أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - منطق التاريخ وسردية - تلك الأيام - للروائي فتحي غانم















المزيد.....



منطق التاريخ وسردية - تلك الأيام - للروائي فتحي غانم


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4291 - 2013 / 11 / 30 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


منطق التاريخ وسردية "تلك الأيام"
د. أمانى فؤاد
منذ فترة قصيرة كنت بالإسكندرية وقصدت البحر وقت الغروب، وعلى امتداد الرؤية حين معانقة الشمس لمياهه، تصادف أن تقاطع معهما فى مجال رؤيتى قارب صغير، بعيد، تمنيت وقتها أن أكون بداخله وأن أقفز إلى ما وراء هذا الأفق، أن أنفذ إلى قلب هذا التوهج الأرجوانى، وهذا المجهول الغامض، إلى ما وراء عينى وقدرتى وخيالى وأفكارى.
استحضرت هذا المشهد بعد أن انتهيت من قراءة رواية "تلك الأيام"(1) "لفتحى غانم"، تخيلت التاريخ والمعرفة هذا القارب البعيد المغامر، والواقف بالقارب "سالم عبيد" بطل العمل وأن المعرفة الكاملة والتامة هذا "الماوراء" هذه القفزة التى تبدو حتى اللحظة التى نعيشها ضرباً من المستحيل، المستحيل الذى لا ينبغى أن نفقد الأمل فى أن يتحقق، قد نحياها ونتوهج بنورها، حتى وإن كانت لم تزل ضرباً من الأوهام.
- 1 -
التاريخ انطلاقاً من الفرد:
فى نص "تلك الأيام" يتبدى التاريخ والمعرفة بطلين رئيسيين بالرواية، وللممتلئ والمهموم بهما "سالم عبيد" أستاذ التاريخ طريقته الخاصة ومنهجه فى تناوله لهما، وانخراطه فيهما، وهو الأمر الذى سيضفى أجواءاً خاصة على تقنيات سردية العمل.
تتجمع التقاليد والعقاد الموروثة والظروف السياسية والاجتماعية التى تتحكم بالإنسان، والدوافع النفسية والغرائزية لدى الأفراد؛ لتشكيل المادة الخام التى تشبه بُرادة الحديد وجزئياتها متناهية الصغر، ويأتى المنهج الذى يعتنقه المؤرخ "سالم عبيد" قطباً مغناطيسياً يحركه خلف تداخل هذه الأحداث وتشابهها، وتشابك أزمنتها؛ لتتشكل التكوينات والتكتلات والوقائع بطريقة عفوية، تنفذ من الأنا الفردية وتبدأ منها إلى الأنا الجمعية لتصبح ظواهر مجتمعية.
يقول "سالم عبيد" "أيمكننى بحث تاريخ مصر من خلال مشكلتى الجنسية وأفكارى عن الطعام، أشعر أنى منهك القوى.. الجنس والطعام، ما صلة التاريخ بهما، نعم نعم، قد يتحول هذا إلى فكرة عظيمة، الجنس يتحول إلى دراسة مشكلة تزايد النسل والطعام يتحول إلى دراسة الاقتصاد الزراعى"(2).
يجنب "سالم عبيد المؤرخ" التتابع الزمنى الواقعى فى كتابة التاريخ، وينطلق من الشأن الفردى الخاص، من أبيه وأمه، والمجذوب والقاتل أخويه، والصديق الأزهرى، لتكوَّن هذه الشخوص المحورية بحياته دلالات على ما يشكَّل حياة الفرد، ومن ثم حياة أمه كاملة بعيداً عن الأحداث الرسمية الكبرى للدول، والتى تعد نتيجة ذاتية لعناصر كثيرة تخص أفراد المجتمعات.
يدرس "عبيد" ظاهرة الإرهاب فى مصر، ويقارنها بالظاهرة فى مناطق أخرى من العالم، ولذا يختار "عمر النجار" نموذجاً لأحد الإرهابيين الذين أفرج عنهم، ويدرس من خلاله نفسية الإرهابى المنتسب إلى رؤى العالم المدنى بعيداً عن الفكر الدينى، ويشير إلى تكوينه الثقافى والاجتماعى، إحساسه بفعل القتل، ثم يستثير فيه ماضيه المقاتل، من خلال دفعة فى حياة زينب زوجته التى يعلم أنها تخونه مع رجال آخرين لمرضه وعجزه، واختلاف توجهاتهما فى الحياة.
من خلال هذا الشحذ المتعمد، والذى يبدو فيه "سالم عبيد" عالم يهيئ كل الظروف المواتية لإجراء أحد التجارب المعملية "فزينب" و"عمر النجار" وهو ذاته فئران التجربة التى يمكن التضحية بهم، ليكتب المعرفة الحية النابضة بدمه ودم الاخرين، التاريخ وهو وقائع وأحداث حيوية ومتحركة وعارية أحداث وبشر عاديين كما أن لديه نموذجاً آخر يصلح للقياس، ويقع فى جراب الزمن الذى يمسك "سالم عبيد" بتلابيبه جيداً، عمته "زكية" و"السيد حبيبها" وزوجها العجوز "منصور".
كل هؤلاء يسطرون معاً القيم والتقاليد التى تحكم وتسيطر على كيان أمه وتعوق قيام نهضتها الحقيقية، برغم تتابع ثوراتها حتى لحظة كتابة الرواية سنة 1963م، وهى سنة الإعداد لميثاق العمل الوطنى الذى دعا إليه "جمال عبد الناصر" بعد انهيار حلم الوحدة سنة 1961م، والذى تطلب من الجميع مطلق الصدق والمصارحة والتعبير الحر إن أراد الجميع إصلاح هذه الأمة.
هذه الأزمة العامة جعلت "سالم عبيد" يقف أمام أزمته الخاصة مدبراً لأن يفجرها من خلال مواجهات حية، فلقد وصل الغضب والرفض بداخله إلى ذروته، لقد طاله القمع من السلطة من قبل، حين واجه الحقائق التاريخية وكتب مؤلفه "السخرة والكرباج" ففصل من الجامعة، ثم رضخ بأن قبل كتابة أنصاف الحقائق وأرباعها وأخماسها، وكما خان علمه ومعرفته ومنهجه فى كتابة التاريخ وصمت، تعايش مع خيانة زوجته لنقص بداخله، كما تعايش مع ضياع أحلام ثورة 1952م، بل مجد وأشاد بالقرارات الفردية والقمعية لينال ترقياته المتوالية.
- ¬2 -
السرد الكثيف فى تلك الأيام:
ولقد تميز السرد فى نص "تلك الأيام" بأنه سرد كثيف محملاً بمستويات متعددة من الجانب الفنى والفكرى كخام غنى وثقيل، أى أن الناقد والقارئ يمكنه أن يشتق أو يستخرج منه العديد من القضايا الفكرية والفنية.
وفى ظنى أن هذا الزخم السردى يرجع إلى أن الروائى كان يمارس فعل الكتابة كما يمارس لعبة الشطرنج، فكل جملة وفقرة وعبارة يتعامل معها مثل تحريك قطعة من الشطرنج، فهى تستلزم قبل تحريكها تفكير عميق تتابعى وتراتبى، متصل ومنفصل فى آن واحد، ولذا يأتى السرد محملاً بظلال متعددة من التماس وإمكانية التقاطع أو التداخل بين الأشخاص والأحداث التى قد تبدو متباعدة، لكنها أيضاً مترابطة ولها منطقها.
كما يتبدى السرد مكتنزاً بأزمنة متتابعة، لكن الحركة بداخلة متحررة بين الحاضر والماضى، تختلف الشخوص وأسماءها لكن القيد المجتمعى والسياسى يتشابه كثيراً، فالمعطيات التى تحكم المجتمع ثابتة لم تتغير، الجهل والعنف والدين والجريمة والشعوذة.
ولذا يبرز فى النص جوهر طريقة كتابة التاريخ التى تعتمد فيما تعتمد على تراكم الأحداث والظواهر وتتابعها، كما تعول على تحليل الأحداث وبيان تأثيرها على المحيطين بها، وعلى بيان العلاقات بين المجالات التى تبدو متباينة فى الحياة.
وتطلب هذا سرداً متقافزاً قد يشى بنوع من الاضطراب والتداخل، لكنه فى الواقع الفنى يشير إلى قدرة فائقة على ربط الموضوعات بعضها ببعض، الخاص والعام من خلال التقنيات السردية ذاتها، ولمس العلاقات فيما بينها، وابتكار تفسيرات جوهرية، تمس الظواهر وتضع الأيدى على مناطق التوتر بها والتلاقى، قدرة إدراك مواطن الضعف وتحديده بعمق، ثم استمراء العيش فيه دون مواجهة أو تغيير حقيقى.
يعلق "سالم عبيد" على الظروف التى أحاطت حفر قناة السويس وموافقة "سعيد باشا" "لفرديناند ديليسبس" بأن يتولى المشروع. يقول "أى سرقة مصر بأكملها مقابل سرقة شوك وسكاكين وملاعق. إن هذه الحقائق المخزية تضطر إلى التساؤل عن القيم التى تحكم مصر، إننا مستسلمون لهذه القيم، نحترمها ولا نناقشها، نحيطها بقداسة مع أنها ليست قيم الأخلاق ولا قيم الدين ولا قيم العلم والتقدم، ما هى إذن قيمتنا التى تتحكم فينا، وتسيطر علينا، وتحدد آفاق تفكيرنا؟ ألا توجد قيم على الإطلاق؟ أهى فوضى أو عجز فى عقولنا؟"(3).
تتشابك وتتقاطع إجتماعات الإعداء لميثاق العمل الوطنى وكونها مسرحية هزلية لا مجال لقول الصدق والحقيقة فيها، مع ظروف حفر قناة السويس، شخصية "محمد على" سارق الشوك والسكاكين مع ديكتاتورية "جمال عبد الناصر" وثقته فيمن لا ينبغى الثقة بهم، مع قبول العقول المصرية لتلك الأوضاع بالرغم من معرفتها لمواطن العلل بالشخوص والأحداث والوقائع(4).
تميز السرد أيضاً بظمأه للتفاصيل التى تملئ دائرة الحقيقة الصافية التى تتكثف عبر فوات الزمن، فيأتى "سالم عبيد" وعشقه للتفاصيل المتنوعة ويعيد للحقيقة المصفاة مساربها وحواشيها يملأها بالدم والحياة، ذلك بأن يقسم الشخوص والأحداث لشرائح ووحدات متشابهة ثم يعيد جمعها ويظهر ارتباطها أو انفصالها، بغض النظر عن الفارق الزمنى، فهو يجردها ليظهر جوهرها، ثم يعيد ضخها بالتفاصيل، يقول "عمر سيعاقبها نيابة عنى، هو الذى يملك العقاب، ربما حكم عليها بالإعدام. لا أستطيع أن أطلقها. ما أسهل هذا. وينتهى كل شئ. وتطلق الزغاريد مثل عمتى زكية؟ ما أبشع هذا. ستكون نهايتى. لا حياة لى بعدها. سينتهى محمود وسينتهى عمر.. كان جدى يقول.. منصور انتهى بعد طلاق زكية.. انتقامى هو أن أبقيها. قوتى هى أن أبقيها.."(5).
إن منطق التاريخ ودوراته المتتالية وطبيعة المؤرخ، وتكرار الأحداث وتشابه الشخصيات والسياقات كلها توظف فى هذا العمل السردى لتصوغ الحكى وتشكله، لتؤكد على معنى أساسى هو أن التطور لا يطالنا، وأننا نرزح تحت نفس الأغلال مهما مر الزمن وتوالت السنون التى كان من الطبيعى والمنطقى أنها تحمل فعل التغيير، إن قيود السلطة الواحدية القمعية، التى تُفرض علينا ولا تعبر عن إرادتنا بما تتكئ عليه من دعائم تحفظ لها هيمنتها مثل: فهم خاطئ للدين يقلب الغاية من فلسفة وجوده، فالإنسان وسعادته وتحقق كيانه هو غاية أى دين، والدين هو وسيلة تحقق ذلك، تستخدم السلطة الأديان لتدجن البشر لا لتحررهم، كما يتضافر مع الدين خوف الإنسان من التغيير ومن الجديد فيكرس الناس ذواتهم للعادات والتقاليد فيساهم بعضها فى شقاء البشر وعيشهم لحيوات مزيفة، ويتحكم أيضاً الاقتصاد الزراعى أو الخراجى فى ثبات الأشياء وركودها بعيداً عن المغامرة، فهو يكرس لقيم طبقة الملاك التى ترعى مكتسباتها بإصرار.
- 3 -
المؤرخ والمواجهة:
ومن ظواهر السرد فى نص "تلك الأيام" استناده على ما يطلق عليه "قانون التناقض" وهذا القانون يفترض أن لكل فكرة نقيضتها ولكل شعور ما يقابله، فالإنسان فى مراجعة مستمرة مع ذاته ومع الآخر من حوله.
إن الانطلاق من الذات الفردية فى كتابة التاريخ، هذا المنهج الذى بات يقيناً لدى "سالم عبيد" وأخذه عن المؤرخ الألمانى "شبنجلر" وفيه يرى أن التاريخ الذى أكتبه هو تاريخى أنا، كما يسرى فى دمى"(6)، هذا المنهج يرسخ بفرديته لهذا التناقض.
هذا التناقض الذى يرعى فى الذات الفردية، ويحلُّ زائراً مقيماً فى جميع شخوص العمل ويجعل الصراع محتدماً متذبذباً لكنه لا يصل لنهاية، كنهاية النص المفتوحة التى تعود فيها السيارة لذات مسرح الأحداث والشخوص دون حسم الصراع.
يقع التناقض فى شخصية "سالم عبيد" فهو يعرف من هو المؤرخ الحقيقى وبالرغم من ذلك لا يمارس علمه ولا يصرح به خوفاً من السلطة، هو من يكرهه خيانة زوجته وبالرغم من هذا يظل متعلقاً بها وبوجودها معه ويتساءل فى النهاية "أتهجرنى زينب لتعيش معه"؟ وماذا يتبقى لى؟.."(7).
وتقع زينب فى تناقض من نوع آخر تقول "كلما قلت لواحد منهم أحبك شعرت أنى أحيا" وشعرت أنى أموت، شعرت أنى أصدق إنسانة فى العالم وشعرت أنى أكبر كذابة فى العالم"(8). تناقض من لا تعرف ماذا تريد؟ وهل ترضيها الخيانة أم تلوثها؟
يقع "عمر النجار" فى حب "زينب" وفى ذات الوقت يود لو استطاع أن يقتلها أو يستغنى عنها، يريدها لنفسه ويعجز عن إتمام علاقة حميمية معها، التناقض الذى يصيب المجتمع ذاته فالجموع يدركون موطن العلة لكنهم عاجزون عن تغيير أسبابها.
إن هذا التناقض الحدى يصيب الجميع بالعجز، العجز الجنسى، والعجز عن الحب، والعجز عن ممارسة الدور الحقيقى كمؤرخ، والعجز عن القتل عند الإرهابى العجز عن الأمومة، لدى امرأة كل همها لحظات الفرح، هذا العجز الذى طال الجميع حتى فى الفترات الزمنية السابقة من تاريخ مصر.
إن هذه المتوازيات على المستوى الزمنى والمتداخلات على المستوى الاجتماعى والسياسى يحيكها الروائى بطريقة سردية ماهرة، وسأشير هنا إلى محورين رئيسيين بالعمل تتلاقى فيهما الحكايات البشرية مع اختلاف الأزمنة:
(1) تتلاقى "زكية" عمة "سالم"، و"زينب" زوجته، فى كيان إنسانى متشابه إلى حد كبير رغم الفاصل الزمنى الذى يصل إلى خمسين عاماً، فالاثنتان يتملكهما هاجس وجودى ملح، تريدان اقتناص الحياة والفرح، تصران على الخصب والحب والسعادة، الأمومة والاستمرار، وإن تحولنا من الخاص إلى العام قد تشير الشخصيتان إلى كيان الدولة المصرية فى سعيها إلى التقدم والتطور.
السيدتان لا تأبهان بالتقاليد التى تقهرهما، وتحجب عنها الحياة الحقيقية، فتفسر "زكية" الذنب تقول "الذنب هو أن أريد ولا أستطيع أن أحقق ما أريد، الذنب هو أن أظل أكتم الرغبة فى نفسى، الذنب هو أن أرى الحياة مجسدة أمامى ولا أفتح ذراعى للحياة، ولكنهم يفهمون الذنب بطريقة أخرى. الذنب هو أن أخرج على ما يريدون. لو يفهمنى أبى. أقول له يا أبى يا حاج. يا من تعرف الدين. يا من زرت قبر الرسول. أليس لى حق فى الحياة؟ فى البهجة؟ فى الفرح؟(9).
تتعلق "زكية" "بالسيد"، الشاب الذى يهبها الحياة والأمومة، وتنفر من "منصور" الشيخ العقيم وتصر على الطلاق وتدعى الجنون لتنال ما تريده، وفى توازى زمنى وتداخل إن لم نقل تماثلاً فى الحالة الاجتماعية والنفسية تقول زينب ".. وفى لحظات الفرح أتمنى لو أنجب أطفالاً. أطفال فرح. أطفال من الدنيا كلها إلى الدنيا كلها وأنا الأم الكبيرة. أنا الأمومة. أما أطفال سالم فلن يأتوا. أطفال أقراص ودواء وحقن. أطفال للموت. كيف يقتلهم عمر؟ كيف يواجه الموت؟ ينطلق من يده؟ أيكره الحياة؟ أنا أحب الحياه."(10).
(2) لقد مارس المجتمع بتقاليده وعقائده ومقدراته القهر على الشخصيتين بطريقة أو أخرى، "زكية" جسد فائر، فيه فتنة يخشى أبوها منه ومنها، يخشى من انطلاقها كما الطبيعة(11) فيزوجها بشيخ عجوز وعقيم، تحاول أن تلتف على عجزه تميل إلى "سيد" وتنجب منه، وينسب الطفل إلى "منصور" ثم تحرق نفسها لتنال الطلاق، وتتزوج من "سيد" ثم يذهب إلى الضرة لحفر القناة، ويقتل "منصور" الطفل لشكه فى أبوته له، تغضب "زكية" وتدعو بالتدمير على المجتمع الذى فرض عليها كل هذا العذاب.
على الجانب الآخر تقع على "زينب" أقدار مشابهة، تحب زميلها "محمود" بالجامعة، ثم يموت بعد أن فقدت والدها الذى كان يدللها ويمثل السند الأقوى لها، تعانى الفقر والعوز هى وأسرتها، ثم تتزوج من أستاذها "سالم عبيد" لتكتشف مع الوقت عقم الحياة معه، وخلوها من الفرح والسعادة والأمومة، فتمارس خيانات متعددة، لا للخيانة لكن لاقتناص لحظات هاربة من الفرح والسعادة.
تتلاقى الشخصيتان مع الثورات المصرية ورغبة المصريين فى النهوض والتقدم الحقيقى، رغبتهم فى الحياة الحقيقية وهم يملكون بالفعل مقاليد النهضة والتطور، ويقمع هذا فى أكثر من مرة بفعل التقاليد البالية والعقائد المقيدة التى تفسر وفقاً لمصالح بعض المجموعات، ولأنظمة الحكم الطبقية التى تتحكم باقتصاد الوطن كما يتحكم فى مقاليد الأمور "الجهل والجريمة والدين والشعوذة أهذا هو المفتاح إلى تاريخ مصر الحديث؟"(12) هذا إن انطلقنا من التاريخ الخاص للأفراد لنصل إلى تاريخ الأمة المصرية كلها.
تنتهى قصتا "زكية وزينب" دون نجاح أو تحقيق لإرادتهما، بل بحالة من الضياع. ويشترك معهما كل أبطال العمل، الجميع لا يحصلون على ما يريدونه فلا الخصب والاستمرار والفرح كانوا من نصيب السيدتين، ولا المعرفة الحقيقية أضاءت حيرة "سالم عبيد"، ولا القدرة على القتل وهو فعل الوجوه بالنسبة "لعمر النجار" نجح فى إتمامه بقتل "سالم عبيد".
مع تقدم فى الزمن نلاحظ تعقد حياة الأفراد بصورة أفدح تتناقض مع ما حصلوه من معارف وعلوم وتراكم المنجز الحضارى، لكن يستمر القمع والحيلولة دون نيل ما يأملون فيه لذواتهم، فالمجتمع وسياساته يظل قيداً يمنع "سالم" من العلم المتحرر والكتابة الصادقة، من مواجهة خيانة زوجته، من مواجهة الخلل الداخلى بذاته(13)، يحكم على "سيد" بالذهاب إلى السخرة لحفر قناة السويس فى الماضى، يوصم عمر النجار بالقاتل الإرهابى بعد هروبه من سلطة والده إلى القتل، وإلى تحوله إلى مجرد يد تقتل، تقتل وكفى، ويمثل عمر نموذجاً للإرهاب المستند على الفكر المدنى لا الدينى ويستدعى هذا شخصية "فخر الدين" فى رواية "أبو عمر المصرى" "لعز الدين شكرى"(14) فيشير فى مرحلته الأولى من ممارسة العنف التى تملكته نتيجة للظلم الاجتماعى والقمع الأمنى ثم ما لبث وتحول إلى مرحلة أكثر تعقيداً.
كما يشير "د. جابر عصفور"(15) فى مقدمته القيمة لرواية "تلك الأيام" إلى تكرار هذا النموذج للإرهابى المدنى فى أعمال "يوسف إدريس"(16) و"لويس عوض"(17)، و"إحسان عبد القدوس"(18) بصور متباينة، وكلها تستند على الفكر المدنى لا الدينى.
وأتصور أن نص "الأفيال"(19) وحكاية تو(20) "لفتحى غانم" انشغلا أكثر بتحليل الإرهاب بكل صوره المدنى والدينى وتحولاتهما، فقضية الإرهاب و"عمر النجار" خيط ثانوى غير محورى فى نص "تلك الأيام" كما فسره "د. جابر عصفور" فى مقدمته21)، فثمة نقص ما فى بناء شخصية هذا الإرهابى، وفى الدوافع النفسية والاجتماعية التى وجهته لتلك المنطقة، وثمة افتقاد لعمق الصراع الذى لا بد وأن يدور بداخل هذه الشخصية عند قتل الآخرين، كما أن علاقته بصديقه فهى، واعتماده عليه لتعلم فنون القتل والتخطيط له كانت تتطلب مد خيوط درامية أكثر استيعاباً.
ولو أن "فتحى غانم كان معنياً فى الأساس بهذه الظاهرة فى نص "تلك الأيام" لأفرد لشخصية عمر النجار مساحة سردية أوسع وأكثر عمقاً(22).
وفى ظنى أن التوفر على هذا الخيط الدرامى بالعمل المتمثل فى شخصية "عمر النجار" توفر ثانوى، وهو ذريعة موظفة للدلالة على أن هذا النموذج العنيف والدموى منتج طبيعى لمجتمعات لم تزل تقيدها سلطات قمعية، سياسية واجتماعية وثقافية، لم تزل تلك المحاور السابقة "الدين، الجهل، الشعوذة، العنف، الفقر" تتحكم فى ثقافة أفرادها ومن ثم توجهاتهم، وأنه حتى لحظة كتابة النص لم تحدث مواجهة جذرية مع سلبيات هذا المجتمع، لذلك يظهر النموذج المتعصب الذى يصدر أحكامه قبل المداولة.
وأتصور أن الصراع الرئيسى بالنص يتركز فى القدرة على فعل المواجهة، مواجهة حقائق التاريخ، أحداث ووقائع وثورات أمة دون تزييفها أو الصمت عنها، مواجهة فعل الخيانة، مواجهة القمع بكل أشكاله القمع السلطوى والاجتماعى والنفسى، مواجهة الادعاءات السياسية، مواجهة القدرة على القتل عند الإرهابى المحب "عمر النجار"، مواجهة العجز وعدم القدرة على اتخاذ القرار.
- 4 -
التكثيف، التكرار، الحوار:
فى فقرة واحدة يستطيع "فتحى غانم" أن يلخص حياة استمرت لأكثر من عشرة أعوام هى تاريخ علاقة "سالم عبيد" بزوجته "زينب"، ويوضح فيها كل التفاصيل بطريقة سردية تلتقط الأحداث البارزة والمنعطفات الرئيسية فيها وتحولاتها، لكن دون أن تفتقد الحميمية وتصبح كتقرير علمى يصف حالة، يقول على لسان "سالم عبيد" عن منعطفات حياته مع زينب "ها هى أمامى.. أراها.. الأحمر فى شفتيها.. خط الكحل فى عينيها.. شعرها قصير، واثقة، حزينة، صوتها عصبى، ضحكاتها عالية غليظة، آمرة.. قلقة.. نمت بن ذراعيها، أكلت وشربت من فمها. استرحت على صدرها.. دخلت عليها الحمام وهى عريانة، تشاجرنا. دفعتها بيدى، صفعت الباب فى وجهى، بللت دموعها كفى، ضحكنا.. رقصت لى وحدى.. سقطت مريضاً ورفعت المبولة من تحتى.. شممت عطرها.. قبلتها وصفار البيض يلوث شفتى.. صنعت لى ألف فنجان قهوة.. وأكثر.. أيقظتنى لأكف على الشخير.. دست يدها فى جيبى وأخرجت نقوداً، وقرأت أوراقاً.. رأيت ثيابها الداخلية ملقاة على السرير.. بللنا مناشف بجسدينا.. قلت لها أحبك.. قلت لها أكرهك.. عادت إلى البيت مرحة، عادت إلى البيت بوجه مريب، أعرفها كيف لا أعرفها، ولكننى لا أعرفها، تنقصنى التفاصيل.. جميعهم هناك.. رجال يدخنون ويشربون ويضحكون ويعبثون بجسدها.. ويسخرون منى ويخافون.."(23).
يبرع "فتحى غانم" كما نرى فى الفقرة السابقة فى رسم دراما بصرية حركية باقتدار، فالسرد المكثف يوفر عناصر متعددة ليحيط القارئ بقصة علاقة كاملة بكل ما تتطلبه من تفاصيل فهو يوفر لشخصية زينب المظهر الخارجى، ويشير إلى تفاوت حالاتها النفسية، وطبيعتها الشخصية المعتدة بذاتها، والنرجسية التى تصيبها فى أحيان كثيرة، كما يشير إلى مراحل العلاقة بينه وبين زوجته علوها وبدايتها الطبيعية، ثم انطفائها، ثم تذبذبها بعد مرضه، ثم مراحل الشك القاتلة وموقفه المتردد منها، وموقف الرجال الذين تخونه معهم. وبرغم هذه التكثيف لا يفتد السرد الحميمية مستعيناً بالكنايات، وضغط مناطق واسعة فى جمل مكثفة. ولقد تحولت رواية "تلك الأيام" لفيلم سينمائى من إخراج أحمد ابن فتحى غانم. وقدم شخصية سالم عبيد الممثل محمود حميدة فى أحد أدواره المعقدة الرائعة ولكن المعالجة السينيمائية لم ترق لفنيات النص الأدبى فيما رأيت.
ويستخدم الروائى لذلك التكرار الذى يدلل على نمطية سيرة تلك العلاقات، يقيم "سالم عبيد" مونولوج مع ذاته يقول "أهكذا تكون البداية يا زينب.. شاى يا أستاذ عمر.. أنت لطيف يا أستاذ عمر، لا أستطيع يا أستاذ عمر.. متى يا أستاذ عمر.. كلمنى فى التليفون يا أستاذ عمر.. أحبك يا أستاذ عمر"(24).
كأنه يكرر ما يحدث فهو يحكى بمنطق الزمن والتاريخ ونمطية الحالات المتتابعة فى مكان الزمن.
أوجدت هذه الحياة الزائفة الظاهرية التى يعيشها الشخوص. حياة أخرة مضمرة يحيون تحت وطأة ازوداجيتها ولذا شاع فى السرد طبيعة مزدوجة للحوار سيطرت على شخصيات النص.
يتشكل الحوار ذى مستويين معلن منطوق، ومستوى آخر مضمر فى الشخصية غير مصرح به إلا على كونه مونولوج داخلى لصاحبه أى أن الحوار حوارين، وهذا نموذج لحوار بين زينب وسالم يقولا فيه:
- اسمع أريد أن أكلمك
أريد أن أقضى عليك أتخلص منك" قبل أن يفعلها عمر.
- ماذا حدث؟
إكذبى.. إكذبى.. حياتى معلقة بأكذوبة منك.
- أذاهب أنت للقاء عمر؟
أيها العجوز. المحطم أنا قادرة عليك.
- نعم
اصمتى. إذهبى بعيداً عنى. كلامك قبل الأوان. لا أدرى.. ربما فات الأوان" (25).
وهكذا يستمر الحوار محملاً بهذه الازدواجية المنطوقة والمضمرة، وتتعدد دلالات هذا فيما أرى فى تشكيل سردية النص.
- خلل واقع بذوات الشخوص فجميعهم يعانى نقصاً ما فى ذاته وتكوينه النفسى، أو نتيجة ضغوط مجتمعية وقعت عليه، يظهر شئ ويبطن آخر. فنحن جميعاً نتاج مجتمعات القهر.
- ويتسق هذا مع طبيعة كتابة التاريخ فى المجتمعات القمعية ويصبح هذا الاختيار من الروائى لهذه التقنية الحوارية حاملاً أساسياً لمنهج يسود مجتمعاتنا عند تسجيل الحقائق، هناك تاريخ رسمى معلن زائف، وآخر حقيقى مضمر مسكوت عنه.
- هذه الإزدواجية بين المنطوق والمضمر تفصح عن الزيف الحياتى الذى يعيشه أفراد المجتمع. ومن ثم ظهور نماذج مشوهة من الشخصيات.
إن التقنية الحوارية ذاتها تعلن على هذا النحو عن مناخ الزيف السائد فى حياة الأفراد وفى علاقات المجتمع ذاتها.
وفى المنظومة السردية يراعى "فتحى غانم" طبيعة الشخصية التى يتحدث بلسانها الراوى المفارق فالسرد قائم فى مجمله على سارد مفارق للشخوص ثم ما يلبث أن يتحول إلى ألسنة الشخوص ذواتهم ومنطوقهم المباشر دون وسيط.
يستخدم "عمر النجار" - المقاتل الذى يتوحد كيانه بيده بالمسدس الذى يقتـل به - التكرار كأنه طلقة رصاصة قاطعة وفاصلة فهو حين يحسم انطباعاته عن "زينب" ويغرقها بداخله وقت أن قدمها له د. عبيد، يقرر بداخله ".. عيناها فجوتان كبيرتان" إنها امرأة" زوجة رجل عالم.. جميلة.. إنها امرأة.."(26) يظهر التكرار هنا حسماً لموقعها بداخله وفى توصيفها، فالأسلوب ذاته يصبح مكون دال على طبيعة الشخصية الساردة وتلك براعة من الروائى.
فى السرد الخاص "بزينب" وهى شخصية ذاتية إلى حد كبير تستخدم كل من حولها لتحيا لحظاتها الخاصة تتنوع الموضوعات وتقفز إلى عناصر ومفردات تتداخل بالمشهد سريعاً وتختفى سريعاً بما يحقق منطق اللحظة فقط، وما يعن لها ويدور فى فلكها، فتقول على سبيل المثال ".. لن أتورط معه فى مناقشة. لن أدعه يشعر بجهلى. ها هى مركب تغادر مرسى الفندق، هذا منظر حزين، كل شئ هادئ، لا شك أن أمى سعيدة. تخلصت منى. كانت أيام نكد. ماذا تفعل تلك الشقراء فى شرفة الفندق.. زبائن الشرفة يتجاهلونها.."(27) ينتقل السرد على لسان "زينب" من موضوع لآخر سريعاً شأن بعض النساء، ثم يدور جميعه فى فلكها دون اعتبار للآخرين، إلا بما يخدم وجودها الخاص.
إن منطق التوالى والتراكم واحتشاد التفاصيل فى تعاقب سنوات التاريخ يضفى بظلاله على سردية هذا النص يقول الروائى "عينا زينب تسعيان وراء الصخور السوداء صخرة صخرة. كتل من الصخر الأسود فى مختلف الأحجام والأشكال. هائلة ضخمة. ملتوية غامضة. عاتية. صلبة. والنيل يتهادى حولها فى حزن عميق"(28).
إن توالى مفردات الوصف تلعب على محورين فهى تدلل على الحالة النفسية التى تتملك زينب والحزن المقيم بداخلها برغم كونها عروس وكأن الصخور حائط صلد واجهها بواقع مظلم لمستقبل عاجز مع زوج عجوز. نفس هذا النيل هو ما سلب منها حبيبها الأول محمود ولذا فهى تشاهد سواده وصلابته وغموضه، تضفى عليه من ذاتها الممرورة ومن الفقد الذى أذاقها إياه.
ينضم مع التكرار هذا الحشد من الإسناد لنفس المسند، مع حشد آخر من الصفات، والمضاف إليه، لتنصب جميعها فى أحد الفقرات لتكثف جوهر المأساة بالنسبة لزينب فى شخص "سالم عبيد"، تعلق زينب على سالم بعد قراءتها لفقرة من نشيد الإنشاد. تقول "سالم هو الذى جاء بهذه الكتب. وملأ بها المكتبة، هو صاحب الأوراق التى يكتب فيها عنى وعن محمود، هو الذى يحفظ الحزن فى البيت، هو الذى يحفظ الذاكرة، هو الذى يفكر ويعرف، أنا وسالم فى هذا البيت، عينه ترانى، أفكاره تحكم علىَّ، إنه يعرف الماضى وكأنه يرسم المستقبل، يجب أن أهرب من سالم. إنه كالمرآة التى تعترضنى فى كل مكان. يجب أن تغمض عين سالم، لولاه لما تذكرت محمود. محمود الميت هو سالم، لولاه لما كان عمر، عمر الموت هو سالم،. عمر الذى يقتل هو سالم. كيف أعيش لحظة حياة بلا ذكرى – بلا أمل – كيف أعيش لحظة حياة بلا سالم"(29).
يبدو كل هذا التوالى من الجمل التقريرية وقد أضاء المأساة فى دخيلة زينب وحصرت المشكلة فى سالم الذى يملك الذاكرة والعلم، ويحركها ويحرك كل من حولها.
تحيط طريقة الحكى عند فتحى غانم بالحيوات فى صراعاتها التجريدية ثم تنسج لها التفاصيل والمفردات التى تلبسها أثوابها الخاصة، وطريقتها المميزة التى تنسب إليها وتعرف بها، وتنضم هذه الظواهر السردية إلى ظواهر أخرى ليتميز لفتحى غانم أسلوب فنى وفكرى مميز.
ويتخير الروائى لنصه لغة دقيقة ومصوبة فهو يدرك تميز أفكاره وحساسيتها اجتماعياً وسياسياً، كما يدرك غوصه فى دقائق النفس البشرية والبحث فى تلافيقها شديدة الغموض والتناقض.
ولطبيعة الشخصيات الرئيسية بالنص، وكونها نماذج مركبة تحتاج كل منها إلى محلل نفسى ماهر يحيط بتاريخ الشخصية، وتكوينها الثقافى، والضغوط التى مورست عليها، كان لزاماً أن نأتى اللغة دقيقة وكأنها تحمل فى ثنايا حروفها عدسات مكبرة وكاشفة مضيئة لتنير هذه المنحنيات الغامضة وتشير إليها، فى لغة فصحى واضحة.
اتسمت اللغة أيضاً بسرعة إيقاعها فهى أولا تكثف قصص ممتدة لمجموعة شخوص العمل، كما أنها تربط وتدمج بين حالات بشرية وإنسانية عاشت فى فترات زمنية متعاقبة، تتصل فيما بينها اجتماعياً وسياسياً، وتنفصل زمنياً، كيف للغة أن تنقل هذا السرد المضفور المتصل والمنفصل إلا بتمكن الروائى من أدواته بتركيز شديد وتصويب ماهر مستخدماً كثير من إمكاناتها بحذق كما أشرت لبعض الظواهر سابقاً.
تعامل أيضاً "فتحى غانم" مع المجاز بحنكة فنية ونفسية، تصف "زينب" تصريحها لسالم تقول ".. عمر يريد أن يقتلك. سمعت صوت كلماتها.. كأنها أجساد صلبة تنتقل ببطء قاطعة المسافة بينها وبين سالم.. وارتطمت الكلمات بسالم" فدافع عن نفسه بابتسامة.."(30).
تبلغ زينب سالم رغبة "عمر" فى قتله فتنتقل الكلمات أجساد صلبة ثقيلة الوقع لذا يأتى الانتقال بطيئاً، لكنها تشعر بالمسافة القائمة نفسياً وعقلياً بينها وبين سالم، لذا يحدث ارتطام للكلمات بسالم، إن هذا التكوين المجازى الاستعارى يوحى بدقة استخدام الروائى للخيال، ليبين الأبعاد النفسية والشعورية للشخوص، كما يدلل على توفيقه بين الحدث وكيفية اختيار ما يعبر عنه من تكوينات لغوية دقيقة وليست جامحة، يستعير سالم عبيد لذاته صفات الألوهية والقدرة على صياغة الأقدار، ويسعى إلى الحقيقة وهو يملك يقيناً أن بإمكانه القبض عليها نابضة، يقول "منذ اليوم.. أنا صانع حياتك .. أنا صانع عشاقك.. سأعرف الإسم والسن والمكان.."(31)، ويتلاءم ذلك مع إحساس عبيد بذاته وقدراته التى استحوذ عليها وكأنه يمتطى آلة الزمن يتحكم بها ويتفاخر بها كيفما شاء فى سرديته، يستخلص من الأيام والسنوات قصصها ودروسها، يقطر خبرات التاريخ ثم يضفرها بالحاضر، ويعتصر منطق التاريخ وطرائقه وتكرار الحوادث فى الزمن، وتشابه الشخصيات وأقدارها، ليشكل سردية نصه بتقنيات فنية فائقة الإبداع.

المصادر والمراجع
(1) فتحى غانم: تلك الأيام، مكتبة الأسرة، مهرجان القراءة للجميع، القاهرة، ط2، 2000م.
(2) السابق: ص117.
(3) السابق: ص107.
(4) انظر عبد العزيز الشناوى: السخرة فى حفر قناة السويس، طبعة ثانية، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة.
(5) فتحى غانم: تلك الأيام، 2010م، ص314، 315.
(6) السابق: ص108.
(7) السابق: ص409.
(8) السابق: ص244.
(9) السابق: ص278.
(10) السابق: ص206.
(11) السابق: ص271.
(12) السابق: ص115.
(13) السابق: ص116.
(14) عز الدين شكرى فشير: أبو عمر المصرى، دار الشروق، ط1، القاهرة، 2010م.
(15) جابر عصفور: مقدمة رواية "تلك الأيام"، مكتبة الأسرة، 2000م.
(16) يوسف إدريس: قصة حب، 1956م.
(17) لويس عوض: العنقاء.
(18) إحسان عبد القدوس: فى بيتنا رجل، 1957.
(19) فتحى غانم: الأفيال.
(20) فتحى غانم: حكاية تو.
(21) جابر عصفور: مقدمة رواية تلك الأيام، 2000م.
(22) انظر أخبار الأدب: ماجد موريس إبراهيم، رحلة بن لادن من القفه إلى القصر، العدد الصادر بتاريخ 15/5/2011، ص11 : 26.
(23) فتحى غانم: تلك الأيام، ص47، 48.
(24) السابق: ص55.
(25) السابق: ص396.
(26) السابق: ص54.
(27) السابق: ص70.
(28) السابق: ص67.
(29) السابق: ص375.
(30) السابق: ص398.
(31) السابق: ص53.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرد دائري وصرخة ضد القهر وغياب العدالة في رواية -وحيد الطويل ...
- -في العائدون إلي الأرض -الموت حياة قراءة نقدية لخواطر د. سام ...
- قراءة لكتاب - النقد الأدبي بين القديم والحديث -
- في أقل من دقيقة.. -قصة قصيرة -
- بنية الانفصالات في سردية -قسمة الغرماء -للروائي يوسف القعيد
- تداخل النصوص في القصيدة المعاصرة ..ديوان -الشاعر والشيخ - لل ...
- شعرية الأشياء في ديوان -الفجوة في شكلها الأخير- للشاعر عاطف ...
- ثورة مصر .. رؤية يسارية لثورة 25 يناير يقدمها - سمير أمين -
- -المنطقة العمياء- سرد نسوي متحرر -مجموعة قصصية- للقصاصة أسما ...
- التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخر ...
- أنا ..أنت ..وهو ..مناورة الضمائر في سردية -الأنثي في مناورة ...
- التقنيات السردية المتجاورة في رواية -حرمتان ومحرم- للروائي - ...
- تكسر الدلالات اليقينية في ديوان - هو تقريبا متأكد - للشاعر أ ...
- الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي
- هل النقد الأدبي علم ؟
- - بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس ...
- دعوة من اللا تاريخ ..- قصة قصيرة -
- تقاطعات قصيدة النثر في ديوان -الكتابة فوق الجدران- للشاعر -ع ...
- الشعرية والألعاب السردية في ديوان -تفكيك السعادة- للشاعر -مؤ ...
- جدلية الانفصال والاتصال في المجموعة القصصية -سوق الجمعة - لل ...


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - منطق التاريخ وسردية - تلك الأيام - للروائي فتحي غانم