أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الة الزمن المعكوس















المزيد.....

الة الزمن المعكوس


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4280 - 2013 / 11 / 19 - 17:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"انهم، هناك، يبنون المستقبل ونحن، هنا، نحن الى الماضي ونقدس ما فات"
"هناك يحتفون بالإبداع وهنا يقدسون الإتباع"

في سنة 1895 صدرت أولى طبعات رواية "آلة الزمن" للكاتب الانجليزي هربرت جورج ويلز. وفي هذه الرواية يتمكن بطلها، "مسافر الزمن"، من اختراع آلة عجيبة تمكن قائدها من التجوال عبر الأزمنة. وعلى الرغم من قدرة الآلة على زيارة أي حقبة من حقب الماضي الا ان صاحبها فضل استخدامها لزيارة المستقبل، وتحديدا عام 802701 الميلادي. ولعل تفضيل "مسافر الزمن" استخدام آلته لاستكشاف المستقبل يعكس روح الثقافة السائدة لدى قومه ولأحفادهم من بعدهم. وهي ثقافة ذات توجه مستقبلي Future-Oriented تدعم منظومة قيمها الجهود الساعية لوضع تصور للمستقبل المنشود ولتلك الساعية لتحقيقه على ارض الواقع. ثقافة تشجع الخيال الخلاق والابداع والخروج عن المألوف وتتقبل المخاطرة. ثقافة لا تنتظر قدوم المستقبل بل تدفع أعضاءها تجاهه لاستكشاف ما هو قادم ليعيدوا تشكيله كما يرغبون.

وعلى النقيض نرى ان السائد عندنا هو ثقافة ذات توجه ماضوي Past-Oriented تعني في المقام الاول بالحفاظ على التقاليد والتمسك بالمألوف. والماضي في عرف هذه الثقافة، سواء كان حقيقي او متخيل، هو المصدر الرئيسي لكل ما يتعلق بإدارة شئون الحاضر وللنماذج التي يجب ان تحتذى. ثقافة تقدس فكر الاسلاف وتنظر الى المستقبل بوصفه إعادة لإنتاج الماضي، فهي لا تتقبل المخاطرة ولا تجرؤ على التجديد.

وبالطبع تختلف آلة زمان اهل الثقافة ذات التوجه المستقبلي، "آلة زمانهم"، عن تلك الخاصة بأهل الثقافة ذات التوجه الماضوي، "آلة زماننا".

آلة زمانهم
ان آلة زمان الثقافة ذات التوجه المستقبلي ليست الا مجموعة من الأدوات الذهنية التي تمكن اهل هذه الثقافة من اكتشاف المستقبلات وتمكنهم من تخيل "الممكن" منها وتقييم "المحتمل" وتحديد "المرجو او (المفضل)" (*). وتقوم هذه الادوات على عدة مبادئ من أهمها ان التغير المتسارع في كافة الأمور هو سمة واقعنا المعاصر، وانه يوجد العديد المستقبلات البديلة التي يمكن المفاضلة بينها واختيار أحدها. وفى القلب من هذه الأدوات الذهنية يوجد "الخيال" بمختلف اشكاله: "الخيال المنطقي" و"الخيال المنطقي" و"الخيال الخلاق".

وأول هذه الاشكال هو "الخيال المنطقي" الذي يعتمد على معطيات الحاضر فيستخدمها في محاولة وصف المستقبل. وأبسط طرق "الخيال المنطقي" وأكثرها شيوعا وانتشارا هي "الطرق الاستقرائية (أو الإحصائية)". وهي طرق تقوم على فرض مؤداه أن معدلات تغير مكونات الواقع والقوانين التي تحكم هذا ستظل باقية على حالها في المستقبل. فمعدل الزيادة في السكان والقانون الذي يحكم هذه الزيادة في الماضي والذي يحكمها في الحاضر سيظل أيضا يحكمها في المستقبل. وهكذا نتمكن من التنبؤ بعدد السكان عند لحظة ما من لحظات المستقبل. وعلى الرغم من نجاح هذه الأساليب في العديد من المجالات إلا أنها تنطوي على عيب خلقي إذ تفترض السكون فيما طبيعته الحركة وتفترض الثبات فيما سنته التبدل والتحول. فعلى سبيل المثال من يضمن لنا ان معدل الزيادة السكانية لن يتغير في المستقبل.

وهنا تأتي المجموعة الثانية من طرق الخيال المنطقي وهي "الطرق النمذجية" (نسبة إلى نموذج). وترتكز هذه الطرق على فكرة وصف الواقع بكياناته المتعددة وعلاقاته المتشابكة باستخدام لغة الرمز التي تتيحها لنا الرياضيات. وهكذا تكون الخطوة الأولى للتنبؤ بسلوك كيان ما، هي صياغته وتمثيله على صورة نموذج رياضي (مجموعة من المعادلات). أما الخطوة الثانية فهي استخدام هذا النموذج ومعرفة سلوكه، المناظر لسلوك ما يمثله في الواقع، تحت مجموعة من الشروط والفروض المختلفة. وبهذا يمكننا باستخدام الكمبيوتر تتبع احوال الكيان في المستقبل. حقا لقد منحت الطرق النمذجية المستقبليون أداة جديدة لاختراق المستقبل ولكن لنا أن نتوقف ونتساءل ... هل تسع لغة الرياضيات بانضباطها الصارم ودقتها المفرطة ثراء الواقع وتعقد الحياة ..؟؟

لذا كان ضروريا أن تبتكر طرقا أكثر مرونة وأقل صرامة فكانت "الطرق المعتمدة على الخبراء" ثالثة طرق الخيال المنطقي. ويمكن جوهر تلك الطرق في أن التصورات الشخصية للخبراء والثقات في مجال ما تساعد في رسم صورة لسبل التطور وآفاق المستقبل في مجالاتهم. فخبرة العمل الطويلة في مجال ما تخلق نزعا من الحدس الذاتي لدي العاملون فيه. وتأخذ هذه الطرق أشكالا وصورا متعددة. فمن صورها الشهيرة طريقة دلفي Delphi التي طورتها مؤسسة راند في أوائل الستينات ومنحتها اسم تلك البلدة الإغريقية الصغيرة التي كانت مهبطا لوحي الآلهة. وطريقة دلفي هذه ليست في حقيقة الأمر إلا أسلوبا ممنهج لإدارة الحوار بين الخبرات حول موضوع ما. فهي تتكون من سلسلة من حلقات اللقاء المتباعد بين الخبراء المتفرقين في أماكن مختلفة، تثار في أولها أسئلة وتجمع فيها إجابات. ثم يعاد توزيع تلك الإجابات بعد تحليلها والحصول على نتائج إلى الخبراء مرة أخرى ليبدوا آرائهم. وهكذا تعاد الدورة عدة مرات إلى أن يحصل المعنيون بالأمر على تصور واضح عن موضوع السؤال. ومن الطرق المعتمدة على الخبراء الشائع استخدامها أسلوب كتابة السيناريو. ويشبه سيناريو المستقبليون نظيره عند السينمائيون فهو تعاقب مفترض أو محتمل لأحداث ولخيارات اجتماعية بتم تشكيله بغرض إلقاء الأضواء على العلاقات بين الأسباب والنتائج ولحظات اتخاذ القرارات.

وثاني اشكال الخيال هو "الخيال الناقد" الذي يعتبر شكلا من أشكال رفض الواقع ونقده من الأساس. رفض مبرر تسانده حجج منطقية وشواهد من الواقع. وهذا النوع من الخيال وإن كان لا يزال مرتبط بالواقع الذي ينقده مثله في ذلك مثل الخيال المنطقي إلا أنه بنقده هذا يكشف عن نقاط الضعف وأوجه القصور في الواقع.

وأخيرا نأتي إلى "الخيال الخلاق" ثالث اشكال الخيال الذي لا يكتفي بواقعية الخيال المنطقي ولا برفض الخيال الناقد، ولكنه يسعى إلى آفاق لم تطرق وسبل لم تتبع. إنه يعبر أرض التعقل والتبصر والحجة إلى أرض الحلم والرؤيا. إنه خيال يرمى إلى التحرر من أغلال المنطق ومن الالتزام بتقديم البراهين ومن قيود إمكانية التطبيق العملي. وهو بذلك يمكن من يستخدمه من ابصار ما لا تدركه أبصار غيره من البشر. ولقد وعت العديد من الشركات الأمريكية بأهمية هذا الصنف من "دراويش المستقبل" ففتحت لهم "تكايا ذهنية" ولم تطلب منهم سوى تقديم أكثر الأفكار غرابة وأبعدها عن المألوف عن المستقبل وعما يمكن أن يكون.

آلة زماننا
لم أجد عبارة تصف "آلة زماننا"، او آلة زمان اهل الثقافة ذات التوجه الماضوي، أوجز وأفصح مما قاله الامام مالك (711-795م) "وَلَا يُصْلِحُ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصْلَحَ أَوَّلَهَا". وبالطبع ما أصلح أول الامة هو النصوص المقدسة وما فهمه السلف الصالح منها وتفسيراتهم لها. لذا تقوم ادواتهم الذهنية على مفهوم "تحقيق المناط"، او تنزيل هذه النصوص على الواقع بعد ثبوتها وفهمها. فـ "تحقيق المناط" هو الذي يعول عليه في إخراج الحكم من تجريده وعمومه إلي حيز الفاعلية والتنفيذ فيقوم بعملية الوصل بين النص والواقع. انها باختصار الثقافة التي تقدم النص على الواقع وتخضع الأخير للأول. وهكذا يتغاضى اهل هذه الثقافة عما انتجته البشرية من معارف وما اكتسبته من خبرات في الـ 14 قرن الأخيرة، وتصبح آلة زمنهم آلة الزمن المعكوس.

الهوامش
(*) المستقبل الممكن Possible هو أي شيء يمكن حدوثه في المستقبل بغض النظر عن كونه جيد أو رديء. والمستقبل المحتمل Probable هو الأكثر احتمالاً في الحدوث بناءاً على الاتجاهات التي سادت في الماضي والحاضر. أما المستقبل المفضل Preferable فهو المستقبل الذي نرجو تحققه في الواقع.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاءنا البيان التالي
- زمن الهوجة
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)
- نظرية رأس السمكة
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الة الزمن المعكوس