أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي ظاهر - الليل العميل















المزيد.....

الليل العميل


ناجي ظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1224 - 2005 / 6 / 10 - 12:54
المحور: الادب والفن
    


الزمان: 1936.
المكان: قرية عيلوط.
شخوص القصّة هم: أحمد عبد اللطيف، مطلوب للإنجليز لأنه قتل جنديًا منهم. زوجته سُعدى. معروف وهو عميل للإنجليز من أهل القرية. جنود إنجليز.
لا يعرف الكاتب من أين يبدأ قصّته، يقرّر بعد تردّد أن يبدأ من النقطة الأشدّ حساسيّة. إنها نقطة العملاء. نقطة الضعف في أي مجتمع، فما بالكم بالمجتمع العيلوطيّ الأكثر حساسيّة من سواه لهؤلاء؟!

القصّة تبدأ في الليل، حين يخرج العملاء والخفافيش يصطادون في مياه القرية العكرة. معروف هو أحد هؤلاء العملاء البارزين. وهو يبحث عن كل ما يصبّ في مصلحته، سواء كان بطلا أو امرأة! لا أحد يفلت من يده، خاصّة إن كان وراءه ما يمكن أن يستفيد منه. كانت الدنيا باردة، وكانت رياح تشرين تهب من كل حدب وصوب، ناقلة أوساخ القرية وقاذوراتها إلى مصيرها المحتوم، بعيدًا عن القرية.
كان البرد يكاد يقصم المسمار. أكثر ما يلفت النظر في معروف إنه يملك عينين لمّاعتين، لا تلمعان إلا في الظلام. أجال معروف نظره في البلدة، آه لو يتمكن الإنجليز من محاصرة ذلك القاتل الفارّ؟ إذن لتمكنت من زوجته. لقد استحوذ ذلك القاتل الفارّ من الإنجليز على قلبها وانتزعها منه. لو لم يكن قد تمكن من قلبها، لما اشتعلت النيران في الثلوج، ولما عانق الأفق البحر، ولما كان انتزع منه تلك المرأة، زينة نساء القرية!! ولكان هو، معروف، وليس سواه، حظي بها ونعم بقربها كما تنعم الأرياح في أعباب الشجر.
الجو بارد ماطر، ومعروف يتجول في القرية، هو لا يبتعد عن بيت أحمد عبد اللطيف إلا كي يقترب منه ومن صاحبته سعدى. ورقص شارباه: آه يا سعدى آه. آه لو أدنو من روابيك الخضراء، لو أنعم بابتسامات ورداتك المشرئبات.
يدنو معروف من البيت. فهو إذا خسر سعدى ربح أحمد، وإذا خسر هذا ربح تلك. هنا صيد ثمين بانتظاره. هنا يمكن أن ينال سعدى فتبتسم الدروب، وهنا أيضا يمكن أن يساعد في إلقاء القبض على أحمد، فيرضى من أرسله، ويكون من الرابحين.
إنه يحوم حول البيت. أجل يحوم من حوله، ويراقب. يراقب ويراقب ويراقب، وماذا وراءه، ثم ماذا يردعه عن المراقبة، وعن مصاحبة الليل الماطر، ما دام الصيد سمينًا؟! ولفّ معروف ودار، وعاد إلى ذلك البيت. بيت أحمد وسعدى. ثم انفتح باب ذلك البيت، بعد منتصف الليل بقليل، وخرج منه رجل، انطلق نحو الجبال المحاذية للقرية. ترى من يكون هذا الرجل؟ أيكون صاحب البيت الفارّ؟ أم يكون رجلا آخر استحوذ على قلب سعدى! فشرّعت له أبوابها في الليالي الماطرة؟ وإذا كان عشيقا فلمَ اختارته؟ ولمَ رفضته، وهو معروف الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، ويتقن أكثر من طريق لتوفير الحياة الهنيئة المريئة؟ وحاول معروف أن يلاحق ذلك الرجل، إلا أنه لم يدركه، فقد تقافز ذلك الزائر، مثل الغزال، واختفى بين الأشجار في الجبل القريب.
وعاد في ساعات الليل الأخيرة إلى بيته، وعلى شفتيه أكثر من سؤال. فهو لا بدّ من أن يعرف، لا بدّ من أن يقطع الشكّ باليقين كي تهدأ فرائصه المرتعشة. ولم تغمض له عين، إلا حين استقر على رأي.
وخرج معروف في الليلة التالية، وكانت أشد إمطارًا من سابقتها، وذهب إلى ذلك البيت، حيث يقبع السرّ الكبير، لغز حياته ووجوده وفائدته أيضًا.
ودار حول البيت، وفجأة توقف، إنه يستمع إلى صوت رجل. مؤكّد أنه عشيق سعدى. مؤكّد أنها تواعدت معه في غياب زوجها، وفي غياب العيون، والتقت به في جنح الليل. دقّ قلب معروف وتراقص شنبه وعيناه. لقد وقعت يا سعدى، يا ابنة الأبطال. زوجك الآن في يدي، فإما أن أنال منك وإما أن أفضحك على أشجار عيلوط. واصل معروف استراق السمع، إن ما يستمع إليه هو كلام عشّاق. آخ لو كان هو من يتلقى تلك الكلمات التي تخرج غناءً من فم سعدى الذهبيّ، ووضع يده خلف أذنه كي يسمع أكثر، فهاله ما استمع إليه. سعدى تقول لزائرها إنها تخشى عليه، وإنها تريد أن تلتقي به في الجبال، وهو يوافقها. آخ يا سعدى، تخرجين من بين سكّان القرية جميعًا كي تلتقي بعشيقك. طيّب، أنا سأريك كيف تخضع النساء.
ها هو الكاتب يجد طريقه في هذه القصّة الصعبة. لقد تعقـّدت الأمور وما عليه إلا أن يتابع.
وانتظر معروف أن يخرج ذلك العشيق من بيت سعدى، كي يلقي القبض عليه وكي يفضحها، إلا أنه لم يفعل شيئًا. حين انشقّ باب البيت وقفز منه ذلك العشيق مثل ظباء الجبال. هو لا يريد أن يفضح سعدى، كلا لا يريد هذا، بل يريد أن ينال منها، فلمَ يفضحها؟ وماذا سينوبه من فضحه لها؟ ليسكت، أجل فليسكت، وليناور بهذه الحجّة التي جاءته دون كبير عناء، كي ينال وطره من تلك المرأة التي ملأت لياليه خيالا ً، جمالا ً ودلالا ً.
ووضع معروف رأسه بين يديه. فماذا يفعل إذا كان ذلك الزائر هو أحمد عبد اللطيف؟ ليتأكد أولا ً، وبعد ذلك يقرّر. وفي كلتا الحالتين هو الرابح، وليس أي إنسان آخر من أبناء القرية. لكن كيف يتأكد؟ هذا أمر بسيط، ليذهب إلى من عيّنه عينًا على ذلك البيت، ليكذب عليه، ليقل له إنه عرف مكان وجود ذلك القاتل، وليصحبه إلى هنالك، إلى حيث الجبال، ليفعل هذا، وهو في جميع الأحوال لن يخسر شيئًا، فإن كان أحمد عبد اللطيف هو المقصود، تخلص منه ومن تعذيبه له، وإن كان الحديث يدور حول عشيق لتلك الفاتنة التي سلبته عقله، فإن أمرها سينكشف أمامه ولن تتمكن من رفع عينيها في مواجهته. هو باختصار الرابح في كل الأحوال.
وهكذا، وبهذه الطريقة الذكيّة، يتخلّص معروف من كل العقبات الموجودة في طريقه، وابتسم وهو يفرك يديه وعيناه تتراقصان.
***
جاء معروف في الليلة التالية، يرافقه ثلّة من الجنود الإنجليز المدجّجين بالسلاح، وكان الليل البارد الماطر قد تجاوز منتصفه الأوّل، ومعروف لا يعرف ما إذا كان حسن حظّه أو سوئه، أن سعدى كانت مختفية بين الأشجار المحاذية المتشابكة، حين حضر مع مرافقيه وانساب هؤلاء باتجاه الجبل انسياب الذئاب الجائعة، كل منهم يشحذ أنيابه لإلقاء القبض على ذلك الصيد السمين المطارد. انساب هؤلاء، وانسابت سعدى أمامهم انسياب الغزالة النافرة، وتداخلت في ظلام الليل والشجر.
وهزّ الجنود بنادقهم، في وجه معروف، فارتعدت فرائصه، إلا أنه سرعان ما استعاد توازنه المفتقد، فهو سيغرّر بالأطراف كلّها، بالجنود، بسعدى وبذاك الرجل المتطفل. سيغرّر بهم جميعًا وسيحظى باللذات كلّها، بالضبط مثلما يفعل الرجل الجسور. وقفز معروف من فوره باتجاه الأشجار، وكان يدرك تمام الإدراك أنه سيكتشف الاثنين، الرجل والمرأة، من بصّة سيجارة، أو جمرة نار، غير أنه لم يكتشفهما، ولم يعثر لهما على أثر، لقد ذابا في الليل. وراح يتخبط مثل ثور فقد عقله، ولم يعد يدري ماذا بإمكانه أن يفعل، وفجأة لاحت له بصّة سيجارة وبصّة أخرى، فاندفع نحوها دونما أي تردّد، يريد أن يصرخ، أن يلقي القبض عليها، وأن يحقـّق حلم عمره، إلا أنه فوجئ بطلقات من الرصاص تخترق جسده، وبكلمات باللغة الإنجليزيّة، لم يتبيّنها جيدًا.
كانت تلك الكلمات آخر ما سمع، وعضّ على حجر، كان أحرّ عليه من الجمر!!
الكاتب يضع نقطة النهاية، ويبتسم راضيًا لهذه النهاية الـ...



#ناجي_ظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهدية


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي ظاهر - الليل العميل