي ليزلي بولز هارتلي الذي قال بأن "الماضي وطن غريب"، بل يراه نيازي وهماً واقعياً لأنه قد حدث في يوم من الأيام، لكنه تحوّل أيضاً إلى وهم من الأوهام.

وثيقة بصرية
نخلص إلى القول إن هذا الفيلم الوثائقي الثقافي يمتلك كل اشتراطات نجاحه الفني بدءاً من المهيمنة الرئيسة والأفكار الثانوية المؤازرة لها، مروراً بالقيمة الفكرية لكل الآراء الأدبية التي تحولت إلى وثيقة بصرية لا غُبار عليها، وانتهاءً بالتقنيات المستعملة التي منحت الفيلم لمسات فنية لا تخطئها العين التي تتوفر على خبرة بصرية متواضعة. لابد من الإشادة بالمصور سمير عسقول ومساعده علي عباس اللذين تفننا في تكوين اللقطات العامة أو التأسيسية خصوصاً في مستهل الفيلم وخاتمته، وكذلك اللقطات المتوسطة، هذا إضافة إلى اللقطات القريبة التي نقلت لنا بعمق شديد قلق الشخصيتين الرئيسيتين، وطبيعة المشاعر الحميمة الناجمة من فعل التذكّر والتداعيات الحرة لشخصيات مغتربة لم تقطع حبلها السُري وإن كانت موزّعة بين وطنين متباعدين. كما تناغمت المؤثرات البصرية التي أضفاها يعرب المظفر على سياق المواقف والأحداث التي تخللت الفيلم على مدى "26" دقيقة..
يكشف هذا الفيلم الوثائقي أن المخرجة فرح أبو الروس متمكنة جداً في بناء القصة السينمائية وكتابة السيناريو الذي يفترض أن يدوّن بعد التصوير. كما أن ترتيب اللقطات والمَشاهد يوضِّح بما لا يقبل الشك قدرة المخرجة في عملية المونتاج لأنها وضعت المشاهد كلها على وفق تسلسل منطقي مشذّب يخلو من الترهلات التي تُثقل كاهل الفيلم الوثائقي الرشيق والناجح.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما الرقمية بين الصدمة والإبهار
- المهاجرون في مجتمع متعدد الثقافات
- الملتقى الأول للرواية العراقية المغتربة بلندن
- الصناعي والناشر عبد الصاحب الشاكري:أصدرتُ مجلة -الحذاء- التي ...
- اللغة العربية بين هاجسَيّ البقاء الفناء
- جودي الكناني: حلمي الكبير أن أحقق فيلماً عن المتنبي
- جودي الكناي:أهتم كثيراً بالبورتريت الذي يتناول دواخل الشخصية ...
- السينما فن تعبيري أكثر تعقيداً من الفنون الإبداعية الأخرى
- الواقعية التعبيرية في لوحات الفنان إبراهيم العبدلي
- -الصمت حين يلهو- لخولة الرومي
- الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي
- قصيدة للشاعر صلاح نيازي في العدد التاسع من مجلة -Long Poem- ...
- المعيار المنهجي للناقد عبد الرضا علي في النقد والتقويم
- تقنيات الخط العربي وأشكاله الجمالية
- قراءة نقدية في المجموعة الشعرية الثالثة لسلام سرحان
- مدينة كاردِف تحتضن أمسية ثقافية عراقية منوعة
- بدايات المنهج العلمي ومراحلة منذ عصر النهضة وحتى الوقت الراه ...
- الطاقة في جسم الإنسان
- بغداد عاصمة الثقافية العربية بعيون أبنائها المغتربين
- البصمة الذاتية والصوت الخاص للفنان أمين شاتي


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - غربة المثقف العراقي في المنفى البريطاني في فيلم وثائقي ثقافي