أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - تيسير خالد - الاصلاح ومنظمة التحرير الفلسطينية















المزيد.....



الاصلاح ومنظمة التحرير الفلسطينية


تيسير خالد

الحوار المتمدن-العدد: 1225 - 2005 / 6 / 11 - 10:44
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الدعوة إلى الإصلاح ليست جديدة بالنسبة للوضع الفلسطيني، فهي في منظمة التحرير الفلسطينية قديمة وجديدة، وكانت في معظم الأحيان تأخذ اتجاهات تدعو إلى تفكيك تمركز النفوذ السياسي بما يفسح في المجال أمام المشاركة في صنع القرار السياسي بين قوى سياسية اتفقت على الائتلاف الجبهوي في حركة تحرر وطني شكلت منظمة التحرير الفلسطينيةعنوانها واطارها وبيتها السياسي,كان هذا هو الحال في منظمة التحرير الفلسطينية على امتداد السبعينات والثمانينات.





* لم تكن دعوات الإصلاح في حينها تنطوي على أبعاد ذات طبيعة مركبة – أي على أبعاد سياسية تتصل ببنية النظام السياسي في منظمة التحرير الفلسطينية وأخرى تتصل بعلاقة ذلك النظام السياسي بما يسمى بالمجتمع المدني بقواه وتياراته وحركته وتناقضاته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، أي تستهدف صيغة العلاقة بين البنى السياسية الفوقية ووسائل سيطرتها وتحكمها في شؤون المجتمع والبنى التحتية، التي تسعى لبلورة هويتها ودورها في بناء معادلة في علاقتها مع تلك البنى السياسية الفوقية، أي السلطة، تقوم على حماية المجتمع من نزوع السلطة السياسية نحو تشديد وسائل السيطرة والتحكم ونحو وضع القيود على تطوره في أجواء من الحرية والديمقراطية والبدالة الاجتماعية والمساواة.

* لم يكن هذا هو مضمون دعوات الإصلاح في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد كانت الأمور أقل تعقيداً وأكثر بساطة. ورغم ذلك كانت دعوات الإصلاح تواجه مع مرور الوقت صعوبات وعقبات حالت دون تحويل الائتلاف الجبهوي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية إلى جبهة وطنية حقيقية قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها السياسية الوطنية بكفاءة عالية وقادرة على الانتقال في مرحلة ما، حين تحين اللحظة المناسبة في مسيرة حركة التحرر الوطني، إلى نظام سياسي يدير شؤون مجتمع في الداخل يختلف عن مجتمع المخيمات في الخارج بتكوينه الاجتماعي الطبقي وبدورة حياته الاقتصادية وبكثير من التفاصيل الهامة دون شك والتي تتحكم بجوهر وطبيعة التناقض الرئيسي مع العدو الإسرائيلي. ذلك انه تشكلت منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي أوضاع في منظمة التحرير الفلسطينية أنتجت شريحة بيروقراطية عاشت حالة اغتراب عن المجتمع غي الخارج وتشكلت في صيغتها ووظيفتها دون صلة بمجتمع يمارس حياته في إطار سوق أو علاقات إنتاج. لم يكن الإصلاح في ظل صعود تلك الشريحة البيروقراطية سواء في المؤسسات السياسية والمدنية والعسكرية أم في المؤسسات الاجتماعية – الاقتصادية الضعيفة والتي كانت تعيش على هامش العمليات الإنتاجية في مجتمعات تتباين فيها النظم السياسية والاقتصادية والقانونية أمراً سهلاً أو متاحاً.

* الانتفاضة الشعبية الباسلة التي انطلقت نهاية ظل ر الفلسطينية انتجت شريحة بيروقراطية ادية وبكثير من التفاصيل ،العام 1987 فتحت نافذة على فرص الإصلاح على الأوضاع التي كانت تعيشها منظمة التحرير الفلسطينية، غير أن القيادة المتنفذة التي كانت تعتمد أساساً على شريحة بيروقراطية واسعة كقاعدة اجتماعية لها في مؤسسات وإدارات وأجهزة المنظمة لم تتردد طويلاً في إغلاق تلك النافذة. كانت الانتفاضة تعبر في سنواتها الأولى عن حركة جماهيرية ذات طابع ديمقراطي عميق وتعيش حالة اشتباك مع الاحتلال غير مسبوقة وتشكل حالة نقيضة للحالة البيروقراطية المأزومة في الخارج. طبعاً لم تكن الأزمة التي كانت تعيشها القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك من نوع ا؟لأزمات الطارئة، بقدر ما كانت أزمة بنيوية ذات مضمون طبقي ترتب عليها في ظل تحولات وتطورات إقليمية وخاصة حرب الخليج الثانية انعطافة حاسمة في سلوكها وفي خياراتها السياسية، جاءت بتسارعها ومسارها تلقي الضوء على ما هو جوهري في موقفها من الحركة الجماهيرية وفي أسلوب معالجتها لحالة التناقض بين الحالة البيروقراطية التي انتهت إليها الأوضاع في منظمة التحرير الفلسطينية,والحالة الجماهيرية ذات التكوين الديمقراطي التي كانت تعيش الاوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة في السنوات الأولى للانتفاضة الشعبية. لم يكن ممكناً لهذه الشريحة البيروقراطية أن تنقلب على الأوضاع التي صنعتها بأيديها في م.ت.ف. والاقتراب من الحالة الجماهيرية الديمقراطية للانتفاضة الشعبية، لما تنطوي عليه مثل هذه الخطوة من تهديد لموقعها القيادي ولامتيازاتها التي لعبت دوراً مهماً في مسار تحولها من برجوازية صغيرة لاجئة ذات توجهات راديكالية إلى شريحة بيروقراطية تبحث لنفسها عن كيان سياسي جديد في سياق التسويات التي بدأت الإدارة الأميركية تروج لها بعد مؤتمر مدريد الذي انعقد في أعقاب حرب الخليج الثانية.

* نزعة التحول إلى سلطة حاكمة بأي ثمن أصبحت السياسة الرسمية غير المعلنة لهذه الشريحة البيروقراطية، وكان ذلك ينطوي على الاستعداد لتقديم التنازلات بدءاً من الدعوة لتهدئة الانتفاضة والسيطرة عليها مروراً بتهميش الائتلاف الوطني في إطار (م. ت. ف) وانتهاء بخفض سقف المطالب الفلسطينية. كان مشروع الحكم الذاتي مشروعاً ينطوي على جاذبية بالنسبة للقيادة المتنفذة باعتباره يؤمن العبور من وضع شريحة تعيش في المنفى إلى وضع شريحة حاكمة في كيان سياسي يوفر لها فرص التخلص من أزمتها البنيوية وقرص التطور والتحكم بالموارد البشرية والاقتصادية في ذلك المجتمع الفلسطيني. الذي يعيش فوق أرضه في الضفة الغربية وقطاع غزة.

* على هذه الخلفية وفي هذا السياق تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية. وأصبح الوضع الفلسطيني أمام كيانين سياسيين، الأول منظمة التحرير الفلسطينية والثاني السلطة الوطنية الفلسطينية، وكان التهميش من نصيب الكيان الأول، الذي اختصرت وظيفته على التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات التي يتم التوصل إليها مع إسرائيل. على امتداد السنوات الماضية تراجع حضور (م. ت. ف.) وتراجع دورها وتراجعت مكانتها السياسية رغم الاعتراف اللفظي بها كمرجعية للسلطة، بعد أن ذابت شريحتها البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية، التي استحوذت على الإدارة والمال والأعمال والنفوذ دون أن تترك للبرجوازية الوطنية الاقتصادية والمالية مجالاً معقولاً للتطور والمساهمة في بناء الوطن والاقتصاد الوطني.

* ومع ذلك يبقى الإصلاح في أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية مهمة وطنية مطروحة على جدول الأعمال الفلسطيني، فقد جاءت الأحداث والتطورات وخاصة في العامين الأخيرين تؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية قبل السلطة الوطنية هي الضمانة الوطنية لتحصين الوضع الداخلي الفلسطيني وللدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وفي الاستقلال الوطني الناجز، وللدفاع عن الشرعية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشاريع التي تستهدفها وتضغط باتجاه استبدالها بشرعية هي أقرب إلى نموذج مجلس الحكم الانتقالي في العراق منه إلى نموذج وطني تطمح الانتفاضة إلى إنجازه في ظروف محلية وإقليمية ودولية صعبة ومعقدة.

* ولكن ما هو جوهر الإصلاح المطلوب في أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية، وهل يمكن إجراء مثل هذا الإصلاح بمعزل عن الإصلاح الذي يلح على الوضع الفلسطيني بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية. من الخطأ الفادح التعامل في هذا السياق مع كل من المنظمة والسلطة باعتبارهما كيانين سياسيين منفصلين عن بعضهما، كما أنه من الخطأ الفادح كذلك التعامل معهما باعتبارهما مندمجين في الوجود والوظيفة والأداء. فالمنظمة هي البيت السياسي للفلسطينيين أينما تواجدوا وهي التي تعبر عن الهوية الوطنية وتمثل الحقوق والمصالح الشاملة والكلية وتدافع عنها، الأمر الذي لا يمكن للسلطة أن تدعيه أو تنازع المنظمة فيه. قيام أو تأسيس السلطة كما تبلورت في سياق الصراع مع المشروع الإسرائيلي على الأرض ساهم نظرياً على الأقل في بلورة برنامج أشمل وذي طبيعة أكثر ملموسية، أو من شأنه أن يبلور برنامجاً أشمل لمنظمة التحرير الفلسطينية يجمع بين مهمات التحرر الوطني من ناحية وعملية البناء والتحول الديمقراطي من ناحية ثانية. ذلك يتطلب في سياق الدعوة إلى الإصلاح ليس فقط إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وهيئاتها ومؤسساتها بدءاً بالمجلس الوطني مروراً بالمجلس المركزي وانتهاء باللجنة التنفيذية بل دخولها بقوه على خط عملية البناء والتحول الديمقراطي بما هي عملية من اختصاص السلطة ومنظمات ومؤسسات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإعلامية والإدارية كذلك، ودخولها بقوة باعتبارها المرجعية التي لا يجب الانتقاص منها قبل قيام الدولة المستقلة كاملة السيادة. هذه ليست بالمهمة السهلة، فالعمل على هذا الطريق تعترضه الصعوبات والعراقيل والقيود الخارجية والداخلية، وهي صعوبات وعراقيل وقيود ناجمة عن طبيعة العلاقة مع العدو الإسرائيلي والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع حكومة إسرائيل، وناجمة كذلك في حالتها الداخلية عن الطبيعة الطبقية للسلطة بدءاً بقيادتها مروراً بقاعدتها الاجتماعية المتنفذة التي استوطنت الوزارات والمؤسسات والإدارات والأجهزة كشرائح طبقية تدافع عن مواقعها ومصالحها البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية وانتهاء بشبكة علاقات في المجتمع تتحرك بالغرائز الفئوية والمنافع حتى لو كانت تافهة وهامشية.

* من خلال منظمة التحرير الفلسطينية يمكن بل ويجب الجمع بين مهمات التحرر الوطني من الاحتلال وبين عملية البناء والتحول الديمقراطي، والتي هي في الأساس من مهمات السلطة ومن المفترض أن تكون في صلب برنامجها الحكومي. ولكن من أجل أن تأخذ هذه العملية طريقها إلى النور وسط كل الصعوبات والعراقيل والقيود لا بد من تخليص منظمة التحرير من واقعها الراهن بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على أسس جديدة تبدأ بتقليص عدد أعضائه إلى نحو 250 عضواً يتمتعون أساساً بصفة تمثيلية، ذلك ضروري بعد أن تم إغراق المجلس بأعداد من الأعضاء ٍلأهداف سياسية غير خافية على أحد. هذه ليست بدعة أو فكرة مستحدثة فقد سبق قبل أعوام قليلة أن حازت هذه الفكرة على قبول وطني واسع نسبياً باعتبارها منصة انطلاق لتحرير المجلس الوطني من واقع تحول من خلاله إلى مهرجان جماهيري ينعقد في المناسبات ويختتم أعماله ببيان سياسي وبانتخاب توافقي لأعضاء اللجنة التنفيذية. المجلس التشريعي هنا يجب أن يكون بعضويته المنتخبة جزءاً من المجلس الوطني وليس جسماً مستقلاً أو موازياً، وعمل المجلس التشريعي يجب أن يكون تحت سقف المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره مجلساً انتقالياً ولم يستقر وصفه بعد على برلمان دولة.

* منصة الانطلاق هذه في البدء بعملية إصلاح على أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية تفتح الباب على إصلاح أوضاع المجلس المركزي للمنظمة من ناحية وعلى تكريس دور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها القيادة السياسية العليا للشعب الفلسطيني والمرجعية السياسية للحكومة الفلسطينية من ناحية ثانية. هل هذه الدعوة للإصلاح دعوة واقعية ومعقولة. بالاستناد إلى الواقع الحالي أولاً وإلى تجربة السنوات القليلة الماضية ثانياً فان صيغة من هذا النوع يمكن أن تسهم في إنقاذ منظمة التحرير الفلسطينية من حالة التهميش وحالة الشلل التي نعيشها وتعيد لها مكانتها وتمكنها من الاضطلاع بدورها في الجمع بين مهمة التحرر الوطني وبين عملية التحول والبناء الديمقراطي في المجتمع، كما يمكن أن تسهم كذلك في تخليص المجلس التشريعي والحكومة ووزاراتها وإدارتها ومؤسساتها من مظاهر خلل فادحة تقفز إلى واجهة الحدث أمام استحقاقات سياسية من نوع استقالة حكومة وتشكيل حكومة جديدة ومن مظاهر عجز في مواجهة الفساد والاستئثار والإنفراد والتفرد بالشأن الوطني وفي مواجهة الصراع على النفوذ ومراكز النفوذ في مرحلة تحول وطني لا يحتمل ذلك على الإطلاق.

* وفي موازاة الدعوة للإصلاح في أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تطرقت إلى عناوينها دون الدخول في تفاصيلها، تكتسب الدعوة للإصلاح في أوضاع السلطة الوطنية أهمية راهنة وعاجلة. التجربة التي مرت بها السلطة منذ تأسيسها أنتجت دون أدنى شك نظاماً سياسياً فاسداً على جميع الاصعده الإدارية والمالية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. أصل هذا النظام السياسي الفاسد هو سيطرة وسطوة شرائح بيروقراطية وطفيلية وكومبرادورية على هذا النظام من ناحية والالتزامات القاسية والظالمة التي فرضتها الاتفاقيات الموقعة مع حكومة إسرائيل على هذا النظام ثانياً واستسهال قبول القائمين على هذا النظام للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الفلسطيني ثالثاً. الدعوة إلى الشروع بالإصلاح دعوة قديمة جديدة وتعبر بالأساس عن مصلحة وطنيه فلسطينية أكيدة. السلطة القائمة لم تكن راغبة في الإصلاح أو مستعدة له بفعل خشيتها على امتيازاتها ومصالحها ومصادر نفوذها وقوتها. وعندما كانت تنطلق دعوات الإصلاح من داخل مؤسسات السلطة القائمة، من المجلس التشريعي مثلاً، كان يتم احتواؤها من الداخل من خلال إعادة توزيع الامتيازات والمصالح والنفوذ كما حدث عام 1998، حين جرى تشريع الفساد من ظلال منح المجلس التشريعي الثقة للحكومة الثالثة.

* مع تصاعد العدوان وإعادة احتلال الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى والمخيمات، التي كان قد انسحب منها في الضفة الغربية، تصاعدت الدعوات للإصلاح وتعددت الجهات التي تدعو له:

- ارتفعت من جديد أصوات القوى الوطنية والإسلامية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني تطالب بإصلاح على أوضاع السلطة تفاوتت معاييره ولكنها التقت عند قواسم سياسية مشتركة مستوحاة من التجربة على امتدادها ومن التجربة القاسية مؤخراً التي كشف العدوان صور الخلل الكبير في بنية الإدارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية التي أصابها العدوان بالتفكك والشلل. كان اللقاء على القواسم المشتركة ينطلق من ضرورة أن تركز عملية الإصلاح على إعطاء الأولوية لمقاومة الاحتلال وحماية وحدة الشعب في الداخل والخارج والحد من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ووقف تدخلاتها في تشكيلات ووظائف السلطة القضائية ووقف سيطرة الأجهزة الأمنية والنخب الاقتصادية التي نشأت على هامش تطبيقات المرحلة الانتقالية واستحوذت على السلطة والثروة ووقف تدخلاتها في شؤون المجتمع المدني خارج نطاق القانون ووضع حد لسطوة وسيطرة ائتلاف طبقي من شرائح برجوازية بيروقراطية وطفيلية وكومبرادورية على مؤسسات الحكم والمجتمع والمؤسسات الاقتصادية وتعبئة موارد المجتمع لاعادة البناء والاعمار وتوجيه العون والمساعدات وفق أولويات تعكس الاحتياجات الفعلية للمجتمع وعون ومساعدة العاطلين عن العمل ومعالجة حالات الفقر وتقديم الدعم للمؤسسات الصحية والتعليمية وإسناد فعال للريف وتمكينه من الصمود في وجه العدوان والاستيطان، هذا إلى جانب الإصلاح المالي والإداري في الوزارات والإدارات والمؤسسات والأجهزة الرسمية.

- وفي دعوة لا تخلو من نشوة النصر على السلطة شددت كل من الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل ضغطها على القيادة الفلسطينية للقيام باصلاحات هي أقرب إلى الانقلاب منها إلى الإصلاح. استهدف الضغط بناء نظام سياسي جديد على ظهر دبابة إسرائيلية شبيه بنظام مجلس الحكم في العراق يلغي القانون الأساسي للسلطة وينقل صلاحيات رئيس السلطة إلى رئيس حكومة ويعيد بناء الأجهزة العسكرية والأمنية ويحولها إلى وكيل ثانوي للمصالح الأمنية الإسرائيلية ويعيد النظر في مناهج التربية والتعليم بما يخدم ما يسمى ثقافة السلام ويتدخل في شؤون الإعلام الرسمي والخاص والأهلي بحجة وقف التحريض. شيء وحيد مفيد فقط في دعوة الإصلاح الأميركية والإسرائيلية هو أن تصب جميع الموارد المالية في خزينة السلطة.

- وفي الموقف من دعوات الإصلاح انقسمت السلطة على نفسها بين القبول والممانعة وظهر ذلك واضحاً في التجاذبات السياسية التي كانت من بين الأسباب التي دفعت حكومة محمود عباس-أبو مازن إلى الاستقالة. ليس من السهل الحكم على التجربة هذه وتجاذباتها بالموالاة أو المعارضة للتجربة ذاتها، غير أنه وبمعزل عن تقييم شامل لأداء حكومة محمود عباس – أبو مازن وما شاب الأداء من تنازلات سياسية عبرت عن نفسها بموقف رئيس الحكومة في قمة العقبة، يجب الاعتراف ان تلك الحكومة وضعت أساساً لبناء على أرضيته نفس النظام يسمح بترميم إطار الصورة العامة دون أن يتمكن من معالجة التشوهات في بنيتها العامة. ذلك أمر طبيعي، فحكومة محمود عباس، أبو مازن. لم تكن حكومة راديكالية ورئيسها لا يفكر ولا يعمل بعقلية انقلابية، فقد حاول الإصلاح دون أن يتجاوز الحدود لإعادة إنتاج نفس النظام ولكن على نحو يوقف ولو مؤقتاً تداعياته. ومع ذلك تبقى التجربة جديرة بالاهتمام والاحترام، فهي تفتح نافذة على أمل يراود قطاعات شعبية واسعة تطمح في الإصلاح والتغيير.

- وبمعزل عن دعوات الإصلاح المصدرة لنا من الخارج وخاصة من الإدارة الأميركية ومن حكومة إسرائيل وعن محاولة الشروع في عدد من خطوات الإصلاح المالي والإداري لحكومة محمود عباس – أبو مازن والتي جاءت متعثرة بفعل مقاومة داخلية تتمسك بالوضع القائم وترفض حتى العمليات التجميلية على الصورة المشوهة للنظام القائم، فان الإصلاح هو في الأساس مطلب وطني ومصلحة وطنية، اذ لم يعد ممكناً استمرار التعايش مع النظام القائم، الذي يعطل كل إمكانية للجمع بين مهمات التحرر الوطني من الاحتلال ومهمات البناء والتحول الديمقراطي. ان المواطن الفلسطيني يعيش في ظل النظام السياسي القائم معاناة مركبة، الأولى معاناة من الاحتلال وسياساته وممارساته الإرهابية وأطماعه العدوانية التوسعية في الأرض الفلسطينية وتنكره لأبسط الحقوق الإنسانية للمواطن الفلسطيني فضلاً عن حقوقه السياسية الوطنية، والثانية معاناة من مظاهر تشوه وخلل وفساد في هياكل وإدارات ومؤسسات السلطة. وإذا كانت المعاناة من الاحتلال هي النتيجة الطبيعية والحتمية لوجوده ولن تزول أو تنحسر إلا بزواله أو انحساره، فان المعاناة من مظاهر التشوه والخلل والفساد في النظام القائم يمكن بل ويجب معالجتها بالإصلاح، الذي يشكل مطلباً وطنياً ومصلحة وطنية وأساساً يمكن البناء عليه للتخلص من الاحتلال.

* وتبقى متطلبات وروافع الإصلاح متعددة، ولكن يأتي في مقدمتها أهمية توفر القيادة السياسية المنسجمة على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والإرادة السياسية للاقدام على الإصلاح والشروع به بخطوات متدرجة والمشاركة الشعبية، أي مشاركة القوى السياسية وهيئات ومؤسسات السلطة للتغلب على مقاومتها لضرورات الإصلاح وأخيراً التشريعات والقوانين الضرورية التي تنظم العملية وتحولها إلى حيز الممارسة والتطبيق.

لقد عانى النظام السياسي القائم من غياب أو تغييب القيادة السياسية على امتداد السنوات الماضية، وما كان يسمى بالقيادة الفلسطينية لم يكن يحمل من معاني القيادة سوى الاسم، فقد كانت تضم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومجلس الوزراء ورئيسي المجلسين الوطني والتشريعي ورؤساء الأجهزة الأمنية وغيرها. ومثل هذه التركيبة لا بمكن أن تعمل كقيادة لاعتبارات متعددة تنصل باختلاف مرجعيات أطرافها وحدود صلاحيات ومسؤوليات كل مشارك فيها، وقد ساهمت بفعل ذلك في تكريس نظام رئاسي بصلاحيات مطلقة، كما ساهمت في إشاعة حالة من انعدام الوزن القيادي وانعدام التوجيه والرقابة والمساءلة، الأمر الذي أشاع الفساد في الإدارات والمؤسسات والأجهزة وأشاع الترهل والبطالة المقنعة وتدني الإنتاجية في العمل وعطل كل فرصة لتعبئة موارد المجتمع البشرية والمالية والاقتصادية وغيرها وأنتج في نهاية المطاف نظاماً سياسياً مشوهاً يعاني من أزمات بنيوية ولا يصمد أمام التحديات، وهو ما تجلى في صورته الحقيقية في النتائج التي ترتبت على العدوان الإسرائيلي وإعادة احتلال المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية.

* القانون الأساسي، الذي أقره المجلس التشريعي وصادق عليه الرئيس عرفات في آذار من عام 2003، جاء يفتح الطريق أمام إدخال إصلاحات على النظام السياسي القائم. واقعياً انتهت صيغة ما يسمى بالقيادة الفلسطينية، التي لم تكن تحمل من معاني القيادة غير الاسم، وبتشكيل مجلس الوزراء وقع فصل مفيد للغاية بينه وبين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تحررت من عملية احتواء لا ضرورة لها ولا فائدة منها فعادت تمارس بعض دورها كمرجعية للسلطة كما ظهرت بوارد ايجابية لشيء من التغيير المحدود في ممارسة الحكم وفق متطلبات الفصل بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني على مستوى صلاحيات السلطة التنفيذية. وبدا وكأن المجلس التشريعي أخذ يستعيد دوره أو بعضاً من دوره بعد سنوات من التهميش ومصادرة الدور والصلاحيات. غير أن هذه البداية لم تحرر المجلس التشريعي من قيود فرضت عليه وفرضها هو بالذات على نفسه كذلك، فقد استمرت غالبية أعضائه تطمح في عضوية مزدوجة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، التي لها قوة جذب غير عادية لغالبية هؤلاء الأعضاء. الأمر الذي يضع أداء المجلس ودوره كمصدر للتشريع وأداة للرقابة والمساءلة والمحاسبة في إطار الالتباس، ويضع القيود والعراقيل في وجه ممارسة للحكم تقوم على أساس واضح من فصل السلطات.

* لا شك أن الوقت لا زال مبكراً للحكم على الآمال المعلقة على القانون الأساسي كأساس يمكن الاعتماد عليه في بناء نظام سياسي فلسطيني بات حضوره في الحياة السياسية الفلسطينية شرطاً من شروط التحرر من الاحتلال. غير أن التجربة الواقعية لا زالت تؤكد أن الانتقال من حالة النظام السياسي القائم إلى نظام سياسي حدد القانون الأساسي ملامح صورته سوف يمر في محطات اختبار وصراع بين قديم يتآكل وجديد يتشكل في عملية تطور يبطىء الاحتلال تقدمها. صورة النظام السياسي القائم واضحة، وهي صورة لا تتفق مع القانون الأساسي ولا مع معايير المقبولة لنظام سياسي ديمقراطي قابل للحياة وقادر على مواجهة متطلبات النضال ضد الاحتلال ومتطلبات البناء والتحول الديمقراطي. سلطات تتعايش فيما بينها دون أن تتمكن من الاضطلاع بالمسؤوليات والصلاحيات المحددة لها وفق القانون الأساسي، تضخم لا فائدة منه في حجم الوظائف العليا في الوزارات والإدارات والمؤسسات الرسمية وتضخم كبير للجهاز الإداري البيروقراطي وسلطات ومؤسسات خارج كل رقابة وتقدم الولاء على الكفاءة والاعتبارات السياسية على اعتبارات المهنية والكفاءة الإدارية وغياب شبه كامل لدور السلطة القضائية، الأمر الذي بات يتطلب الإرادة السياسية للإصلاح والتغيير بتركيز الجهد في عدد التوجهات الرئيسية وفي المقدمة منها:

* إصلاح واسع على أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية يبدأ بالمجلس الوطني الفلسطيني وبما يمكنه من الاضطلاع بدوره ومسؤولياته كبرلمان فاعل للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يكون المجلس التشريعي في موقع المركز منه.

* انتخابات سريعة للمجلس التشريعي على أساس قانون انتخابات عصري وديمقراطي على قاعدة التمثيل النسبي أو قاعدة تجمع بين التمثيل النسبي والدوائر الفردية وبما يعزز الانتماء للوطن والمواطن على حساب انتماءات أخرى تشد الوطن والمواطن إلى الخلف.

* توفير متطلبات قيام سلطة قضائية مستقلة يتكامل أداء أطرافها في فرض النظام وسيادة القانون على الجميع بدءاً بمجلس القضاء الأعلى مروراً بوزارة العدل وانتهاء بالنيابة العامة والمحاكم النظامية كمحكمة العدل العليا ومحاكم الاستئناف والبداية والصلح مع العمل على أن يخضع النظام القضائي برمته لنظام تقييم الأداء والتفتيش القضائي على المحاكم ومعالجة نزيهة للظواهر السلبية التي تتسلل إلى الجهاز القضائي بقرارات وتدخلات من مستويات سياسية وإدارية بيروقراطية.

* انتخابات سريعة لجميع المجالس البلدية والقروية. لا يخفي على أحد أن آخر انتخابات للسلطات المحلية قد جرت في العام 1976، وإذا لاحظنا أن سن التصويت في هذه الانتخابات هو 18 سنة، فان هذا يعني أن كل مواطن يقل عمره عن 45 سنة لم يسبق له أن مارس حقه الطبيعي والديمقراطي في انتخاب ممثليه في المجالس البلدية والقروية، الأمر الذي يشكل اعتداء على حقوق المواطن ويشكل مصدراً من مصادر تفشي ظواهر الفساد والإهمال والتقصير والسلبية وتدني جودة المشاريع والخدمات. فضلاً عن انتشار مظاهر الولاء والمحسوبية والاستزلام للمستوى السياسي والإداري المعني بسياسة التعيين والمسؤول عنها. هناك في الضفة الغربية وقطاع غزة 485 تجمعاً سكانياً يتوزعون على مجالس بلدية وقروية بينها 107 مجالس بلدية تعمل بالتعيين بعيداً عن أية رقابة شعبية، هذه المجالس مثقلة بالمشاكل والخلافات وبالديون وبعدم ثقة المواطن بها، ومن هنا تأتي أهمية الدعوة لإجراء الانتخابات كرافعة من روافع الإصلاح في النظام السياسي القائم.

* وفي الوضع الراهن، كما يقدم نفسه في ضوء العدوان الإسرائيلي المتصاعد وإعادة احتلال المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية وما ترتب على ذلك من تفكك وانهيار في إدارات ومؤسسات وأجهزة السلطة، فان الإصلاح المنشود يجب أن يستند في أساسه وإطاره السياسي على بناء إجماع وطني أو توافق وطني في الحد الأدنى حول الانتفاضة والمقاومة لقوات الاحتلال وقطعان وميليشيات المستوطنين بعيداً عن افتعال تناقض وهمي بين الانتفاضة والمقاومة وبما يعزز الصمود في وجه العدوان ويوزع أعباء المواجهة على جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في سياق خطة وطنية وبرنامج وطني للتكافل الاجتماعي لمعالجة مشكلات البطالة والفقر، باعتبارها من المتطلبات الرئيسية لكل سياسة وطنية هدفها الإصلاح.



* عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

نابلس - فلسطين المحتلة
تشرين الأول/أكتوبر 2003



#تيسير_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابو غريب : النموذج في دعاية القيم الاميركية
- انسحاب من قطاع غزه ام انسحاب من عملية السلام
- ثلاثة أعوام على اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح
- في الطريق الى واشنطن
- في الدفاع عن الطبقة العاملة والصناعة الوطنية
- -قوس قزح- بألوان إسرائيلية في رفح
- تحية الصمود إلى عمالنا البواسل في عيد العمال العالمي
- حكومة يمينية متطرفة بدون غطاء داخلي أو خارجي


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - تيسير خالد - الاصلاح ومنظمة التحرير الفلسطينية