أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سارة صانعة الحلوى _ قصة قصيرة















المزيد.....


سارة صانعة الحلوى _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4283 - 2013 / 11 / 22 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


سارة صانعة الحلوى

كتبت سارة وهو الاسم الذي يعرفه الناس عن تلك الفتاة المحتشمة التي تعمل في محل ابو قيدار للحلويات رسالة إلى معلمها تخبره أنه مضطرة لأن تذهب للضيعة ,هناك أخبار لا تطمئن وعليها أن تكون بصحبة عائلتها, سلمت المظروف إلى صاحب البقالة المجاور العم أبو فادي فهو يفتح محله عادة بعد صلاة الفجر وذهبت مع أول باص يمر من أمامها.
ارتبطت سارة في الفترة الأخيرة بشاب يصغرها بعامين كان يعمل معها في المحل وأخيرا تم توظيفه في أحد المصالح الحكومية, كان حريصا جدا على أن يكمل مشواره معها وهو يعلم بفارق السن بينهما لكنه مؤمن أن الحياة لا يمكن أن تتوقف عند هذا العذر , لا بد أن ننفتح على مفاهيم جديدة وخاصة أن أيهم من دارسي الفلسفة وممن له قدر كبير من الإلمام بالفكر التنويري رغم ما يعانيه من فقر مدمن عاناه ويعانيه منذ أن توفي والداه في حادث سير قبل عدة سنوات.
محل الحلويات الذي تعمل به سارة منذ أكثر من ثمان سنوات يوم حطت رحالها في دمشق قادمة من الريف بعد أن ضاقت بالعائلة الأحوال وعجز الوالد من تأمين مصاريف وتكليف الحياة مع ولدين أحدهم طالب جامعي والأخر في الدراسة الثانوية ووالدة مصابة بمرض السكري, حتى عائد التفاح والزيتون من الأرض التي يمتلكونها لا يمكنه أن يؤمن مصدر ثابت مع تقلب المواسم وقلة الأهتمام بالأشجار لكن بقاء الأرض يعني بقاء العائلة في موطنها لأصلي رغم ما يلح به الأولاد من بيع الأرض والهجرة إلى دمشق.
أبو قيدار من نفس الضيعة وقد هجرها منذ إن كان شابا وقد كان جار وصديق لأبو سارة وقد خدما سويا في الحرب على جبهة الجولان لكنه ومنذ أن أنهى الخدمة العسكرية لم يعود إلى الضيعة وعمل في مهن كثيرة لم تعجبه ووجد في صنع الحلويات نفسه وعشقها حد الجنون للحد الذي جعله أن يسمى أحدى بناته على مسمى حلوى , إنه ناجح لأنه أخلص لمهنته ولم يمنعه أنه لم يرزق بأولاد ليكونوا أمتداد له في المهنة.
وصلت سارة إلى الضيعة مع أول خروج الطلاب للمدارس ,كانت تحمل أكياس المعجنات والحلويات توزعها على الطلاب الصغار كعادتها كلما تحضر للقرية, تجمهرت الصغيرات والصغار حولها فرحين بهذه لمفاجئة الغير متوقعة فهم يعرفون أنها لا تحضر للضيعة إلا كل أخر الشهر, كانوا سعداء حقا بهذا الصباح ولكن سارة لم تكن سعيدة في داخلها رغم فرحها بالأطفال.
كان من الممكن لسارة أن تستعين بمعلمها أبو قيدار لفرض الأمر الوقع على عائلتها لما له من تأثير حقيقي عليهم وخاصة أنه يتمتع باحترام وتقدير من الجميع لمواقفه منهم في أيام الأزمات والمحن وأخرها عندما إلقي القبض على سامي شقيق سارة الأصغر في قضية نصب وأحتال وكيف ساهم في إخراجه من السجن وتأمين عمل له فهو عاطل منذ أن تخرج من المعهد التقني متنقلا بين الضيعة والشام للبحث عن فرصة عمل ,ولكن قرار سارة هو أن تواجه الأمر بنفسها واحتراما لمشاغل معلمها.
دخلت الدار وهي تعلم أنها ستخوض في معركة كلامية حادة بينها وبين أخوته وأبيها دون أن تجد أيا من يناصرها حتى الأم التي أنهكها المرض لا يمكنها أن تفعل شيئا, الجميع لا يرغب أن يتم زواجها من الشاب ايهم وكل لله عذر وسبب ولكن ما يجمهم جميعا أنهم لا يريدوا لها أن تكون بعيدة عنهم في بيت مستقل وحياة أخرى.
أيهم شاب ظريف وعصامي هادئ يحمل كل مؤهلات لرجل الناجح لم تقف كارثة موت والديه في حادث سير أمام حلمه في إكمال دراسته للطب, لكن الأحيان لم توفر له فرصة حقيقية أن يختار ما خطط له فانخرط بالحياة موفقا بين العمل ودراسة الفلسفة لأنها يؤمن بقدرها على شفاء العقول بنفس القدر الذي تتوفر عليه دراسة الطب ,فمضى وحيدا ينسج أحلامه بيديه.
سارة بدأت دفاعها المستميت عن حقها مع أمها على وقع حركتها بين المطبخ وغرفة الجلوس وهي تعد ركوة القهوة وتغسل الأواني المتراكمة على المجلى, لم تستيقظ زوجة الأخ من نومتها بعد ,أولادها ينامون مع جدتهم في غرفتها وعليها أن تعد الإفطار الصباحي والزوج لم يعد من عمله فهو مناوب ليلي في دائرة الكهرباء, الدار التي يفترض أن تنعم بالحركة أشبه بجامع في غير وقت الصلاة.
من المهم أن يكون المرء منحازا لمستقبله ومستجيبا لقوانين الطبيعة ومهما فعلنا لا بد أن نعود يوما لما هو صحيح, قد نتأخر أحيانا وقد نستعجل في أحيان أخرى لكن من العدل أن نكون كما هو طبعنا الأصلي مع القدر ومع تصمينا على أن واجه الأقدار بما تستحق من تضحية, هذا كان أخر كلام أيهم لسارة عندما أخرته عما يحصل في الضيعة من كلام ومعارضة من أهلها, هكذا تسلحت وخرجت من سلبيتها للمرة الأوى في حياتها تختار ما بين موتها وحياتها.
رمقت العجوز أبنتها بعين الغضب من تركها العمل والعودة للضيعة دون أن تحسب حساب لرأي أخوتها وأبيها مهددتها بأن الجميع سيتبرأ منها وهي أولهم ,كيف تتركين أهلك لذين هم بحاجة لكل قرش منك لتذهبي لرجل أخر ,وهل فكرتي كيف نعيش أنا وهذا الختيار الذي يئن من كثرة أوجاعه وأنا التي لا يفارقها المرض هل هذا جزاء التربية وسنين العوز.
_ولكن يا أمي أنا لم أدخر جهدا منذ سنوات وأنا أعمل ليل نهار, هل سأل أحدكم عني وكم أعاني من الغربة والوحدة والإرهاق, ألا يفرحك كباقي الأمهات ان تنظري أبنتك الوحيدة تخط مستقبلها.
_ما زلت صبية وهنك أيام مقبلة ما دهاك.
_الصبية التي تتكلمين عنها مجرد هيكل يتحرك بلا روح.
_وروحك لم تجد إلا هذ لشحاذ الذي يطمع بما تحصلين عليه.
_أصبح الرجل الذي أحبني بإخلاص ويشتري مودتي شحاذ, كيف تفكرين يا أمي.
_نعم إنه شحاذ ولولا مرتبك من العمل لم يتقرب منك.
_ولكنها سنة الحياة لا بد أن نعمل سويا كي نستمر وتستمر الدنيا بنا.
_ولكن أبيك وأخوتك لا يرغبون به أنتظري لعلك تفوزين بأحد يستحقك ويكون عون وليس عالة.
_هذا حرام عليكم إنها حياتي وأنا الذي أختار ثم أين هذا الذي تنتظرينه لم أعد كما تتوهمين لقد بلغت الثلاثين وقليلا ,من كانت بعمري ومن جيلي الأن أمهات يفتخرن بحياتهن.
قطع حديث الأم وأبنتها صوت العجوز الوالد وهو يغلق باب الدار من وراءه حاملا الخبز بيديه ويسعل بصوت يكاد يخنقه, هرولت سارة من مكانها تحم عن أبيها الخبز وهو يتوكأ على عصى من اللوز قديمة تذكرها بما كانت تعاني منها حين يشتد غضبه لأتفه الأسباب, سحب نفسا عميقا وتوقف في منتصف حوش الدار كأنه تمثال من طين يتلوى من وجع صدره.
عاشت سارة في هذا المنزل منذ أن تركت المدرسة وهي في الصف التاسع لتقطع حلمها أو ليقطعوا عنها حلمها أن تدخل معهد التمريض فتصبح مؤهلة لأن تعيل نفسها وإمها وأبيها اللذان داهمها المرض مبكرا, كان يكفي لها أربع سنوات حتى تستطيع أن تقدم لهم أفضل مما تقدم الآن وتعيش بينهم تتحمل ثقل الحياة وثقل لمسؤولية لكن أمام إصرار الأب وعدم اكتراث الأم تحولت إلى فلاحة نهارا وخادمة عندما تعود من الحقل, وبرغم ذلك كانت عصى اللوز أحيانا هي الجزاء الممكن لكل تلك التضحيات, حتى وصل الحال أن يستغنوا عن خدماتها لصالح مرتبها من عملها مع العم أبو قيدار الذي أقنع الوالد بأن عملها معه أجدى من وجودها في الدار.
جلس العجوز على دكة حجرية مقابل الشمس ليشرب قهوته للمرة الثالثة منذ أن نهض من نومه وعينيه تتابع خطوات ابنته سارة وهي منشغلة في تنظيف الدار وإخراج الأغطية وبعض الملابس من غرفة نوم أمها لتنشرهما على جدران الدار فيما أشعلت النار تحت موقد الحمام ,نادى العجوز على كنته أكثر من مرة لكنها ما زالت غارقة في النوم ,تبرم من هذا الحال ودمدم بكلام مفهوم ,حريم أخر زمن الله يلعن ساعة هيك زمن ويلعن
أبو هيك قبضايات لا أبو هيك شوارب.
سارعت العجوز الى غرفة ابنها لتوقظ النائمة المترفة فقد قاربت الشمس أن تعلو كبد السماء وحان رجوع زوجها من العمل ,نادى بها أن تعود لعل من ترك لها الحبل ممدودا يأتي ليرى بنفسه, قالت سارة أبي قد تكون متعبة أو أنها تعاني من شيء ,لم يهن عليها أن ترى أبيها العجوز مستاء للحد الذي يؤثر على ما يعاني أصلا من ارتفاع الضغط, فهي ترى فيه غير كونه أب الرابط الذي يجمع العائلة ويمنعها من الانفراط.
قبل أكثر من عام حاول الجميع بم فيهم العجوز الأم أن يبيعوا شقفة الأرض ومن ثم الأنتقال للشام بداع أن الأرض لم تعد تعط كما ينبغي ولا يوجد متفرغ لها وخاصة أن الأب لم يعد قادرا على عمل شيء والأعتماد على سارة وبعض ممن بقى هنا للقطاف التفاح والزيتون ,كان الأب وسارة هم من أوقف كل المساع وخاصة من ولده الكبير والكنة التي لم يعجبها الحال تريد أن تعيش كباقي نساء الموظفين من أقران زوجها إنها تشعر بالضجر وتتمارض أحيانا حين تأتي أيام قطاف الزيتون خاصة.
أيهم أيضا كان يملك حس الإنتماء للأرض وكان كثيرا ما يدافع عن حق سارة في أن تبقى الأرض رمز للحب والتمسك بالوطن الصغير, الأرض مصدر عطاء كريم وجواد يعطي بالقدر الذي تلقى فيه اهتمام لا يمكنك أن تمنح عطاءك بدون أن تشعر أن من يريد منك شيء قادر ومستعد على أن يمنحك الشعور المتبادل, إنها فلسفة الشعور بالواجب والانتماء للخير.
مرت الساعات مسرعة على سارة وهي منشغلة في التنظيف والطبخ دون أن يفتح معها أحد أي حديث حول زواجها من أيهم بل بدأت تشعر أن ما نقل لها غير موجود غير ما سمعته من أمها صباحا, حاولت أن تستغل أي فرصة لتفتح الكلام مع والده لكنها كانت تشعر بأن وضعه الصحي قد لا يسمح لها ن تبادر ولتنتظر جلوس العائلة على الغداء لعل شيء سيفتح الحديث , خطر لها أن تفجر قنبلة عندما يبدأ أي حديث لتخبرهم أنها تركت العمل مع أبي قيدار نهائيا وستعود للضيعة للأهتمام بصحة العجوزين, كانت تخطط للسوقهم لهذه النقطة بالذات وتترك أمر أيهم جانبا لتتوضح النوايا.
أبو قيدار شعر من خلال قراءة الرسالة أن سارة في وضع غير طبيعي فهي عادة تشاركه في كل أفكرها ولا تذهب دون أن تسمع رأيه, هذا ما دفعه أن يقرر السفر إلى الضيعة ليقف على ما تعاني سارة فهو يتعامل معها كإحدى بناته ويهتم كثيرا لأمرها, فهي سر أسراره وهي المديرة الفعلية للمحل تعلم كل صغيرة وكبيرة وأحيانا هي المتصرفة الأولى ,كانت سارة شعلة من النشاط وعنوان الإخلاص والتفاني, لا يمكن أن أتركها بمواجهة الذئاب هكذا قرر وركب السيارة متوجا لها.
ذهب شقيقها الكبير إلى غرفته بعد أن القى التحية مسرعا لم ينتبه العجوز وصول ولده كان مستغرقا بغفوة قصيرة متكأ على عصاه بعد أن أجهده مشوار الذهاب للفرن لشراء الخبز لا يتحمل الكثير من الغضب كما لا يتحمل السير مسافة بقدر ما بين الدار والفرن ,أنهكته سنين الفلاحة في الأرض وكم عانى ليحولها من جرد ملئ بالصخور إلى جنينة عامرة بالتفاح والزيتون تطلب منه ذلك شجاعة غير معتادة ,لذا فإنه يرى في الحقل كل تأريخه بل يرى فيه أنه معجزة أجتها ولا يريد أن يتخلى عنها لمجرد رغبة قد لا تحقق له إلا لضياع مع أولاد لا يشعرون بالمسؤولية ولا بقيمة ما أنجزه على مدى أربعين عام.
وهي منشغلة في ترتيب مائدة الغداء سمعت سارة صوت منبه سيارة معلمها أبي قيدار ارتبكت من صوت المنبه الآتي وخرجت لتبديل ثيابها ونبهت الوالد أن العم أبي قيدار في الباب, نهض الرجل مستجمع كل قواه ليرحب بالضيف القادم وهو في غرابة مما حصل اليوم ,سارة عادت بلا موعد والآن أبو قيدار, فتح الباب ليعانق ضيفه الذي لم يره منذ أشهر ,كان شغوفا به وبلقائه وطالما تعانقا طويلا إنها لغة الرجال الكبار.
رحبت العجوز الأم بالعم أبي قيدار وقلبها يحدثها أن الأمر ليس بريئا بالمرة, ولكنها تعلم جيدا أن سارة ليست من النوع العنيد الذي يستخدم أي وسيلة لتحقيق ما تريد, إنها غير مطمئنة تماما لما سيجري, ذهبت للمطبخ لأعداد القهوة وهي تحاكي نفسها أن في الأمر ريبة ,من المؤكد أن سارة قد أخبرت الرجل الذي لا يرد له أحد طلب في هذا البيت, لا تنسى أم سارة كيف أعانهم في السنة الماضية لبناء المضافة وتجديدها وما بذله كي يخلص ولدها من سجن محتم, غير ما يبعثه لها خصيصا من منحه لغرض شراء الدواء في كل شهر غير مرتب سارة.
حملت سارة القهوة كما يحب ان يشربها معلمها وجاءت تمشي على استحياء من موقفها حيث انها لم تخبره قبل ليلة وخرجت بدون اذن منه, دنت وسلمت عليه معتذرة أنها كانت مضطرة ولا تريد أن تشغله عن كثير مما يشغله هو ,لقد حملت همك أولا يا معلمي لقد أتعبت نفسك وما كان لك أن تقطع هذه المسافة فأنا بخير, تفاجأ أبوها من الكلام متسائلا هل نزلت بدون علم معلمك, بادر أبي قيدار وقال ولو كيف تنزل بدون علمي قد خبرتني وتركت لي رسالة, ولكن كان عليها أن تستأذن قبل فأنت لها بمثابة ولي هناك في الشام بل أنت وليها هنا أيضا.
برقت في رأس سارة فكرة الوقت مناسب جدا عليها ان لا تفوت الفرصة, ردت يا أبي قد تركت رسالة لعمي أبي قيدار لأني لا أستطيع أن أواجهه بقراري, وما قرارك يا ست الحسن والجمال.
_أبي قررت أن ترك العمل وأبقى بقربك وبقرب أمي إني أراكم بحاجة لي أكثر من حاجتي للعمل.
_ولكن نحن لسنا بحاجة ماسة لك ما زال هناك متسع من القوة ولقدرة على ان نهتم بشؤوننا .
_يا أبي منذ إن وصلت صباحا ولحد لأن م أنته من تنظيف البيت وانا لم أغادركم إلا منذ أسبوع.
_كفى هذا هراء لا نريد منك أكثر مما تعطين.
وقع الكلام كالصاعة على الزوجين العجوزين فيما بد لوضع مستقرا عند الضيف, قد يكون ويعم تماما هدف سارة من هذا الكلام لقد تعلمت منه كثيرا في فن المناورة لحاجة العمل والتواصل مع الزبائن, هنا صب الضيف زيتا على نار العجوزين ,قال من حق سارة أن تترك العمل وإن كان يعز علي ذلك ولكن أراكم فعلا بحاجة لها ,أظن أنني لا يمكنني أن أحرمكم منها إنها تؤدي واجب الأبن البار بوالديه.
_لقد أدمعت عيني على ما أجد ,كأنهم مقطوعين من شجرة.
_يا أبنتي سوف ينصلح الحل ما عليك إلا ان ترافقي معلمك وتعودي من حيث جئت.
_قراري لا عودة عنه, لعد تعبت وأنا أفكر بكم تعسا للمرتب الذي يحرمني خدمتكم.
_ولكن يا أبنتي نحن نحتاج مرتبك وتعرفين أنه موردنا الرئيس.
_يا أبي عليك أن تتذكر أني ذهبت للعمل حينما كان اخواني طلاب ولم يكن هناك من يساعدك غيري ,الأن كلاهما يعمل وكلاهما قادر على تحمل المسؤولية.
_تعرفين ان أخيك الأكبر أصبحت عنده عائلة وهو المسؤول عنها والأخر يعمل لتجهيز حاله فهو يفكر أيضا بتكوين عائلة.
_طيب وأنا ليس من حقي أن أسعى كذلك ,هل فكرت أن من حقي أن أفعل أن أيضا, هل فكرت أن أخوتي غدا سيرمونني خارج الدار لمجرد إن إحداهن لم ترغب بي , هل فكرت أنك تعاني لأن إحداهن تراك غريب عنها ولا تعلم كيف أنشأت وناضلت وتعبت كي تهيء لها زوج مناسب تستمع في ظله.
لم يعد هناك أي حوار صمت ساد المكان غير أن صوت فتح باب الغرفة لمقابلة هو الذي لفت الانتباه لقد خرج شقيقها الأكبر متبوعا بزوجته, يبدو أنه سمع الحديث أو أن أحدا نقل له الحوار بادر العم ابي قيدار السلام والتحية جلست قباله مباشرة يتساءلون حول أمور العمل والوظيفة, فيما ذهبت زوجته للمطبخ حيث سارة تعد العدة لتجهيز الطعام.
_أخيك في غاية الغضب منك وينتظر خروج الضيف.
_ولم يغضب مني.
_كيف تتركين العمل؟, بدون ن تخذي أذن أحد.
_ليس له علي ولاية فأبي موجود وأنا لكبيرة عليه أن يحترم إرادتي ,لقد تعبت كثيرا وهو نائم هنا لا يدري كيف أعيش بل ولما أعيش.
_طيب أنا عندي لك حل يرضي الجميع واجعل لك الطريق مهيأ للزواج من أيهم.
_تفضلي أسمع منك.
_أقنعي أبيك أن يبع الأرض والكرم, ويوزع حصصنا بعدها أنت حرة,
_ولكن.
_لم أكمل بعد ,وحفاظا على حصتك من أن يسرقها أيهم تنازلي عنها لأخيك وسوف أزف لك بشرى الموفقة على زواجك منه دون أي كلام.
_أيهم يسرق حصتي من أين استنتجت هذا ,وما تسمين ما تعرضين علي أليست هذه سرقة في وضح النهار.
_أن يسرقك أخيك أفضل من أن يسرقك غريب.
_وهل تعتبرين زوجك الأن غريب ؟.
_طبعا لا هذا زوجي أنا وهو واحد.
_وأنا وأيهم واحد وسترين.
أنتهى النقاش على صوت العجوز مناديا كعادة أهل الضيع في إكرام الضيف وإحضار الطعام وفرش المائدة, خرجت سارة من المطبخ وقد تهيأت تماما لهذه الظهيرة الغداء جاهز يا أبي تفضلوا إلى غرفة الطعام.
كانت سارة متفهمة تماما لموقف أبيها من مسألة بيع الأرض والكرم وهي متأكدة أن هذا الأمر لن يحصل أبدا, من هنا فإن أي نقاش في هذا الموضوع محسوم عليها أن تسخر هذا في أي حديث حول المائدة ولا يهم بعد ذلك ,النتيجة محسومة لديها لا بأس أذن من أن تضع النقاط على الحروف, بادرت الجميع على مائدة الغداء لتخبرهم أيضا أنها ستتولى رعاية الأرض بمفردها وقد تستعين ببعض الأجراء للاهتمام والعناية بالأشجار, إنها تحتفظ بمبلغ بسيط كانت قد وفرته للمستقبل قد تستغله هنا.
كان هذا الكلام كافيا لوحده لتفجر به كل ما كان يضمر شقيقها من خطط, خرج عن طوره هذه المرة وكأنه ثور انفجرت مرارته من هذا الكلام.
_بماذا تفكرين هل أنت مجنونة كيف لك أن تتخذي القرارات لوحدك وكأنك أنت المالك وليس هناك رجل يمنعك أن تعبثي بنا , من المؤكد أن هذا الكلام ليس لك إنه تخطيط الشيطان , هيهات منك ذلك وتأكدي أنني سأمنع هذه المهزلة بأي حال.
_أنتبه لكلامك يا رجل أنت لا تعي م تقول أنا ما زلت موجود وأنا ماك الأرض وعندما أموت ستجد لك شركاء أيضا , ثم عليك أن تحترم من يجالسك.
_ولكن يا أبي هناك نوايا خبيثة تحرك الأمر نحو الأسوء.
_هل تعمير الأرض والكرم هو الأسوء, إنك بهذا تقودنا نحو الأسوء.
_والحل برأيك أن نسلم رقابنا لغريب الآتي من حيث لا تعلم.
_أي غريب تتحدث عنه.
_هذا الرجل الذي فضلته الخانم علينا.
_أنت تتكلم في أمر أخر.
_لا يا أبي أنا أتكلم في صلب الموضوع ,سارة تريد أن تمكن رجل غريب عن أن نسلمه رقابنا وأنت لا تفعل شيء.
أجابت سارة بكل برودة أعصاب وأنت تريد أن تسرقنا حتى تعيش أنت وعائلتك دون الأكتراث بنا , يا أبي لقد طلب مني أن أتنازل عن حصتي في الأرض وادفعك للتنازل حتى يوافق على زواجي من ما كتب الله لي.
بادر العم أبو قيدار الأن فهمت كل ما يجري المسألة ليست في الرجل ولكنها تدور حول تقسيم الغنائم ووالدكم حي, عليكم أولا أن تحترموا الإنسان وتحترموا حقه في الحياة, سارة ليست صغيرة كي تنتظر أكثر كما أن الرجل الغريب الذي تتكلمون عنه بمثل أبني عمل معي طويلا وأن أعرف به منكم إنه رجل صالح وشاب عصامي ونزيه ليس له مطمع عند أحد, إنه أشترى أبنتكم دون أن يكون في باله مما تتصورون سيء.
ولكن يا عم الرجل يحرض من أجل مصلحته, من الراجح إنه يسعى من خلال سارة لتدميرنا انظر حولك هل نحن بشر مثل باقي الناس نعيش في زريبة أقرب منها إلى دار تليق بإنسان, والأنكى أن الوالد ما زال مصرا على أن يعيش في عالم قبل أربعين سنه.
قال الأب إن كان لا تعجبك هذه الزريبة التي وصفتها فهي التي عملت منك إنسان محترم وإن كنت تشعر بها أنها لا تناسبك يمكنك أن تنتقل من هنا إلى أي مكان مناسب يليق بوضعك, لم تمر ثواني حتى سكت الجميع عن الكلام ورفع الأيادي عن الأكل.
شعرت سرة بارتياح من الكلام وأخذت ترفع الصحون عن المائدة بهمة وكأن ما جرى يعود عليها وعلى ما خططت له, قالت في سرها عليها أن تكمل المعركة وأن تحسم الخلاف طالما أن أبو قيدار يتصدى لمن يحاول الضغط عليها, كما حملت الصحون عادت بأبريق الشاي والكاسات لتفاجأ بأن أبيها والعم أبي قيدار قد أتفقوا على أن تمضي سارة لحال سبيلها على أن يكون مرتبها مناصفة بينها وبين والدها وأن يكتب لها حصة بيع وشراء في الأرض والكرم وأن تعود لعملها السابق وأنها حرة في أن تتزوج من أيهم ووكيلها في ذلك العم أبي قيدار.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلم وفرشاة
- منظومة الأخلاق وصنع السلام والحرية
- تأريخنا حقل ألغام
- التسييس الديني والدين السياسي
- صورة الوجود في الموجود
- الرجل الذي أحب حمارا _قصة قصيرة
- اليسار و الدولة المدنية
- كلام فوق المعقول
- مشروع الإنسان _الإنسان
- اليسار وافاق العمل المستقبلي
- اليسار العراقي وقراءة في مستقبله السياسي
- الأساس العلمي لدراسة النفس والسلوك
- مفهوم الوجود فلسفيا
- العقلانية ودورها في تثبيت دور العقل
- الوعي العلمي والتجريبي وفهم التأريخ
- الحرية قبل الدين
- التصنيف العقلي والديني
- تجربة الدين
- الورشة العلمية حول إعادة قراءة الشخصية العراقية واستراتيجيات ...
- شروط القراءة التاريخية


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سارة صانعة الحلوى _ قصة قصيرة