أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خفير الخلاء














المزيد.....

خفير الخلاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 03:52
المحور: الادب والفن
    



" شارع محمد الخامس "، الأكثر ارتياداً اليومَ من لدن أهل " مراكش " وضيوفها، ينتهي كما هوَ معروف في ساحة فسيحة يُحدق بها عددٌ من العمارات المنيفة والفخمة، التي يقطنها ذوو الثراء والسِعَة، بالنظر لكون شققها هيَ الأغلى سعراً على مستوى المملكة. وكما يتذكّر كثيرون، فقبل نحو أربعة عقود كانت هذه المنطقة مجرّدَ خلاءٍ تتناثر فيه أشجار النخل وغيرها من الأشجار المثمرة كالبرتقال والتين والأكيدنيا والزيتون، علاوة على الصبّار والموز. إنّ الحديقة الرائعة، المسماة " جنائن الحارثي "، الممتدة على طرف الساحة، ربما كانت جزءاً من ذلك الخلاء. أما الحديقة المنمنمة، المُرَصِّعة وسط الساحة، فنحن نعرف انها ضمَّت آنذاك بناءً واحداً مسكوناً، حَسْب؛ وكان عبارة عن فيلا على الطراز الأندلسي. هذا البناء، تمّت ازالته ببساطة من جانب من تعهّدوا مشروع اعمار المكان. ولكنّ أصحاب الفيلا الأصليين ( كانا شقيقين من يهود المدينة )، تبيّن لاحقاً أنهم يحوزون أوراقاً تثبت ملكيتهم أيضاً لكلّ أرض الخلاء الشاسعة. اعتباراً من هذه الحقيقة، تبدأ حكايتنا.
في الظاهر، كان " سي محمد " يقوم بمهمّة حراسة الفيلا، حيث أسْكِنَ في كوخ صغير يقع على مقربة منها. إلا أن هذا الخفير، في واقع الحال، كان يقوم فضلاً عن الحراسة بواجبات اضافية ـ كخادم وطبّاخ وسائق وجنائني. لقد أجادَ، في المحصّلة، كل تلك الأعمال. كذلك، وهذا هو الأهم، حاز تماماً على ثقة المخدومين. إنّ حيويته ونشاطه، قد تعزيان إلى كونه شاباً في أواخر العشرينات من عمره. فلو حُسِبَتْ أيضاً أمانته وإخلاصه، المشهودان، لكان علينا أن نعزو مجمل مسلكه لخلقه القويم. فهوَ لم يتعاطَ أبداً الكيفَ أو الخمرة، بل ولم يكن مدخناً. لقد واظب على أداء فروض دينه الحنيف، جنباً لجنب مع خدمته المثابرة لسيديه اليهوديين. هذان السيدان، من ناحيتهما، لم يكونا على تماثل لجهة السلوك، بطبيعة الحال. غيرَ أنهما، لحسن حظ الخفير، ما كانا على خصلة الحرص والشحّ، التي يُوصَم بها عادةً أبناءُ ملتهما. ذات مرة، فاتحه أحدهما بموضوع الزواج مبدياً استعداده لمساعدته مادياً. فماذا كانت إجابة " سي محمد ". لقد اتسعت ابتسامته، حتى جعلت طرفي شاربه يستطيلان، قبل أن يهز رأسه ويجيب " أسيدي، أنت ربّ نعمتي وقدوتي أيضاً ". فُهِمَ من اشارة التابع، الذكية، أنه راض بعزوبيته كما هوَ حال من يخدمهما.
قبل أن تغدو المملكة أشبَه بالمحميّة الطبيعيّة، كان من المعتاد بالنسبة لخفيرنا مصادفة بعض الرجال وهم يحملون بنادق الصيد ( الجفت )، لملاحقة الطرائد في أطراف الخلاء. إلى أن وقع حادثٌ على جانب من الخطورة: أحدهم، أطلق النار على الفيلا عن بُعد. ولما تكرر الحادث، فإنّ الأمرَ أحيل للجانب السياسيّ. سُحُبُ حرب حزيران ( التي حققت فيها اسرائيل نصراً كبيراً على العرب )، كانت ما تفتأ متزاحمة في الأفق وتذكّر يهود البلد بأنهم لم يعودوا أولئك المواطنين المُرحب بوجودهم بين مسلميها. فما هيَ سوى أشهر قليلة، حتى كان صاحبا الفيلا في طريقهما بحراً إلى اسرائيل، محمّلين بعشرات الحقائب التي تحتوي على ميراث الأسلاف. وبقيَ " سي محمد " يتلقى أجره من مخدوميه السابقين، من خلال حوالات مالية بريدية. استمرّ الحالُ هكذا بضعة أعوام، إلى أن جاء اليوم الذي سلّمه فيه ساعي البريد انذاراً هذه المرة. فكان عليه أن يُخلي الكوخ خلال أسبوع واحد، وأن يسلّم مفاتيح الفيلا، وذلك بحسَب مذكرة قضائية مبهمة. طوال العقدين التاليين، كان الخفير السابق يتنقل مسكنه في عدد من النزل ( الرياضات )، وفقاً لاستمرار عمله فيها.
كان قد مضى وقت مديد، مذ المرة الأخيرة التي غشى فيها الخلاء. إذاك، نظر بحُزن إلى مكان الفيلا والكوخ، المُسوّى بالأرض. لقد علِمَ " سي محمد " قبلاً أن المتعهدين قد اشتروا الأرض من الدولة، بعدما سبق أن توفيَ أصحابها دونما أن يخلفوا ذرية. بيْدَ أنّ العليم بالغيب، كان يُدرك أنّ رسالة من محامي السيدين اليهوديين، الراحلين، ستصل قريباً إلى المسئولين المعنيين في المدينة. فعندما أزف الوقت، ووصلت الرسالة، فلم يلبث الخفير السابق أن استدعيَ إلى المحكمة الجهوية، المختصة. ثمّة، أبلغ بكونه الوارث الوحيد لأرض الخلاء، بعدما كتبَ أصحابها كلّ شيء باسمه. في البدء، لم يفهم " سي محمد " معنى الوصية؛ طالما أنه كان يعتقد بأنّ الأرض قد آلت إلى الدولة، والتي باعتها بدَورها إلى شركة تعهدات. ولكن ذلك الشخص المسن، الأنيق المظهر، الذي عينته المحكمة محامياً للوارث، تعهّد خارجاً ايضاحَ ملابسات القضية. ثمّ تكرّم المحامي، فوق ذلك، بأن أوصل الرجل الحائر إلى الرياض الذي يعمل فيه والكائن في المدينة القديمة. إنه الرياض نفسه، العائد ملكيته اليوم للرجل الثري، " سي محمد "، من جملة ما يملكه من نزل وعمارات وفيلات.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خفير الخلاء