أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - تأتأة عن الماغوط














المزيد.....

تأتأة عن الماغوط


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1221 - 2005 / 6 / 7 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


في مقالة صحفية نُشرت في يومية سورية، سريعة لا تزيد إلا قليلاً عن ألف كلمة، وطافحة بالغطرسة والتعسّف والإلغاء، قرّر الشاعر السوري الشابّ إبراهيم الجبين إحالة الشاعر السوري الرائد محمد الماغوط إلى متحف الشمع! والعنوان اللاهب الملتهب يسير هكذا، حرفياً: بعد «شرق عدن.. غرب الله».. دفتره الجديد.. محمد الماغوط.. إلى متحف الشمع السوري الكبير!..
قبل الماغوط كان الجبين، وهو للإنصاف شاعر قصيدة نثر موهوب وصاحب صوت خاصّ جسور، قد قرّر أيضاً إحالة ممدوح عدوان وسعد الله ونوس ومحمد عمران وأدونيس إلى «بيت الأشباح» الذي يُسمّى «الثقافة السورية الرائدة»، وهو اليوم حسب الجبين ليس سوى «مسكن أطياف»! وللوهلة الأولى قد يلذّ المرء، كما كان شيخنا الجرجاني يقول، لهذه الجرأة في الانتهاك والتعريض والهتك، قبل أن يدرك دون إبطاء ــ ودون كببر عناء، لحسن الحظّ ــ أنّ الجبين إنما ينخرط في وصلة فشّ خلق... ليس أكثر، لكي لا نقول: بل أقلّ!
خذوا في مثال أوّل، أحد أسباب الجبين في إحالة الماغوط إلى متحف الشمع/ بيت الأشباح/ مسكن الأطياف: «وليس الماغوط بأقلّ من شاعر يتمكّن من قطف الأفكار الطائرة كفراشات هنا وهناك لولا أنه يفضّل العيش داخل ذلك النصّ الأقلّ تمدناً»! أو هذا المثال الثاني: «يستعيد الماغوط بحكم الآلية التي أنشأها نصّه منذ «حزن في ضوء القمر» أكداساً من الهموم التصويرية التي تخلق واقعاً افتراضياً لا علاقة له بما يدور حول القارىء، الأمر الذي يبتعد بنا جميعاً عن عالم الماغوط الحقيقي فتتحوّل القصيدة إلى نمطين لا ثالث لهما: تاريخيّ قادم من الذهنية، وافتراضي قادم من الوهمية»!
شخصياً، بصراحة وبلا أدنى حياء، لم أفهم سبب اعتراض الجبين على أن يقطف الماغوط الأفكار الطائرة كفراشات (أين المشكلة؟ في القطف أم في الطيران كالفراشات؟ هل ينبغي أن تطير مثل الحجل أو الحوّامة؟)! ولم أفهم، أبداً ونهائياً هذه المرّة، معنى العيش داخل نصّ أقلّ تمدناً؟ هل يقصد القول إنّ الماغوط شاعر غير متمدّن، بمعنى التوحّش؟ غير مدينيّ، بمعنى الرعوية؟ وكيف فاتت الجبين عشرات، وربما مئات، القصائد التي كتبها الماغوط عن دمشق دون سواها، إسوة بعناصر القهر المدينية من الشرطة إلى الجوع الكافر وصولاً إلى المقدّس؟ وأمّا ما تعجز مداركي عن بلوغه حقاً فهو «الهموم التصويرية»، التي «تخلق واقعاً افتراضياً»... وصولاً إلى النمطين العجيبين التاريخي والإفتراضي، حيث يأتي الأوّل من الذهنية والثاني من الوهمية!
لست أعترض البتة، كما أرجو أن يكون واضحاً، على فتح أيّ وكلّ ملفّ في الحياة الثقافية السورية، المعاصرة أو الحديثة أو الوسيطة، شرط أن لا يبدأ فتح الملفّ من نوازع العبث الصرف، أو التخريب الطفولي، أو التعسّف السطحي، أو الغطرسة الأجيالية، أو الإغفال التامّ المتعمّد للسياقات التاريخية والثقافية والجمالية والسياسية والإجتماعية التي تكتنف عناصر الملفّ المفتوح. والحال أنّ الرياضة الخفيفة التي ينخرط فيها الجبين لا تجنّبه الإنزلاق إلى معظم تلك البواعث، وليس للأسف بسبب من جهل أو عجز عن القراءة أو عطالة في تذوّق نصّ الماغوط الشعري وخصائصه الفذّة.
لنتذكّر، باديء ذي بدء، أنّ نعت «رائد» ليس حكم قيمة فقط، يُمنح هكذا تلقائياً وعلى طول الخطّ، بل هو أيضاً معادلة إنفرادية تاريخية وثقافية وسوسيولوجية تخصّ مناخات انقلابية كبرى في الأشكال والموضوعات والحساسية التعبيرية والذائقة الجَمْعية. ولهذا فإنّ تعبير «الثقافة السورية الرائدة» غائم وغير دقيق، إذا لم يكن بلا أيّ معنى؛ واحتساب الماغوط وأدونيس على تلك الثقافة ليس شبيهاً أبداً باحتساب سعد الله ونوس عليها (حيث السياقات الزمنية والأنواعية تختلف تماماً، إنْ لجهة مناخات ما بعد هزيمة 1967، أو لجهة أشكال النصّ المسرحي التي ابتدعها ونّوس)، وهو كذلك لا علاقة له بموقع ممدوح عدوان ومحمد عمران في مشهدية الشعر السوري الستيني (ولست أدري ما السبب في أنّ الجبين تناسى علي الجندي وعلي كنعان؟)...
وثانياً، لعلّ بعض التواضع مطلوب في استخدام مدفعية إصطلاحات ثقيلة كفيلة بدبّ القشعريرة في أوصال أيّ وكلّ من كابد مشاقّ الإشتغال على نظرية الشعر إجمالاً وقضايا قصيدة النثر بصفة خاصة. مستحبّ أيضاً التخفيف بعض الشيء من خلط الحابل بالنابل دون رأفة بعقولنا ومداركنا، كما حين يكتب الجبين: «الجملة المتساهلة التي تتوتر فقط في المعنى الفادح الذي تحمله، دون أن تحاول ولو قليلاً تحريك تلك الفداحة لمصلحة النصّ والتجربة ذاتها، تلك الجملة لم تتمكن سوى من التأسيس الدائم لصدمة القفلة من غير أن تشتغل على البدايات وعلى عمق الكتابة والموقف»...! ومرغوب، أخيراً، التنازل قليلاً عن تلك الخيلاء المرتاحة في تصنيف المصائر: «يبهت النصّ مع مرور الأعوام وتتالى التكريمات ليصبح تأتأة يصرّ عليها رجل يجلس في ظلّ أشباح الشعر السوري في بيت الأشباح ذاته»!
هل يعقل أنّ حكم إعدام كهذا يصدر عن شاعر قصيدة نثر شابّ، بحقّ شاعر قصيدة النثر المعلّم محمد الماغوط؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال سمير قصير: الوحش الأمني حيّ يسعى ويؤدّب ويقتل
- ماركسية عصرنا: أداة تحرير ومقاومة
- نبوءة ماركس والأشباح العائدة
- إسكندرية كافافيس
- الدستور الأوروبي الموحد وانحطاط الحلم إلى ردّة
- وما أدراك ما القراءة
- سورية والجوهري هذه الأيام: عود القمع على بدء الاستبداد
- مواطَنة فخمة
- السعودية: عنف يتفاقم، مأزق يستحكم، ونظام يتآكل
- تحية إلى المؤتمر السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري
- من طروادة إلى بغداد
- بلير والولاية الثالثة: الناخب أعطى، وثاتشر أخذت
- أبقار نووية
- بشار الأسد بعد الإنسحاب من لبنان: اختبار النار؟
- العراقي الطائر
- القيادة السورية: أيّ انقلاب أبيض يصلح البنية المستعصية؟
- غسان كنفاني... شكراً
- أمثولة مجزرة قانا: الماضي جثّة ثقيلة على صدر الحاضر
- مَن يعبأ بالصدى؟
- السودان والقرار 1593: مَن يتذكّر رادوفان كراجيتش؟


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - تأتأة عن الماغوط