الانسلاخ والانسلاخ من الانسلاخ

عمر الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 00:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

وأنت صغير في مجتمع شرق اوسطي تتردد الى مسامعك كلمات تشعر بالفضول لمعرفة معناها...فتسأل الاقربين والمفترض انهم سيجيبونك بصدق لأنهم يعلمونك المعاني الاولى في الحياة..تكبر شيئا فشيئا ،، تذهب للمدرسة تقطع المراحل لتصل لغاية الرابع الابتدائي فتسأل عن معنى السياسة !!..وبدل الجواب تنال صفعة!!..ثم ربت على الكتف وقبلة !!..ونصيحة لساعة لكي لا تكرر هذه الكلمة مجددا وان لا ترافق وتصاحب من يتكلم أو ينطق هذه الكلمة!!!..بعد ايام تسأل عن معنى (المقاومة ...البيشمركة...المعارضة) وتنال صفعة اقوى !!!..ثم ربت على الكتف وقبلات من الاب والام وكم فلس لشراء حلويات..!!..ونصيحة طويلة عريضة لساعات بعدم تكرار لفظها ثانية وعدم مصاحبة ومرافقة من ينطقها مع درس اضافي من الاب والام وبث وتسجيل اجوبة حاضرة في داخلك لاسئلة مفترضة قد يسألها منك احدهم...اذا قالوا لك ماذا يقول بابا في البيت؟!!..قل انه يقول ...عاش القائد!!! عاشت الثورة!!!..ما هذا ؟!!..انها كلمات جديدة تحتاج تعريفا بالمعنى!!؟..ولكن لا تتجاسر ولا تسأل فقد تكون الصفعة الثالثة في طريقها اليك!!!..الصفعة الثالثة ليست بعيدة ولن تكون الاخيرة...بابا كان يشاهد التلفاز ورأيته يسب ويشتم القائد!!!...فلأسأل ...من يكون هذا المسمى قائد؟!!..اسأل المعلم هذا افضل...أستاذ ماذا تعني القائد؟!..وصفعات تلو صفعات ومن دون تطييب للخاطر...اكملنا الابتدائية ...المتوسطة هي مرحلة انكشاف زيف معاني الكلمات الممنوعة!!...ثم الاعدادية...وفيها تنكشف اسرار اسباب كذب الجميع عليك!!!...كانوا يكذبون عليك من اجل سلامتك!!..نصائح جديدة في طريقها اليك لقتل كل عزيمة أو رغبة فيك للمساهمة في تغيير ما...ابني نحن اناس على قدر حالنا...ارجوك ابني تذكر امك واخواتك وتذكر تعبي وكفاحي في الحياة من اجل ان تصل الى مبتغاك!!!..ابني لا تصاحب من يتكلمون في السياسة أو يعارضون أو يقفون ولو همسا ضد الحكومة!!!..كل ما عليك فعله هو ان تسعى لتغيير حالك انت ...انجح واحصل شهادة جيدة ومهنة جيدة أو وظيفة محترمة ثم تزوج من تحب ...فتاة جميلة من عائلة محترمة..ثم اسع للحصول على بيت وسيارة ..حافظ على دينك وايمانك...وادعوا لوالديك!!..وماذا بعد يا بابا؟!!..هل اشيخ بعدها وانتظر الموت وأنا كهل لايزال يخشى الكلام في السياسة؟!!..هل هذه هي كل الحياة؟!!..ماذا عن الاخرين؟!!..ابني يبدو انك تصاحب اصدقاء سؤ...لا تصاحب من يجاهر بالدفاع عن الفقراء والمظلومين والمستضعفين..هؤلاء اما شيوعيين أو اصوليين متطرفين!!!..لا تنصت لمن يحي وينادي بالافكار القومية ويمجد البيشمركة والمقاومة أو يتكلم عن الحركات التحررية!!!..ما توكل خبز!!!..الاهل اختزلوا الحياة في خبز وزوجة ولهذا امتد حكم الطواغيت لعقود..الاباء كانوا جبناء ولهذا دفعوا مع ابنائهم واحفادهم الثمن غاليا..من شذ عن القاعدة هو من عاق والديه وضرب كلامهم عرض الحائط!!!..منهم من بكى الوالدين على جثته بعبارات ...الم اقل لك يا بني بأننا لسنا بقدر هؤلاء قوة..ومنهم من قتل في الجبال كموت الاسود والصقور فوق الصخور الصلبة والصلدة ولم يظفر ولم يحظ حتى بقبر...ومنهم من بقي من بعد ثورة على الاب وعلى القبيلة وعلى المجتمع وعلى الحكم وعلى السلطان ويجلس في ساعات الليل الاخيرة ليتأمل في اسباب الكذب والوان الكذب والهراء والترهات التي ظل يسمعها منذ نعومة اظفاره وحتى رؤيته وملامسته لنعومة اظافر حفيده!!!ولهذا يبدأ بالتشكك في صدق مبررات وفي نصائح السلاطين الجدد وبخاصة انه يرى منهم انهم مثل ابيه يختزل الحياة في خبز وزوجة!!..الافكار التقليدية المتأطرة بأطر كاذبة لا تصنع الحاضر ولا تنتج مستقبلا وانما هي جرعات تخدير على مرض قائم بشدة في مجتمع منسلخ عن واقع العالم ...في مجتمع يعاني فيه الفرد من عدم القدرة على الانسلاخ من الانسلاخ..في مجتمع من هذا القبيل هناك اصفاد فوق اصفاد تقيد يديك ورجليك وعقلك..في مثل هكذا مجتمع يظل الانسان حاملا عدة شخصيات داخل شخصيته الحقيقية المفقودة والمفتقدة لأن النشأة الغير الطبيعية تنتج عدة شخصيات داخل الشخصية الواحدة وتؤدي به احيانا لكي ينسى الى الابد ذاته الحقيقية وكل هذا سببه الاستبداد السياسي ..ففي الوقت الذي ينشأ فيه ابن السلطان واطفال بطانة السلطان في المدارس الاوربية نشأة طبيعية ننشأ نحن نشأة غير طبيعية...في الأمر خلل ما وهذا الخلل سببه السلطان الوقح القبيح ،، المستبد الفاجر وما خوف الاباء على الابناء الا خوف ممتد ومستمد من فضاعات اعمال وجرائم السلطان هذا فهو الذي جعلك تنشأ منسلخا عن الطبيعة وهو الذي يمنعك من الانسلاخ من هذا الانسلاخ...وما عليك سوى ان تعمل من اجل الانسلاخ من الانسلاخ.

#عمر_الداوودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات