|
عن نلسون مانديلا – من سجن جزيرة روبين
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 21:03
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الخميس 5 ديسمبر 2013، يرحل نلسون مانديلا في سنته الخامسة و التسعين بجسد أنهكته مضاعفات التهاب الرئة. يفقد العالم رجلا ً كان وجوده تأكيدا ً أن الإنسانية حيَّة قوية فعالة مُتجذرة بقوة في جنسنا البشري و أن الظلم و الغضب والكراهية لا يمكنها يوما ً أن تكون عنوان جنسنا، و أن هذه الممارسات هي بقايا حيوانية يمكننا أن نتغلب عليها و قد تغلبنا بالفعل و سنظل نتغلب طالما أننا نُدرك هذه الإنسانية فينا و نمتلك العزم على السير في ضوئها مهما كانت الظروف.
لا أريد أن أروي تاريخ مانديلا السياسي، فشبكة الإنترنت مليئة لمن أراد البحث، لكني أريد أن أروي جزءا ً من معاناته، و أن آخذكم اليوم معه في رحلة، عل بعض الصور تتكلم خيرا ً من آلاف الكلمات، و عل َّ الحب و القوة و العدالة اللاتي عشن في هذا الرجل العظيم يجدن طريقا ً إلى قلوبنا.
قبل أن يصبح مانديلا أول زعيم أسود لجنوب إفريقيا، و أول زعيم يتنازل عن الحكم بعد نهاية أول دورة، و أول زعيم يعقد مصالحة ً لا تسيل فيها نقطة دم ٍ واحدة، و أول زعيم ٍ يحبه أبناء وطنه بجنون، و يقف له أعداؤه احتراما ً، و أول زعيم ٍ يعين نائبا ً له عدوه الأول، كان هذا الرجل سجينا ً لمدة 29 عام، لم يفقد فيها إنسانيته و لم يبني سدا ً من الكراهية و لم يتخلى عن عزمه و إرادته و حلمه في الحياة الأفضل ليس لنفسه لكن لشعبه.
29 عاما ً في السجن، قضى منها 18 عاما ً في جزيرة روبين، في زنزانة ٍ صغيرة قياسها متران و أربعون سنتيا ً في مترين و عشر سنتيات، أصغر من حمام ٍ في بيت ٍ، في هذه الزنزانة مقعد خشبي و حصيرة من القش و دلو ٌ ليقضي فيه حاجته بعد انتهاء موعد العمل في المحجر. زنزانة لا تليق بحيوان حبسوا فيها عملاقا ً كمنديلا فبقيت شاهدة ً على عارهم يصورها كل ُّ من يزور الجزيرة. استطعتُ تصويرها بمشقة ٍ بين الجموع، حتى أنني اضطررت ُ لتصويرها صورة ً عن انعكاس صورتها في iPAD إحدى السيدات: http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238496273/ http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238409255/in/photostream/
لم يستطع الظلم أن يقهر مانديلا، و كانت المعاملة العنصرية التي يتلقاها دافعا ً له كيف يؤمن بالحرية و العدالة أكثر فأكثر، تلك العدالة التي كانت تغيب عن السجن حتى في وجبات الطعام، فالأسود يتلقى حصةَ طعام أقل من الأبيض، مع وجود أنواع ٍ لا يُسمح له بتناولها، تلك القصة التي رواها لنا أحد السجناء السابقين على الجزيرة و الذي يعمل الآن فيها بعد أن تم تحريره بوظيفة دليل سياحي، يرفع أمامنا لوحة ً توضح في شقيها الطعام الخاص بالسجين الأبيض يقابله ذاك الطعام الخاص بالأسود شاهدا ً أخر على عار الإنسانية و عار الظلم. لا أعتقد أنني أستطيع أن أصف ذلك الألم الذي ضربني و أنا أستمع له، ظللت ُ أردد في نفسي مرارا ً: معقول أننا حيوانات إلى هذا الحد؟
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238409784/in/photostream/
18 عاما ً من الظلم الذي حمله مانديلا في زنزانته عنصرية ً في القول و الفعل و الطعام، لكنه لم يفقد إيمانه يوما ً، كان المبنى الصغير الذي يرتفع عليه صليب ٌ أقرب شئ ٍ لكنيسة ٍ سمحت سلطات نظام الأبرتهيد العنصري لمنديلا أن يستخدمه للصلاة يوما ً واحدا ً في الأسبوع.
18 عاما ً و هو يثق بالله و يصلي، و يرفع قلبه إلى سيد السلام و الحرية و العدالة حتى إذ ما خرج صنع كما سكب ذاك الصالح في قلبه، فأعطى سلاما ً للعالم، من سلام ٍ عرفه في أحلك ساعات الظلم و العنصرية. كنيسة مانديلا الصغيرة تقف رمزا ً للثقة و الرجاء و الأمل حتى في قلب الشر نفسه:
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238400274/in/photostream/
أما في النهار و في باقي أيام الأسبوع حيث كان يُجبر على الأشغال الشاقة في المحجر مع رفاقه، و حينما كانوا يتعبون، يسمح لهم السجانون أن يرتاحوا قليلا ً في كهف ٍ صغير داخل المحجر، و هو نفس الكهف الذي كانوا يُجبرون على التبول بداخله حينما يُضطرون، هذا الكهف الذي وصفه لنا الدليل السياحي قائلا ً بكل اعتزاز و كبرياء: سيداتي سادتي هذا الكهف هو أول برلمان ٍ لدولة جنوب إفريقيا، هنا قد صاغ مانديلا و زملاؤه الدستور.
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238527093/in/photostream/ http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238549593/in/photostream/ http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238577743/in/photostream/
مُخطئ ٌ من ظن أن إذلال الناس وقهرهم يكسرهم مخطئ ٌ من ظن أن استعباد الشعوب يُلغي هويتها مخطئ ٌ من ظن أن استمرار الظلم يقتل العدالة و يمنع تحقيقها
رجال ٌ كمانديلا لا يموتون، يحيون للأبد في القلوب و العقول و التاريخ!
سلام ٌ لروحك سيدي!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشتار – 3 - القَيُّومة
-
متى يذوب ذاك الثلج في بركاني
-
عشتار – 2 – ثتنائية جوهر الألوهة
-
عشتار – 1 - الله و الشيطان.
-
قراءة من سفر الحب الإلهي– تأمل صباحي
-
اللذة - إنسانيتنا عندما تغتالها الآلة التسويقية.
-
هلوسات ما قبل النوم – من أصبحنا؟
-
قراءة من سفر التطور – من الكرومانيون حتى اليوم.
-
قراءة من سفر هوشع – تأمل قصير
-
سيداو في العقل العربي الذكوري – عيون ٌ على الأفخاذ و ما بين
...
-
من سفر الإنسان - المرأة
-
عن الدكتور حسن و الدكتور سامي – ثروة العقول العربية
-
من سفر الإنسان – ما هو الحق؟
-
من سفر الإنسان - عشتروت
-
من سفر الإنسان – الإنسان
-
إشكالية العقلية العربية – السواقة، مساء الخير و عليكم السلام
...
-
وجبة سريعة من سفر التطور - إنتصاب القامة و الذكر الأضعف
-
نظرة ثائر – المرأة في قلب المسيح ضرب ٌ لمأسسة الدين و ستار ا
...
-
أصل مشكلة حركات الإسلام السياسي – الصحراء، شظف العيش و القبي
...
-
الله في وسط الصمت
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا
...
-
الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح
...
-
تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه
...
-
الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
-
حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
-
استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا
...
-
الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ
...
-
بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
-
صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
-
انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|