أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء















المزيد.....

بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء


منصور عمايرة

الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 21:36
المحور: الادب والفن
    


بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء *

بترا بترا، أغنية سطرّت حالة الوجود والهوية.
صدى الصحراء كتابة وإخراج عبد الكريم الجراح، تمثيل أشرف طلفاح بدور الحارث الرابع، عيسى الجراح بدور الكاهن، أريج دبابنة بدور سعدى، واسحق الياس بدور النحات، عرضت مساء يوم 20 - 11- 2013 في فضاء مفتوح مبنى مديرية المسرح جبل اللويبدة/ عمّان، في إطار مهرجان المسرح الأردني العشرين 2013، وشارك في انتاج هذا العرض عدد آخر من الفنيين والتقنيين .
صدى الصحراء، عرض مسرحي يبحث عن ماهية الوجود والهوية من خلال تلك الأسئلة التي تفتح أكبر قضية للإنسان، وجوده وهويته، في ظل دائرة محكمة من التصارع لإحكام السطوة والسيطرة على أبجديات الآخر، الذي يتغيا ولوج العالم من خلال وجوده وهويته، فالوجود يقابله اللاشيء "العدم" والهوية يقابلها الاستعمار، وفي هذا الإطار تدور مسرحية صدى الصحراء، ليست مجرد لعبة مسرحية تدور في فضاء مفتوح ، إنها تتحدث عن آهات الكاهن المجبولة بالغبن، وتأمل الفنان المجبول بالحرية ، وتأفف وعزيمة الحاكم المجبول بالوجود ، وكلمات الحب لدى المرأة المجبولة بتراب الوطن.
هذه أسئلة مشروعة تنفلت من عقال الإنسان، فهي تعلن تمرده ، وكل شخصية من الشخصيات كانت متمردة ، إنها القوة الصادمة لما يحدث الآن ، والذي يحدث الانسحاب من الدور الذي أنيط بالإنسان والمجتمع، والذي ربما نقول بالإنسان الأردني الذي لديه حالة وجود قلّ نظيرها أو تشابهت مع محيطها تماما في بلاد الرافدين وبلاد نهر النيل ، واضطرت لمواجهة قوى عسكرية على مدار تاريخها ، فكان اليونان والرومان واليوم يواجه العربي ومنهم الأردني ما عرف بالغرب وهم سواء ، سواء أكانوا في غرب العالم كما أمريكا أو في وسطه كما أوروبا أو في شرقه كما في روسيا والصين ... ، .
وهنا الحديث لا يدور عن التقاتل والتناطح، وإنما بشكل أقل حدة في إطار التصارع على الوجود والهوية ، فليس الغرب شرا كله أو خيرا كله ، فهذه المقولة لا تسعفنا ، إنما مقولة أن نتحاور هي التي تنقلنا إلى مدار أوسع وأكبر، سواء أكان الحوار داخليا وهو يترسخ بغشامة الحكم والفئات السياسية، أو خارجيا عندما تأتي تعليمات قاهرة لنتلاشى .
لم تكن الأمة العربية ذات يوم خارج إطار الحداثة والتحديث، ولكنها كانت في أتون ما قبل الحداثة والحداثة ، إنها قوى الجذب للوراء ، هي حالة مشابهة تماما للفرد الإنسان إذا ما سمح له بالانطلاق ليحقق شيئا جديدا حديثا يصبح مطمحا لكل المجتمع، والدول تسحب للوراء بفعل داخلي ، أي على مستوى المعرفة بشكل عام ، وعلى مستوى حراس المعرفة ليحلو لهم وجه المكان، هذه هي مشكلة في البلاد العربية حالة ما بين الخلف والنكوص والأمام والتنوير .
والأمر الآخر البعد الخارجي، وهو قوة كبرى تتحدى، تقف حاجزا صلدا أمام تقدمنا أمام تقدم " الأنباط العرب " ، وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم التي ستكون بالتالي لخير المنطقة بأسرها، لهذا سيتحفز الآخرون لوقف هذه الرؤية الحداثية ، فالأرض ملك للإنسان ، ولكنها ليست مقتصرة على إنسان دون آخر، وهذه هي رؤية الأنباط العرب. ومن حق الإنسان النبطي العربي أن تكون له الكلمة ، أن تكون له الأبجديات في المكان الذي تخلق فيه وخلّقه، أبجديات النبطي العربي هي التي تزحزح أبجديات الآخر، ولهذا يجب البحث عن أبجديات تمثل الديمومة ، إنها بناء الصرح ، الفن والإبداع الذي يوازي اليونان والرومان وأكثر ، واللغة التي توازي الآخر وأكثر ، والوجود الذي يبرز للعلن ويوازي الآخر وأكثر ، هكذا كانت تطلعات شعوب المنطقة وهنا نشير إلى الأنباط العرب، وهي حالة حداثية تنويرية، وتفردت بوجودها أكثر مما نحن عليه الآن.
هذا هو الموضوع المسرحي لصدى الصحراء الوجود والهوية، ولكنها برؤية جديدة وأبجديات جديدة ترسخ الوجود، وتدحر الهيمنة. فكانت المواجهة بإعلان الحرب ضد الامبرطورية الرومانية في عهد الحارث الرابع 9 قبل الميلاد – 40 بعد الميلاد، فيقرر الإمبراطور الروماني طيباريوس "Tiberius" مساعدة هيرود انتيباس الذي قهره الحارث الرابع وأعاد المناطق التي تم اقتطاعها من الأرض النبطية وأعطيت للهيروديين من قبل الامبرطورية الرومانية، فيجهز القائد الروماني فيتليوس "Vitellius" حملة ضد الحارث الرابع ، والذي امتدت مملكته إلى دمشق شمالا ، وتشمل الأردن حتى طبرية وبادية الشام ومنطقة حوران ومن الجنوب إلى سينا والبحر الأحمر ومن الشرق لأطراف الجزيرة العربية.
إن عرض صدى الصحراء يتفكك من خلال الأبعاد التي تمثله بعد الطرح العام للموضوع، أبعاد الشخصيات ذات ثقافة متعددة متحاورة متفقة ، وبعد المكان الذي يمثل الولادة الأولى التي تتسامق ولا تنكمش. تمثلت جماليات العرض بالقوة والحكمة، الحب ، الدين ، الفن، أيقونات تمثل رؤية العرض وتشكل بناه على مستوى الموضوع.
الفضاء المفتوح هو الإطار العام للمسرحية وكأن البحث عن الوجود والهوية لا يتسع له العلبة الإيطالية ، فالروح تضج من المكان المغلق، والأفكار أكثر ضجا من هذا المكان، قد تكون هذه مقاربة للبحث عن هويتي ووجودي، فكان مبنى مديرية المسرح الفضاء المفتوح لوحة خلفية تؤطر أحداث العرض المسرحي ، وقد اشتغل المخرج على استخدام كل البناء بممراته الخارجية والبناء الداخلي، ليكون بعدا سينوغرافيا كمكان ثابت ، ولم يكتف بوجود المكان، فكانت البتراء تبدو كصورة منعكسة تبين عن الحدث، يرفض استخدام الصورة الالكترونية أو الفيديوية في العرض المسرحي، خشية أن يستلب العرض ويصبح حالة ثقيلة على بنيات العرض المختلفة أولها الممثل وآخرها المتلقي من خلال التشتت ، ولكن المخرج تخلص من هذه الرؤية كصورة مقحمة في العرض لتكون الصورة تبين عن الفن والإبداع والتحدي ، ولم تشكل أي عبئ على المتلقي ولا الممثل؛ لأن الممثل هو من كان يصنع هذه الصورة من خلال خلق الفن ومن خلال إقرار الحرب.
والفضاء المفتوح، والذي يجيد المخرج باستخدامه، فهو يمثل الإحساس بنبض حياة الأشياء التي تعيش معنا وبيننا، بعيدا عن أبعاد الخشبة التي قد تبين في مثل هذا العرض عن حالة قيد تبدأ في المكان المغلق وتنتهي به ، وهذا مبعث الحرية في الفضاء المفتوح وهو ما يبحث عنه المخرج ، وهذا لا يعني أن العرض لا يقدم في الفضاء المغلق ، على العكس تماما وقد يكون أكثر جمالية وخاصة بما يتعلق ببعد السينوغرافيا / الإضاءة والموسيقى والكوريغرافيا. ولكننا سنجد في الفضاء المفتوح انفتاح الأفضية المختلفة أولها الزمن كتاريخ وآخرها المكان كوجود ، ولا ننسى البعد الإنساني العاطفي، الذي يتعالق بحميمية مع المكان القريب الذي تتولد منه كل مقومات الحياة من التراب والماء والنار والفكر.
من السينوغرافيا التي استخدمها المخرج الشعلة ، وتمثلت مرة بالإنارة الطبيعية وتعطي معنى اليقظة والاستعداد ، مرة أخرى تبين من خلال كوريغرافيا الحالة التي تحدث الآن، فهي تعبر من خلال اللعب بها عن التماهي في المكان كوجود وعن استعراض القوة والتحدي. وتمثل هذا الوجود البدائي الجديد من خلال التراب ، والتراب هو البخور الذي سيشعل الموقد، والشعلة التي تبعد الظلمة من المكان والروح من خلال تراتيل الكاهن حارس المعبد. اشتغل المخرج على السينوغرافيا الحية كحالة تستدعي المتلقي للاندماج في العرض ، فكل ما يراه من سينوغرافيا أدوات يعيشها كل يوم بدءا من التراب والشعلة التي توقد بالزيت، والشعلة قد تقرأ من حيث برودة الطقس في هذا الوقت من شهر تشرين الثاني، حيث تشيع الدفء بالمتلقي ويندمج أكثر بحميمية العرض.
الموسيقى تسجيلية منذ بداية العرض وحتى نهايته ، وكان بإمكان المخرج أن يجعل الموسيقى حية، ويمكن أن يموضعها في صالة الجمهور ، حيث تنبعث من هناك ، وهنا سيبدو المتلقي أكثر اندماجا وربما تورطا في العرض الذي يتغنى بالوجود والهوية ، وهل هناك بنى أكثر أهمية للإنسان من وجوده وهويته؟
إن هذا العرض يتطلب الموسيقى الحية والتي حتما ستندمغ مع العرض المسرحي ، وخاصة أن العرض كان في الفضاء المفتوح ، والموسيقى في الفضاء المفتوح تبحث عن الحرية والوجود، وربما كان بمقدور المخرج الاستعانة بآلات موسيقية من طبيعة المكان كتراث ، فلدينا الربابة وقد تمثل العرض ما بين فترة وأخرى ، ولدينا الناي وهو يمثل أبعاد العرض، وربما يستخدم أدوات الإيقاع البسيطة مثل الدربكة مثلا، أو الدّف وهو ذو بعد تراثي أردني وعربي.
الكوريغرافيا، استخدمت رقصات في العرض المسرحي، إذ حاول المخرج أن تكون ذات بعد تواصلي، تؤطر العرض على مستوى حركة الجسد توافقا مع الحدث والرؤية أو تنافرا مع الحدث والرؤية ، فهي بقيت تدور بحركات جسدية متشابهة إلى حد كبير من بداية العرض حتى نهايته، الألعاب النارية أو الحركة بالشعلة من خلال رميها للأعلى تبين عن حالة فرح للأنباط بعدما تراجع الغازي. في مثل هذا العرض قد يحتاج إلى كوريغرافيا احترافية أكثر تعبيرية تحمل كل العرض المسرحي ، وتمثل كل الأحداث والرؤى فيه ، وأن يكون الممثلون هم من يشتغلون أو يشاركون بالاشتغال بها ، ولكن الكوريغرافيا تمثلت بمجموعة وقد بدت خارج إطار التمثيل ، ولو أدمج الممثلون بالكوريغرافيا، لتماهت الشخصية مع الحدث أكثر بكثير من أن تكون الكوريغرافيا تقوم بها مجموعة خارج إطار التمثيل ، وفي هذه الرؤية ، فإن الكوريغرافيا لتتماهي مع الحدث والرؤية ، لا بد أنها ستخضع لحركات راقصة وتدريبات أكثر قسوة حتى تصبح أكثر اندماجا في العرض، صحيح إن الكوريغرافيا بحاجة لمدرب متخصص قد تمكن من النص وفهم مدارات العرض كله ، عندئذ يخلق تصورا أكثر كحركة جسدية تتواءم مع مجريات العرض ، ولكن يبدو أن الأمر بحاجة إلى فترة زمنية طويلة ، وهذه حقيقة ، فالكوريغرافيا حالة تتطلب المران والاستعداد النفسي وتتطلب القدرة الجسدية ، ومهما يكن بقيت هذه الحركة تؤديها المجموعة من دون أي مشاركة من الممثلين الأربعة الذين يؤطرون الرؤية والحدث، ولكنها بدت كصورة تعكس طبيعة الحدث، سواء أكان من خلال تذمر وغضب الكاهن، أو من خلال الفنان وهو ينحت صرح البتراء، أو من خلال الفرح بقوة الأنباط، وهي بالتالي تتشارك بصياغة الرؤية والحدث كصورة بصرية.
وتبقى صدى الصحراء حالة انبعاث، ولكنها ليست نستولوجيا، فالمسرحية تمسرح الحدث والرؤية التي ما زالت تتجدد دائما ، إنها حالة التجدد التي نستدرجها الآن في ظل وضع عربي متخبط ، فهي حالة استيقاظ وتشكل لنكون على مستويين ، الأول أن تكون لنا أبجديتنا الجامعة لكل مقومات الحياة والتي توازي أبجديات الآخر، والثاني أن يكون لنا حضور بصياغة وتشكل معالم المكان والجغرافيا التي ننتسب إليها.

منصور عمايرة كاتب وناقد مسرحي أردني
عمّان 20 نوفمبر 2013



#منصور_عمايرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مئة عام من المسرح في الأردن
- ترى ما رأيت تشكيل مسرحي تعبيري
- التوثيق المسرحي
- كتاب المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر للباحث الجزا ...
- تأريخ المسرح الأردني الحديث
- جهود وتجارب مسرحية عربية
- المونودراما/ مسرح الموندراما
- الممثل المسرحي الذات والأداء والمعرفة
- المسرح الأردني ، إثنوسينولوجيا الفرجة الأردنية - التعليلية -
- المسرح والوسائط


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء