أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي















المزيد.....

الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4287 - 2013 / 11 / 26 - 00:10
المحور: الادب والفن
    



يحسب لهذا العمل الروائي "سلاًّم" أنه من الأعمال الرائدة الجريئة التي تواجه مايخالط كتابة التاريخ من إدعاء بطولات وهمية زائفة، فهو يعيد طرح مارسخ في الذاكرة العربية عن أمجاد الفتوحات الأندليسية من وجهة نظر مغايرة تنطلق من رؤية أكثر عقلانية واعتدالاً وتسامحاً ورغبة حقيقية في مراجعة الأخطاء التاريخية ، وإحلال حوار الحضارات محل "صراع" الحضارات الذي استمر لفترات طويلة بين الإسلام والمسيحية.
يخلخل العمل ما وقر في المخزون الثقافي العربي من أنَّ قصر الحمراء هو رمز لمجدنا الأصيل، أَنْدَلُسُنا الذي ضاع ، جزء من ذاكرتنا وتاريخنا المجيد ، يطرح الأوهام التي باتت تشكل جزءاً من نسيجنا الثقافي والتاريخي للبحث والحوار ويرفض أن نظل أسرى لخيالاتنا؛ بطرحه اختلاف الواقع عن الأساطير التي ننسجها، فالتاريخ البشري دائماً ماكان يزخرف الأطماع ويضعها في إهاب الدين ، على أننا يجب أن ندرس التاريخ من كل الحوانب السياسي والاقتصادي لا الديني فقط.
والرواية تصف سعي أمير سعودي تبهره وتأخذ لبه محاولة بناء قصر مماثل تماماً لقصر الحمراء بغرناطة في الأندلس فوق تلة عالية بمدينة الرياض في محاولة لإحياء الماضي والرمز الذي يحمل في طياته نوعاً من المواجهة والرغبة في استمرار الصراع.
وفي ظني أن هناك مستوى رأسياً شديداً تطرحه الرواية من خلال السرد، وهو نقد السمات الغالبة على طبيعة تفكير الكثير من العرب وهي رؤية ضمنية يطرحها الروائي بذكاء شديد، ومن خلال مواقف متعددة بدت تلقائية لكنها شديدة الإيحاء، وغنية بالتعامل الرمزي غير المتكلف، ونستطيع من خلال السرد والحوارات ورسم الشخوص- عناصر تشكيل الرواية - أن نلمح أصداء أعمال فكرية تصدت لتباين هذه السمات في طريقة الذكر العربي ، على سبيل المثال لا الحصر، محمد عابد الجابري " نقد العقل العربي" (1) و" نقد العقل العربي" لطارق حجي .(2).
يعري الروائي طريقة التفكير عند غالبية العرب التي تهرع نحو المرجعية وتنزع إلى السلفية والأصولية، غير قادرة على المبادرة والتعامل مع معطيات الواقع، إنها في حالة نزوع إلى الإقامة الدائمة في الماضي، ولنا أن نستشهد برغبة الأمير الملحة في بناء قصر يشبه قصر الحمراء تماماً ليحي رمزاً تاريخياً ويعيد صراعاً زمنياً.
إن طبيعة حياة الأمير وصحبته التي تسمى " الخويا" مظهرآخر يلوِّح به الروائي، فهي مورث يكبل حياة الأمير ولا يرى فيه سوى النفاق ، وبالرغم من ذلك يحرص عليه ويتحمل من جرائه أعباءً طائلة يقول واصفاً هذه الصحبة " أصدقاءٌ الولاءُ عندهم حِرفة أكثر منه فضيلة إنسانية" (ص43) ، فهم يوفرون له المغالاة في تقديره ومدحه.مع تآكل هامش الموضوعية، والعيش المرهون بمظاهر الترف وقشور القضايا وسطحية العلاقات ، يقول الروائي واصفاً حال الأمير مع صحبته "...قدر جهله بحجم ما ينفقه على أكثر من ثلاثين مرافقاً دائماً لا يبخلون على أنفسهم بشيء على حسابه " هذا بجانب حياة القصور في أماكن متعددة من العالم ، واليخت الذي يشبه قصراً عائماً ، والسيارات والملابس والنساء والخمور وغيرها.
كما يشير الروائي لعواقب تمجيد الفرد وتقديسه في إشاراته المتكررة لطبيعة المعاملات التي تدور بين الأمير وكل من هم حوله يقول " لا يجرؤ رَّماح ولا غيره أن يسأل الأمير أكثر مما يعطي هو من جواب ، ولو كان مبتوراً .." (ص23) .
وللأمير القدرة على تحريك من حوله كأنهم من الشطرنج غير مطالب بتفسير أشياء أو حتى مجرد الرد على التساؤلات ، هو فقط يأمر ، والحوار الذي دار بينه وبين رماح في العديد من فصول الرواية مثال على ذلك (ص25).
وتقدم الرواية في أكثر من موضع ميل التفكير لدى غالبية العرب نحو التوجه العاطفي والأسطوري والخرافي ويتجلى ذلك في طريقة الأمير في تناوله لقضاياه والظلال والرؤى والخيالات التي صاحبت رغبته في بناء قصر يماثل الحمراء واقتران تفسيره لبعض الحوادث ذات الفأل السيء مع قراره بناء القصر في الرياض ، (ص77.76) ، (ص52.51).
هناك قدر يشوبه الغلو من تقلص السماحة في تفكير الأمير ، والانغلاق على رؤى خاصة وهي بطبيعة الحال تتسم بالضيق ، ففي الرواية حوار بين الأمير ورماح صاحب المطعم العربي الذي يعيش في غرناطة ومتزوج من إسبانية في نهايته يقول رماح :-" أما لديك انتماء يارجل "؟- " نحن مسلمون إسبان من أصول عربية . هكذا نصنف أنفسنا..نمارس شعائرنا دون أن يعترضنا أحد، الإسبان شعب طيّب ومتسامح ". (ص66.64).
وتغلب سيطرة نظرية المؤامرة على فكر الأمير وفكر رمَّاح ، يقولان في حوار بينهما :- "وهل أنت معهم أم معنا؟- " هل رأيت ما أقصده أيها الأمير..؟ قد نطقت أنت للتو بما كنت أقوله لك...إنه الصراع ...- هم أيضاً يحاربوننا باسم الدين؟" – " هم أيضاً مخطئون .." (235.234).
وفي الحوار الطويل نلمح أيضاً ضيق الصدر بالنقد أو المخالفة في الرأي أو التوجه ، فلا يحتمل الأمير رفض سلام ويصف الراوي حاله في أكثر موضع قائلاً :" وأضاف دون أن يبالي بضجر أصاب الأمير وصاحبه.." (ص234).
كل هذه الظواهر التي أصبحت من السمات الغالبة على أكثر العرب يتعرض لها الروائي ويشير إليها في ثنايا مواقف النص الفني ويستخلصها القارئ طوعاً من خلال مواقف وحوارات طبيعية وتلقائية تصف الحياة اليومية وطرق تفكير شخوص الرواية التي قُدمت، إنها تحمل أبعاداً رمزية شديدة التوفيق ، وتستعرض بانوراما متسعة لنماذج من العرب المعاصرين من خلال شبكة درامية داخلية تتسلل إلى القارئ دون تجريد أو افتعال أو خطابية، وأرى أن طرح هذه السمات على هذا النحو التسللي يمهد لطبيعة تفكير النموذج العربي وطريقة معالجته للأمور لقد سوّد هذا الطرح أكثر صفحات الرواية .
ثَمَّ ملاحظة جوهرية يجدر الإشارة إليها وتختص بهيكلة الرواية فنياً، لقد أقام الروائي نصه في معظم فصوله على مغامرة وصفية تشويقية أكثر من كونها عملاً درامياً يحمل الصراع المعبر عن الرسالة المتضمنة في روايته، أتصور أن ما أراد الكاتب الإشارة إليه من أن هناك الكثير من المغالطات والروايات المزيفة عن التاريخ العربي الإسلامي في الأندلس ، أو أن هناك "صراعاً" لا يزال قائماً بين الحضارات الإسلامية والمسيحية ، كان من الممكن أن تنطق به المواقف والشخوص والأحداث في دراما حقيقية من خلال صراعات فعلية وواقعية وليس من خلال حوار وحيد بين الأمير وسلاَّم لا يستغرق أكثر من عشرين صفحة من رواية عدد صفحاتها240صفحة ، كان من الممكن أن يكون الصراع أكثر حيوية وواقعية لو وقع من خلال معاملات ومشاعر وأحداث إنسانية طبيعية ، تحمل ثقل الواقع وتنزل بالأفكار المجردة من عليائها إلى المعاملات والمواقف والمشاعر الإنسانية في حالة تفاعلها مع هذا الزيف أو مع هذا الآخر ، جُلُّ صفحات الرواية لا تخدم هذا الهدف فنياً، كما أود أن أشير إلى مغالاة وقع فيها الروائي وهويحارب التطرف والصراع حين أصر على تسمية الفتح الإسلامي للأندلس غزواً أو احتلالاً ، قد يكون الأمر بدأ غزواً لكنه مع الوقت تحول لفتحٍ وحوارٍ وتأثيرٍ، كما يذكر الإسبان أنفسهم(3). ولنا أن لا ننسى أن استسهالنا الرجوع في احكامنا إلى السبب الوحيد عادة ما يجعلنا متطرفي الآراء ، علينا أن نعيش الأمور في حالة وقوعها تحت بؤر ضغط متعددة ، الفتح لنشر الدين ، الصدفة ورغبة المغامرة ونصرة من استنجد بالبربر إلى القول بالعامل الاقتصادي والسياسي وثقله الأساسي في دفع الأمور....إلخ.
كما أن التاريخ الإنساني جُلَّه يقع في جدلية لا تنتهي فهناك صراع دائم بين الأطراف في شتى المذاهب والأديان والعرقيات.
** الشخصية والرمز:-
تتشكل الرواية من خلال أربعة شخوص رئيسية وبعض الشخصيات الثانوية وتعبر الأربعة شخوص عن مدلولات رمزية واسعة ، استطاع الروائي من خلال التشكيلات الأسلوبية واللغوية أن يوفق في رسم شخوصه الورقية التي اجتهد أن يوفر لها الرتوش الإنسانية التي تحيلها إلى نماذج واقعية وحقيقية تقابلها ونتعامل معها بالحياة.
يمثل الأمير نموذج العربي الذي وفر له النفط القدرة المالية الفائقة ، التي توهمت أن بإمكانها إعادة الأمجاد التاريخية ، والتي كانت رمزاً "للصراع" بين الحضارات ، كما وفر لشخصية الأمير كثيراً من اللمسات والمواقف التي تحيله نموذجاً للإنسان الذي تتصارعه حياة البزخ والترف مع طبيعة ثقافية ، وطريقة تفكير تنحو به لأن يقع فريسة أوهام ومغالطات تاريخية، ومن خلاله استعرض الروائي الكثير من السمات الفكرية لأكثر العرب المعاصرين، ولنا أن نلاحظ اختيار الكاتب للأمير أن يكون سعودياً أو خليجياً، وهو ما يمثل القدرة النفطية التي هي في زوال قريب، ونجد أن اسم الأمير " عبد الرحمن" وهو ما يعيـدنا إلى عبد الرحمن الداخل والناصر وغيرها من الإشارات الموحية .
الأمير لا يحمل أهدافاً أو رؤى محددة فزيارته لقصر الحمراء جاء محض مصادفة بناءً على اقتراح اقترحه قبطان يخته الأوروبي ، قال له :" في غرناطة الكثير لتراه – الطبيعة ، الأسواق التاريخية، البوابات المغربية الضخمة...والحمراء..." (ص15).
ينفعل الأمير بالأشياء بصورة مبالغة فيها دون دراسة عملية أو عقلية، لقد اقتصرت رحلته إلى إسبانيا على "ماربيا" فقط ، يقول :" في كل مرة أقرر زيارة مدن أندلسية أحس بنخز في صدري فتتأجل رحلتي إلى وقت آخر في "ماربيا" أحس أني قريب منها أشتم رائحتها، ولا تحرجني ذكراها" (ص14).
هذه الشخصية التي تحمل تاريخها فيؤرق حاضرها وإنطلاقها للمستقبل يمثل رمَّاح الشخصية العربية العادية في حالة اهتزازها وعدم اتضاح رؤاها، شخصية تدعى من الإمكانات مالا تملك ، نموذجً منافق يعتمد على الفهلوة ويعيش بقشور الأشياء ، متسلق لكنه يتسم بكثير من خفة الظل ، ولنا في اسمه إشارة يعنيها الروائي فلا مكان لديه لوقفة من التريث أو إعمال العقل أوإعادة النظر.
وبينما يمثل ابن برجان صوت الحكمة وإعادة النظر والتقييم ومراجعة الموروث ودراسته من جديد دون تطرف او افتعال ، يمثل " سلاَّم " صحوة التاريخ ورغبة التراث العربي في أن يعيد تقييم ذاته وإن نزع إلى الغلو في الاستياء منها، ولقد أبدع الروائي حين صور هذا المتشكل على هيئة الدرويش " الساروني" أو هذا الرجل ذي الأزياء وقصة الشعر الغربية.
وتظل الشخوص الأربعة التي قدمها الروائي حائرة ومترددة في طبيعة صياغتها روائياً تتراوح بين كونها رموزاً وكونها شخوصاً حقيقية في عالم من الأسطورة أو الخرافة ، وهو ما يضفي البعد الإنساني الطبيعي ، كما يضفي بعداً فنتازياً يثري التجربة الروائية.
** الزمن الأسطوري:-
يلعب السرد بالرواية في مجالين ومستويين زمنيين ، الزمن الذي تقع به أحداث الرواية ، زمن الأحداث الحاضرة الآنية التي يمثلها السفر إلى ماربيا أو المغامرة الوصفية التشويقية لزيارة قصر الحمراء والبحث عن سلاَّم مع ملاحظة " اللعبة" التي يقوم بها الروائي في أول الرواية وهي الانتقالة السريعة من بناء قصر فوق تلة الرياض إلى ماربيا والحمراء في الأندلس، وكأن القص كله قائم على مشهد مواز للأحداث على لسان راو مفارق عليم ، وكان لابد أن يكون القص على هذا النحو فهو صوت المؤلف الذي يعلق على شخوصه الورقية الرمزية ويحمل وجة نظر مغايرة.
كما أن هناك زمناً أسطورياً أو فنتازياً أخر يمثله حياة " سلاَّم" وشخصه و تشكله المتغاير من فترة إلى أخرى ، حتى نموذج " ابن برجان" ذاته يمثل نموذجاً شبحياً يدخل تحت طائلة الزمن الخرافي.
أريد أن أشير هنا إلى أن للكاتب بعض الإشارات المبدعة الموحية التي تحمل الطرافة والتجدد وتحمل في ذات الوقت عمقاً تأويلياً من قبيل ظهور سلاَّم مصاحباً لرائحة نضج الخبز وبزوغ الفجر واختفائه التام لفترات قد تمتد إلى سنوات عدة.
** المكان الروائي:-
يتعامل السرد مع المكان تعاملاً مركباً لقد مثَّل قصر الحمراء التاريخ الأندلسي والمجد العربي الذي اندثر مع الأيام ، ولم يتبقَّ منه سوى الشواهد وعلى قدر ما تحكي فهي تجرح وتدمي النُّعرات العربية ولقد مثلت " ماربيا" الحياة السطحية المترفة اللاهية التي يعيشها العرب المترفين من السعودية أو أي بلد خليجية في إسبانيا.
شكَّل المبدع لكل شخصية من شخوصه الأماكن التي يفضلها والتي تعبر عن طبيعة شخصية(4) ، ولنا أن نلاحظ عشق وتفضيل رمَّاح للحياة باليخت فوق المياه المهتزة وتوافق هذا مع طبيعة شخصيته غير المستقرة (ص73)، كما نلاحظ عدم ارتباط "ابن برجان" في القص بالأماكن وهو مايؤول إلى حالة من ضياع الرؤية العربية أو تحديد موقفها من الأشياء أو الأهداف منها.
التلة بالرياض ذاتها تهتز وفي هذه الاهتزازة يشير المؤلف إلى اهتزاز هذه الدول النفطية وضبابية المصير والمستقبل ، إن هذا التعامل الرمزي مع الأماكن يضفي أبعاداً روائية زمنية شديدة الإثارة بالعمل.
سبق أن ذكرت أن جل الرواية مغامرة وصفية تشويقية، ولقد تعامل الروائي مع الوصف المكاني بصفته مجازاً مرسلاً فالمشاهدات لقصر الحمراء كانت من خلال الأمير وثقافته وعواطفه التي تحكمها تاريخاً طويلاً من الحسرة على ما ضاع (ص50).
بعد ملاحظات رصدية لطبيعة الأسلوب الذي اتكأ عليه الروائي في نصه " سلاَّم" نجد أنه استخدم لغة عربية فصحى ميسرة ، لا وعورة فيها ولم يجنح تجاه اللهجات الفرعية التي يتحدث بها شخوص الرواية سواء اللهجة السعودية أو المغربية ويرجع ذلك فيما أتصور لأن القضية التي يتحدث عنها الروائي تقبع في العقلية والشخصية العربية بصورة شاملة، فالتاريخ الذي زيف أو داخلته المغالطات ، أو "الصراع" بين الحضارات قضايا تخص العرب والمسلمين جميعهم
هذا وقد وشى الروائي الحوار ببعض المفردات المتداولة الواضحة ذات الطابع السعودي أو المغربي ،مثل قوله طويل العمر" أو " الخويا" أو " ياسر الساروتي" .
وهو ما أضفى بعض الطابع السعودي والمغربي على السرد في تلقائية ودون تعمد .
وللطبيعة الخاصة للرواية وكونها تدور حول مغامرة وصفية بحتية تشويقية في أغلب صفحات الرواية.كان التشبيه هو أكثر الأساليب التي شكلها وأبدع بها الروائي وكان في بعض المواضع مساوقاً لثقافة الروائي ولطبيعة الأماكن الثقافية التي تدور بها الأحداث يقول واصفاً حال رمامح حين رأي الساروني " جمد رمَّاح مكانه كصنم قُرَشيّ" (ص144) ، ويقول واصفاً " ابن برجان" بعد أن رأى " سلاَّم" " ووجه علته التجاعيد كأخاديد عسكرية ، فيما تبدّت رؤوس شعر صغيرة على ذقنه كشواهد قبور بيضاء على أرض لا حياة فيها". (ص205) ، وقوله وهو يصف أصواتاً قادمة من قصر الحمراء " خالها تتمايل في دلال مع السرو الملاصق للحيطان العالية كراقصة فلامنكو " (ص48)، وقوله:" في داخله أحاسيس متشابكة كأغصان شجرة استوائية". (ص157).
قد برز دور أسلوب التشبيه لأن الرواية في أكثر فصولها وصفاً للرحلة إلى قصر الحمراء وبحثاً عن " سلاَّم" وأسلوب التشبيه يقوم على التقريب وتصوير ونقل أحداث وأماكن العمل ، وإبداء رأي من خلال التشبيه.
يأتي المجاز اختياراً تاليا للتشبيه في رواية " سلاَّم" فالمجاز يقوم على الأطلاق ويعطي للقارئ فرصة للتأويل وتنشيط المخيلة وطبيعة الرواية لا تستدعيه كثيراً، يقول الروائي واصفاً قصر الحمراء بدا القصر وكأنه في حديث متصل مع الناس ز بدا كإنسان له عينان تنظران إلى محبّيه ، وخواطر يتبادلها معهم ، وذكريات تنبض بالحياة" (ص45).
أو هذا التعبير المرهف في قوله :" والنافورة التي يصدر منها خرير مياه متقطع توقفت قطراتها في الهواء. وارتمت على الأرض العشبية نوتات غناء العصافير.." (ص170).
ولقد لجأ الروائي إلى التجسيد ليحوِّل المجردات والأماكن والأحداث التي عاشت بها إلى كائنات لها أبعاد (ص45) كما أنه من خلال هذا التجسيد يصنع دراما متخيلة مستعيضاً بها عن الدراما الإنسانية المفقودة بالرواية .
ولقد لجأ الروائي لأساليب متنوعة ليضفي على عمله هذا الترقب والتشويق وخفة الظل مثل أن يصنع بالكلمات بعض الموسيقا التصويرية (ص 57.53) ، أو صنعه لعالم خيالي من مشاهداته لقصر الحمراء موازياً للعالم الواقعي (ص58) ، وتقنيات تشويق من خلال المفردات (ص33)، والأوصاف الدقيقة للأشياء (ص111).


هوامش
** (1) هاني نقشبندي : سلاَّم ، ط1، دار الساقي ، لبنان ، 2008م.
(2) محمد عابد الجابري : نقد العقل العربي.مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت، 1994م الطبعة السادسة ، ثلاثة أجزاء.
طارق حجي : نقد العقل العربي.سلسلة اقرأ ، العدد (633) دار المعارف بالقاهرة.
(3) ماريا خيسوس روبييرا متي : الأدب الأندلسي ، ترجمة أشرف علي دعدور، المجلس الأعلى للثقافة ، 106، القاهرة ، 1999م
(4) سيزا قاسم : بناء الراوية ، مكتبة الأسرة ، القاهرة ، 2004.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل النقد الأدبي علم ؟
- - بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس ...
- دعوة من اللا تاريخ ..- قصة قصيرة -
- تقاطعات قصيدة النثر في ديوان -الكتابة فوق الجدران- للشاعر -ع ...
- الشعرية والألعاب السردية في ديوان -تفكيك السعادة- للشاعر -مؤ ...
- جدلية الانفصال والاتصال في المجموعة القصصية -سوق الجمعة - لل ...
- ومضات ثقافية ..2013 م
- كفى ..شهر زاد!؟
- أن تخط اسمه كاملا..- قصة قصيرة-
- - أدهم يحي - قصة قصيرة
- بعد وقت ..
- مصر وقانون التظاهر
- مكرونة فيوتشيني
- قطعة ..من الشيفون الكناري
- سرد المنفلت في مجموعة -عفاريت الراديو- لمحمد خير
- يوسف الشاروني ..الخصوصية المصرية
- محددات المشهد المصري قبل 30 يونيو 2013 م
- - مجهول- أحدث روايات -يوسف القعيد-
- هدنة مع ..الانتخابات البرلمانية
- مؤامرة علي الثقافة المصرية


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي