أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - امجد ابراهيم - ورقة انصارية















المزيد.....

ورقة انصارية


امجد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 22:20
المحور: سيرة ذاتية
    


لا اعرف هل استطيع بهذه " الورقة الانصارية " يا ابا يعقوب ايها الرفيق والصديق، ان اقدم لك اعتذاري عن عدم تمكني من تحقيق ما كنت تأمله مني، ولأكثر من مرة، في ان اساهم معك ( ولو بالقليل ) في الكتابة عن المراحل الاولى " للتأسيس " او على الاقل عن هذه الرحلة... حينها وما زلت لا استطع ان اقنع نفسي بالكتابة عن حدث كنت احد المشاركين فيه، خشية السقوط في مدح الذات او التقليل من شأن اخطاء ارتكبناها... لكن ما حفزني على كتابة هذه الورقة، هو ذاك المقال الذي نشره الرائع صباح كنجي في الحوار المتمدن... قلت، فليكن، فهذا جزء من دين علينا ان نسدده لإنسان لم يبخل بشيء على رفاقه وحزبه... خصوصا وأنا اتذكر الان ( حينما كنا في دمشق عام 1985) ذلك العتاب المؤلم وتلك اللوعة التي تصل حد الفجيعة من " رفاق " كتبوا ما يشبه اليوميات، وكانوا قساة ليس في انتقادهم ( وهذا حق لهم) بل في هزئهم الذي بلغ حد ( هل اقول الوقاحة ) التجريح! فبئس من رفقة تلك وبئس المقال!! ابا يعقوب هذه هديتي المتواضعة لك ولرفيقنا " ابو هاشم " الذي ترك لوعة برحيله المباغت... ارجو ان تقبلها مني... فلم يبقى لنا سوى دفء ذكريات !
في الليالي الثلاث التي قضيناها عند سفح الجبل المتدثر بهذا الابيض المتلألئ ، حيث تتوارى اعلى قممه خلف قمم صغيرة، كنا نسجي ليلنا الطويل بالاستماع الى قصص اولئك المنسيين بين شعاب الجبال... انها تحكي قصة صراع ازلي في هذا الخلاء الرهيب حيث لاشيء سوى جبال شاهقة ووديان ضيقة وعيون مياه ومصبات انهار متدفقة عجولة تريد الوصول الى وديانها السحيقة، وثمار برية من جوز ولوز وزعرور بكل الالوان، ووحوش ضارية تتحين الفرصة للانقضاض على نعجة او تيس ضائع بين شعاب الوديان او تنقض احيانا على زرائب حيواناتهم ... في هذا الخلاء الواسع الضيق حد الانقباض ، تُختصر الحكاية لتعود الى اصلها الاول ، انسان يكافح عسف الطبيعة... كانت حكاياتهم يلونها الضوء المنبعث من " اللوكس " مختلطا بهديره المزعج، وكانت تُلتهم (تلك الحكايات) مع حبات الفستق وقرقعة تكسير قشرة الجوز ورنين ملعقة في " استكان " شاي لا اعرف لماذا يبقى ممتلئا طوال تلك الليالي وسحر حكاياتها...هناك على شجرة الجوز تلك، الكثيفة الاغصان المثقلة بالثمار، كنت قد تسلقتها دون انتباه، وما ان بدأت بقطف بعض الحبات حتى وقعت عيناي على دبة ضخمة كانت هي الاخرى تقطف ثمار الجوز ، كان الخوف قد دب في الاوصال، ما العمل اذا ما انقضت علي مهاجمة؟ وتذكرت حكاية ذاك الراعي الذي حملته احدى الدببة الى وجرها وجعلت منه عشيقا لها! كانت حكاية يتداولها الناس عن رجال وقعوا ، لسوء طالعهم، اسرى شهوات تلك الدببة!! كانت تسترخي بهدوء على الاغصان وتقطف ثمار الجوز وتلتهمها بشراهة ولكن بتلذذ واضح، لم تكن تعيرني اي اهتمام يذكر...وبهدوء وحذر شديدين انسللت نازلا وأنا ارجع الى الخلف خطوة خطوة ... كانت الحكايات متشابهة مثل تشابه اسمائهم وقسمات وجوههم المتعبة ووديانهم السحيقة... هل تذكر يا ابا يعقوب تلك الليالي وحكاياتها الجميلة؟! هكذا مضت ليالينا الثلاث، اما نهاراتنا فكنا نقضيها في تسقط الاخبار عن تحركات الجندرمة خوفا من المباغتة في اي لحظة وكذلك معرفة احوال الطقس وهل هناك امكانية للرحيل ، حيث كنا على استعداد دائم للانطلاق، لكن مضيفنا طالما خيب آمالنا حينما يقول، وهو يشير الى اعالي اشجار " السبيندار" وهي ترتعش في الريح والى سحابات متقطعة عند قمم الجبال وهي اشارات تعكس هيجان الطبيعة في الاعالي، اخاف عليكم من الموت تجمدا لان العواصف قد جعلت من القمة مسكنا لها!
في يومنا الثالث كان كل شيء هادئ. الشمس اطلت بوجهها الناصع وهي تنشر ردائها الذي يدثر تلك السفوح فتبعث فيها شيء من الدفء حتى تكون رحيمة مع أولئك المتهيبين دوما من ارتقائها. كانت السماء مثلما خلقها " الرحمن " زرقاء حانية عطوف، لا تكدرها بقع من سحاب، ونسمات الهواء لا تقوى على تحريك نفسها، كأنما قطعت انفاسها لا تستطيع حتى على هز وريقات السبيندار المكللة بالندى... قال مضيفنا لقد حان اوان الانطلاق! تعجلوا فأمامكم رحلة طويلة تترصدها شياطين العواصف ... القينا بزواداتنا على ظهورنا، كانت تحتوي على خبز وشيء من الجبنة وقليل من التمر وبعض ثمار الجوز... وانطلقنا نحن الثلاثة مع دليلنا " القجقجي" الراغب بالتسوق من المدن الايرانية على السفح الثاني من الجبل.
هكذا ابتدأت رحلتنا متسلقين سفوح هذا المتطاول عند الساعة التاسعة صباحا تقريبا، كان شغلنا الشاغل كيفية تجاوز هذا الجبل الذي طالما اودى بحياة من نظر اليه باستصغار ، خصوصا في هذا الفصل من السنة. قبل لحظة التحرك هذه، كنا تركنا مقرنا في كَوستا قبل اسبوع تقريبا. هذا المقر الذي افتتحناه في نهاية تشرين الثاني عام 1979؛ كانت مفرزتنا مكونة من عشرين رفيق، وقد تحركنا في العشرة الاوائل منه، من مقرنا الاول في كلي كوماته على نهر الخابور... مفرزتنا هذه، التي قادها الرفيق ابو يعقوب، كانت تهدف الى تأسيس موقع انصاري يتوسط المسافة بين مقر بهدينان ومقر الحزب في سوران ومن ثم ربط مواقع انصارنا جميعا بشبكة تمتد من حدود السليمانية الى اقصى نقطة في زاخو...
بعد افتتاح مقرنا في كَوستا ( ربما ستكون له ورقة انصارية اخرى ) ببضعة اسابيع تهيأنا للانطلاق نحو هدفنا التالي، المتمثل بإيجاد صلة مع مركز الحزب في سوران ولكي نحصل على المال والسلاح ايضا. هكذا تشكلت مفرزتنا الصغيرة المكونة من ثلاث رفاق ابو يعقوب والشهيد ابو هاشم وكاتب هذه السطور ابو خلدون. لم يكن معنا من السلاح سوى مسدس يحمله الرفيق ابو يعقوب، وبندقية بأخمص حديدي قابل للطي يحملها ابو هاشم وعصى يتوكأ عليها ابو خلدون وهي سلاح مهم في ردع الكلاب عند الاقتراب من القرى! كان الانطلاق في ضحى احدى الصباحات المكفهرة ... الارض موحلة تتسابق في قسوتها علينا مع ذاك النثيث الذي يختلط فيه المطر مع الثلج الذي يصفع وجوهنا بقوة حتى تحسب انه يضمر لك عداوة او هو متواطئ مع نظام البعث! احيانا يستكين الطقس وتكشف السماء عن وجهها ولكن سرعان ما يستعيد جفوته... كان في صحبتنا دليل من احدى القرى القريبة...قطعنا مسافات طويلة تتخللها استراحات قصيرة، وعند الغروب لاحت من بعيد اشجار السبيندار على سفح الجبل. كم هي جميلة هذه الشجرة الباسقة العنقاء، انها علامة فارقة على وجود الحياة، فهي لا تعيش إلا قرب الماء، وهذا يعني ان هناك قرية او مكان لتجمع الرعاة. انها تبعث في الروح نفحة اطمئنان ورجاء بالخلاص من تغول الطبيعة... تسلقنا السفح رغم هبوط الظلام، كان بصيص نور منبعث من فانوس هو دليلنا نحو المكان المأهول، بدأ نباح الكلاب يشتد كلما تقدمنا، وحينما كنا على مقربة من البيت خرج صاحب البيت لكي يكف كلابه عن ملاحقتنا والنباح علينا، وقد استقبلنا بكل ترحاب، وقدم لنا ما تيسر لديه من طعام، ( مفارقة: طلب صاحب البيت من ابنه ان يجلب له الماء من العين، وما ان شرب منه جرعة حتى اشار عليه باغتراف كمية من الثلج وإلقائها في الاناء لان الماء لم يكن باردا بما يكفي!). عند الساعات الاولى من الصباح اليوم التالي، تحركنا هابطين الى الطريق الترابي الممتد على طول السفوح الجبلية واصلا الى مراكز النواحي والمدن. كنا نسير بخطو سريع، وفجأة عند احد منعطفات هذا الدرب تقابلنا وجها لوجه مع سرية من الجندرمة التركية؛ اراد الدليل ان يهرب متسلقا السفح لكن صرخة ابو يعقوب جعلته يثبت في مكانه، ثم امره بالسير قدما، القينا التحية على الجنود ولم نتردد في مواصلة السير وكأن لا احد في طريقنا الى ان خلفناهم وراءنا... كان الحظ حليفنا لان الضابط كان يسير في نهاية الرتل، عندها انحدرنا بكل ما نملك من سرعة الى الوادي العميق وكان لحسن حظنا كثيف الاشجار... انها فرصتنا الوحيدة للخلاص من الوقوع اسرى او قتلى، كانت لعبة حظ نادرة! واصلنا الهبوط الى ان اشرفنا على نهر ضحل سرنا بمحاذاته الى ان اقتربنا، بعد ساعات، من بيت يقع على طرف قرية صغيرة، وعند المساء بعد ان تأكدنا من عدم وجود ما يشتبه به ذهبنا الى ذلك البيت حيث استقبلنا صاحبه بكل لطف، كان اسمه عبد الله، ان لم تخني الذاكرة. رجل في نهاية عقده الخامس على ما يبدو، إلا انه نشيط وحيوي، كان من اصل عراقي من ميركه سور، انتقل الى الاراضي التركية منذ اكثر من عقد من الزمان، كان يحسن الحديث باللغة العربية مما سهل الامر علينا ( ابو هاشم وانا) واعفى العزيز ابو يعقوب من مهمة الترجمة المزعجة! جاء الحديث على ذكرياته ومعرفته بفاخر ميركه سوري ( على ما اتذكر) الذي يعرفه ابو يعقوب جيدا...كان الرجل مضيافا قدم لنا كل ما يستطيع وقد ابقانا عنده ليلتين لحين الحصول على دليل مأمون يصحبنا في رحلتنا.
في اليوم التالي جاء ضابط تركي مع بضعة جنود، كان مضيفنا قد ادخلنا الى احدى الغرف الداخلية لكي لا يكتشف الجندرمة امرنا، وبعد بضعة اسئلة واستفسارات ذهبوا في طريقهم. كان سؤالهم عن وجود غرباء في المنطقة، وقد اكد لهم عبد الله انه لم يرى او يسمع شيء... ( مفارقة ثانية: كان لمضيفنا حفيد رضيع اسمه " صدام "، كان الاسم صادما لنا كيف يجرأ كوردي على تسمية حفيده باسم قاتل مجرم؟ لكنه ابتسم وهو يقول ان هناك اعتقادا بان تسمية الوليد على اسم عدوك يؤدي الى تقصير عمر العدو ويعجل بموته! لا اعرف مدى جدية هذا المعتقد، فصدام عاش 23 عاما بعد ولادة صدام الحفيد، وقد ارتكب جرائم لا تعد ولا تحصى!!). اطل علينا العام الجديد 1980 ونحن في ضيافة عبد الله؛ كان يوما مشمسا حمل لنا الدفء، وقد زخرفناه بذكرياتنا عن اعياد رأس السنة، خصوصا في الموصل حينما تضج الازقة الضيقة بالغناء والرقص والشرب وقرع اجراس كنائسها عند منتصف الليل... تلك الازقة والدرابين التي تفضي الى كنائس واديرة تحكي قصة تجذر هذه الديانة وأبنائها في تلك البقعة الجميلة....
اخيرا تمكن مضيفنا من الحصول على دليل لنا، ودعناه وشكرناه على ما قدمه لنا وعلى تلك الحفاوة، وهو بدوره وعد بمساعدتنا في الحصول على ما نحتاجه من مؤن في المستقبل، بحكم اسفاره المتكررة الى مراكز مدن اقليم حكاري... كانت وجهتنا نحو الحدود التركية الايرانية على مقربة من المثلث العراقي- التركي- الايراني. كان اغلب سيرنا صعودا حيث الهضاب والجبال تفضي الى جبال اخرى اعلى منها، كانت المسيرة شاقة وعلينا ان نتوقى الحذر الشديد من كمائن الجندرمة المنتشرة في المنطقة؛ عند المساء وصلنا الى قرية مكونة من ثلاث بيوت – على ما اتذكر – كل منها يقع على رأس تله جبلية في واد ضيق، على مقربة من عين ماء، لست متذكرا اسم تلك القرية، إلا ان هدير سقوط الماء الى اسفل الوادي ورذاذه المنتشر في الهواء كانا علامة فارقة تدل على هذه القرية التي لم اشهد مثيلا لها في كل الاماكن التي عرفتها. هل تتذكر يا ابا يعقوب، ايها العزيز، كم كان غريبا امر ابناء هذه " القُرّية " حيث يتداولون امور حياتهم بالتخاطب بصوت عال وكل منهم واقفا امام بيته، لان الانتقال من بيت الى اخر يستغرق نصف ساعة هبوطا وصعودا؟!...بتنا ليلتنا في بيت من تلك البيوت، وكالعادة كانوا كرماء مضيافين. في اليوم التالي اخذنا طريقنا في شعاب تلك السلسلة الجبلية العصية حتى على خالقها، كيف خلقها ورتبها وادخل بعضها بعضا حتى اصبحت متاهة، لا يعرف لها مبتدى ولا منتهى! كنا نسير على تلك المسارب الملتوية دوما، لكنها الصاعدة نحو قبة السماء، الى ان حططنا الرحال في تلك القرية المبتغاة. انها بضعة بيوت متناثرة لا على التعيين، كما لو ان السماء القت بها من عليائها فتناثرت بشكل عشوائي. كان مضيفنا رجل ربع القامة اربعيني، لطيف وكريم في كل شيء. ادخلنا الى ديوان البيت، غرفة كبيرة مربعة الشكل يغطي حيطانها وأرضيتها السجاد المحلي الجميل، وتتوسطها المدفأة كالمعتاد؛ كل شيء في هذا الديوان مرتب ونظيف ويشير الى ان الرجل كان ميسور الحال... ضوء " اللوكس " يبعث في الروح النشوة ويقلل من الضيق الذي نستشعره دوما بين شعاب هذا الجبل التي تحد من مديات الرؤية وينقبض لها القلب ( مفرفحا ) خصوصا بالنسبة لنا نحن ابناء المدن العراقية – من المناطق السهلية - ممن الفوا النوم على السطوح بسمائها الممتدة ونجومها الساطعة حيث يمتد البصر حتى يصل الى تخوم العرش في سماءه السابعة! هنا في هذا المنعزل امضينا ليالينا الثلاث المطرزة بحكاياتها الجميلة...
كان السفح المتدثر بالثلوج، شديد الانحدار يفضي الى واد عميق القعر؛ والخطورة تكمن في ان الذي تزل قدمه منزلقا، سوف يتحول الى كرة سريعة التدحرج يصعب ايقافها ربما إلا عند قاع ذاك الوادي السحيق، لذلك كنا حذرين نسير الواحد تلو الاخر واضعين القدم مكان قدم الذي يتقدمنا، وهذا يقلل من اتعابنا من جهة، ويجنبنا مخاطر الانزلاق من جهة اخرى. كان الدرب الملتف الصاعد دوما عسيرا وينهك القوى، لكن ما خفف علينا وطئته، هو هذا الطقس المشمس الذي يبعث في الروح قوة ونشوة ويزيدنا حيوية واندفاعا... ساعات ونحن نسير بشكل التفافي، وما ان نعتلي قمة حتى تتكشف امامنا واحدة اخرى وكأننا امام لعبة الجدة " البابوشكا " الروسية. عند الساعة الثانية بعد الظهر تقريبا كان الاعياء قد بلغ منا مبلغه كما ان الجوع اثقل خطونا وكان لا بد من اخذ قسط من الراحة وما تيسر من طعام كنا نحمله في زواداتنا، وعلى اي حال فان دليلنا اخبرنا اننا في الشوط الاخير حتى نبلغ القمة الاخيرة... كان اسفل المكان الذي اخترناه للاستراحة على بعد مئات من الامتار، رجلان ومعهم بغل، كانا من "قجقجية" المنطقة يبغيان الذهاب الى الجهة الاخرى من الجبل ( ايران) للتسوق. بعد قليل، ولسوء الحظ ظهرت بعض من السحب هنا وهناك وبدأت الريح تشتد فكان لابد من التحرك بسرعة لكي نبقى في مأمن من العواصف المقتربة... ونحن نتحرك خاطب دليلنا الرجلين في الاسفل طالبا منهم التحرك بسرعة لتجاوز الخطر. تسلقنا ما بقي لنا من مسافة بكل ما نملك من قوة، واخيرا، ها نحن على قمة الجبل حيث اختفى الثلج تماما وبدى رأس الجبل اصلعا ولا شيء سوى صخور دكناء وريح عاصفة محملة بثلج ناعم تصفع وجوهنا بعنف وتكاد تعمي عيوننا... غريب هذا الجبل كم يحمل من مفاجآت ؛ اننا لسنا امام قمة ومنحدر الى الجهة الاخرى، بل نحن على سطح مستو ممتد لمئات الامتار. كانت السماء شديدة القرب نكاد نلمسها بأيدينا، لذلك تراها شديدة الغضب، لأننا تطاولنا على مقامها المتعالي! طلب دليلنا ان نركض بما اوتينا من قوة وان نبقى متقاربين حتى لا نفقد بعضنا ونتوه في تلك البرية العاصفة... ليس مسموحا ان نغفل لحظة ولا ان نغمض العين بسبب الثلج الذي ملأها فكانت الرؤية مشوشة حيث يختلط الدمع بالثلج. لم يكن امامنا من حل سوى الاستمرار بالركض وقطع ما تبقى لكي نبلغ المنحدر على الجهة الاخرى؛ كانت اطول نصف ساعة في حياتنا، حيث شهدنا فيها لحظة ولادتنا واقتراب لحظة الانطفاء تجمدا، كانت اخر ذؤابات الشعلة تكاد ان تنطفئ، حينما اشرفنا على المنحدر، فالقينا بأنفسنا متدحرجين لكي نخلص من ذلك الجحيم المتجمد، لا اعرف كم من الزمن استغرق تدحرجنا وركضنا الى ان وصلنا الى شعب ضيق حيث عين ماء جارية، اذن انتصرت ارادة الحياة تعانقنا نحن الثلاث كانا ننظر بوجه بعضنا البعض، كانت زرقاء كأنها قد طُليت بصبغة النيل، عيون محمرة وانوف متجمدة والفك لا يقوى على الحركة، كنا مثل قطعة لحم اخرجت من " الفريزر" قبل قليل... انتظرنا قليلا عند عين الماء لكي نستعيد شيء من قوانا ، والتهمنا ما تبقى لنا من طعام، اما " القجقجيان " وبغلهم فلم نلتقيهم ابدا لأنهم قضوا تجمدا قبل ان يبلغوا المنحدر. واصلنا الهبوط باتجاه مدينة " زيوا " وحينما بلغناها عند المساء كان الناس لطفاء كرماء معنا، لكنهم مبهورين بهؤلاء المجانين الذين خاطروا بحياتهم عابرين الجبل في مثل هذا الطقس العاصف...
30/11/2013



#امجد_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوى الديمقراطية وماراثون الانتخابات!
- حينما يتسرب - التبرير - من بين سطور النقد !!
- قراءة في ورقة الحزب الشيوعي العراقي المقدمة للسمينار النقابي
- من وحي السمينار النقابي اليساري
- وقفة مع الحزب الشيوعي العراقي في لقائه مع المالكي


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - امجد ابراهيم - ورقة انصارية