أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رائد الحواري - السادات والبحث عن الذات















المزيد.....



السادات والبحث عن الذات


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 19:33
المحور: سيرة ذاتية
    




أنور السادات في سيرته الذاتية "البحث عن الذات" تناول مجموعة من القضايا التي تشكل محور مهم جدا في حياة العرب عامة والمصريين خاصة، فهناك جوانب كانت مهملة عند البعض، أو أهملها البعض لأسباب معينة، لكننا هنا سنحاول تسليط الإضاءة عليها من خلال الأحداث التاريخية التي أثرت في سلوك أنور السادات ومن ثم في أحداث المنطقة.
أنور السادات ابن فلاح بسيط عاش في قرية مصرية كما هو حال بقية الفلاحين المصريين، فقد عاني من الحارمان والفقر الشيء الكثير، ومع هذا كان سعيد جدا في قريته التي عاش طفولته فيها، "كانت حياتي بها بهجة تتلوها بهجة.. فكل يوم يأتي بشيء جديد ..موسم الري .. موسم حصاد القمح..الاحتفال بموسم الحصاد.. وأفراح القرية وصواني الكنافة التي كنا نلتهما في نهم. وموسم حصاد القطن الذي كان يأتي دائما مع البلح، وكيف كنت أغترف القطن واضعه في عبي ثم أهرع إلى بائعة البلح وأعطيه لها فتعطيني ما يقابله من البلح" ص 12، نجد القرية البسيطة تركت التأثير الإيجابي في نفسية أنور السادات، وهي ستكون المنقذ الذي سيسعفه أثناء الاعتقال، فكانت الأفق الذي استطاع أن يخرجه من جحيم السجن، ومن ثم منحه المقدرة على تجاوز تلك المحنة.
فالقرية عند السادات كانت في حقيقة الأمر المخرج لكل هم ومحنة، "إن القرية هي الاستقرار .. أقل إنسان في القرية واضعف إنسان دائما مطمئن .. لماذا؟ لان عنده داره.. ومهما كانت صغيرة حتى ولو كانت عبارة عن قاعة واحدة ودورة مياه ومصطبة..فإنه عندما يغلق بابه عليه يصبح أكثر الناس اطمئنانا واستقرارا... فقد أدركت انه يكفي أن أكون فلاحا بسيطا لكي أكون اسعد الناس" ص53، صورة الإنسان في فترة المحن الذي يحن إلى البساطة والهدوء بعيدا عن الصراعات السياسية والاقتصادية وضوضاء المدينة، فحقيقة الأمر إن الكاتب كان يميل إلى القرية في فترة المحن، لكن بعد انجلاء الكرب نجده ينغمس حتى أذنيه في حياة المدينة ويعود إلى مشاكسته السياسية، من هنا يكمل الكاتب مشواره في العمل العسكري والتنظيمي إلى أن يصل إلى أعلى رأس في مصر.
عمل الأب لا يأهل لإكمال تعليم أنور، فهو يشغل وظيفة متواضعة في الدولة، لكن تفوق الابن في الدراسة يجعل الأب يعمل المستحيل، حتى تعد عملية إكمال تعليمه كمن يصعد للقمر، ففي زمن لا مكان فيه إلا لذوي الجاه والسلطان وانتشار وسيادة المفهوم الطبقي والأفكار البدائية المتخلفة استطاع الأب أن يتجاوزا هذه المعطلة من خلال إصراره، وعمل كل شيء من اجل تعليم ولده أنور السادات، "دخلنا الفيلا الأنيقة ووقفنا في الـنتريه .. وهكذا كان الترتيب بحيث لا بد أن يمر بنا الباشا في طريقه إلى الخروج فنستلفت نظره ويسألنا عما نريد ... وفعلا نزل الباشا بعد قليل.
واقترب من الصول وهمس في إذنه ببعض الكلمات.. التفت بعدها إلى إبراهيم باشا إلى والدي وقال له بكل عنجهية
"آه.. آه .. أنت باشكاتب القسم الطبي .. ودا الولد ابنك اللي ..طيب .. طيب .." ومضى مسرعا نحو الباب .. وأبي يسير خلفه يتمتم بكلمات لم أدركها ولا أحسب انه هو نفسه كان يدرك ما يقول" ص23
هذه صورة الأوضاع في مصر قبل الثورة وكيف كان البشوات هم من يقرروا هذا يصلح للتعليم وهذا لا ـ من منظور طبقي صرف ـ وليس على أساس الكفاءة والمقدرة. ومن هنا ستكون ثورة 1952 في إحدى جوانبها ثورة في التعليم، بمعنى فتح المجال لكافة أبناء مصر للتعليم بصرف النظر عن الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي للطالب.

الإخوان والسادات

تم لقاء أنور السادات مع جماعة الإخوان ومؤسسها حسن ألبنا، فقد وجد فيهم التنظيم القوي المتراص "ولفت نظري ما كان عليه الإخوان من تنظيم وما كانوا يحيطون به المرشد العام من احترام وتبجيل يكاد يصل إلى درجة التقديس حتى أنهم في معاملتهم لي كادوا يقبلون الأرض بين يدي لمجرد أنه كان يدعوني للجلوس معه في مكتبه"ص32 هذه الصورة الايجابية التي تحدث عنها السادات عن تنظيم الإخوان، فهم تنظيم حقيقي حسب قول الكاتب، لكن وجد فيهم ما لا يستحب، فسلوكهم في تقبيل يد المرشد يعد شكل من أشكال النظام الإقطاعي ـ السيد والعبد ـ "لكن لم يعجبني منظر الإخوان وهم يقبلون يد المرشد العام" ص33، يتناول الكاتب أيضا السلوك العملي لهم، فهم كأي تنظيم سياسي يستخدم كافة السبل والوسائل للوصول إلى الهدف، وأيضا يعملون للاستئثار بكل شيء لصالح التنظيم، "وأجبته .. وفجأة طلب مني أن ننسق العمل معا.. وقلت له:
ـ لقد صارحتك بكل شيء .. وأحب أن أقول لك بنفس الصراحة .. نحن تنظيم لا يخضع ولا يعمل لحساب أي حزب أو هيئة وإنما لمصلحة مصر ككل. وأرجو منك أن يكون ذلك واضحا منذ البداية.
وأمن الرجل على كلامي وقال: ـ يكفي أن نتعاون.. ولم تمضي بعد ذلك وقت طويل حتى كان قد جند لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرؤوف الرجل الثاني في التنظيم الضباط الأحرار" ص33و34، الإخوان تنظيم سياسي لا يقلون انتهازية عن أي تنظيم آخر، فبعد أن كشف السادات لحسن ألبنا ما يقوم به من تنظيم للضباط، استغل حسن ألبنا ذلك وقام بعملة التفاف من وراء ظهر السادات، والموقف الآخر الذي يذكره السادات عن الإخوان هو بعد الثورة وأثناء الصراع مع الانجليز حول الجلاء عن القناة، فلم يراعوا الحالة التي تمر بها مصر واستغلوا ظرف عزل محمد نجيب لكي يقوموا بدورهم التخريبي " فكانت مظاهرات الإخوان وهي تجوب شوارع القاهرة وتتوجه إلى قصر عابدين يحمل أفرادها مناديل ملطخة بالدماء وينادون بسقوط الثورة" ص 146، من خلال هذه الشواهد يرى الكاتب ماهية الإخوان، فهم كأي جهة سياسية تستخدم كافة الطرق والوسائل لتحقيق الأهداف الحزبية، وهم هنا كانوا لا يعيرون أي اهتمام للوضع العام المصري، فقط ما كان يهمهم وهو تحقيق المكاسب التنظيمية حتى لو أدى ذلك تخريب الوطن وفرض الهيمنة الغربية عليه.

نقد عبد الناصر

السادات يوجه نقدا إلى نهج عبد الناصر في فترة حكمه، حتى يبدوا لنا بأنه كان في حالة تناقض معه وليس حالة معارضة، من هنا سنتناول النقد الصريح الذي تناوله الكاتب وأيضا النقد الباطن، فقد كان عبد الناصر يشكل عند السادات عقدة نفسية وأيضا مثلا يسعى لتقليده، لكنه ضائع بين العقدة والمثل، وتحكمت به غريزته فجعلته ينحدر إلى أسفل ولا يقدم على الصعود إلى أعلى، "على عكس الحقد الذي ساد في الثمانية عشر عاما الأولى قبل أن أتولى الرئاسة فهدم كل ما في طريقه هدما ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم" ص100 نجد هنا السادات يقيم حكم عبد الناصر تقيما غارق في السلبية، فلم نجد في هذه الكلمات سوى التجريح، وكأن السادات كان خارج النظام الناصري، وهنا نريد إن نمسك بهذه الكلمة (خارج النظام الناصري) لان ما قام به السادات بعد عبد الناصر يتناقض تماما مع النهج الذي عملت عليه الثورة.
"فلم يكن من السهل على عبد الناصر إن ينشيء علاقة صداقة بمعنى الكلمة، مع أي إنسان وهو المتشكك دائما ـ الحذر ـ المليء بالمرارة.. العصبي المزاج" ص114، سنجد بان هذا النقد الذي يذكره السادات يعمل على نقيضه بعد إن يصل إلى الرئاسة، بحيث يذكر كلمة (صديقي) مع العديد من الرؤساء والوزراء، وكأنه يعاني من حالة النقص في علاقات الصداقة، على كلا في حقيقة الأمر استطاع عبد الناصر إن يقيم علاقات مع أهم قادة العالم مثل تيتو رئيس يوغسلافيا ونهرو رئيس الهند وهاتين من أهم العلاقات التي قامت بين الشخصيات القيادية ثم أثرت ايجابيا على دول العالم، خاصة العالم الثالث، من هنا نجد في هذا الوصف تجني على شخصية عبد الناصر وعدم الموضوعية في اتهامه بعدم مقدرته على أنشاء صداقات، وللعلم بان رؤساء الدول تتحكم في سلوكم المصلحة وليس العلاقة الشخصية، وهنا نستدل على احد جوانب شخصية السادات المريضة نفسيا.
" كان على عبد الناصر إن يتعلم درسا مما حدث فيدرك إن إستراتيجية إسرائيل هي إن نكون على خلاف مع أمريكا.. ولكنه بدلا من إن يفعل ذلك فعل العكس تماما فنجده يهمل الإشارة إلى قرار إيزنهاور بالانسحاب رغم أن في هذا من مجافاة للحقيقة، فالذي جعل هزيمتنا تنقلب إلى نصر كان القرار الأمريكي وليس الإنذار الروسي... ولكن هكذا كان عبد الناصر .. تختلط عليه الأمور ويفقد البصيرة وخاصة لأنه كان يتأثر جدا بتحليلات المحيطين به والذين لم يكونوا شرفاء في تقديم النصح له فقد كان كل همهم إن يضخموا ذات عبد الناصر حتى تبقى لهم مناصبهم ونفوذهم" 160، نجد هنا أيضا ميل السادات إلى أمريكا، فهي في اعتقاده وقناعته المخلص للعرب من كل الشرور، وهي التي ستجعل منهم امة عظيمة، وكأن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل علاقة عابرة تتأثر بموقف ـ كلامي ـ يقدمه عبد الناصر، وهذا التحليل الساذج الذي يطرحه السادات، أقدم عليه بكل تسرع ودن فهم حقيقة العلاقة ما بين إسرائيل وأمريكا، من هنا نجده ينهي حرب أكتوبر عام 1973، فقط لأنه يريد إن يستميل أمريكا، فيقع في مستنقع السلام الوهمي مع احتلال متجاهلا الدور الحقيقي لدولة إسرائيل التي جاءت لتنفيذ مخطط امبريالي استيطاني تقسيمي للعرب.
"وكما اتضح بعد ذلك كان هناك تعذيب وإهانة وامتهان لكرامة الإنسان... لا استطيع إن اجزم بان عبد الناصر كان على علم بما حدث .. ولكني في الوقت نفسه لا استطيع تبرئته من المسئولية فالرئيس دائما هو المسئول مهما كانت أخطاء معاونيه ومساعديه ومهما كانت نواياه هو" ص179، مرة أخرى نجد السادات يبرئ نفسه عما حدث من أخطاء أثناء حكم عبد الناصر، الجميع يعلم بان التجاوزات في الاعتقالات للمعارضة المصرية خاصة للشيوعيين وللإخوان تجاوزت الحد الإنساني، لكن لماذا عدم تبرئة عبد الناصر، علما بان السادات يتحدث في موضح آخر عن تحكم عبد الحكيم عامر بالأمن والجيش معا، وعندما سيتحدث عن حرب 1967 يحمل الهزيمة بشكل مباشر لعبد الحكيم عامر، حيث كان هو السبب في تدمير الطائرات المصرية وهي على الأرض، عندما قام بالتحليق بطائرته فوق سيناء، وفي تلك الإثناء توقفت الدفاعات الأرضية المصرية عن العمل، لوجود قاعدة عسكرية تقول (عندما يكون القائد في الجو تتوقف المضادات الأرضية عن العمل) لكن السادات لا يترك مجالا ينفذ دون توجيه النقد لعبد الناصر.
"ولعلهم كانوا يجهلون أيضا إن أبشع ما واجهت هو جيل الحقد الذي بناه عبد الناصر على كل المستويات حتى على مستوى الأسرة الواحدة حيث كان يمكن للابن إن يتجسس على أبيه أو أخيه كما كان يحدث في الأنظمة الفاشية .. وهذا في تقديري أقبح ما يمكن إن يصل إليه" ص222، لا ندري من أي استقى السادات هذه المعلومات، فالكل يعلم بان المواطن المصري في عهد عبد الناصر كان من أفضل العهود التي مرت عليه، ولو سألنا أي مصري عن المفاضلة بين عهد السادات والعهد الناصري بالتأكيد ستكون الأفضلية المطلقة للعهد الناصري، لكن نعتقد بان السادات عاني عقدة النقص اتجاه عبد الناصر، من هنا نجده يكيل له التهم التي تكون ـ أحيانا ـ بعيدة عن الحقيقة، رغم وجود السلبيات التي واكبت العهد الناصري، خاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان.
" اذكر انه في سنة 1964 كان عبد الناصر على وشك إن يلقي خطابه بمناسبة عيد النصر في23 ديسمبر في بور سعيد كما اعتدنا كل سنة بعد العدوان سنة 1956.. وقبل الخطاب بخمس دقائق قال له علي صبري وكان رئيسا للوزراء إن وزير التموين سأل السفير الأمريكي عن موعد وصول معونة القمح فرد السفير بما أهان مصر وقال للوزير إن الكونجرس لم يوافق بعد ـ وبعد إن سمع عبد الناصر هذا "التقرير" مباشرة ألقى خطابه فجاء مليئا بالسباب والطعن في أمريكا" ص224، " الكاتب يقول عن عبد الناصر يتحرك طبقا لما يسمع من هذا أو ذلك، ودن أن يفكر بما قيل له، "...إذ ما حدث مع أمريكا حدث مع إيران فقد أسر أعوان عبد الناصر إليه بكلمات نسبوها إلى شاه إيران خطأ قبل إن يلقي خطاب 26 يوليو سنة 1952 في الإسكندرية (وكان هذا تقليدا منذ خروج الملك من الإسكندرية في 26 يوليو سنة1952) فما كان من عبد الناصر إلا إن أعلن قطع العلاقات مع إيران في هذا الخطاب" ص225، يمثل لنا الكاتب عبد الناصر وكأنه رجل سريع الغضب، لا يستطيع إن يتحكم بانفعالاته أو عصبيته، كما يظهر لنا بان المحيطين به يتحكمون بسلوكه، فهم من يعطيه ـ الكلمة ـ لكي يفعل ما يريدون، فهو هنا بمثابة آلة صماء لا تفكر أو تتحكم بسلوكها، وهذا على الأكيد فيه مبالغ وغلو شديد، وسيتأكد لنا بطلان هذا الصفات وتلك الانتقادات عندما يذكر لنا الكاتب الحفاوة الجماهيرية التي يتمتع بها شخص عبد الناصر.


توبيخ السادات

لربط موضوع شخصية السادات المريضة اتجاه عبد الناصر، سنذكر بعض ما نال السادات من عبد الناصر فقد تم توبيخه أكثر من مرة ـ حسب مذكرات السادات ـ فهل كان دوافع نقد عبد الناصر هذا التوبيخ؟ "احتدم الصراع وشعرت أننا سوف نواجه انقساما يضرب وحدتنا فتدخلت، وبدأت الخص الكلام الذي قيل بهدف تميع الموقف، وإذا بعبد الناصر يقاطعني بحدة وعنف قائلا:ـ
ـ أنت قاعد تلخص كلام الأعضاء وتتكلم كلاما لا معنى له.. وتتصرف كأنك رئيس مجلس الثورة .. ما هذا الذي تقوله؟
قلت مندهشا :"يا جمال أنا أسف .. أنا بأحاول أجد حل وسط .. أنا لا رئيس مجلس قيادة ثورة ولا شيء من هذا القبيل" ص132، ".. ما أن قلت هذا حتى خيل إلي إني ارتكبت جريمة، فقد هاجمني صلاح سالم على الفور واشترك معه بعض الحاضرين وعلى رئسهم عبد الناصر" ص135، نعتقد بان هذه إحدى الأسباب وراء الانقلاب الذي قام به السادات، فهو كان يوبخ باستمرار من قبل مجلس قيادة الثورة ومن عبد الناصر، من هنا كانت مواقفه السلبية للثورة ولنهجها، ومن ثم التوجه إلى نقيض الثورة، أي إلى الطرف الأمريكي وتطليق السوفيت.

عدم المشاركة في ثورة 1952 ولا في تأميم القناة

من المفارقات في مذكرات أنور السادات انه لم يشارك في ثورة 1952 فقد كان أثناء الثورة في السينما مع زوجته جيهان، ويقدم لنا تبريرا لعدم قيامه بأي عمل يساعد الضباط الأحرار كما يلي "وفي يوم 21 يوليو 1952 أرسل عبد الناصر رسالة لي مع حسن إبراهيم تسلمتها في مطار العريش يطلب مني فيها أن انزل إلى القاهرة يوم 22 يوليو لأن الثورة قد تحدد لقيامها ما بين 22 يوليو و5 اعسس .. وفعلا وصلت القاهرة يوم 22 يوليو .. ولكني لم أجد عبد الناصر في انتظاري على محطة السكة الحديد كعادته، فقلت في نفسي لابد أن الوقت لم يحن بعد.. ولذلك توجهت إلى بيتي واصطحبت زوجتي إلى السينما ولكني عندما عدت إلى البيت في منتصف الليل وجدت بطاقة من عبد الناصر يطلب مني فيها أن أقابله في منزل عبد الحكيم عامر الساعة 11 مساء .. وعلمت من البواب الذي سلمني البطاقة أن عبد الناصر قبل أن يترك البطاقة أتى إلى بيتي مرتين.. مرة في الساعة الثالثة مساءً ومرة أخرى في العاشرة.
غيرت ملابسي وأخذت مسدسي معي وتوجهت إلى منزل عامر وطبعا لم أجده فذهبت إلى ثكنات الجيش في العباسية .. . لم أكن اعرف كلمة السر بطبيعة الحال فمنعوني من الدخول وعندما تبينوا رتبتي طلبوا مني أن ألزم بيتي .. فهذه هي الأوامر بالنسبة للضباط العظام ..ناورت وحاولت كثيرا ولكن دون فائدة ـ كدت اجن فكيف تقوم الثورة أمام عيني وأنا لا أشارك فيها" ص119، لن نقوم بتحليل ما جاء في المذكرات، لكن هناك سبع ساعات بين الزيارة الأولى والثانية لبعد الناصر ولم يكن السادات موجود، فهل حفلة السينما استمرت أكثر من سبع ساعات؟، أم أن تغيب الكاتب كان مقصودا؟ هذا الاستنتاج اقرب إلى الحقيقية، حيث انه سيتحدث لاحقا أن (رجل الظل) الذي يبتعد عن أي مركز في مجلس الثورة كحماية له من المسائلة في حالة الانقلاب على الثورة.
"ورغم عزوفي فترة طويلة عن أي منصب تنفيذي إلا أنني دخلت الوزارة التي شكلها جمال في سبتمبر سنة 1954 كوزير دولة بعد أن بقيت أكثر من سنة العضو الوحيد الذي لم يتقلد منصبا وزاريا وكان جمال يصف هذا الموقف بيني وبينه باني رجل الداورية الذي يبقى في الخارج لكي يضمن سلامته وهو تعبير عسكري عندنا
)get away man (
نجد هنا الاعتراف الضمني بالهروب من المواجهة، ففي بداية الثورة لم تكن الأمور قد ترسخة تماما للضباط، ومن هنا وجد الكاتب الموقع الذي يتناسب مع قدراته وطموحه، عدم المشاركة في الثورة ولا في أي منصب تنفيذي يمكن إن يحاسب عليه في حالة الانقضاض على الثورة، فالكاتب يعاني من حالة الانهزامية التي تواكب سلوكه عند كل خطر.
".. رفع روح عبد الناصر المعنوية بينما كان يستعد للسفر إلى الإسكندرية للاحتفال بذكرى 26 يوليو كعادته فاتصل بي في صبيحة ذلك اليوم يدعوني للسفر معه.. حيث كان ينوي إلقاء خطابه في ميدان المنشية .. كنت مريضا بنزلة معوية حادة فاعتذرت له.. قال : ـ ما دام كذلك أرجو إن تستمع إلى خطابي في الراديو"
قلت له طبعا، واندهشت لطلبه، فقد كان أمرا طبيعيا أن استمع إلى خطابه دون أن يطلب مني ذلك. فما الذي جعله يطلب هذا الطلب الغريب؟ لم اعر الأمر كثيرا من الاهتمام إلى أن جاء وقت الخطاب .. ففتحت الراديو وجلست إلى جواره .. كان خطابا طويلا كالعادة ولم يكن به شيء يلفت النظر إلى أن جاء نصف الخطاب تقريبا .. فسمعته يتحدث عن (فرديندي دىليسبس) .. ساعتها أدركت ماذا ينوي فعله .. لم تمضي دقائق بعد ذلك حتى تحقق ما أدركت.. فقد سمعت عبد الناصر يعلن تأميم قناة السويس ردا على جون فوستر دالاس" ص155و156، أيضا من خلال هذا الكلام نستنتج أن السادات كان خارج المواضيع الحساسية وذات الأهمية، فحتى لو لم يذهب مع عبد الناصر إلى الإسكندرية، أليس من المفترض أن يعلم بمثل هذا الأمر ـ تأميم القناة ـ لو كان قريبا من أصحاب القرار؟، وهنا نطرح سؤال، هل عبد الناصر أقدم على اتخاذ القرار بتأميم القناة دون علم قيادة الثورة؟ فان كان فعل ذلك فهو يقترف جرما شنيعا بحق مجلس الثورة، والأكيد أن قرار التأميم اتخذ من قبل مجلس القيادة، لكن السادات كان على الهامش، أليس هذا ما اعترف به عندما قال عنه عبد الناصر (اذهب يا رجل) إذن كان السادات رجل يتجنب المواجهة أو الوقوف أمام الأحداث الكبيرة والخطيرة، فهو يفضل الابتعاد عن الخطر قدر المستطاع، وهذا ما سيؤكده الكاتب عندما يتحدث عن حرب 1973 وكيف انه وقف وقفة رجلا قتله الخوف عندما علم أن أميركيا تدخلت لصالح إسرائيل، فشخصية السادات كانت على النقيض من شخصية ناصر الذي كان يبحث عن مواجهة الخطر وستطاع الصمود وتحقيق الانتصار في أكثر من مواجهة مع الغرب، من هنا كان الأول قائد يبني الأمجاد له ولامته والثاني يبني أمجاده فقط ومن خلال أعداء أمته. فلم يلقى المحبة والاحتلام كما هو حال عبد الناصر.

تعظيم الذات

تمجيد الذات وجعلها تسمو فوق كل شيء كانت واضحة في السيرة الذاتية لأنور السادات، فقد تناول هذا الأمر في أكثر من موضع، "أنا شخصيا على النقيض تماما من عبد الناصر في هذه الناحية. بل إنني في وقت من الأوقات راودتني رغبة شديدة في أن أقول للناس : بما أنني قد ألغيت بالنسبة لكم المعتقلات إلى الأبد واعدت سيادة القانون فأرجو أن تمنحوا رئيس الجمهورية الحق في أن يعتقل أهله.. وأهله فقط، صحيح أن نشوة الحكم والمظهر لا تدير رأسي إطلاقا ولكن من يضمن لي أنها لا تدير رؤوس أهلي وأقاربي فيظلمون الناس من حيث لا ادري؟ .. من هنا كان أمر الاعتقال الوحيد الذي أصدرته طوال مدة ولايتي خاصا باعتقال شقيقي الأكبر وهو من ساعدني ووقف من خلفي في السجن والمعتقل وجميع الأزمات التي مرت بي" ص150و151، مثل هذا الكلام يبدو كمن يكذب على نفسه قبل لن يكذب على الناس، فالكاتب يعتبر فترة حكمه بالنزيهة والعادلة، فهو لم يقم بإصدار أمر اعتقال أي شخص، علما بأنه في بداية استلامه للحكم قام بإصدار العديد من أوامر الاعتقال لمؤيدي النهج الناصري والمعارضين له، فهو يؤكد هذه الاعتقالات التي تمت بالجملة وفي زمن قياسي، وطالت القيادات من الصف الأول في فترة حكم عبد الناصر، فما بالنا في الناس العاديين!، لكن جنون العظمة عند الكاتب جعله كدون كيشوت الذي يتخيل العجائب.
"فأمرت بحرق جميع شرائط التسجيل الموجودة في وزارة الداخلية .. وكان هذا رمزا لإعادة الحرية إلى الناس ..فقد أمرت على الفور بإغلاق جميع المعتقلات وتحريم الاعتقال وأعلنت أن كل مواطن الحق في أن يفعل أو يقول أي شيء في ظل القانون"ص237، ما قام به الكاتب بعد توليه الحكم يعد (ثورة) على الثورة، فقد قلب الأمور رئسا على عقب، ولم يترك شاردة أو واردة إلا وأصابها رتوش من قرارات السادات، وهذا التجميل اللفظي لا يسمن ولا يغني من جوع، فقد فقد المواطن المصري احترامه وكرامته أثناء حكمه، على النقيض من العهد الناصري الذي جعل من كرامة المصري والعربي المقياس للتعامل مع أعتى قوة على الأرض، وما العودة إلى الحديث عن فتح السجون إلا عملية أراد منها كسب ود الإخوان الذين اعتقلتهم السلطات أثناء فترة حكم عبد الناصر لتجاوزهم الخط الأحمر، وذلك بعد محاولة اغتياله، وأيضا على محاولتهم العمل على تخريب وتقويض الانجازات التي حققتها الثورة، فهذه الكلمات تخفي ورائها حقيقة، يحاول الكاتب أن يخفيها، وهي التقرب إلى الإخوان العدو اللدود للثورة.



الميل للولايات المتحدة الأمريكية

الكاتب لا يترك مجلا للحديث عن الأمريكان إلا وأكرمهم وأعطاهم صفة النبلاء الكرماء، وكأنهم يسترشدون بالكرم الطائي والنخوة العربية، لكن يستدل من هذا التعاطف أن هناك مجموعة من العوامل كانت تدفع بالكاتب إلى رمي نفسه لأمريكا بشكل كامل وكلي، فقد كان في منطقة إلا وعي عنده ، تعمل على النقيض لسلفه السابق، فكل خطوة خطاها عبد الناصر خطى عكسها أنور السادات، وكل فعل عمله عبد ناصر قام بنقيضه، وكأنه يهدم ما بنته الثورة، فعمليا كان عهد السادات (اجتثاث) الثورة الناصرية من جذورها، بحيث لا يبقي لها أثرا.
" وسافرت مع زوجتي إلى أمريكا حيث استقبلونا أحسن استقبال .. وعندما زرتنا لكونجرس أجلسوني على مقعد الرئيس وهو نفس الكرسي الذي جلست عليه عند زيارتي لأمريكا عام 1975...فقد بذل الأمريكان أقصى جهدهم لإنجاح الرحلة.. واذكر أننا في زيارتنا لسان فرانسيسكو كانت مديرة المراسم يهودية فحاولت أن تعتذر لمرضها عن استقبال ومصاحبة زوجتي.. ولكن وزارة الخارجية الأميركية لم تمكنها من ذلك.. فقد أمروها بان تؤدي واجبها أولا ثم تدخل المشفى بعد ذلك" ص181، نجد الكاتب يركز على الشكليات التي من المفترض أن تواكب أي زيارة يقوم بها الضيف، لكن في العقل الباطن للسادات كان يريد الانتقام من نهج عبد الناصر الذي تعامل مع السوفيت وأهمل الأمريكان، فالرئيس العارف لكل البروتوكول يتحدث وكأنه طفل يتم مراضاته بعمل شكلي بسيط، لكل كما قلنا عقلية الانقلاب وفعل النقيض لما قامت به الثورة كان هاجس السادات.





مفهوم السلام

السلام كلمة محببة عند الناس أينما وجدوا، وهي الخلاص من الحروب لما تخلفه من قتل وتشريد وخراب ودمار، ونحن نعتقد بعدم وجود أي إنسان عاقل لا يريد السلام، فهو الغاية والهدف الذي تسعى إليه الأمم والشعوب، لكن عند أنور السادات السلام له مفهوم خاص، فبعد أن استطاع الجيش المصري تحطيم التحصينات الإسرائيلية ودمر جزءاً لا بأس به من القوة العسكرية، إن كانت طائرات أو دفاعات جوية أو دبابات أو القدرة النفسية على القتال عند الجندي الإسرائيلي، وقد أنعكس هذا الوضع عندما خرج موشي ديان أمام الكاميرات يبكي على الهزيمة وقال " لن يتوقف الجيش المصري إلا عند تل أبيب" نجد السادات يتخلى عن كل هذا الانجاز ويتخذ الموقف المناقض لمجرى الحرب، وكأنها مجرد حلم لا يمت إلى الواقع أبدا، فكيف حدث هذا الانزلاق وتحطم ذلك العنفوان وتوقفت الهمم ثم ردها إلى الحضيض؟
"وكنت قد أعلنت عام 1971 الحسم فإما حل سلمي وإما معركة" ص239، يستدل من هذه الكلمات أن السادات يسعى إلى حل سلمي، لكن في حالة عدم وجوده لابد من عمل معركة تدفع بالأحداث إلى حل سلمي، فهي ليست معركة تحرير بل معركة تحريك الأحداث ليس أكثر، وهذا ما يعترف به الكاتب فيما بعد.
"... قلت : هذه سوف تكون معركة التاريخ بالنسبة إلي... فما هو موقف أمريكا .. إنكم انتم الذين أخرجتموني من الحرب ولكنكم انتم المسئولون عن الثغرة.. ما هو موقف أميركا إذا صفيت الثغرة بمعركة..؟
قال : سيضربك البنتاجون بكل قوته .. هذا موقف أمريكا ..لكن لي سؤال : هل أنت مصر على تصفية الثغرة بمعركة عسكرية..؟
قلت : أبدا .. انتم تعلمون أنني رجل سلام .. ولو كنتم قبلتم مبادرتي سنة 1971 لما كانت هناك حرب ـ فأنا ضنين بحياة الجندي قبل الضابط ولكنكم لم تأخذوا كلامي مأخذ الجد وهذه هي النتيجة..
كان في إمكاني في ذلك الوقت أن اضرب في عمق إسرائيل وهي تعلم ذلك وتعلم أن لدي السلاح الذي يقوم بذلك...
أي رجل مكاني كان يفعل هذا ولو من باب الانتقام من إسرائيل لثلاث حروب مضت ـ ولكني لم اعمل لأني أفضل السلام" ص306، هذا يؤكد حقيقة الحرب التي شنها السادات عام 1973، كما قلنا سابقا إنها لتحريك الأحداث، وأيضا من أهدافها رفع رصيد السادات عند الأمريكان، بمعنى أن يتم التعامل معه كرجل يستطيع أن يناوش ولو من باب التخويف، فهو يقول بأنه قادر على ضرب إسرائيل في العمق لكنه لم يفعل ذلك! هل كان يريد أن يصل إلى ما وصل إليه عبد الناصر من حفاوة وترحيب عند العديد من الشعوب والأمم؟ نعتقد بأنه كان يريد هذا الأمر، لكنه أضل الطريق وفقد البوصلة، وإذا حاولنا تركيب الأعمال التي أقدم عليها السادات مع تلك التي فعلها عبد الناصر سنجدهما يسران بخط متعاكس تماما،ولا يمكن لهما أن يلتقا ابد.
موضوع الثغرة هو من المواضيع المحسومة عسكريا لصالح الجيش المصري لكن السادات أراد منه كبح جماح الجيش المصري، وتخويفه بالتدخل الأمريكي، الذي عمليا تم تضخيم تدخله (لكي يكفي الله المؤمنين شر القتال) وسنحلل موضوع الثغرة في حينه حيث يعترف الكاتب بحتمية الانتصار في حال الخوض في تصفية الثغرة، لكن مفهوم السلام المقلوب حال دون إكمال الحسم العسكري، وهذا الأمر يتناقض تماما مع ما قامت به إسرائيل في حرب 1948 وحرب 1967، فقد تقدمت بأكبر مساحة من الأرض دون أن تأخذ بحساب احد سوى بمصلحتها التي تعلو أي مصلحة، وهنا نجد الفرق بين التفكير الرسمي العربي، الذي يبحث عن الذات الفردية حتى لو كانت على حساب مصلحة الأمة والوطن، وبين العقلية الإسرائيلي الذي يقدم مصلحته على أي مصلحة في العالم.
"قلت له لقد جاء دوركم انتم الأمريكان .. فحلوا الموقف انتم بأنفسكم..
قال: هل تقبل عرضا أمريكيا؟ "للأسف يبدو أننا وصلنا إلى طريق مغلق فهم في تل أبيب غير راغبين في التفاهم.
قلت بكل سرور.. مستعد أتلقاه وادرسه وارد عليك..
تلقيت الاقتراح الأمريكي وتلقته إسرائيل في نفس الوقت.. وبالتفاق على فض الاشتباك الأول على الجبهة المصرية بدأنا مرحلة جديدة .. المرحلة الثانية في عملية السلام.
وهنا لا بد أن أقول إنه لا يستطيع احد غير أمريكا أن يقوم بهذا الدور وهو التدخل بين طرفين اللذين تأكلهما أحقاد رهيبة ودماء وكراهية وعنف ومذابح قامت بها الصهيونية في القرى الفلسطينية
..لهذا قلت وأقوال إن بيد أمريكا 99% من أوراق اللعبة .. مهما أغضب ذلك الآخرين" ص307، كما قلنا هناك عقدة عند شخصية السادات من عبد الناصر، وهو يحاول إثبات وإيجاد نفسه بعمل كل ما يتناقض مع أعمال عبد الناصر، فهنا السادات يقبل عرضا أمريكيا يهدف لا فض الاشتباك ليس أكثر، ونفهم من كلامه "لا يستطيع احد غير أمريكا" بأنه مؤمن إيمانا راسخا بان الحل والربط بيدهم، وهذا ما قاله "بيد أمريكا 99%" فهو في حقيقة الأمر رجل مريض نفسيا يسعى لتحقيق ذاته، وما تسمية كتابه "البحث عن الذات" إلا تأكيد لهذه الحقيقة.
".. أنا أقول لوزير خارجيتها انه مهما كان موقف إسرائيل فدعنا نعمل سويا من اجل السلام" ص309، هذا التهاوي نحو كلمة السلام، يبدو كالقفز في الهواء، وهذا ما تم في حقيقة الأمر، فما قام به السادات في معاهدة كامب ديفيد لا يعد أكثر من وضع الأراضي المصرية تحت الوصاية الإسرائيلية، وهو أقدم على فعل ذلك فقط من اجل إيجاد نفسه الضائعة عند أمريكا، ليس من اجل السلام، بل من اجل أنور السادات، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عبد الناصر كان خلال فترة حكمه في صراع مع الغرب ، منذ أن أمم القناة مرورا ببناء السد العالي ومن ثم مصرنة الشركات والمؤسسات المالية، ثم حرب عام 1956، وبعد ذلك العمل على بناء مصر الحديثة، المدارس والجامعات والمصانع، ثم الوحدة مع سوريا التي أزعجت كافة الدول الحليفة للغرب، عربية وغير عربية، حتى أن بن غورون قال " لقد وضعنا عبد الناصر بين فكي كماشة" إذن السادات ليس أكثر من باحث عن مجد ذاتي فردي على حساب مصر كوطن وشعب وعلى حساب العرب.
"وقد قلت للرئيس كارتر أن إسرائيل يجب أن تعطى جميع الضمانات التي تطلبها حتى أذا رأت أن تسلح كل مواطن فيها بدبابة أو طائرة وأعطتها أمريكا هذا فلن نمانع.. بشرط أن تستعملها إسرائيل داخل حدودها وليس في ارض الغير.. لن نمانع إطلاقا في أي شيء تطلبه إسرائيل سواء من أمريكا أو الاتحاد السوفييتي أو مجلس الأمن، وبأية صورة تطلبه.. قوة مشكلة من الأمم المتحدة .. قوات على الحدود .. مناطق منزوعة السلاح على الجانبين" ص311، أليس هذا التقديم يعد تنازلا قبل أن تبدأ مفاوضات السلام، فهل يتوقع السادات بأن ما يقوله للأمريكان لا يصل إلى إسرائيل؟ أم انه يعلم هذا الأمر ويريد تبيض صفحته عندها؟.
من هنا نجده يتوسل الصلح معها، فهذه المواقف لا تنم على أن صاحبها في موقف قوة كما يدعي الكاتب، بل في موقف منهزم، وإذا عدنا إلى موقف جمال عبد الناصر بعد الهزيمة مباشرة نجده يقول "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" مع انه كان مهزوما حتى النخاع في حرب 67، كان صوته عاليا، من هنا رفع من سقف مطالبه، ولم يتراجع قيد أنملة عنها، على النقيض من رجل الانتصارات، ورجل السلام، الذي يتوسل ويستجدي العدو الذي لم يترك عملا ضد العرب ألا وقام به،
من هنا نجد مفهوم السلام عند السادات كان مفهوما مشوها، وهو في حقيقة الأمر كان استسلاما وليس سلاما، فمن يقدم بمثل هذا الطرح وهو شخص مهزوم حتى النخاع، وهذا ما كشفته الأحداث التالية.


حرب 1973

قبل الخوض في غمار الحرب 1973 التي انقلبت هزيمة على مصر والعرب، سنحاول إضاءة بعد الدوافع التي يذكرها الكاتب في مؤلفه "البحث عن الذات" فيقول " أما من ناحية أمريكا فقد التقى حافظ إسماعيل بكسينجر في باريس في فبراير 73 ولكن لا شيء جديد .. وكما كنت أقول دائما لم يكن من الممكن لأمريكا أو لغيرها من القوى أن تتحرك ما لم نتحرك نحن عسكريا وكان ملخص ما قاله كيسنجر لحافظ إسماعيل أنهم للأسف لا يستطيعون مساعدتنا لأننا مهزومون وإسرائيل متفوقة" ص251، هنا مربط الفرس، طلب والتقرب من الأمريكان لإيجاد موضع قدم للسادات عندها، وهنا لا بد من التذكير بان اتجاه السادات إلى الأمريكان كان يناقض اتجاه عبد الناصر إلى السوفييت، ويستدل أيضا من كلامه بان الحرب يراد منها تحريك الأمريكان بعد أن يشعروا بان إسرائيل مهزومة أو مهدده ، فالهدف من الحرب كان محدودا جدا وواضحا وضوح الشمس لا تحرير ارض ولا تحرير شعب، الهدف من الحرب استقدام أمريكا للتدخل لإيجاد حل يكون فيه السادات صاحب المكان الرفيع والكلمة الأولى، وهنا أيضا يجب التذكير بالحفاوة التي كان يتمتع بها عبد الناصر عند الدول الأخرى.
ولان ندخل تفاصيل الحرب وكيف استطاعت القيادة العسكرية أن تحسم المعركة منذ بدايتها "بان طائراتنا قد عبرت قناة السويس وكانت222 طائرة نفاثة سرعتها فوق سرعة الصوت.. انتهت من ضربتها الأولى في ثلث ساعة بالضبط فقدنا فيها خمس طائرات فقط... نجحت ضربة الطيران نجاحا كاملا ومذهلا.. مذهلا لنا في المقام الأول فقد حققت الضربة نتائج فاقت التسعين في المائة بخسائر لم تزد عن أثنين في المائة ومذهلا لإسرائيل وللعالم كله شرقه وغربه.. فقد كان تقدير الاتحاد السوفييتي الرسمي بواسطة خبرائه قبل أن يخرجوا من مصر انه في أية حرب مقبلة فان ضربة الطيران الأولى سوف تكلف سلاح الطيران المصري على أحسن الفروض 40% من قوته ولن تحقق نتائج أكثر من ثلاثين في المائة...في ثلث ساعة فقط أي بعد عشرين دقيقة من ساعة الصفر كانت طائراتنا قد ضربت مراكز القيادة ومراكز إدارة الطيران ومراكز إدارة الدفاع الجوي.. فقدت إسرائيل توازنها بالكامل ليس لأربعة وعشرين ساعة الأولى الحاسمة بل لأكثر من أربعة أيام كاملة فقدت فيها السيطرة على قواتها في سيناء وانقطع الاتصال كاملا بهذه القوات " ص261و262، معطيات الحرب كانت لصالح الجيش المصري، والكاتب يعترف بان ضربة مدتها عشرين دقيقة، ليس أكثر، جعلت إسرائيل تفد سيطرتها لمدة أربع أيام كاملة، فلماذا لم يستفيد من هذا الأمر ويتقدم أكثر من خلال إلحاق الخسائر في المعدات وفي الجنود وعلى الأرض؟
نعود إلى الإبداع الذي أنجزه الجيش المصري في معركة العبور " كانت القاعدة إلا يتصدى للمدرعات إلا المدرعات .. وقد تعلمنا كما تعلم العسكريون في العالم كله أن قوات المشاة مهما كان تدريبها أو نوعيتها فلا يجب أن تدخل في أية معارك مع المدرعات لأنها كما يقول التعبير العسكري .. ... ولكن في حرب أكتوبر عبرت القوات الخاصة والمشاة المدربة في الأفواج الأولى وهم يحملون الصواريخ في أيديهم وواجهوا الدبابات الإسرائيلية في معركة مريرة وضربوا أعدادا ضخمة منها قبل أن تعبر دباباتنا إليهم وتدخل معركة الدبابات... وبعد العبور دخل جنودنا على الحاجز الترابي الذي كان يبلغ في بعض مواضعه 17 مترا واستخدموا في تسلقه عمليات بدائية أذهلت العالم ـ فهي عبارة عن سلم من الحبال يحمله الجندي ثم يتسلق الحاجز الترابي وعندما يبلغ القمة يطرح السلم لإخوته فيتسلقونه وهم يحملون الأسلحة المضادة للدبابات من صواريخ ومدفعية ثقيلة وبسرعة يستولون على المواقع التي أعدها الإسرائيليون خلف الساتر الترابي على الضفة الشرقية ليتربصوا فيها بالعدو ويستروا زملائهم الذين يعبرون ...
وبعد سقوط النقطة الحصينة في خط بارليف الواحد بعد الأخرى وفي نهاية ست ساعات فقط كان قد اتضح تماما أن اليهود فقدوا توازنهم وفقدوا السيطرة وفقدان السيطرة هذا تعبير عسكري معناه أن القيادات قد فقدت الاتصال بينها وبين القوت وهذا أهم شيء في العسكرية من اجل تحقيق المفاجأة
.. .. بدأ المهندسون في تطبيق نظرية شق الحاجز الترابي بخراطيم المياه المكثفة وهذه فكرة مصرية 100% فسلاح المهندسين هو الذي قام بها واذكر أننا طلبنا من الألمان صنع هذه المضخات ذات الضغط العالي وسخروا منا وكانوا يتساءلون " هل هناك حريق في العالم كله يحتاج إلى كل هذه القوة؟"
... أما بالنسبة للموقف على الجبهة صباح 6 أكتوبر فان القادة المحليين قاموا بخدعة لطيفة وهي أنهم جعلوا الجنود يجلسون على ضفة القناة وهم يمتصون عيدان قصب السكر في تراخ وكأنهم في أجازه .. أما الخداع التكتيكي الأساسي الذي اجبر إسرائيل على احترام الجندي المصري إلى البد فهو النزول بخمس فرق كاملة على خط المواجهة الذي كان طوله 180 مترا." ص262و263، إننا أمام مفارقة ما بعدها مفارقة، فكان هذا الإبداع والعبقرية يمحى في ليل وليس في نهار، عمل خمس سنوات للجيش المصري لكي يستعيد الأرض التي فقدها ويستعيد كرامته التي فقدها في حرب 67، يرجعها السادات إلى الوراء وكأنها لم تكن، معركة يتم الإعداد لها بكل حرفية قتالية، تحقق أعلى النتائج على ارض الواقع، طرق وأساليب وأدوات لم تعهدها الجيوش
من قبل، نستطيع القول بان هذه الحرب ولو لم يكن لها استثمار شخصي من قبل السادات لحررت كامل الأرض العربية المحتلة وأنهت دولة الاحتلال تماما، لكن!.
" لقد سجلنا رقما قياسيا عسكريا مصريا بالقضاء على أي لواء مدرع معادي في عشرين دقيقة .
كما سجلنا من قبل اكبر قطعة بحرية إسرائيلية هي إيلات بقوة نيرانها وصواريخها وطاقمها الذي يبلغ أكثر من 300 (ثلاثمائة) بحار يمكن أن يقضي عليها زورق صواريخ لا يزيد طاقمه عن 17 فردا وكان هذا إيذانيا بتغير استراتيجي في حرب البحار أخذت به كل دول العالم بعد حرب أكتوبر وسجل التاريخ أن أول صاروخ بحري سطح سطح والذي غير الإستراتيجية البحرية العالمية.. كان صاروخا مصريا أطلق من زورق مصري وبأيدي ضباط وجنود مصريين" ص267، هذا الحرب لا بد أن تترك أثرها على العدو، فلا يمكن أن تمر هذه الانجازات مرور الكرام، من هنا يخبرنا الكاتب عن حال العدو فيقول " .. يقول أن المعركة على الجبهة المصرية تسير في غير صالح إسرائيل ولا بد انه وصله أيضا بكاء ديان على الجبهة المصرية أمام مراسلي الصحف العالمية وانهيار هو قوله إن الإسرائيليين لن يستطيعوا أن يزيحوا المصريين بوصلة واحدة وان الطريق مفتوح إلى تل أبيب" ص269، كل هذا الشواهد التي يذكرها الكاتب تبين لنا حجم ونوعية الكارثة التي حلت بهم، وكان فعلا الجيش المصري يستطيع الوصول إلى آخر جندي إسرائيلي ويحرر كامل الأرض العربية، ما فعله السادات حول النصر إلى لاشيء، بمعنى كل تلك البطولات والإبداعات التي ذكرها ولم يذكرها تحولت إلى سراب للجيش المصري وللعرب، ومن هنا لم تكمل القيادة العسكرية المصرية الحرب وجاءها الأمر بالتوقف عن الحد الذي وصلت إليه وعدم إطلاق النيران.




تناقضات في المواقف

عندما بدأ الحرب في عام 73 كانت محسوما بتوقفها عند حد معين، فكان السادات في العديد من المواقف يقول لا بد من تحريك الوضع في المنطقة، من هنا نجده يرسل رسالة إلى الروس يقول فيها يكل وضوح " .. هو أن إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة لن يتحركا لتحقيق حل للمشكلة سواء كان سلميا أو غير سلمي إلا إذا أحست إسرائيل بان قواتنا العسكرية أصبحت قادرة على أن تتحدى التفوق العسكري الإسرائيلي وعندئذ فقط ستجد إسرائيل وأيضا الولايات المتحدة أن مصلحتها الوصول إلى حل للمشكلة" ص333، هذه رسالة (سرية للغاية) بعثها السادات لبريجينيف رئيس الاتحاد السوفييتي في 30 أغسطس 72، يكشف فيها هدفه من وراء الحرب حيث لا تتعدى تحريك الموقف عند إسرائيل وأمريكا لإيجاد حل للمشكلة، أي مشكلة؟ لا احد يدري، ربما مشكلة السادات مع ذاته التي يبحث لها عن مكان؟.
هذه الأمر كان لا بد من التذكير به لكي نتعرف أكثر على شخصية السادات والكيفية التي يفكر بها والطريقة التي يتعامل بها، فعندما طالب الروس السادات بوقف إطلاق النار كان موقفه كما يلي ".. وجاء كوسيجين والتقينا .. وكان مطلبه الأساسي وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية .. قلت له : ـ " أنا مش مستعد اكرر هدنة سنة 1948 التي كانت السبب في خسارتنا للحرب"
قال لي " إحنا حندخل ضامنين"
قلت : "إسرائيل لا ضمان لها إطلاقا ـ " ص270، المتمعن لهذا الحوار يجد السادات قد اتخذ الحرب كمعركة حاسمة لا مجال لتوقفها إلا بعد دحر الاحتلال وإرجاع كافة الأراضي المحتلة لأصحابها، لكن سنورد حوار آخر بين السادات وهنري كيسنجر الأمريكي وكيف انه ينبطح أمامه كالنعجة التي تستسلم لذابحها، " للأسف يبدو أننا وصلنا إلى طريق مغلق فهم في تل أبيب غير راغبين في التفاهم.
قال : هل تقبل عرضا أمريكيا؟ قلت بكل سرور.. مستعد أتلقاه وادرسه وارد عليك..
تلقيت الاقتراح الأمريكي وتلقته إسرائيل في نفس الوقت.. وبالاتفاق على فض الاشتباك الأول على الجبهة المصرية بدأنا مرحلة جديدة .. المرحلة الثانية في عملية السلام.
وهنا لا بد أن أقول إنه لا يستطيع احد غير أمريكا أن يقوم بهذا الدور وهو التدخل بين طرفين اللذين تأكلهما أحقاد رهيبة ودماء وكراهية وعنف ومذابح قامت بها الصهيونية في القرى الفلسطينية
..لهذا قلت وأقوال إن بيد أمريكا 99% من أوراق اللعبة .. مهما أغضب ذلك الآخرين" ص307، من هنا يتضح لنا الحالة غير السوية لشخصية السادات، فهو شخص يبحث عن مكان له بين الرؤساء ليس أكثر، منطلق في مسعاه بدوافع التقليد لما كان عليه عبد الناصر، فما معنى أن يكون حازما في وقف إطلاق النار عندما طلب منه الروس ذلك، وليينا مطيعا عندما طالبه الأمريكان؟

شخصية عبد الناصر التي سعى لها السادات

في حديثه عن عبد الناصر كان السادات يتكلم عن المثل الذي يتشوق للوصول إليه، من هنا تم ذكر عبد الناصر والهالة التي يتمتع بها عند القادة وعند الجماهير "أما بالنسبة للأثر المحلي لمؤتمر باندونج فقد أضاف الكثير إلى شعبية عبد الناصر الذي استطاع أن يقف جنبا إلى جنب مع بعض الشخصيات العالمية أمثال نهرو وشواين لأي وأن يستحوذ على إعجابهما رغم أنه كان في ذلك الوقت دونهما بكثير سنا وتجربة" ص149، إذا تمعنا بهذه الكلمات نجد العقدة التي واكبت السادات، فكيف لعبد الناصر صاحب التجربة القليلة، والصغير سننا أن يقف مع هؤلاء القادة الكبار، وكأن مسألة الاحترام تقاس بالعمر أو طول مدة الحكم.
" آه للنفس البشرية ما أضعفها وأتفهها عندما تطغى المصلحة الشخصية فتحجب عنها رؤية الأشياء على حقيقتها. إنهم يحقدون على عبد الناصر لأنه حقق نجاحا كبيرا في باندونج وارتفعت مكانته في عيون العالم.. أليس مكانته هي مكانة مصر؟ ونجاحه نجاحا لنا جميعا؟ ولكنهم لا يبصرون" ص152، يتحدث الكاتب عن مجلس قيادة الثورة وكأنه ليس منهم، وليس له علاقة بهذا الحسد ـ أن وجد عند أعضاء المجلس ـ فالكاتب يريد أن يغطي نزعاته النفسية بالآخرين، لكي يخفي ما تنازعه به نفسيه.
مسألة القيادة ليست متاحة لأي فرد فهي تكون بين النوابغ القلائل جدا، من هنا عبد الناصر استطاع أن يقود ثورة ضد نظام ملكي استمر في الحكم لأكثر من مائة عام دون أن يراق دماء، ونحج في تحقيق العديد من الانجازات التي ما زالت تعتبر انجازا وطنيا مصريا يعتز به كل مصري وكل عربي، من التأميم إلى بناء السد العالي إلى المواجه مع الغرب في حرب56، ثم بناء الشخصية الوطنية المصرية والتعامل مع العرب كـأنهم أمة واحدة، وما موقفه من اليمن والعمل على إقامة ومعاهدة دفاع مشترك مع سوريا، ثم وقوفه في وجه كافة التحالفات مع الغرب، كما هو الحال عندما وقف ضد حلف بغداد، كل هذه الأعمال وغيرها جعلت الجماهير العربية تلتف حوله.
ويعود السادات للحديث عن شخصية عبد الناصر القائد الذي يتخذ المواقف الشجاعة حتى لو كانت تشكل خطرا على حياته " .. وكان عبد الناصر في بيته فطلع إلى سطح المنزل وشاهد بنفسه الطائرات وهي تقصف مطار ألماظة القريب من منزله وهي تحمل علامات انجليزية وفرنسية ... وكانت مدة الإنذار 12 ساعة وقد احدث بلبلة عند بعض السياسيين القدامى في مصر، فقرروا أن يتجمعوا فيرسلوا رسالة إلى عبد الناصر لإقناعه بقبول الإنذار تحت شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. سمع عبد الناصر بهذا فأرسل في طلب كتيبة ضرب نار من الحرس الجمهوري ووقفت في ساحة مجلس الوزراء واقسم أن يعدم رميا بالرصاص أي إنسان يأتي ليقترح عليه قبول الإنذار" ص157و158، مثل هذه الشخصية نادرا ما نجدها في العالم، وإذا استثنيا شخصية عرفات وصدام حسين اللذان كررا هذا الرفض والانصياع للقرار الغربي لا نجد إلا المطيعين والمنفذين لتلك القرارات. هذا شاهد آخر من الشواهد التي تأثر بها السادات، إن كان يعي ذلك أم لا، فهو أسير لشخصية عبد الناصر العملاق، ولا نريد هنا أن نقارن بين موقف عبد الناصر من الإنذار الانجليزي الفرنسي الإسرائيلي وبين تلك الإشارة البعيدة جدا التي سمعها السادات من الصحافة حول تدخل الأمريكان أثناء حرب 73 فقرر وقف النار فورا، وتحويل المعركة العسكرية إلى معركة سياسية.
"... بمجرد أن أنهى عبد الناصر من ألقاء خطابه القصير كانت شوارع القاهرة قد امتلأت بجماهير الشعب بحيث لم يعد هناك موضع لقدم... الكل يطالبون ببقاء عبد الناصر ـ فالكارثة عظيمة .. ومن يعرف عبد الناصر لابد أن يدرك انه لم يمت يوم 28 سبتمبر سنة 70 بل مات يوم 5 يونيو سنة 67، بعد المعركة بساعة واحدة... هكذا كان يبدو بل وظل يبدو لفترة طويلة ..الميت الحي .. صفرة الموت تغطي وجهه ويديه رغم انه كان يسير ويتحرك وينصت ويتكلم" ص194، لا مجال هنا للحديث عن المزايا الشخصية التي يتمتع بها عبد الناصر ، وأيضا تعلق الجماهير بشخصه وبقيادته، ولأول مرة في التاريخ شخصية تهزم في حرب وتخسرها وتخرج الجماهير مطالبة ببقائها!.
من خلال السرد الذي يتناوله السادات نستدل على الجوانب التي كان يفتقدها ويبحث عنها، أولا تعلق الجماهير بالقائد، وثانيا المزايا الشخصية التي تنفرد بها شخصية القائد.
"الصورة الأخرى وهي أكبر إشراقا هي صورة مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالخرطوم في نفس السنة... لم يكن عندي أمل كبير في المؤتمر ولكنني فوجئت كما فوجئ العالم بنتائجه.. فقد خرج الشعب السوداني لتحية عبد الناصر بصورة لا تقل عما حدث في مصر يومي 9و10 يونيو ..
طبعا خرج الشعب لتحية باقي الملوك والرؤساء العرب ولكن استقبال الشعب لعبد الناصر يفوق كل وصف حتى أن مجلة التايم أو النيوزويك لا أذكر وضعت صورة عبد الناصر على الغلاف وكتبت تحت الصورة (تحية المهزوم) غير مدركين سر ارتباط الشعوب العربية بعد الناصر فقد كان في نظرهم رمزا للحفاظ على الأمة العربية ضد أي تدخل أو عدوان خارجي" 201و202، هذا الكلام يبين لنا جميعا أهمية الرجل الذي يعمل لصالح أمته، فحتى لو خسر معركة، يبقى هو المخلص، فهو اكبر من شخصه، فأمسى ـ في نظر الجماهيرـ السوبر الذي منه وبه وفيه الخلاص من كافة الشرور التي تحيط بالأمة، وكم كنا نتمنى أن يسير الكاتب على خطى سلفه، لكن ليس بالتمني تتم الأمور، فقرر قلب كل الأعمال والانجازات رأسا على عقب، دون أن يراعي مصلحة مصر أو المصريين، من هنا يتم التغني بتاريخ الرجل المنهزم في حرب67، وتناول سلفه المنتصر في حرب73 بما لا يحمد، فيا لها من مفارقة، تجعلنا نفكر ونتوقف كثيرا فما حدث بين العهدين.


انجازات الثور

تكمن أهمية أي ثورة في انجازاتها على ارض الواقع وما تقدمه للجماهير، فأي ثورة لا تتعامل مع مصالح الجماهير بالتأكيد لن يرحب بها ولا بقيادتها، من هنا نجد الثورة المصرية قدمت للشعب المصري ما كان محروما منه، التعليم "كانت حصيلة أراضي العائلة المالكة المصادرة 70 مليون جنيه أنفقناها على بناء الوحدات المجتمعية والمستشفيات والمدارس في ريف مصر بحيث كنا نبني 3 مدارس كل يومين ـ واذكر أننا بنينا في سنة واحدة قدر ما بنى في مصر من مدارس خلال 20 سنة" ص142، بناء للمدارس جعل التعليم متاح لكل المصريين وليس فقط لأبناء السلطة والإقطاع المستشري، فهو يعد احد أهم الانجازات التي قدمتها الثورة للشعب، فقد مس هذا الانجاز كل مواطن وتنعم به هو وأبنائه.
"ولكن لعل المشروع الذي غير وجه المجتمع المصري، والذي جعل ثورتنا ثورة حقيقية لا مجرد انقلاب عسكري .. هو مشروع الإصلاح الزراعي.. كان أول عمل للوزارة الجديدة تحديد الملكة الزراعية ب 200 فدان" ص143، العمل الثاني الذي قدمته الثورة الشعب المصري توزيع الأراضي الإقطاعية على الفلاحين، بحيث لم يعد هناك إقطاعيات تستطع أن تتحكم بمصير الفلاح، فتحرر من هيمنة الإقطاعي وأصبح لدية ارض يمتلكها ويعمل بها.
بعد تأميم القناة وبناء السد العالي تعرضت مصر للعدوان الثلاثي، فما كان من الثورة إلا الرد على ذلك العدوان بقرارها مصرنة المؤسسات المالية والتجارية الغربية " وفي نفس اليوم أعلن عبد الناصر قرارا آخر أهم من القرار الأول وهو تمصير الاقتصاد المصري كرد فعل على التخريب الذي أحدثته الغارات الجوية البريطانية والفرنسية" ص161



السوفييت من وجهة نظر السادات
فترة عبد الناصر
السوفييت كقوة عظمى كان لها دور واضح في أحداث المنطقة، من هنا كانت لهم مواقف تنسجم مع مصالحهم قبل أي شيء، فكافة الدول تبحث عن مصالحها وليس مصالح الآخرين، يتحدث الكاتب عن تدخل السوفييت متأخرين جدا في حرب 56، "ونحن في أوج المعركة بين يومي 29 أكتوبر و2 نوفمبر 1956 كان شكري القوتلي رئيس سوريا في ذلك الوقت في زيارة رسمية للإتحاد السوفييتي فتحدث إلى الزعماء السوفييت بشأن معركة القناة وطلب مد يد المساعدة لمصر، لكن السوفييت تخاذلوا تخاذلا تاما.. فأرسل إلنا القوتلي بذلك ونصحنا بالاعتماد على أنفسنا فلا أمل إطلاقا في السوفييت، وهذا ما جعلنا منذ تلك اللحظة أومن بأن من يتغطى بالسوفييت فهو دائما مكشوف.
وعندما علم السوفييت باستجابة هذه الدول لطلب الرئيس الأمريكي أرسلوا الإنذار المعروف باسم خروشوف وبولجانين إلى انجلترا وفرنسا.. والذي لم يكن في الواقع إلا مجرد استعراض عضلات ومحاولة للظهور بمظهر المنقذ" ص159، ما يميز هذه المذكرات أنها تكشف شخصية الكاتب تدون إي عناء، فهنا يعترف الكاتب بأنه منذ حرب 56 قرر عدم (التغطي بالسوفييت) ومن هنا كان البديل هو أمريكا.
"وكما قال لي عبد الناصر شخصيا ـ استمر الحديث بينه وبين خروشوف 16 ساعة كاملة حاول فيها عبد الناصر إقناع خروشوف بنجدة الثورة العراقية ولكن عبثا ذهبت كل محاولاته.. فقد رفض خروشوف تقديم أي نوع من المساعدة.
.. بقى عبد الناصر في دمشق فترة إلى أن استتبت ثورة العراق ثم عاد إلى القاهرة ولكنه أثناء زيارة أخرى لدمشق عام 59 فوجئ بهجوم عنيف من جانب خروشوف على الوحدة بين مصر وسوريا" ص167، الكاتب يحدثنا عن مصالح الدول وكيف تنظر إلى الأمور من خلال مصلحتها، وليس مصلحة الآخرين، لن نضيف على ما جاء في هذا الحدث، ولكن يعلمنا الكاتب بان لغة المصالح هي التي تحكم علاقات الدول وليس شيء آخر، فلجميع لعلم بأن الوحدة العربية تشكل تهديدا كافة المصالح الأخرى، أمريكية أم روسية، فموضوع الوحدة كان بشكل دائم يتم التعامل معه من الغرب على أنه تهديد لمصالحها، أن كانت تلك الدول غربية أم شرقية، اشتراكية أم رأسمالية، الجميع يتعرض للخطر في حالة وجود الوحدة.

فترة أنور السادات
"قلت للسفير السوفييتي... 2ـ إنني أقرر الاستغناء عن جميع الخبراء العسكريين السوفييت
3ـ هناك معدات سوفييتية وهي أربع طائرات ميج 25 وهناك محطة للحرب الإليكترونية ويعمل عليها طاقم سوفييتي فإما أن تبيعوها لنا أو تسحبوها إلى التحاد السوفييتي
4ـ كل هذا لا بد أن يتم في بحر أسبوع
... من أسباب هذه القرارات موقف الاتحاد السوفييتي منا طبعا ولكن كان هماك سبب آخر مهم وهو أني قد بنيت اسراتيجيتي على أساس أن لا أبدأ المعركة وعلى أرض مصر خبراء سوفييت" ص423، كان هذا اللقاء بين السادات والسفير السوفييتي في آخر أبريل سنة72، الخلاف كان حول تزويد القوات المصرية بأسلحة طلبتها الحكومة المصرية، لكن ـ حسب قول الكاتب ـ لم يتم تلبية تلك الطلبات وتم تسويف الأمر، مما جعل السادات يتخذ القرارات السابقة، والمتتبع لسرد الكاتب لا يجد لا مثل هذا الكلام ( لم يلبوا طلباتنا من الأسلحة، يعطونا بالقطارة) فمن أين جاء السلاح الذي حارب به الجيش المصري في حرب 73، إذا كان الروس على هذه الشاكلة؟، لكن كما قال الكاتب لقد قرر (عدم التغطية بالسوفييت).
وإذا أمعنى النظر في عبارة (أن لا ابدأ المعركة وعلى أرض مصر خبراء سوفييت) نستدل منها على الهدف الخفي من وراء هذا القرار، لكي لا يقال عن انجازات حرب73 بأنها كانت نتيجة الخبرة والتعاون مع السوفييت، بحيث لا تترك عملية الطلاق للسوفييت أي أثر في نفوس المصريين في المستقبل، وأيضا تسهيل عملية الارتباط مع الأمريكان فيما بعد.
"يوم 11يونيو1973 ..قلت للجنرال إسماعيل : "آسف: أنا لا استقبله" يعلم السوفييت جيدا أني لا أحب بوجورني والسبب أنه كان أثناء زيارة له لتركيا قد سب العرب والعسكري العربي وقال إنهم لن يعطوا العرب أبدا أي اسحله متقدمة لأنهم يتركون الإسرائيليين يستولون عليها" ص255، الكلام الذي يسرده الكاتب يبن التفكير الشخصي عند رئيس اكبر دولة عربية، فكأنه لا يعرف مفهوم المصالح، ويتعامل مع الأفراد بصورة شخصية، وأيضا هذا الكلام هل يختلف عما قاله كيسنجر عندما طلب منه التدخل لحل المشكلة؟ وهنا نجزم بان الكاتب من خلال كتابه "البحث عن الذات" لم يحمد السوفييت بأي صورة من الصور/ وكل ما هناك صورة المتخاذل المعادي لمصر وللعرب.
يستمر السوفييت بلعب الدور المعادي للعرب من خلال اللقاء الذي تم بين السفير السوفييتي والسادات "وعندما التقيت بالسفير السوفييتي كنت أطن انه جاء ليحمل إلي رد القيادة السوفييتية على سؤالي الذي سبق أن سألته وهو ما موقف السوفييت منا؟ ولكن خاب ظني فقد جاء ليقول لي أن الرئيس حافظ الأسد استدعى السفير السوفييتي يوم 4 أكتوبر وابلغه أن الحرب ستبدأ يوم 6 أكتوبر فقلت له نعم أنا اعرف ذلك وقد كان ذلك باتفاق سابق بيننا ثم استطرد السفير السوفييتي قائلا إن حافظ الأسد طلب في هذه المقابلة منا أي من الاتحاد السوفييتي العمل على وقف إطلاق النار بعد 48 ساعة على الأكثر من بدأ العمليات يوم 6 أكتوبر.. وبناء على ذلك فقد جاء ليبلغني ذلك رسميا من القادة السوفييت ويطلب مني الموافقة على ذلك، .. وأبلغت الرئيس الأسد أيضا ردي على السفير السوفييتي وهو أنني لن اقبل وقف إطلاق النار إلا بعد تحقيق أهداف المعركة رغم خطورة الموضوع جائني الرد من الرئيس الأسد عصر يوم 7 أكتوبر 1973 أي بعد أربع وعشرين ساعة .. ! بان هذا الذي يدعيه الاتحاد السوفييتي لم يحدث... "أنا جاي لك برسالة ثانية من الحكومة السوفييتية بناء على طلب سوريا للمرة الثانية بوقف إطلاق النار " قلت له "اسمع... أرجو أن تقفل هذا الموضوع وتعتبره انتهى عند هذا الحد فانتم تعلمون منذ الأمس أنني لن أوقف إطلاق النار إلا بعد أن تحقق أهداف المعركة وأريدك أن ترسل للقيادة في موسكو بان يرسلوا إلي دبابات فورا فهذه المعركة سوف تكون اكبر معركة دبابات في التاريخ" ص264 و265. الطلب السوفييتي يحمل التأمر على العرب، فهو يرد أن يكون الوضع على حاله، دون أي تغير، لكن ما يثير الدهشة هو طابع التجسس والتخريب والتأمر على الفعل العربي، فهل كان السوفييت بهذه القذارة لكي يرسلوا سفيرهم؟ أم أن الكاتب يبالغ فيما كتبه؟
في مجمل الكتاب كان الكاتب يسعى بكل الوسائل لإخراج السوفييت من المنطقة، وإعطاء الولايات المتحدة الأمريكية دورا شبه منفرد، من هنا نجد لغة الخطاب المتناقضة بين خطاب السوفييت وخطاب الأمريكان، وهنا يستدل بشكل غير مباشر على طريقة التفكير والعمل التي انتهجها السادات، فهو صاحب اليد في كل ما جرى لمصر وللعرب بعد حرب 73، والذي يتابع الأحداث يجد بان نتائج حرب 73 كانت كارثة على العرب أكثر من هزيمة 67، ففيها لم يخنع أو يرضى العرب حكام أو شعوب الصلح أو الاعتراف بتفوق الاحتلال، على النقيض بعد حرب 73 التي اعترف بها العرب بتفوق دولة الاحتلال وأقاموا معها الصلح، من هنا إذا أخدنا الأحداث بخواتيمها نجد النصر الذي كان في حرب 73 مجرد هزيمة ساحقة للعرب ولمصر، وعندما نقول مصر نستذكر عبد الناصر الذي خرج مهزوما من الحرب لكنه لم يذعن لأحد، وما البطولات التي حققها الجندي المصري في حرب73 إلا نتيجة طبيعية للتربية القومية التي تربى عليها في زمن عبد الناصر.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غطاء العقل العربي
- الثابت والمتحرك والعقل العربي
- أوراق بعيدة عن دجلة
- المسألة الطائفية في مصر
- الفدائي الصغير بين الشكل الأدبي والمضمون
- ماركو فالدو والتقديم الهادئ
- عمارة يعقوبيان والفساد الطاغي في مصر
- التشدد والتكفير
- استنساخ قرطاج في بغداد ودمشق
- الديانات الثلاث ودخول الجنة
- التخندق القبلي في المجتمع العربي
- أوهام الشيوعيين الفلسطينيين
- رجوع الشيخ والانسجام بين الشكل والمضمون
- الاسود يليق بك
- إنتقائية التاريخ
- العشيرة العربية
- ثروة الإيمان
- العقل العربي والاحتكام للنص
- طيور الحذر وتشكيل النص
- إنسان


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رائد الحواري - السادات والبحث عن الذات