أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - الثورة الروسية: - التوجه البلشفي: تحليل نقدي















المزيد.....



الثورة الروسية: - التوجه البلشفي: تحليل نقدي


إرنست ماندل

الحوار المتمدن-العدد: 5325 - 2016 / 10 / 26 - 00:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أكتوبر1917 ، انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية: الفصل الخامس - التوجه البلشفي: تحليل نقدي

كان ثورة أوكتوبر، في الجانب الأساسي منها، ناتج التناقضات الاجتماعية الموضوعية التي اكتسبت دينامية متفجرة لا يمكن كبحها، وتطور موازين القوى بين الطبقات والشرائح الاجتماعية العاملة في هذا الإطار. لقد نتجت أيضاً من نشاط الحزب البلشفي لحل عُقد التناقضات هذه بما يؤمِّن مصلحة الجماهير الكادحة والبروليتاريا العالمية.

بعد أن قلنا هذا، وعلى ضوء التطور اللاحق لروسيا السوفييتات وللاتحاد السوفييتي، يجب أن نتساءل إذا لم تكن بعض السياسات التي مارسها الحزب البلشفي بعد الاستيلاء على السلطة، شجعت سيرورة الانحطاط البيروقراطي في أول دولة عمالية.

لا شك أن هذا الانحطاط البيروقراطي، في الأعوام ما بين 1920 و1930، لم يطلقه توجه هذا الحزب، أو يتسبب به بشكل أساسي. هو أيضاً يمد جذوره في التناقضات الموضوعية للمجتمع السوفييتي والوضع العالمي اللذين كانا سائدين في ذلك الحين. ومع ذلك، فالقرارات الخاصة بالحزب البلشفي والمواقف الملموسة لهذا الحزب –أو لشتى مكوِّنات قيادته- في فترات محددة، وبخصوص مشكلات محددة، كان لها هي أيضا تأثيرها على سيرورة تبقرط النظام. ينبغي أن نحاول إذاً أن نفهم ما هي الأخطاء التي أمكن اقترافها.

حظر الأحزاب السوفييتية

كان الأخطر بين تلك الأخطاء هو حظر الأحزاب السوفييتية في الوقت نفسه الذي كانت السلطة الثورية قد كسبت فيه نهائياً الحرب الأهلية لأعوام 1918-1920. ومع أن تروتسكي كان قليل الاندفاع إلى النقد الذاتي بخصوص قرارات القيادة والحكومة التي كان العضو الأكثر نفوذاً فيها بعد لينين، فلقد صاغ في هذا الصدد حكمين صريحين.

كتب عام 1936 أن:

"حظر أحزاب المعارضة أدى إلى حظر التكتلات [داخل الحزب البلشفي]، وأدى حظر التكتلات إلى حظر التفكير بشكل مغاير لتفكير الزعيم المعصوم عن الخطأ. وكانت نتيجة تراصية الحزب البوليسية الإفلات البيروقراطي من العقاب، الذي بات بدوره سبباً لكل أنواع الإحباط والفساد" (1).

وبعد عامين، وفي البرنامج الانتقالي، الذي كتبه عام 1938 لكونفراس تأسيس الأممية الرابعة، أيّد بصراحة التعددية الحزبية:

"لا يمكن تصور دمقرطة السوفييتات من دون إضفاء الشرعية على الأحزاب السوفييتية. إن العمال والفلاحين، هم بالذات، سوف يبيّنون باقتراعهم الحر أي أحزاب يعتبرونها سوفييتية"(2).

ولا جدال في أن العمال كانوا يعتبرون المناشفة، عام 1920، حزباً سوفييتياً، لأن هؤلاء حصلوا على عدد مهم من النواب، لاسيما في شاركوف وموسكو. والملاحظة ذاتها تنطبق من جهة أخرى على الفوضويين.

إن حظر الأحزاب السوفييتية، وحظر التكتلات داخل الحزب الحاكم، الذي تلاه بشكل منطقي (كل تكتل هو في الواقع حزب آخر في حالة الكمون)، كانا متصورين بلا شك كتدبيرين مؤقتين، مرتبطين بظروف خاصة، وكانا سيًلغَيان إذاً حين يتحسن الوضع الموضوعي. وينبغي بالطبع أن نتساءل ماذا كانت النتائج المحددة لهذه القرارات المحددة التي اتخذت في فترة محددة.

لكن علينا أن نثير سؤالا آخر، متميزاً بوضوح، وذا مغزى أعم: ما كانت نتائج النظريات التي جرى تقديمها لتبرير أعمال حظر كهذه، وإن تكن ظرفية؟ نقدِّر أن التبريرات النظرية تسببت، على المدى الأطول، بأضرار أكثر بكثير من التدابير بحد ذاته، وأنها لا تزال تسبب أضراراً إلى اليوم.

الخطر الاستبدالي

إن حظر الأحزاب السوفييتية يقوم على تصور استبدالي لبناء الاشتراكية-وللسياسة الاشتراكية/الشيوعية عموماً. علماً أنه تصور ندَّد به تروتسكي دائماً بقوة (إلا خلال "السنوات السوداء" 1920-1921)، وأن لينين كافحه هو الآخر خلال قسم كبير من حياته.

بحسب هذا التصور، تكون البروليتاريا في غالبيتها ضئيلة الوعي، بحيث لا تستطيع حكم البلد (إن الاشتراكيين-الديمقراطيين من الرأي عينه ويضيفون حتى: بحيث لا تستطيع قيادة نقابة). وفي ما بعد، جرى إدخال حجة جديدة: حجة انحطاطها الطبقي وفسادها (بما في ذلك بواسطة الأرباح المفرطة الكولونيالية).

إن نقطة الانطلاق هذه سرعان ما تقود إلى الاستنتاج القائل إن الحزب يجب أن يحكم بالنيابة عن الطبقة العاملة الموجودة بالفعل. وجهاز الحزب، لا بل قيادته، لا بل "قائده المعصوم عن الخطأ"، هم عندئذ الأدوات الحاسمة لتغيير المجتمع. لقد عبر ستالين عن المضمون الفعلي للاستبدالية في صيغة لا تحتمل أي التباس: "الكوادر يقررون كل شيء".

إن المذهب الاستبدالي المتعلق بالحزب يغذي تصوراً عمودياً، ودولانياً، وأبوياً وتسلطياً للسلطة، حتى حين يتم تحاشى أسوأ تجاوزات الستالينية وجرائمها. يمكن بالتأكيد أن يحاط بعدد مهم من البنود التقليدية: الحزب (قيادة الحزب) يحكم بالنيابة عن الطبقة العاملة لكنه يعتمد عليها، يعبئها، يسجل ردود فعلها، يصحح أخطاءه الخاصة على ضوء الممارسة، الخ.

لكن كل ذلك لا يعدّل في شيء الموقف الأساسي. فليست الطبقة العاملة هي التي تحكم، وتتخذ القرارات ديمقراطياً. إن أقلية صغيرة تقود مكانها.

ضمن هذه الشروط، تكون السوفييتات قد فرغت على القال من مكوّن حيوي لمضمونها. يمكنها، عند الاقتضاء، أن تلعب دور أداة قتال فعالة ضد العدو الطبقي، لكنها لن تعد تؤمّن الممارسة المباشرة للسلطة بواسطة البروليتاريا و(أو) الجماهير الكادحة في مجملها.

من دون تعددية حزبية، في الواقع، لا يمكن السوفييتات أن تعرف ديمقراطية حقيقة. لا يمكنها في الواقع أن تختار بالفعل بين بدائل متنوعة على صعيد السياسة الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الخ.

بمقدار ما يتخذ إلغاء الديمقراطية السوفييتية وجهاً قمعياً، لم يعد ذلك القمع يستهدف فقط البرجوازية الكبيرة، والمتوسطة والصغيرة. إنه يصيب أيضاً الطبقة العاملة. يمكن التأكيد حتى أنه بقدر ما تكون البروليتاريا كبيرة العدد، ومهينة من وجهة النظر الاجتماعية، بمقدار ما تكون هي المستهدفة في الواقع.

التحرر الذاتي

إن تصوراً كهذا، توجُّهاً سياسيا كهذا، يتعارضان مع ما كانه إسهام ماركس الرئيسي في النظرية الاشتراكية (بما فه نظرية التنظيم الثوري): فكرة التحرر الذاتي والتنظيم الذاتي المتنامي للبروليتاريا. سوف يكون تحرر الشغيلة ناتج عمل الشغيلة أنفسهم، لا عمل النقابات أو الأحزاب، أو الحكومات آو الدول. فهذه الأخيرة أدوات لا غنى عنها في هذه العملية التاريخية، لكنها لا يمكن أبداً أن تحل محل النشاط الخاص بذوي الأجر والشرائح الأخرى المستغَلة أو المضطهَدة. لا يمكن تجاهل الدور التحرري الأساسي لهذا النشاط الذاتي.

إنه من قبيل تجاهل الدور المحرك للمصالح المادية والاجتماعية في التاريخ، أن يتم افتراض أن الإيديولوجية الاستبدالية خلقت تنّين البقرطة. إن وجود البيروقراطية العمالية بالأحرى هو الذي أنتج الإيديولوجية الاستبدالية. لكن ما أن ولدت هذه الإيديولوجية، حتى شجعت بدورها عملية التبقرط الموضوعية.

موقف روزا لوكسمبورغ

هذا ما كانت قد فهمته روزا لوكسمبورغ حين حذرت القادة البلاشفة من الخطر، في تعليقاتها الأولى على الثورة الروسية: "لكن إذ يتم خنق السياسية في كل البلد، من المحتم أن تنشلّ الحياة أكثر فأكثر في السوفييتات بالذات. فمن دون انتخابات عامة، ومن دون حرية غير محدودة للصحافة والاجتماع، من دون صراع حر بين الآراء تموت الحياة في كل المؤسسات السياسية، تصبح حياة ظاهرية، حيث البيروقراطية تكون العنصر الوحيد الذي يبقى نشطاً"(3).

إن هذا الاستشهاد من لوكسمبورغ لا يصف بشكل صحيح حال الحياة العامة في روسيا عام 1918. فلقد كان ثمة آنذاك تنوع وصراع أفكار سياسية بالغ الحيوية، مع نشاط شرعي أو شبه شرعي للمنظمات العديدة. لقد كتبت روزا كراستها في الجن، ولم تكن تمتلك معلومات كافية.

لكنها تقدم هنا تشخيصا نقديا ملفتاً للنظر ونبوياً لاتجاهات النمو على مدى أبعد، لاسيما انطلاقاً من 1920-1921. وكونها صاغته منذ صيف 1918- "تكون البيروقراطية العنصر الوحيد الذي يبقى نشِطاً"- يدل على بعد نظر وقدرة على التحليل النظري فائقين.

ونحن نقدّر أن روزا كانت محقة أيضاً حين كتبت أن:

"الخطأ الأساسي لنظرية لينين-تروتسكي هو أنهما، على غرار كاوتسكي، يعارضان الديمقراطية بالدكتاتورية [...] فكاوتسكي يتخذ قراره لصالح الديمقراطية، بالطبع، ولصالح الديمقراطية البرجوازية [...]. وعلى العكس، اتخذ لينين وتروتسكي قرارها لصالح الديكتاتورية [البروليتارية] [...]. إنها رسالة البروليتاريا التاريخية، حين تصل إلى السلطة، أن تخلق في مكان الديمقراطية البرجوازية ديمقراطية اشتراكية، لا أن تدمر أي ديمقراطية. والحال أن الديمقراطية الاشتراكية لا تبدأ فقط في الأرض الموعودة، في حين تكون خُلقت البنية التحتية للاقتصاد الاشتراكي، بمثابة هدية ميلاد للشعب الطيب الذي يكون في غضون ذلك قد ساند بإخلاص حفنة الديكتاتوريات الاشتراكيين. إن الديمقراطية تبدأ في الوقت نفسه الذي يبدأ فعل تدمير السيطرة الطبقية [البرجوازية] وبناء الاشتراكية. تبدأ مع لحظة استيلاء الحزب الاشتراكي على السلطة. ليست شيئاً غير ديكتاتورية البروليتاريا.

"أجل، اجل: ديكتاتورية! لكن هذه الديكتاتورية تكمن في طريقة تطبيق الديمقراطية، لا في إلغائها، في مصادرات وطيدة وحازمة للحقوق المكتسبة والشروط الاقتصادية للمجتمع البرجوازي، التي لا يمكن أن يتحقق من دونها التغيير الاشتراكي. لكن هذه الديكتاتورية يجب أن تكون عمل الطبقة لا أقلية صغيرة من القادة باسم الطبقة: بمعنى آخر، ينبغي أن تأتي، تدريجياً، من مشاركة الجماهير النشطة، أن تبقى تحت تأثيرها المباشر، أن تخضع لرقابة الجمهور بكامله، أن تكون نتاجاً للتربية السياسية المتزايدة للجماهير الشعبية" (4).

إلا أن روزا لوكسمبورغ أقل بُعد نظر بكثير حين تنتقد، في الكراسة نفسها، توجهات الحزب البلشفي وسلطة السوفييتات بخصوص مسألة القوميات والمسألة الفلاحية. فهي تتبنى بصددها مواقف دوغمائية لا تأخذ بالحسبان الضرورات السياسية، ولا الضرورات الاقتصادية، سواء منها المباشرة أو التاريخية (بخصوص فترة الانتقال). هي تنتقد الشعرات المركزية لحق تقرير المصير ولتوزيع الأراضي على الذين يشتغلونها، في الإصلاح الزراعي، على أساس أنها "برجوازية صغيرة" وانتهازية.

ومع ذلك، لو أن البلاشفة عارضوا الرغبة في تقرير المصير لدى الشعوب المدموجة قسراً في الإمبراطورية القيصرية، لو كانوا قد عارضوا التعطش إلى الأرض لدى الغالبية العظمى من الفلاحين، لكانوا خسروا السلطة حتماً. إن ما حدث في الاتحاد السوفييتي بعد عام 1928، وما يحدث حالياً، يثبت ذلك بشكل مأساوي.

ففي الواقع، إذا كانت القيادة البلشفية والكوادر البلشفيين قد أخطأوا في هذا المجال –لينين وتروتسكي أقل من الآخرين بكثير- فلقد كان ذلك بنتيجة عصبوية يسارية لا انتهازية مفرطة. ويمكن فضلاً عن ذلك أن نرد ضد روزا، بخصوص هذه المسائل، حجة "التوازي" مع استدلال كاوتسكي. ذلك أن كاوتسكي هو الآخر يتهم لينين وتروتسكي بالانتهازية حيال الفلاحين.

التحالف العمالي والفلاحي وشيوعية الحرب

يصعب أن نحكم إلى أي حد كانت سياسية مصادرة القمح على يد السلطة السوفييتية المحاصرة، المسماة سياسة "شيوعية الحرب"، أمراً لا بد منه، إلى هذا الحد أو ذاك على الأقل، في الأعوام 1918-1920. لكنه من المؤكد أن تلك السياسة كانت تهدد أكثر فأكثر بضرب التحالف العمالي-الفلاحي، وهو قاعدة السلطة السوفييتية بالذات (5).

وليس أقل تأكيداً أن تلك السياسية كانت تفضي إلى تراجع أكثر فأكثر حدة على صعيد قوى الإنتاج، وقبل كل شيء إنتاج المواد الغذائية، وهو تراجع كان يهدد كامل الاقتصاد الروسي بالانهيار.

كان الإنتاج الزراعي، الحبوبي بشكل أساسي، قد تراجع بنسبة 30% تقريباً، وقطيع الخيل بنسبة 25%، والقطيع البقري بنسبة 20%، وقطيع الخنازير بنسبة 28%، والإنتاج الصناعي بنسبة 60% تقريباً. ونتيجة مبادلة الكمية نفسها من القمح، لم يعد الفلاح يحصل على أكثر من 5% من المنتجات الصناعية التي كان قد تلقاها في 1917-1918. من هنا رفض بيع القمح مقابل المال الذي لا قيمة له عمليا. ومن هنا الاضطرار إلى مصادرة القمح.

لكن من هنا أيضاً حصول سقوط مطلق لإنتاج القمح لا تراجع بسيط للفلاحين نحو اقتصاد البقاء. وإذا كان إنتاج القمح قد انخفض، كان هناك، على المدى الطويل، قدر متناقص من الأشياء الممكن مصادرتها.

ترتّب على ذلك اتجاه معمم إلى المضاربة والسوق السوداء، جاء بوجه خاص لغير مصلحة الشرائح الأشد فقراً.

كان تروتسكي، قائد الجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية، على رأس جيش مؤلف من ملايين الفلاحين، في الجانب الأساسي منه، وكان يسافر باستمرار عبر البلد الشاسع بمجمله. وبسبب ذلك، أدرك أفضل من لينين وقادة الحزب الآخرين اهتمامات الفلاحين المباشرة. كان قد اقترح إذاً قبل لينين بسنة، التخلي عن "شيوعية الحرب" لصالح التبني المبكر لسياسة أكثر مرانة، هي "النيب" ("السياسة الاقتصادية الجديدة"). ولقد اصطدم آنذاك بمقاومة لينين وغالبية القيادة (6).

إننا نؤيد في هذا الصدد حكم المؤرخ السوفييتي روي ميدفيديف الذي رأى أن محاولة متابعة سياسة مصادرة القمح، بعد نهاية الحرب الأهلية، تسببت بأزمة 1921 الاجتماعية، بما في ذلك انتفاضة كرونشطاط. لقد كان ذلك خطأ خطيراً، كلَّف غالياً (7).

فضلاً عن ذلك، كانت البروليتاريا قد ضعفت، في ظلّ "شيوعية الحرب"، ليس فقط عددياً بل كذلك مادياً ومعنوياً. ففي عام 1921، لم يكن المنتج الصناعي ليستهلك خلال الإنتاج إلا 30% من الطاقة التي كان قد استهلكها في 1913-1914، وأقل من نصف ما استهلكه في 1916-1917. وقد أدى ذلك إلى هبوط جذري في إنتاجية العمل.

لقد أضفى البعض طابعاً مثالياً على سياسية "شيوعية الحرب"، عبر التشديد على الانتقال إلى أشكال إنتاج وتوزيع "شيوعية مباشرة"، إن كريتسمان، الذي نستعير منه المعطيات الإحصائية التي أوردناها، قبل قليل، يتكلم في هذا المجال على "سنوات بطولية للثورة الروسية الكبرى" (7). وكثيرون بين القادة البلاشفة من حذوا حذو البعض جزئياً.

فهؤلاء الذين جعلوا من الضرورة قانوناً، حوّلوا اكراهات النقص [في المواد الغذائية] والتقنيين إلى نظريات. وأضفوا طابعاً مثالياً على العودة إلى الاقتصاد "الطبيعي" (لمزيد من الدقة اقتصاد ثلاثي: اقتصاد معاش، واقتصاد مقايضة، واقتصاد نقدي).

إن كل التراث الماركسي وكل عقل البروليتاريا السليم يقفان مع ذلك ضد "شيوعية البؤس" هذه، مهما تكن جذابة ومثيرة –بالنسبة للمستقبل!- "النماذج" المساواتية جداً التي تمت بلورتها وجرى تطبيقها آنذاك (8). إن هذا "النموذج" لم يطلق دينامية قادرة على إخراج البلد من المجاعة المتنامية. ولقد تسبب ببلبلة في النفوس تمكّن ستالين في 1928-1934 من استعادتها بصورة تهكمية والضرب على أوتارها.

مسألة مفاوضات السلام

إن الحرب الأهلية وحرب التدخل من جانب الدول الامبريالية ضد روسيا السوفييتات، وبوجه خاص من جانب الامبريالية الألمانية، تفسران جزئياً أصول "شيوعية الحرب" وانحرافتها.

لكننا نقع هنا على خطأ مهم آخر اقترفته، خلال مفاوضات برسيت-ليتوفسك، غالبية القادة والكادرات البلشفية، باستثناء لينين الذي بلغ آنذاك قمة بعد نظره السياسي، ونحن نقصد التأخر في عقد الصلح المنفصل مع الإمبراطوريات المركزية. فلقد كان هنالك فرق أساسي بين شروط الصلح التي عرضتها تلك الإمبراطوريات خلال المرحلة الأولى من مفاوضات بريست-ليتوسفك، التي افتتحت في كانون الأول/ديسمبر 1917، والشروط المنتزعة بعد وقف السوفييتات لتلك المفاوضات واستئناف الجيش الألماني تقدمه.

فالشروط الأولى كان يقبل بها قسم مهم من الرأي العام العمالي والمديني البرجوازي الصغير. أما الثانية فجرى الإحساس بها، بشكل واسع، كإذلال قومي وخيانة لمصالح بروليتاريا الاتحاد السوفييتي والبروليتاريا العالمية. فضلا عن ذلك، كانت تستتبع إشراف ألمانيا الإمبراطورية على أوكرانيا وقمع الحركة الفلاحية الأوكرانية. ولقد كانت ردود الفعل عنيفة مذاك، وتسببت بضرب التحالف بين البلاشفة والاشتراكيين-الثوريين اليساريين، وحفزت الحرب الأهلية بشدة. لقد رفضت غالبية اللجنة المركزية والكوادر البلشفية التوقيع السريع لشروط الصلح الناجمة عن المرحلة الأولى من مفاوضات بريست ليتوفسك. ويمكنها أن تتذرع لصالحها –كما تروتسكي لصالح موقفه الوسيط "لا حرب ولا سلم"- بواقع أن موقفها كان يتطابق مع مشاعر غالبية سكان المدن. لكنه لم يكن يتطابق مع مشاعر غالبية الفلاحين، ناهيكم عن جنود جيش في حالة تفكك قصوى.

وبوجه خاص، لم يكن ذلك الموقف يفضي إلى أي بديل ملموس الإطاحة الفورية لحكم آل هوهنزولرن وآل هابسبورغ؟ من يمكن أن يضمن ذلك؟ التنظيم الفوري لـ"حرب ثورية"؟ وهل ذلك ممكن بواسطة جيش لا وجود له (9)؟

لقد كانت النتيجة الوحيدة لرفض التوقيع الفوري لشروط الصلح إتاحة الفرصة أمام الجيش الألماني ليحتل أراضي جديدة شاسعة، وبوجه خاص لينتزع من جمهورية السوفييتات أوكرانيا، وثرواتها الهائلة. كان لينين قد نبأ بذلك، يوماً بعد يوم. ونحن نرى مجدداً أن الثمن الذي اضطرت الثورة لدفعه كان باهظاً جداً، لقاء الخطأ المقترف.

الإرهاب الأحمر

إن مسألة الإرهاب –وخلق التشيكا، أو الشرطة السياسية السرية- وثيقا الارتباط بنتائج صلح بريست ليتوفسك. كلاهما عصيّ على التفسير إلا إذا سلط عليه ضوء تلك الأحداث.

إن مسألة الإرهاب –بغض النظر عن مسألة التجاوزات غير المقبولة التي رافقته- أقل وضوحاً مما يزعم البعض. ويكفي الرجوع إلى تجربة الحرب الأهلية الاسبانية لعام 1936 كي نلاحظ ذلك. ففي ذلك الحين، لم يكن الستاليون وحدهم من طبقوا تدابير إرهاب أحمر واسعة النطاق، بل كذلك الفوضويون والاشتراكيون-الديمقراطيون، سواء في اليمين، أو "الوسط"، أو اليسار، ناهيكم عن الكثير من المجموعات العمالية المستقلة وغير المنظمة. لم يكن لديهم خيار.

فحين تكون إزاء عدو عنيد، قاتل، يتولى التعذيب، ولا يتراجع أمام أي شيء، ويحوّل نساء المناضلين وأطفالهم إلى رهائن، ويطلق الرصاص بصورة جماعية على سجناء الحرب والخصوم السياسيين، عليك أن تتخذ بعض التدابير الثأرية للحد من الخسائر. إن العقل السليم هو الذي يأمر بذلك. فليكفّ القتلة قبل غيرهم، عن ارتكاب أعمال القتل، إذا كانوا يريدون تحاشى أن يدفعوا هم أنفسهم ثمناً مرتفعاً لقاء جرائمهم.

يجب أن نلاحظ من جهة أخرى أن لينين كان قد بذل جهوداً كبيرة للامتناع عن اللجوء إلى الإرهاب غداة ثورة أوكتوبر. أعلن بوجه خاص:

"يأخذون علينا أننا نبادر إلى القيام بتوقيفات. أجل، هذا أمر يحدث. فلقد أوقفنا اليوم مدير مصرف الدولة. يأخذون علينا ممارسة الإرهاب، لكنه ليس إرهاب الثوريين الفرنسيين الذين كانوا يقطعون بالمقصلة رؤوس أناس منزوعي السلاح، وآمل ألا نصل إلى هذا الحد. آمل ذلك لأننا أقوياء. حين كنا نقبض على أناس، كنا نقول لهم إننا سنطلق سراحهم إذا تعهدوا بعدم التخريب. وهي تعهدات يتم تقديمها"(10).

بيد أن الأمور اتخذت المنحى التالي: تصرف المناهضون للثورة بتهكم وانعدام ذمة كلي، على الرغم من شهامة البلاشفة بادئ ذي بدء. فالجنرالان كراسنوف وكاليدين وغيرهما، وتلامذة الضباط الذين تم إيقافهم خلال ثورة أوكتوبر، أطلق سراحهم مقابل الوعد بأن يمتنعوا عن أي عمل مناهض للحكم. ولقد حنثوا فوراً بالوعد المعطى، وحملوا السلاح وتسببوا بمقتل آلاف العمال.

لقد اقترف الشعب هذه الأخطاء مرة، مرتين، ثم رد بقساوة، فهل يجب أن يدهشنا ذلك؟

بين الأعمال المتهكمة بوجه خاص لـ"ضحايا الإرهاب" لاحقاً، يشير أ.ر. وليامز إلى استخدام البيض شاحنات للصليب الأحمر لاجتياز خطوط الجبهة وإيصال ذخائر إلى الجيوش البيضاء (11).

ويروي وليامز أيضا تجلياً مؤثراً لروح الشهامة لدى الثورة، خلال الاستيلاء على قصر الشتاء. كان تلامذة الضباط قد استسلموا. وكان الجمهور غاضباً، لاسيما بعد اكتشافه غرف التعذيب في أقبية القصر. صرخ أنطونوف-افسينكو، الذي كان يقود فصيل الحرس الحمر: "الأول بينكم الذي يؤذي أسيراً، سوف أطلق عليه الرصاص". وقد خلص إلى إقناع الحشد:

"أتعرفون إلى أين يقود هذا الجنون؟ حين تقتلون حارساً أبيض أسيرا، فأنتم تقتلون الثورة، لا الثورة المضادة. لقد أعطيت عشرين سنة من حياتي في المنفى وفي السجن لأجل هذه الثورة (...). إنها تعني شيئاً أفضل، تعني الحياة والحرية للجميع. انتم تعطون إذاً دمكم وحياتكم للثورة، لكن عليكم أن تعطوها أيضاً شيئاً آخر [...]: عقلكم وفطنتكم. عليكم أن تضعوا التزامكم لأجل الثورة فوق إرضاء أهوائكم. لقد تجرأتم فمضيتم بالثورة إلى النصر. والآن عليكم، باسم شرفكم، أن تعطوا البرهان على شهامتكم. انتم تحبون الثورة. والشيء الوحيد الذي أطلبه منكم هو ألا تقتلوا ما تحبون" (12).

لكن بعد التعرض لأعمال العنف الوحشية من جانب المناهضين للثورة، تغير المناخ. فهل يجب أن يدهشنا ذلك؟

في كل حال، علينا أن نحدد مدى اتساع الإرهاب. فحتى آذار/مارس 1920، جرى إعطاء تقدير رسمي للعدد الإجمالي لضحايا الإرهاب الأحمر الذي بلغ 8620 شخصياً. ويقدِّره موريزيه بأكثر قليلا من عشرة آلاف. وبعد هزيمة الجيوش البيضاء لكل من دنيكين وكولشاك، ألغت الحكومة السوفيتية عقوبة الإعدام خلال أشهر عدة، ولم تتم إعادة العمل بها إلا بعد الهجوم البولوني على أوكرانيا في أيار/مايو 1920.

كان الجو في روسيا السوفييتية بعيداً جداً عن ذلك الخوف الشامل الذي يصفه مؤرخون كثيرون. ويمكن إدراك ذلك لدى قراءة الرواية التي يقدمها موريزيه، كشاهد عيان، لمحاكمة ضابط أبيض كبير، هو غالكين، أمام محكمة موسكو الثورية في 14/تموز/يوليو 1921:

"لا أظن أني رأيت يوماً جمهوراً أو قضاة أكثر تعاطفاً مع المتهم مما في ذلك اليوم. إن الأربعمائة عامل أو جندي الذين كانوا يتدافعون في تلك القاعة، والقضاة الثلاثة والمدعي العام، وكلهم في ريعان الشباب، كانوا يتطلعون جميعهم بنوع من الصداقة إلى ذلك الرجل القصير البالغ 35 عاماً، المرتدي ثياباً رثة، والذي كان يحرسه نائب ضابط طيب القلب، وفقاً للقاعدة، وهو يمسك بمسدس. ولم يكن هناك أي حاجز بينهم وبينه. كان أربعة جنود مسلحون، مهتمون بوجه خاص بالمناقشات، يذرعون بشكل غامض المساحة الطليقة التي كان يملأها مقعد البستان المخصص للمتهم، وطاولته المدافع (عنه) وطاولتنا".

"بدلاً من جلسة مخيفة لمحكمة ثورية، كان يتبادر إلى الذهن أننا إزاء سجال حماسي بين أناس مختلفين بصدد حل مشكلة ضميرية" (13).

صدر حكم خفيف على غالكين، ثم سرعان ما حصل على العفو، مع أنه حمل السلاح ضد سلطة السوفييتات. لكنه كان يؤكد كرهه للطغاة المناهضين للثورة، بعد تجربته إياهم. وقد صدقته المحكمة لمجرد قوله ذلك.

التشيكا

إن موضوع التشيكا مختلف تماماً عن المسألة التي تحدثنا عنها للتو: تدابير إرهابية منتظمة خلال حرب أهلية قاسية. إنها تستتبع خلق مؤسسة، أو جهاز، مع الاتجاه الحتمي لكل مؤسسة ولكل جهاز لأن يصبح دائماً، ويتنصل من كل رقابة.

يمكن إطلاق النار على معذِّب فاشي بعد محاكمة علنية، وإن مختصرة. لا يمكن إخضاع شرطة سياسة سرية لرقابة علنية.

إن أرشيفات التشيكا، التي بدأت تنتشر بفضل الغلاسنوست (سياسة "الشفافية" أيام غروباتشوف)، تبين إلى حد بعيد أن الدودة كانت في الثمرة منذ البدء. وذلك على الرغم من الشرف الشخصي لفيليكس دزيرجنسكي، أول قيادي للتشيكا، الذي لا يشتبه أحد بأنه كانت لديه نوايا قذرة. تكفي الإشارة على واقع أن أعضاء التشيكا ومخبريها ضمنوا الحصول على علاوة (حصة من "الغنيمة") مقابل كل مورد إثراء يصادر لدى "مضارب" أو مسؤول عن "جرائم اقتصادية". ليس من شك في وجود دينامية مفسدة.

والأمر نفسه يقال عن اتجاه التشيكا للإفلات من أي رقابة. لقد تأكدت تلك الدينامية الخطرة مبكراً جداً. وثمة حادثة توضحها تماماً: كان لينين يكن أكبر التقدير وأعظم الصداقة للقيادي المنشفي اليساري مارتوف. وقد استدعاه ذات يوم إلى الكرملين، وسلمه جواز سفر مزوراً وقال له : "غادر البلاد فوراً، أو ستلقي التشيكا القبض عليك في غضون أيام قليلة، ولن يكون في وسعي منعها من ذلك".

مع ذلك، يسلم ج.ليغيت، الرجعي المعادي جداً للنظام البلشفي، بأن هذا الاستغلال لم يكن إلا ظرفياً في البدء:

"في التعارض المحتوم بين عنف التشيكا التعسفي ومنظومة الشرعية السوفييتية التي بلورتها مفوضية الشعب للعدل، أحرزت التشيكا الغلبة في كل مرة كان فيها النظام مهدداً. وحين كانت الأزمة تخف، كان ذلك يتم لصالح المفوضية"(14).

كان لينين بالذات يؤيد بحزم قيام دولة قانون وضرورة خطو خطوات حاسمة في هذا الاتجاه. وفي نزاع تعارض فيه، عام 1921، كل من دزرجنسكي وكامينيف بخصوص إصلاح مصالح الشرطة السياسية بعد نهاية الحرب الأهلية، دعم لينين كامينيف الذي كان يقترح الحد من صلاحية التشيكا بحيث تقتصر على مشكلات التجسس، والاعتداءات السياسية، وحماية سكك الحديد ومستودعات المؤن. كان يجب أن يكون كل نشاط قمعي آخر من اختصاص مفوضية الشعب للعدل.

ينبغي أن نلاحظ أيضاً أن التشيكا لم تكن إطلاقاً صنيعة الحزب البلشفي أو لينين. إن الاشتراكيين-الثوريين اليساريين هم الذين لعبوا الدور الأساسي في خلقها. لكن يبقى صحيحاً مع ذلك أن الاتجاه للاستقلال، وللتملص أكثر فأكثر من الرقابة، كان موجوداً منذ بدايات التشيكا. ويستخدم فيكتور سرج بهذا الخصوص تعبير "الانحطاط المهني". لذا نخلص إلى أن خلق التشيكا كان خطأ بلا ريب.






إحالات

(1)ل.تروتسكي، الثورة المغدورة، باريس 1963، ص 75.

(2)الأممية الرابعة، L’agonie du capitalisme et les tâches de la 4eme Internationale, programme de transition باريس، 1983، ص 56.

(3)ر.لوكسمبورغ، La Révolution Russie، باريس، 1964، ص 65. كانت روزا لوكسمبورغ قيادة ثورية ومنظّرة ماركسية بولونية، نشيطة جداً في الحركة العمالية الألمانية. وقد اغتالتها الرجعية عام 1919.

(4)المرجع ذاته، ص 67-69. كان كاوتسكي المنظّر والقيادي الأكثر اعترافاً به على صعيد الاشتراكية-الديمقراطية الألمانية والأممية الثانية .وهو سوف يصبح إصلاحياً.

(5)"شيوعية الحرب" هي التسمية المعطاة للتوجه السياسي-الاقتصادي المستخدم خلال فترة الحرب الأهلية (1918-1920)، وكانت تتميز بروح المساواة فيها، وبدولنة جذرية وتدابير استثنائية، كالمصادرات القسرية للأغذية لدى الفلاحين.

(6)دافع تروتسكي، بعد فشل اقتراحه المبكر باعتماد النيب، ولبعض الوقت، عن "عسكرة" الاقتصاد كاقتراح بديل. أما السياسة الاقتصادية الجديدة، أو "النيب"، فوضعت في الممارسة عام 1920. لقد مثلت قطيعة عميقةٍ مع اقتصاد الأوامر لفترة شيوعية الحرب، عبر تحريرها السوق والإنتاج الفلاحي، وتشجيعها نوعاً من نمو الصناعة الصغيرة الخاصة، وعرضها استقبال توظيفات أجنبية.

(7)روي ميدفيديف، La Révolution d’octobre، باريس، 1978، ص 210. في آذار/مارس 1921، تمردت حامية كرونشطاط، وهي ميناء على بحر البلطيق، وبما أن المفاوضات مع السلطة منيت بالفشل، فلقد سحق الجيش الأحمر العصيان. نحن لا نسعى لأن نحلل، في هذا البحث، المشكلة التي طرحها تمرد كرونشطاط وقمع السلطة السوفييتية له. ذلك أننا نرى، آخذين بالحسبان أن الحرب الأهلية لم تكن انتهت بعد، أننا إزاء مسألة حكم سياسي، تكتيكي، لا مسألة مبدأ. إن صعوبة الجدال، في هذا الموضوع، تكمن في واقع أن معظم من انتقدوا قرار البلاشفة يسندون حكمهم بشكل أساسي إلى تقديرات سياسية بصورة خاصة: طبيعة المطالب، طبيعة القوى السياسية المتواجهة، الخ. لكننا نرى أنه، في حالة حرب أهلية، تكون طبيعة كل من القوى الاجتماعية المتواجهة (و"منطق" كل منها) هي الحاسمة.

والحال أن المعلومات في هذا الصدد، التي بحوزتنا حالياً، لا تتيح استخلاص نتائج نهائية. فبحسب البعض، ولاسيما الفوضويين، كان بحارة كرونشطاط عمالاً بشكل أساسي، كما الحال بخصوص بحارة 1917-1918. وكان تمردهم يشكل امتداداً للاحتجاجات العمالية في بتروغراد وأماكن أخرى. وما كان مطروحاً إذاً إنما هو مشكلة الديمقراطية السوفييتية، البروليتارية. وبحسب الآخرين، ولاسيما تروتسكي، كان بحارة 1917-1918 البروليتاريون قد زالوا إلى حد بعيد من القلعة. كانوا قد سقطوا في الجبهات، أو امتصهم الجيش الأحمر وجهازٍ الدولة، الخ.وكان بحارة 1921 أبناء الفلاحين المتوسطين والأغنياء. وكان تمردهم يشكل امتداداً لرفض الفلاحين "شيوعية الحرب" ومصادرات القمح. كان ينبغي التفاوض معهم، لكن عدم الخضوع لدينامية اجتماعية كان يمكن أن تعزز التهديد المضاد للثورة الذي تتعرض له بتروغراد، وهو تهديد محلي وعالمي، لأن ذوبان الجليد كان يمكن أن يفتح ميناء كرونشطاط أمام أسطول البلطيق الأبيض.

(8)ل.كريتسمان، Die Heroische Periode Der Grossen Russischen Revolution، فيينا-برلين، 1929.

(9)حذر ماركس وانجلس من "شيوعية البؤس" البدائية هذه، التي لا تفعل غير تعميم النقص والقلة، وتفضي حتماً إلى انبعاث كل "الخراء القديم".

(10)لينين، خطاب في جلسة سوفييت بتروغراد للنواب والجنود ومندوبي الجبهة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1917، الأعمال الكاملة، الجزء 26 ص 307.

(11)أ.ر.وليامز، مرجع مذكور، ص 112 وما بعدها.

(12)المرجع ذاته، ص 126.

(13)موريزيه، مرجع مذكور، ص 429.

(14)ج-ليغيت، The Cheka: Lenin’ss Politacal police، أوكفورد 1981، ص 171.



#إرنست_ماندل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتوبر1917 :انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ الفصل الرابع ، الرهان ا ...
- الرهان القومي- أكتوبر 1917:انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية ...
- أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية ...
- الفصل الأول- أوكتوبر 1917: هل هو انقلاب أم ثورة اجتماعية
- أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية ...
- الدفاع عن القدرة الشرائية للعمال ضد التضخم وارتفاع تكاليف ال ...
- قبل ثمانين سنة ، هتلر ...
- الاقتصاد الرأسمالي: خصائصه، قوانين تطوره، تناقضاته، أزماته ا ...
- حول الفاشية
- الماوية والستالينية
- الماوية والثورة الصينية
- الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية
- الرقابة العمالية والإستراتيجية الثورية
- من أجل الديمقراطية العمالية
- حول أحزاب الطليعة
- إرنست ماندل: لماذا نحن ثوريون اليوم؟
- لينين ومشكلة الوعي الطبقي البروليتاري
- التنظيم الذاتي والحزب الطليعي في تصور تروتسكي
- الإضراب العام
- لماذا نحن ثوريون اليوم؟


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - الثورة الروسية: - التوجه البلشفي: تحليل نقدي