أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - مشروعية الثورة الروسية - الرهان الاستراتيجي















المزيد.....



مشروعية الثورة الروسية - الرهان الاستراتيجي


إرنست ماندل

الحوار المتمدن-العدد: 4300 - 2013 / 12 / 9 - 09:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



أكتوبر 1917 ، انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية - الفصل السابع: الرهان الاستراتيجي


تثير ثورة أوكتوبر السؤال الاستراتيجي الأساسي الذي يواجه أي حركة عمالية اشتراكية: كيف يجب أن يتصرف في وضع ثوري حزب ينتسب إلى الطبقة العالمة والاشتراكية (أو الشيوعية)؟ ويحيل هذا السؤال إلى سؤال آخر، أوسع وأشمل، هو ذلك المتعلق بالإستراتيجية الاشتراكية (أو الشيوعية) على المدى البعيد، وهو سؤال لن يتطرق إليه هنا (1).

لا تقع الثورات من السماء، لا يمكنها أن تُفصل آلياً عن الفترات التي تسبقها، والتي نضجت خلالها شيئاً فشيئاً الشروط التي تفجرها. كذلك الأمر، فإن ما تكونه وما تفعله عندئذ الأحزابُ التي تنتسب إلى الطبقة العاملة، يَنتُجان في جانب أساسي منهما من تركيب تلك الأحزاب ونشاطها في مراحل ما قبل ثورية أو غير ثورية (مع أنه لا يمكن إنكار أن الثورة بحد ذاتها يمكن أن تعدِّل بشكل ملموس بعض تلك التحديدات).

يمكن أن نلخص، على نحو مبسَّط، لكن بصورة مفيدة، الفلسفتين الإستراتيجيتين المتعارضتين بصورة أساسية خلال ثورة ما بالصيغة التالية: غما الحتمية أو الإرادوية.

حتمية وإرادوية

تقوم المقاربة الحتمية على فكرة أن "الشروط الموضوعية" و"موازين القوى" تحدد عملياً كل شيء، وان مجرى الأحداث مستقل إلى حد بعيد عن قرارات الأحزاب وقادتها، وأن هؤلاء تكمن بشكل أساسي في رسم الحدود بين ما هو "ممكن موضوعياً" وما تبقّى (الذي يكون نزعة مغامرة وأوهاماً).

مذاك ينبغي امتلاك شجاعة القول للجماهير إن سلسلة من تطلعاتها غير قابلة للتحقيق.

كان المناشفة يجسّدون هذا التوجه خلال عام 1917. وقد كان كفلاؤهم الرئيسيون في الخارج هم الماركسيون النمساويون الذين دخل زعيمهم ومنظّرهم أوتو باور في التاريخ على أنه النموذج الأصلي بالذات للماركسي المؤمن بالحتمية.

على العكس، تقوم المقاربة الإرادوية للإستراتيجية في الفترة الثورية على الفكرة القائلة بأنه، مهما كان وزن العوامل الموضوعية (الاقتصادية، والاجتماعية، والتراث التاريخي والثقافي) التي تحدد جزئياً مجرى الأحداث، فليس هذا الأخير محدداً سلفاً بالكامل. إن العمل الملموس للطبقات الاجتماعية (وكتلتها الرئيسية) ونشاط الأحزاب وقادتها وتوجههم الدقيق يمكن أيضاً أن ينزل بثقله بصورة حاسمة على مجرى الأحداث.

جبرية ثابتية (*)

ليسس المقصود أن نعارض بمقاربة جبرية (مماثلةٍ مع "الحتمية") فلسفةً لا أدرية (**) أو غائيةً للتاريخ (قد تتم مماثلتها بـ"الإرادوية") (2). إننا نتكلم هنا على إرادوية تحترم الضغوط التاريخية-المادية الكبرى.

المقصود هو تحاشي السقوط في جبرية أولية Mécansite وخطية Linéaire جعلت من الخطأ فضيلة، عبر استبدالها بجبرية أغنى، تقوم على ديالكتيك للعوامل الموضوعية والذاتية (3). إدراك للـ"ممكنات"، التي عبرنا عنها بمفهوم "الجبرية الثابتية Déterminisme Paramétrique ، فهم للتاريخ يسمح بأن نأخذ في الحسبان ما يكون "كامناً"، "المضر". كان ماركس قد استخدم تصوراً كهذا في الجزء الأول من رأس المال.

ليس مجرى الأحداث محدداً سلفاً بالكامل، كما ليس عديم التحديد بالكامل. فالنهاية الممكنة للثورة تتأرجح ضمن حدود معينة سلفاً.

لم يكن ممكناً في روسيا عام 1917 الرجوع إلى نظام شبه إقطاعي، ولا ازدهار رأسمالية قائمة على الديمقراطية البرلمانية، ولا البناء الناجز لمجتمع اشتراكي لا طبقي. لكن في هذا الإطار المحدد سلفاً، كان يمكن عمل الجماهير والأحزاب وقادتها أن يفضي إلى عدة احتمالات: انتصار ثورة مضادة برجوازية مفرطة في الرجعية (ما كان يمكن أن تكون إلا دموية، قمعية، بما في ذلك تدمير الحركة العمالية وكل نشاط مستقل للجماهير العمالية والفلاحية)، انتصار الثورة بفضل استيلاء السوفييتات على السلطة، بما يتيح بداية بناء مجتمع جديد (عبر دمج دعم الثورة العالمية أو استقباله على الأقل).

لقد كانت المقاربة الحتمية، في جزء كبير منها، ناتج "ماركسية" الأممية الثانية، المستلهمة أفكار كاوتسكي. وهي تصور مطبوع بقوةٍ بجبرية أواليةٍ واقعة تحت تأثير نصف دارويني (4). كان تستتبع أن الاشتراكيين، حتى ولو واجههم انفجار ثوري، لم يكونوا بقادرين، في الواقع، إلا على أن يخضعوا لسير الأحداث العنيد.

كانت المقاربة الإرادوية تستتبع، على العكس، أن الاشتراكيين واعون إمكانية التأثير بصورة حاسمة في النهاية التاريخية، بواسطة عملهم الخاص بهم. لكن تعود للبلاشفة ميزة السعي للقيام بذلك الرئيسية. وكان ذلك هو الدرس الرئيسي الذي استخلصته روزا لوكسمبورغ من أحداث أوكتوبر، وهو درس دفع بها إلى تلطيف انتقاداتها للينين وتروتسكي ودعم الثورة الروسية بحماس:

"ما يمكن حزباً أن يقدمه، في اللحظة التاريخية، من شجاعة، وقوة عمل، ورؤية خاطفة ثورية ومنطق، قدَّمه لينين وتروتسكي ورفاقهما بسخاء. كل الشرف الثوري والقدرة على العمل اللذين افتقدتهما الديمقراطية الاشتراكية في الغرب تمتع بهما البلاشفة. لم تنقذ ثورة أوكتوبر بالفعل الثورة الروسية وحسب، بل أنقذت أيضا شرف الاشتراكية العالمية".

وأيضاً:

"إن المهم هو أن نميز في سياسة البلاشفة ما هو أساسي مما هو ثانوي، الجوهر من العرض. ففي هذه الفترة الأخيرة التي بتنا فيها عشية المعارك الحاسمة في العالم بأسره، كانت المشكلة الأهم بالنسبة للاشتراكية ولا تزال القضية الراهنة الحارقة التالية: ليس هذا التفصيل التكتيكي أو ذاك بل قدرة البروليتاريا على العمل، قوة العمل لدى الجماهير، إرادة امتلاك السلطة في الاشتراكية على وجه العموم. وعلى هذا الصعيد كان أمثال لينين وتروتسكي، مع أصدقائهم، أول من سبقوا البروليتاريا العالمية بمثالهم، هم إلى الآن الوحيدون الذين في وسعهم أن يهتفوا مع أولريخ فون هوتن(***) "لقد تجرأت"".

"هذا هو الجوهري وما يبقى من سياسة البلاشفة. بهذا المعنى، يبقى لهم الفضل الصامد أبداً في التاريخ المتمثل في كونهم قادوا البروليتاريا العالمية عن طريق انتزاع السلطة السياسية وطرحهم في الممارسة مشكلة تحقيق الاشتراكية، ناهيكم عن كونهم دفعوا بقوة إلى الأمام تصفية الحساب بين رأس المال والعمل في العالم. وفي روسيا، لم يكن بالإمكان أكثر من طرح المشكلة، لم يكن ممكناً حلها. وبهذا المعنى، فإن المستقبل هو للـ"بلشفية" في كل مكان"(5).

هل كان ينبغي الاستيلاء على السلطة؟

طبعاً، لا ينبغي أن نضخّم المعارضة بين هذين الخيارين، الحتمية أو الإرادوية، حتى إذا بقيا مختلفين بشكل أساسي. إن تبسيطاً كبيراً جداً للمشكلة يمكن أن يعكر الماء ويجعل الاختيار أشد صعوبة.

ثمة بهذا المعنى إمكانية إسرافات مغامرة، انقلابية، "بلانكية"، في المسار "الإرادوي": محاولات استيلاء على السلطة من قبل أقليات لا تتمتع بدعم غالبية ذوي الأجر (6).

لكن وجود انحرافات كهذه وما تمثله من خطر لا يمكن أن يقوم عذراً للتنصل من الخيار الاستراتيجي الفعلي الذي كان ينطرح عشية أوكتوبر في روسيا.

كان البلاشفة يتمتعون بوضوح بدعم غالبية البروليتاريا. كان الشعب يريد بشكل صريح تغييراً جذرياً، ثورياً. كان يلزم ضمن هذه الشروط الدقيقة انتزاع السلطة، نعم أم لا؟ إن الماركسيين الثوريين في أيامنا هذه لا يزالون مقتنعين، مثل نظرائهم في عامك 1917 وفي السنوات اللاحقة، بأن الجواب هو نعم بلا أدنى ريب.

الجبرية، الخيارات السياسية، التجربة

في فترة قريبة، أدى التفحص النقدي لتكتيك البلاشفة، في السنوات التي تلت انتصار أوكتوبر، إلى مواجهة تتعلق بطبيعة الجبرية التاريخية بين جون ريس وصاموئيل فارير. فالأول يتهم الثاني بالتخلي عن كل جبيرة مادية، لأنه يقدم مروحة من البدائل، يحلل خيارات أخرى كان يمكن أن تكون ممكنة، بما يخص السياسية الاشتراكية الثورية في روسيا ما بين 1918 و1923.

"لا تطرح الماركسية أن الإرادة السياسة أو الايدولوجيا يمكن أن تلعب، في كل الظروف، دورا أساسياً. إن الدرجة التالية التي يمكن للشغيلة وفقاً لها أن "يصنعوا تاريخهم الخاص" تتوقف على وزن العوامل الموضوعية التي تضغط بثقلها عليهم [...]. وفي روسيا (بعد أوكتوبر 1917) كانت حدود عملهم الصمود في وجه حصار، في ظل إكراهات أكثر فأكثر وثوقاً. إن كل ذرة من الإرادة والوعي السياسي كان يجب أن تستخدم للدفاع عن الدولة العمالية وتحاشي إطاحتها. كان "العامل الذاتي" يقتصر حينذاك على الاختيار بين الاستسلام للبيض أو الدفاع عن الثورة بكل الوسائل المتوفرة لديهم"(7).

لكن هذه الطريقة في طرح المشكلة تعاني من ضعفين أساسيين. فأولاً، هي لا تجيب عن الاعتراض الأساسي، المتمثل في أن الديمقراطية السوفييتية قد خُنقت بشكل نهائي في لحظة حظر الأحزاب السوفييتة، بعد الحرب الأهلية، وليس حين كان الخيار إما الاستسلام أمام البيض، أو الدفاع عن الثورة بكل الوسائل. لقد جرى خنقها إذا بعد النصر، في حين لم يعد أي جيش أبيض موجوداً على أرض روسيا السوفييتات.

كانت التدابير المتخذة آنذاك تستلهم الفكرة القائلة إنه لما كان قد تحقق النصر في الحرب الأهلية، فسوف تتناقض تعبئة البروليتاريا الثورية. وكان زوال التعبئة هذا يخاطر بأن يهدد، في رأي البلاشفة، السلطة السوفييتية، أكثر مما كانت قد فعلت الجيوش البيضاء.إن جون ريس لا يشير إلى هذا التفسير. وهو لا يكشف إذاً طابعه غير المنطقي والخاطئ.

ثم يذوِّب ريس مشكلات ملموسة في صيغة مجردة وعامة. لم تكن المسألة هي معرفة ما إذا ينبغي، عموماً، استخدام "كل الوسائل" للدفاع عن سلطة السوفييتات، ومنع إحراز البيض نصراً ما. إن السؤال المطروح هو معرفة ما إذا كان هذا التدبير الملموس أو ذاك يسهل المواصلة الظافرة للحرب الأهلية، أو يجعلها أصعب.

هل كانت تلك هي حال تأسيس التشيكا؟ هل كانت حالة الإبقاء على مصادرات القمح في 1919-1920 وزيادة حدتها، وعموماً حالة تجاوزات "شيوعية الحرب"؟ هل كانت تلك حال حظر الأحزاب السوفييتية؟

والحال أن السلطة السوفيتيتة، وقادة الحزب البلشفي، كانوا يمتلكون هنا الخيار بالتأكيد: أن يتخذوا تلك التدابير أو لا يتخذوها. هل كانوا على حق؟ هل أخطأوا؟

إن ريس يحاكم كما لو أن السؤال لا ينطرح قط. ومما يثير الفضول انه لا يورد الحجة الرئيسية التي يمكن أن تفسر، على الأقل، إلى حد بعيد، سلوك البلاشفة في هذا الصدد، إذا لم تكن تبرره كلياً. تلك الحجة التي صاغتها روزا لوكسمبورغ في كراستها حول الثورة الروسية.

كانت الثورة الاشتراكية، علاوة على البدء ببناء مجتمع لاطبقات فيه، يشكلان تجربة جديدة كلياً. لم يكن يوجد في هذا الحقل أي كتاب وجيز يتضمن قواعد موضوعة سلفاً يكفي الرجوع إليها. لقد كانت الثورة الروسية مختبراً تاريخياً هائلاً، مثيراً ومأساوياً في الوقت عينه. لا يمكن التقدم إلا عبر التجربة، إلا بتلمس الطريق.

إن الممارسة وحدها يمكن أن تبرهن إذا كان هذا التدبير الملموس أو ذاك سليماً أو خاطئاً. ونحن لا نتكلم هنا على الاتجاه العام. كل مقاربة دوغمائية تنطلق من ترسيمات موضوعة سلفاً هي غير منتجة (كما الحال مع كل توجه دوغمائي صرف). كلاهما يتهربان من الخيارات الإستراتيجية الكبرى.

إن أشياء كثيرة تكون واضحة بعد فوات الأوان، لكنها لم تكن كذلك إطلاقاً في لحظة حصولها. لم يكن في وسعها أن تكون كذلك. وكما كان يقول نابليون بونابرت: "ننخرط، ثم نرى". لقد أحب لينين ترداد هذه الكلمات التي وردت على لسان معلم في التكتيك.

الأخطاء والديمقراطية الاشتراكية

لأن الأمور على هذه الحال، بالضبط، تحتاج الثورة احتياجا حيويا للديمقراطية السوفييتية التعددية، لتعدد الأحزاب، لحياة سياسية نشطة، للحق العلمي في النقد وتدخّل الجماهير. لأنه إذا كانت الثورة، وبدء بناء مجتمع لاطبقي، هما مختبر هائل، فالأخطاء محتومة: يكون حيوياً آنئذ امتلاك أواليات لا تتيح تحاشي الأخطاء –فذاك مستحيل- بل إصلاحها بأسرع ما يمكن، ثم تحاشي تكرارها في المستقبل. لقد كان لينين يذكر هو ذاته أن الطريقة التي يتصرف بها حزب حيال أخطائه الخاصة به تحدد مستقبله. وضمن هذا السياق بالضبط تكتسب الديمقراطية السوفييتية كل قيمتها.

الديمقراطية والمساواة الاجتماعية

في رأينا أن صاموئيل فاربر على حق بمواجهة جون ريس بما يخص الطريقة العامة للمقاربة. لكن، مجدداً، هو ليس على حق إلا بصورة عامة ومجردة وليس في عدد كبير من الأحكام الملموسة التي يصوغها. إنه يستخدم، في الواقع، بصورة مبالغ بها جداً، مقاييس شكلية صرفة للديمقراطية، مقاييس تتكشف، في الممارسة، أقل ديمقراطية بكثير مما يمكن الاعتقاد للوهلة الأولى.

يلحّ فاربر بشدة على أهمية "دولة القانون": ضرورة القانون المكتوب، المبدأ القائل بأن متهماً يفترض بريئا طالما لم يتم البرهان على كونه مذنباً، الخ (8).

لقد أدخلت حركتنا معظم هذه المبادئ في الأطروحات التي تبنتها، خلال مؤتمريها في عامي 1979 و1985، تحت عنوان الديمقراطية الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا. لم ننتظر إذاً الهزات التي حصلت في أوروبا الشرقية، أو نشر كتاب فاربر لإثباتها والدفاع عنها (9).

لكن فاربر لا يعالج سلسلة من المشكلات الأخرى التي، وإن لم تكن شكليةً فهي حقيقية للغاية، مشكلات تخاطر بإعاقة ضمان حقوق الرجل والمرأة، بلا استثناء، طالما بقيت ظاهرات بضاعية ونقدية (أي خلال كل فترة الانتقال): قابلية فساد القضاة، ضرورة الحد من عدد المحامين الذين يمكن فرداً أن يلجأ إليهم، وإلا فإن من يملكون مالاً أكثر تكون لديهم إمكانات دفاع أكبر مما لدى الآخرين، مجانية الوصول إلى الدفاع، ضرورة رقابة عامة دقيقة، وبالتالي إلغاء المبدأ القائل إن "القضية المحكوم بها" لا يمكن أن يعاد النظر فيها، تعديلات جوهرية في أصول المحاكمات تجعلها أكثر شفافية بالنسبة لجمهور المواطنين والمواطنات، تعميم مبدأ إمكانية عزل القضاة (إذاً إلغاء المبدأ القائل بأنهم غير قابلين للعزل) وتوسيع مبدأ محاكم المحلَّفين إلى الحدود القصوى.

ليس واضحاً تماماً لماذا قد تقوِّض تغييرات حقوقية عميقة كهذه حقوق الأفراد، أو "دولة القانون"، أو تحد منها. إنها، في الواقع، شروط ضرورية إذا أردنا أن يتمكن الجميع، لا أقليات ذات امتيازات وحسب (بما فيها بيروقراطيون ومثقفون) من التمتع بالكامل بحقوقهم الشكلية! كما لو بصورة فإن الانتقادات الصارمة لـ"العدالة الثورية" ترفضها دوغمائياً، كما لو بصورة مبدئية.

إن اللامساواة الاجتماعية أمام القضاء فضيحة مشهورة تماماً في "دول القانون" الخاصة بنا. وثمة ثلاثة أحداث قريبة زمنياً تؤكد ذلك، إذا اقتضى الأمر، بصورة مذهلة بالأحرى. لقد جرت تبرئة الأمير فيكتور-عمانوئيل، المطالب بعرش ايطاليا، من تهمة قتل شاب ألماني بعد محاكمة دامت أحد عشر (!) عاماً. أكان حظي مواطن ذو دخل متوسط بالإمكانية نفسها لإطالة المحاكمة بهذا المقدار؟

وفي اليابان، بعد محاكمة دامت 24 عاماً (!)، ربح التروتست هيتاشي دعوى ضد أحد مستخدميه، الذي سُرِّح بعد رفضه أن يشتغل ساعات أضافية. وقد صرح بهذا الخصوص محامٍ هو الأستاذ كواهيتو، أسَّس مكتب مساعدة لذوي الأجر:

"إن هذا القانون، كالكثير من القوانين الأخرى، غامض بصورة متعمدة. والقرار الذي اتخذ اليوم غير سليم لأن الشغيلة في اليابان لن يتمكنوا، بعد الآن، من رفض الساعات الإضافية، ولأن الكاروشي (الموت من الإرهاق خلال العمل) سوف يزداد" [...]. إن واحداً من أصل 4 من ذوي الياقات البيضاء يخشى الآن الوفاة من الإرهاق في العمل، وفقاً لإحصاء تم أخيراً في طوكيو على يد شركة صيدلانية، هي النيبون كاياكو [...]"

"واضح أن المحكمة العليا حابت رأس المال الكبير وأنها تفكر بأن القوة الاقتصادية تقوم على الساعات الإضافية. لقد أعطت الأولوية للاقتصاد على الحياة البشرية" (10).

أما عائلة كندي فأنفقت في أقل من ستة أشهر مليون دولار للدفاع عن عضو في العائلة متهم بالاغتصاب (11). هل يمكن أن يفعل الشيء نفسه إنسان عادي؟

لا شك أن الولايات المتحدة وايطاليا واليابان هي دول رأسمالية وليست مجتمعات ما بعد رأسمالية. لكن ذلك لا يغير شيئا في واقع أن هذه الحالات الثلاث تبين التباس مفهوم "دولة القانون". إنها تثبت أن استقلال السلطة القضائية يمكن أن يدخل في نزاع مكشوف مع تكافؤ الفرص، حيث تكون هناك لا مساواة في الثروات، والمداخيل والوضع الاجتماعي، وهي ظاهرات ستبقى قائمة خلال مرحلة الانتقال التي يحيل إليها فارير.

حكومة تحالف

إن لمشكلة اختيارات العمل الممكنة، بالطبع، حجماً أكبر بكثير من حجم الاختيارات الممكنة للتكتيك البلشفي، وهي أضيق بكثير بلا ريب. وهي تنطرح قبل كل شيء على أولئك الذين يقولون بشكل حازم، من 1917 إلى اليوم، ومن بليخانوف إلى إيريك هوبسباوم: ما كان ينبغي استلام السلطة، لقد كانت ثورة أوكتوبر "قبل أوانها".

ماذا كان ينبغي فعله بالتالي؟ انتظار تتمة الأحداث مكتوفي الأيدي؟ ترك الثورة المضادة تنتصر؟ تسليم البلد لعسكر غليوم الثاني؟ إن الإصلاحيين الروس والعالمين لا يقدمون شيئاً متماسكاً، ما عدا أوهاماً غير معقولة بخصوص ديمقراطية برجوازية مستحيلة.

لقد دافع الوسطيون من نموذج مارتوف وأوتو باور/هيلفردنغ بصورة مترددة وخجول، عن حل بديل. ما سماه مارتوف "حكومة ديمقراطية ثورية موحدة": تحالف كل الأحزاب المنتسبة إلى الاشتراكية.

كان جناح من البلاشفة بكامله ينادي أيضاً بمشروع كهذا (كما رأينا في الفصل السابق). كان مع ذلك مشروعاً غير قابل للتحقيق بشكل أساسي، وذلك ليس تبعاً "لعصبوية" مفترضة لدى البلاشفة، بل لأسباب أعمق بكثير.

ففي الواقع، لم يرد الاشتراكيون-الثوريون اليمينيون والمناشفة اليمينيون إطلاقاً، أن يتخلوا عن سياسة "الدفاع الوطني"، أي عن مواصلة الحرب، وهو الأمر الذي كانت له مستتبعات حتمية. وقد كتب بهذا الخصوص المنشفي من يسار الوسط، دان، وكان هو أيضاً نصيراً (أكثر فأكثر تردداً) لـ"الدفاع الوطني الثوري":

"إن مواصلة الدفاع عن البلد، بانتظار توقيع صلح ديمقراطي، كان يتطلب إبقاء جيش يضم ملايين الأشخاص قيد الاستعداد، وفعل كل شيء لتحاشي تفككه. كان ينبغي، وبالتالي، تأجيل الإصلاح الزراعي إلى ما بعد اجتماع الجمعية التأسيسية. إن مصادرة ثورية لأملاك الملاكين الكبار وتوزيع الأراضي كانا تسبباً بفرار ملايين الجنود الفلاحين الذين لا يكونون بقوا في الجبهة في ذلك الحين [...]"(12).

بتعابير أخرى، لم تكن غالبية المناشفة، علاوة على الاشتراكيين-الثوريين اليمنيين، على استعداد للقبول بالصلح الفوري، وبالتوزيع المباشر للملكيات الكبرى، وبالرقابة العمالية على الإنتاج. لقد وافق وزير العمل المنشفي سكوبيليف على إعادة سلطة الفبارك والمدراء في المنشآت، وكان ذلك شرطاً لجمعية أرباب العمل. فعلى أي برنامج كان ينبغي إرساء ائتلاف حكومي؟

لقد وضع "التوفيقيون"، فضلاً عن ذلك، كشرط لتشكيل حكومة من هذا النوع، حكومة "جبهة عمالية متحدة"، طرد لينين وتروتسكي من هذه الحكومة. وبالطبع، كان ذلك شرطاً لا يمكن أن يقبل به البلاشفة، الذين كانوا حاصلين، أيّاً يكن، على الأغلبية المطلقة للتفويضات إلى مؤتمر السوفييتات!

كان يمكن، عند اللزوم، إرساء حكومة تحالف بين البلاشفة، والاشتراكيين-الثوريين اليساريين، والمناشفة اليساريين (الأمميين المتحلقين حول مارتوف). والبلاشفة لم يكونوا يعارضون هذا الحل. علماً أنه تحقق جزيئاً، لأن حكومة ائتلاف بين البلاشفة والاشتراكيين-الثوريين اليساريين تشكلت حقاً. لكن مجموعة مارتوف هي التي رفضت، منذ اللحظة الأولى، الانخراط في هذه الطريق.

الامتناع عن العمل؟ المثال الألماني

يمكن الخروج بالاستنتاج القائل إنه كان من الأفضل عدم الانخراط في طريق ثورية ما كان يمكن أن تفضي إلا إلى الفشل. وهذا الموقف ليس إلا في الظاهر موقفاً على غرار ذلك الذي اتخذه بيلاطس البنطي (****).

في الواقع، حين يرفض الناس الفعل يؤثرون في الأحداث بالقدر نفسه الذي يؤثرون به فيها إذ يفعلون، لأنهم يختارون الوضع القائم ويتركون الطريق مفتوحة أمام الخصم الطبقي الذي يمكنه أن يتخذ المبادرة كما يحلو له. إن السكولاستيكيين على حق حين يقولون إن هناك خطايا امتناع، علاوة على الخطايا التي يتم ارتكابها.

ويمكن إبراز هذه المسألة الأساسية للخيار الاستراتيجي بالصورة الأكثر وضوحاً عن طريق المقابلة بين سلوك الاشتراكية-الديمقراطية الألمانية، الحائزة على الأغلبية خلال ثورة 1918، وسلوك البلاشفة عام 1917 (كان يمين الحزب الاشتراكي-الديمقراطي المستقل، USPD، يتخذ موقفاً وسيطاً شبيهاً بموقف مارتوف في روسيا).

فلندع جانباً مشكلة التركيب الاجتماعي لقيادة الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الألماني، الـSPD، والمصالح المادية الممثّلة. ولندع حتى جانباً مسألة التحفيز الفعلي لأعضاء هذا التيار الأكثري. إن كشف الحساب التاريخي الكارثي للنزعة الإصلاحية واضح تماماً (13).

لقد رفض الحزب الاشتراكي-الديمقراطي استلام السلطة. رفض أن يتخيل إمكانية تقدم نحو الاشتراكية، مهما يكن معتدلاً. رفض أن يطهِّر بصورة جدية جهاز الدولة الموروث من الإمبراطورية، لاسيما فروعه العسكرية والقضائية والدبلوماسية. انتقل بنسبة مئة بالمئة إلى جانب النظام القائم، الذي كان مستعداً، في الأكثر، لإصلاحه بحياء.

تجسدت هذه السياسة بشكل ملموس بطرق كثيرة. عقد اتفاق التفاهم (التعاون الطبقي) الممأسس بين البيروقراطية النقابية وأرباب العمل، تشكيل حكومة ائتلافية مع البرجوازية، تصفية المجالس العمالية ليس فقط كأجهزة سلطة سياسية بل حتى كأجهزة رقابة عمالية وازدواجية سلطة داخل المنشآت، وبوجه خاص، الاتفاق السري مع هيئة الأركان الإمبراطورية، بحفز مشترك من إيبرت زعيم الاشتراكية-الديمقراطية، والجنرال غرونز:

"لم يكن أن نناقش اليوم موضع التحالف المعقود في أيام تشرين الثاني/نوفمبر تلك بين المستشار إيبرت وقادة الجيش، حتى إذا لم يكن يمكن الأخذ قطعاً برواية الاتفاق الهاتفي بين غرونر وإيبرت في ليل 9-10 تشرين الثاني/نوفمبر. فمنذ العاشر من نوفمبر، أبرق الماريشال هندنبورغ إلى القادة العسكريين بأن هيئة الأركان قررت التعاون مع المستشار "لتحاشي امتداد البلشفية الإرهابية إلى ألمانيا".

"[كتب] الجنرال غرونر بعد سنوات: "لقد تحالفنا ضد البلشفية" (14).

لكن ما كان إيبرت ونوسكه وغرونر يسمونه "البلشفية" كان، في ألمانيا، حركة شعبية واسعة جداً تعترض على المجتمع البرجوازي، بغض النظر عن وجود حركات مغامرة وأقلوية من أقصى اليسار. يشهد على ذلك الإضراب العام دفاعاً عن المجالس العمالية في شباط/فبراير-آذار/مارس 1919، أو في آذار/مارس-نيسان/أبريل 1920، التعبئة الجماهيرية الهائلة ضد محاولة انقلاب كاب-فون لوتفيتز.

الإصلاحية والثورة المضادة

في الفترة الثورية، تكون النتيجة الطبيعية شبه المحتومة لرفض استلام السلطة تورطاً في الثورة المضادة. لم يعد الخيار عندئذ بين الفعل والامتناع عن الفعل، بل بين العمل الثوري والعمل المضاد للثورة. يتوصل الإصلاحيون إلى قمع الحركة العفوية آو شبه العفوية أو المنظمة للجماهير الكادحة، مواجهينها بادئ ذي بدء بالمناورات والأكاذيب، ثم بالعمل العنيف (15).

إن دور غوستاف نوسكه، الوزير الاشتراكي-الديمقراطي، شهير بهذا الخصوص بشكل مفجع. فهو لم يتردد في أن يكتب:

"لم يقدم أحد أدنى اعتراض حين عبرت عن رأيي بأنه يجب إعادة النظام بقوة السلاح. اصدر وزير الحرب، الكولونيل رينهاردت، أمراً يعين بموجبه الجنرال هوفمان قائداً أعلى [...] وقد قُدّم اعتراض مفاده أن الجنرال سيكون غير شعبي إطلاقاً مع العمال [...] وشددت على ضرورة اتخاذ قرار. قال أحدهم: "ألا يمكنك أن تتولى الأمر بنسفك؟ فأجبت باختصار وبحزم: "ليس لديَّ اعتراض. ينبغي أن يلعب أحدهم دور كلب دومي، ولست خائفاً من الاضطلاع بهذه المسؤولية" (16)"

نوسكه ذاته لم يتردد أيضاً في الأمر بأن يلصق على جدران برلين، بعد مرور عدة أشهر، الإنذار التالي:

"تجبرني فظاظة ووحشية (هكذا) السبارتاكيين الذين يقاتلوننا على إعطاء الأمر التالي: كل شخص يضبط حاملاً سلاحاً في الصراع ضد الحكومة يطلق عليه الرصاص في الحال" (17).

لقد تم تبرير هذه المجازر باسم العداء للـ"بلشفية". ويمكن أن نلاحظ ليس من دون تهكم وسخرية، أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يغتاظون من الإرهاب الأحمر الموجه ضد الذين "يضبطون وسلاحهم بأيديهم في الصراع ضد الحكومة" (مع ذلك، فتروتسكي لم يفكر يوماً بإعدام أعضاء الجيوش البيضاء، ولم يمارس ذلك).

لكن الواقعة الأساسية ليست هنا. هاكم قادة أحزاب تنتسب إلى الاشتراكية يزعمون لأنفسهم الحق بمنع جماهير واسعة من تنظيم إضرابات أو تشكيل مواكب حتى منزوعة السلاح، باسم أولويات، و"مبادئ، وأحكام سياسية لا يشاركهم فيها إطلاقاً الناس أجمعين، ولا تصدر أيضاً عن عصمة بابوية (18).

لقد اعترض المناشفة، حتى اليساريون منهم، بأقصى طاقتهم، على مبادرات الرقابة العمالية الصادرة مباشرة عن المنشآت في روسيا. لا بل أعطوا أنفسهم حق قمع هؤلاء الشغيلة حين كانوا يرفضون الانصياع لأحكامهم. هذه الغطرسة الأبوية والمدعية تصدر عن التوجه الاستبدالي نفسه الذي يحكم السلوك الستاليني. إن هذه المقارنة بين تصرفات إصلاحية وتصرفات الستالينيين تستحق الإبراز.

***

فلنكرر القول: كل ذلك يتناقض تماماً مع مذهب ماركس وتوجهه، المتموحرين حول مفهوم التحرر الذاتي للطبقة العاملة.

لقد حدس ماركس وإنجلز بهذه النزعة الاستبدالية ومستتبعاتها، حين دانا، في رسالتهما المشهورة المؤرخة في أيلول/سبتمبر 1879، موقف البيان الإصلاحي لـ"الثلاثة من زوريخ" (هوشبرغ وبرنشتاين وشرام) بعبارات ساخرة جداً.

"إذا أردنا أن نكسب لقضيتـ[نا] (كما يأمل الثلاثة من زوريخ) الشرائح العليا من المجتمع، يجب ألا نخيفها، أياً يكن الثمن. يعتقد الثلاثة من زوريخ أنهم قاموا باكتشاف مطمئن: "[يجب] أن يظهر الحزب أنه ليس مستعداً للدخول في طريق الثورة الدامية والعنيفة، لكنه عازم... على سلوك طريق الشرعية، أي الإصلاحات". [إن الخلاصة المنطقية لهذه الحجة هي إذاً انه]، إذا أظهرت برلين ذات يوم مجدداً أنها مرباة تربية من السوء بحيث لا تقوم ب 18 آذار/مارس [أي بانفجار ثوري]، سوف يكون على الاشتراكيين-الديمقراطيين، بدلاً من المشاركة في النضال بوصفهم" رعاعاً يتحرقون لتسلق المتاريس" [تعابير استخدمها "الزوريخيون"]، أن "يسلكوا على العكس طريق الشرعية"، ويهدموا المتاريس، وإذا دعت الحاجة أن يسيروا بركاب القوات المجيدة ضد الجماهير الصادّة والفظة والأمية (19).

هاكم سلوك الإصلاحيّين إيبرت-نوسكه المتوقع والمدان قبل أربعين عاماً من الوقائع!

كان التبرير الرئيسي الذي قدمه الاشتراكيون-الديمقراطيون الألمان، بخصوص سياسية المعارضة التي انتهجوها لاستلام السلطة الاشتراكية خلال أزمة ثورية، انه يجب الدفاع عن الديمقراطية، لا بل الدفاع عنها أياً يكن الثمن، بما في ذلك ضد ملايين العمال –لا يهم هنا إذا كان هؤلاء يشكلون أغلبية [ضئيلة] أو أقلية كبيرة ضمن البروليتاريا والجسم الانتخابي.

لأجل ذلك، عليهم البدء بتجاهل أو إنكار واقع وجود تهديد مضاد للثورة (20). لكن إذ ينخرطون في طريق القمع، إذ يستخدمون لهذه الغاية جهاز الدولة القديم للطبقات المالكة، يفتحون هكذا سيرورة توطيد للـ"نخب"، معبِّدين هكذا الطريق التي قادت إلى السلطة الدموية للدكتاتورية النازية.

لقد وَلَدت جمهورية فايمار الرايخ الثالث. وفي 1918-1919، و1920-1923 بالضبط، تم إعداد كل شيء، في قمع الثورة والجماهير الألمانية –في وقت لم يلعب فيه الإصلاحيون دوراً سلبياً وحسب، بل انخرطوا بنشاط في معسكر الثورة المضادة (21).

لقد كلفت الديكتاتورية النازية والحرب العالمية الثانية (1939-1945) البشرية خمسين مليون قتيل. هاكم ما كان البديل الملموس لثورة أوكتوبر. هاكم في الواقع التبرير التاريخي الأكثر إذهالاً لهذه الثورة

تعريب : كميل داغر

نسخ الكتروني: جريدة المناضل-ة






إحالات

(1)نأمل أن نخصص له لاحقاً واحداً من دفاتر أمستردام.

(*) صفة الثابتية Paramétrique تأتي من كلمة ثابتة أو Paramètre، وهي كمية محددة تتوقف عليها دالة من المتغيرات المستقلة (المعرب).

(**)فلسفة ينكر القائلون بها قيمة العقل وقدرته على المعرفة (المعرب).

(2)تعتبر اللاأدرية انه لا يمكن معرفة الواقع ما وراء المظاهر (أي أنها مذهب يعلن ما لا يمكن معرفته في غير متناول الإنسان) أو يعتبر أي ميتافيزقا غير نافعة. إن غائيةً هي مجموعة تأملات تتناول مسألة قصدية Finalité العالم، أو الإنسان أو، هاهنا، التاريخ. تتجه إذاً لتفسير مجرى التاريخ انطلاقاً من "قصدية" مفترضة.

(3)إن تعبير "الأوالية" يشير إلى تيار في الفكر المادي يبالغ جداً في اختزال التفاعلات، لاسيما بين العوامل الاجتماعية المتنوعة، عبر تحديد سلاسل صلبة لأسباب موصلة إلى نتائج. وهو يهمل بوجه خاص البعد التاريخي في تحليل المجتمعات. وتجد الأوالية أصلها في علوم الطبيعة في القرن الثامن عشر التي كثيراً ما كانت تستخدم المقارنات مع الآلات، وبوجه خاص مع ميكانيزم صناعة الساعات. فوفقاً لتصور أوالي للمادية التاريخية، يحدد تطور قوى الإنتاج وتناقضات علاقات الإنتاج الاقتصادية تعاقباً وحيداً، محتوماً، للمجتمعات (المجتمعات المشاعية البدائية، العبودية القديمة، الإقطاعية، الرأسمالية، الاشتراكية). إن التصور الديالكتيتكي (الأكثر أصالة) للمادية التاريخية يدمج التحديدات والإكراهات الاجتماعية-الاقتصادية. لكنه يأخذ أيضاً بالحسبان وزن العوامل الأخرى الخاص بها (مثلاً: الدول، الثقافات، الإيديولوجيات). وهو يشدد بوجه خاص على الدور الفاعل للصراعات الاجتماعية-السياسية، لصراعات الطبقات. وهو ما يسمح له بفهم أم مجرى التاريخ إنما يحدده التفاعل بين هذه العوامل المختلفة، وليس المنطق الحديدي بوجه الحصر للتناقضات الاقتصادية.

(4)شارل داروين عالم طبيعة وعالم أحياء انكليزي من القرن التاسع عشر معروف بأعماله حول تطور الأنواع الحية عن طريق الانتقاء الطبيعي. ونظرياته، أو الداروينية، غنية جداً لكن جرى تفسيرها أحياناً بصورة تبسيطية للغاية (مع الداروينية الجديدة) وأسيء تطبيقها في مجال العلوم الإنسانية.

(***)فارس وأنسي ألماني (1488-1523) مشهور بهجماته الحادة، في بداية الإصلاح اليدين، ضد الأمراء والأساقفة (المعرب).

(5)روزا لوكسمبورغ، الثورة الروسية، مرجع مذكور، ص 39 وص 70-71.

(6)تدخل في هذه الفئة كل من انتفاضة كانون الثاني/يناير 1919 السبارتاكية في ألمانيا، ومحاولة أخذ السلطة في فيينا، بالنمسا، بقيادة بتلهايم، بعد ذلك بقليل، وبوجه خاص "عمل آذار/مارس 1921"، في ألمانيا مجدداً، وانقلاب الحزب الشيوعي البلغاري ضد ستامبولينسكي. لقد أعطى أوغست بلانكي، وكان ثورياً فرنسياً مهماً جداً في القرن التاسع عشر، يستلهم الشيوعية، أعطى اسمه للـ"بلانكية"، المنظور إليها على أنها إرادة الاستيلاء على السلطة عبر الاستناد إلى أقلية فاعلة وطرائق تآمرية.

(7)ج.ريس، International Socialism، العدد 54، مرجع مذكور.

(8)س.فاربر Before Stalinism، بوليتي برس، 1990، ص 159-162.

(9)جرى تقديم القرار، "الديمقراطية الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا" بادئ ذي بدء، في المؤتمر العالمي الحادي عشر للأممية الرابعة، عام 1979. وقد جرى تبنيه، في المرة الأولى، بتصويت استهلالي، ثم أعيد نقاشه، واشتغاله، ثم تم تبنيه نهائياً في المؤتمر العالمي الثاني عشر في كانون الثاني/يناير 1985. أنظر بخصوص هذا النص، الأممية الرابعة، العدد الخاص 17/18، أيلول/سبتمبر 1985.

(10) The Times، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1991. "الياقة البيضاء" مستخدم، مقابل "الياقة الزرقاء" الذي هو عامل منتج.

(11) The Sunday Times Magazine، 1/12/1991.

(12)مرجع مذكور، ص 298.

(****)الحاكم الروماني في فلسطين الذي غسل يديه من دم المسيح، لكنه لم يحل دون صلبه على أيدي رجال الدين اليهود (المعرب).

(13)نشر بيير برويه (مرجع مذكور) ببليوغرافيا واسعة جداً عن الثورة الألمانية 1918-1919. ولن نشير هنا إلا إلى ذكريات ريتشارد مولر، قائد الثوريين من تيار o bleute في بريلن، ومذكرات نوسكه، وفيليب شايدمن، وسيفرينغ، والجنرال غرونر، وكتب بونوا-ميشين، وبيتر فون اورتزن، وبول فروليش، وبول ليفي، وفرانز بوركنو (أنظر العناوين في البيليوغرافيا).

(14)بيير برويه Révolution en, Allemagne (1917-1923)، باريس 1917، ص 173.

(15)بخصوص المناورات والأكاذيب بمواجهة السكان، أنكر إيبرت بوقاحة أن يكون يريد إدخال قوات من الجيش إلى برلين (وهو ما كان يتهمه به ال(USPD)حين واجهه المؤتمر الأول لمجالس العمال والجنود. قال إنه ليس هناك غير مسألة إعادة القوات من الجبهة، وإن هذه القوات ستجتاز برلين. وفي الواقع، لقد أدخل إلى برلين قوات عشر فرق بقيادة الجنرال لوكي.

(16)غوتاف نوسكه، Von Kiel bis Kapp، برلين 1920.

(17)استشهاد أورده برويه، مرجع مذكور، ص 273. كان السبارتاكيون حركة ثورية ألمانية.

(18)بالنسبة للقراء الذين تلقوا تربية كاثوليكية، من المفترض أن أحكام البابا لا تخطئ، وهذا بليغ الدلالة على الطابع الديمقراطي للكنيسة الكاثوليكية المسيحية جداً.

(19)ماركس وإنجلس، "إلى أ.بيبل، و.لينبنخت، وبراك، وآخرين، لايبزغ" Correspondance، باريس/موسكو، 1981، ص 323-324.

(20)إنها إحدى حجج لينين في مساجلته ضد كاوتسكي: "الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي"، المؤلفات الكاملة، الجزء 28. نص كاوتسكي، "ديكتاتورية البروليتاريا" وارد مع نص لينين في إصدار 10/18، باريس، 1972. لا يشير كاوتسكي في هذا النص، في القسم الوارد عن روسيا إلى أخطار الثورة المضادة إطلاقاً.

(21)حول دور "النخب" الألمانية، التي تركتها الاشتراكية-الديمقراطية في مكانها، في صعود النازية، انظر بوجه خاص: ارثر روزنبرغ، Entsehung und Gechichte Derweimarer Republik، ايفيلين اندرسن، Hammer oder Amboss.

أقيمت جمهورية فايمار في ألمانيا، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، بعد تنازل غليوم الثاني عن العرش بمشاركة من العديدين في الاشتراكية-الديمقراطية.

أرسلت حكومة يشارك فيها الاشتراكيون-اليدمقراطيون قوات في ساكس لإقالة حكومة يقودها اشتراكيون-ديمقراطيون يساريون وتتمتع بدعم شعبي واسع (مرجع مذكور، ص 773-775).

بعد قمع هذا النظام الثورة الألمانية، تكشَّف أنه عاجز عن التصدي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية. دعا في عام 1933 هتلر إلى السلطة، فأقام الديكتاتورية النازية على مراحل.



#إرنست_ماندل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الروسية: - التوجه البلشفي: تحليل نقدي
- أكتوبر1917 :انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ الفصل الرابع ، الرهان ا ...
- الرهان القومي- أكتوبر 1917:انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية ...
- أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية ...
- الفصل الأول- أوكتوبر 1917: هل هو انقلاب أم ثورة اجتماعية
- أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية ...
- الدفاع عن القدرة الشرائية للعمال ضد التضخم وارتفاع تكاليف ال ...
- قبل ثمانين سنة ، هتلر ...
- الاقتصاد الرأسمالي: خصائصه، قوانين تطوره، تناقضاته، أزماته ا ...
- حول الفاشية
- الماوية والستالينية
- الماوية والثورة الصينية
- الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية
- الرقابة العمالية والإستراتيجية الثورية
- من أجل الديمقراطية العمالية
- حول أحزاب الطليعة
- إرنست ماندل: لماذا نحن ثوريون اليوم؟
- لينين ومشكلة الوعي الطبقي البروليتاري
- التنظيم الذاتي والحزب الطليعي في تصور تروتسكي
- الإضراب العام


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - مشروعية الثورة الروسية - الرهان الاستراتيجي