أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الخزرجي - فنُّ آلكتابة و الخطابة - ج2 ح2















المزيد.....

فنُّ آلكتابة و الخطابة - ج2 ح2


عزيز الخزرجي

الحوار المتمدن-العدد: 4280 - 2013 / 11 / 19 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


فنّ آلكتابةُ و آلخطابَةُ – ألجزء ألثّاني ح2
ألفصلُ آلأوّل – ألقسم ألأوّل؛ ملاحظات جوهريّة حول شخصيّة ألخطيب:
شخصيّة آلأنسان ألهادف ألّذي يرى نفسهُ مسؤولاً على إيصال ألحقائق للنّاس و توعيتهم ذو بُعدين؛
ألأوّل: ظاهريّ,
ألثّاني: باطنيّ,
و يصحُّ آلقول بأنّ آلظاهر من آلشخصيّة هو إنعكاس للباطن, لأنّنا نعتقد بأنّ فكر ألأنسان ألّذي هو نتاج وجوده؛ هو آلمسؤول بآلدّرجة آلأولى على ما يعكسهُ من سلوكٍ و تعاملٍ مع آلآخرين و مع ما في آلوجود من حقائق!

أيّ أنّ آلفكر هو آلمُحدّد لأخلاقِ ألأنسانِ, و لذا لو أردنا تغيير آلسّلوك .. علينا تغيير ألفكر, لكنّ آلسؤآل ألجّوهري ألّذي يطرح نفسهُ هو:
أيّ فكر يجب أن نحملهُ و نتعلّمهُ لكي نُعلّمهُ للآخرين من خلال آلكتابة و آلخطابة!؟
و قبل كل شيئ علينا أن نعرف بأنّ من أخطر آلآفات و آلأمراض ألّتي يُصاب بها آلأنسان هو آلفكر آلخليط من هذا و ذاك؛ من آلصّح و آلغلط؛ من آلقبيلة و آلمدينة؛ من آلماضي و آلحاضر؛ من آلشّرق و آلغرب؛ بدعوى؛ أنّ ألثّقافة هي معرفة شيئ عن كلّ شيئ من دون ضابطٍ أو مؤشرٍ أو معيارٍ أو منهجٍ معرفي واضح ليكون كفلترٍ يصفّى من خلاله ما يردُ لوجود آلأنسان – أيّ لقلبهِ!؟

هذا آلنّوع من آلفكر ألألتقاطي ألخارج عن آلمعايير .. يكون وباءاً على حاملهِ و يُسبب ألأزدواجيّة و آلتّناقض و عدم آلثبات, و بآلتّالي فقدانه لقوّة آلعقل ألباطن ألّذي هو آلأساس و آلمسبب لإبداع ألأنسان, فيوماً تراهُ مؤمناً و يوماً آخر كافراً, و في غيرها متقلباً مع آلظروف و آلأزمنة, يسيرُ مع كلّ ناعقٍ متأثراً بآلشّهوات و آلشّكليات, حتى لا يتواني على آلأقدام على أي محرّم أو أكل حقوق الناس و إيجاد آلمخارج ألشّرعية و آلقانونيّة لها من خلال ما يحملهُ من مُتناقضات في فكره و وجوده و تعامله مع آلحقائق, لعدم ثباته على نظريّة معرفيّة واضحة في آلحياة.

و عموماً يُمكننا أنْ نُقسّم ألأخلاق ضمن مستويين:
ألأوّل: ضمن آلحدود ألشّخصيّة,
ألثّاني: ضمن آلحدود آلأجتماعيّة,
و مبدئياً يُعتبر ألتّواضع ألواعيّ ألفطريّ للخطيب ألهادف من أهمّ آلصّفات ألأخلاقيّة ألّتي تُؤشر بقوّةٍ على علمهِ و صفائهِ و أنسانيّتهِ و مبدئيته, و مصاديقهُ تتجلّى في شخصيّة ألمُتمتع بها في آلدّائرة ألأجتماعيّة و آلعلاقات آلشّخصيّة, لذا سوف نُسلّط ألمزيد من آلضّوء على هذا آلمعيار .. آملين آلأنتباه و آلتركيز على ذلك.

ألتّعريف ألّلغويّ: "تواضع" بمعنى تذلّل و تخاشع[ضدّ تكبّر], و تواضع آلقوم على كذا؛ تواطئوا, و تواضع ما بيننا؛ بَعُدَ, إتّضعَ؛ تذلّل, و تخشّعَ؛ لؤم و إنحطّاط في حسبهِ, و تواضع آلبعيرَ راكبهُ؛ خفضَ رأسهُ ليضعَ قدمهُ على عنقهِ فيركب.

و نحن أخذنا آلجّانب ألأيجابيّ للمفهوم, و هناك جانب سلبيّ لا يُعنينا, حيث يُستخدم أحياناً كلمة و ضيع, و هي مشتقة من وَضَعَ بمعنى آلخسيس ألدّنئ, و للكلمة معلولات أخرى جاءَتْ في آلمعاجم ألعربية, و آلذي يهمّنا هنا هو تواضع ألمؤمنين مع آلمؤمنين و آلنّاس ألعوام, بإعتبار"أذلةً على آلمؤمنين, أعزّةً على آلكافرين", فآلتّواضع يَفقدُ مصداقيتهُ عندما يكون مع آلكفار, إلّا آللهم إنْ كان في غايةٍ حركيّة تغييرية يحقّ له إستخدام ألتّقية لتلافي ضربات آلأعداء, بل يحقّ له أن يستفيد من نظرية "ألتّزاحم"* ألمعروفة في آلفقه الأسلامي, و لكن بمجرّد ألعلم بأنّ آلطرف آلآخر(المنحرف) يريد إستغلال ذلك لأغراض آلتسلط و آلتّشفي؛ فأنّ آلموقف يتغيّر و يحرم إعمال آلتّواضع.

ألتعريف ألأصطلاحيّ: يعني ألأنكسار ألنفسيّ؛ ألتّذلل؛ تصغير ألنّفس مقابل آلله تعالى و آلمؤمنين ألأتقياء و آلأنبياء و آلمعصومين, و تجنّب طلب ألرّئاسة بغير إجماع آلناس أو آلتفاضل مع آلآخرين.

يقول ألأمام الباقر(ع): [ألتّواضع؛ هو آلرّضا بآلمجلس دون شرفه, و أن تُسلّمْ على منْ لقيتْ, و أنْ تترك آلمراء و إنْ كنتَ مُحقّاً](1).
و عن آلأمام الرّضا(ع): [أنْ تُعطي ألنّاس من نفسك ما تُحبّ أنْ يُعطوك مثلهُ](2).

ثمرة ألتّواضع:
ألتواضع؛ هو أحد أهمّ ثمار ألقيم ألأنسانيّة ألرّفيعة ألتي يتّصف بها أصحاب ألفكر و لها مردودات إيجابيّة قيّمة للمُتواضع قبل آلمُتواضَع لهم و منها:
1- ألمحبة و آلصّداقة, حسب قول ألأمام علي(ع)؛ [ثمرة ألتّواضع ألمحبّة](3) و [ثمرة الكبر ألمسبّة](4).
2- ألأبهة و آلأحترام, حسب قول الأمام عليّ(ع): [ألتواضع يكسبك المهابة](5).
3- نشر آلأخلاق و آلفضائل ألحسنة, يقول ألأمام عليّ(ع): [بآلتواضع تنتشر آلفضيلة و بآلتكبر تظهر ألفضيلة](6).
4- حفظ ألشّرف: عن عليّ(ع): [ألتّواضع سُلّم آلشّرف, ألتّكبر أسّ آلتلف](7).
(5) ألعزّة و آلرّفعة, عن عليّ(ع): [ألتّواضعُ يرفعُ آلوضيع, و آلتكبر يَضعُ آلرّفيع](8).

علاماتُ آلتّواضع:
1- ألجّلوس في أدنى المجلس, يقول رسول الله(ص): [أنّ من آلتواضع لله؛ ألرّضا بآلدّون من شرف آلمجالس](9).
2- ألبدء بآلسلام, عن آلصّادق(ع): [من آلتّواضع أنْ تُسلّم على منْ لقيتْ](10), حيث كان الرسول(ص) يسلم على الصغير و الكبير, يقول أنس بن مالك؛ [كنا صغاراً, فمرّ علينا رسول الله(ص), قال: السلام عليكم يا صبيان, كما كان(ص) يُسلّم على النساء نقلاً عن أسماء بنت يزيد كما ورد في طبقات إبن سعد.
3- إجتناب ألتظاهر و آلتّفاخر, عن عليّ(ع): [ثلاثة هنَّ رأس التواضع؛ أن يبدأ بآلسلام من لقيهُ, و يرضى بآلدّون من شرف ألمجلس, و يكره ألرّياء و آلسُّمعة](11), بل إفشاء السلام بين آلجميع, و قد لاحظت صفاتاً فريدة عند آلغربين ألقدامى – الجيل السابق ألمؤمن بآلمسيحية - منها إلقاء التحية بينهم حتى أن لم يكونوا يعرفوا بعضهم بعضاً, و بما أننا نُقلّد آلأنبياء و في مقدمتهم رسول الله(ص) فلنا فيهم إسوةٌ حسنة؛ لذا علينا إتّباع نهجهم و أخلاقهم التي تُعتبر أخلاق الله تعالى.
4- ردّ ألسّلام, عن آلرسول(ص): [رأس آلتواضع أن تبدأ بآلسّلام على من لقيت, و تُرد على من سلّمَ عليك](12).
5- ألأستماع للمتكلم, [و منهم ألذين يؤذون النبيّ و يقولون هو أذنٌ, قل أذنٌ هو خير لكم يؤمن بآلله و يؤمن للمؤمنين و رحمة للذين آمنوا منكم و آلذين يؤذون رسول الله(ص) لهم عذابٌ أليم](13).
و قال تعالى: [لنجعلها لكم تذكرةً و تعيها أذنٌ واعية](14).
6- إجتناب مُقاطعة ألمُتكلّم, ألأستماع وحده لا يكفي لتحقيق ألأرتباط القلبي بين المتحاورين المؤمنين و غيرهم, بل يجب إدراك و تفهّم معنى حديث ألمتكلّم و وعيهُ و حملهُ على آلصّحة, قال رسول الله(ص): [لا تضُنّن بأخيك سوء و أنت تجد لهُ في آلخير مخرجاً], و قوله: [إحمل أخاك سبعين محملاً](15).
و فوق ذلك قول الله تعالى: [و ما أنت بهادي آلعمى عن ضلالتهم إن تُسمعُ إلّا منْ يؤمنُ بآياتنا فهم مسلمون, و يوم نحشر من كل أمّةٍ فوجاً ممّنْ يُكذّبُ بآياتنا فهم يوزعون, حتى إذا جاؤوا, قال أ كذّبْتُم بآياتي و لم تُحيطوا بها علماً أمّاذا كُنتم تعملون](16).
و قال تعالى: [ألّذين يستمعون آلقول فيتّبعون أحسنهُ](17).
و هناك حالة أكثر تطوراً من "آلسّماع" و هي "ألأنصات", أيّ ألتّأمل ألقلبيّ ألعميق, يقول تعالى: [ و إذا قُرئ آلقرآن فأستمعوا لهُ و أنصتوا](18), و من نتائج آلأنصات ألتّفاهم ألواعيّ بين طرفي ألحديث و آلوصول إلى آلغاية المرجوة من آلبحث أو المحاضرة, و لكن ألملاحظ هو عكس ذلك, فكثيراً ما نرى آللغو و آلجدال حتى آلصياح و آلكلام ألجّارح بين آلمتحاورين, و إنعدام ثقافة ألفهم و آلأستماع و آلأنصات, و بآلتالي فقداننا للفائدة من تبادل آلأفكار.

إتّباع آلأسوةُ آلحسنة:
كان رسول الله(ص) متواضعاً و حميماً جدّاً في آلمجتمع و في آلبيت بشكلٍ خاصّ, و رغم أنّه(ص) كان قد فقدَ والدهُ منذ آلصغر؛ إلّا أنّهُ كان يحترم كلّ أبٍ و أمٍّ, حتّى مرضعتهُ حليمة ألسّعديّة و زوجها و كأنّهما أبواهُ, و كان يتذلّل لهما و يحترمهما إلى أبعد ألحدود, و ما إستغلّ أيٍّ من أفرادِ عائلتهِ لقضاءِ حوائجه ألخاصّة, بلْ كان يُقدّم لهم ألمُساعدة أيضاً, [و كان يُخيّط ثوبهُ بيده و يصلح حذاءهُ بنفسهِ, و يُحبّ آلخياطة, و يغسل ملابسهُ و يحلب ألماشية و يخدم نفسه بنفسه](19).
و يذكر ألمؤرّخون و كما ورد في كتاب (ألوفا بأحوال المصطفى)؛ [أنّ الرّسول(ص) كان يمشي مرّةً مع أصحابه في آلمدينة فإستأذن أصحابه و تركهم فجأةً ليسلّم على إمرأة عجوزةٍ بتذللٍ و محبّة و إحترامٍ خاصٍّ و هو يسأل عن حالها و وضعها, فتعجّب أصحابهُ من ذلك, و بعد وداعها .. سألهُ آلأصحاب عن تلك المرأة آلتي جلّلها كثيراً؛ يا رسول الله من هي تلك المرأة؟ فأجابهم: هذه المرأة كانتْ تزورنا أيّام ما كانتْ خديجة في مكّة, و كانتْ تُمشّط شعرها, و كان(ص) كلّما تصلهُ هديّة يرسلها إلى بيت تلك آلمرأة لأنّها كانتْ صديقة لخديجة(ع) و هو يُحبّها].

تقول عائشة: [ كان رسول الله يتعامل كأحدنا في آلبيت, يغسل ثوبه؛ يحلب ألماشية؛ يُخيّط ثوبهُ؛ يُصلح نعلهُ؛ يُخدم نفسهُ بنفسهِ؛ يكنس ألبيت؛ يعقر ألنّاقة؛ يطعم فرسه؛ يأكل مع آلخدم؛ يعجن ألخبز؛ يحمل بنفسه ما يشتريه من آلسوق إلى آلبيت](20).

و هكذا كان خارج البيت متواضعاً بسيطاً أيضاً و كتب التأريخ مليئة بآلأخبار عن ذلك, [ففي ليلة من شهر رمضان دعاهُ بعض ألصّحابة في مسجد قبا للأفطار, فقدّموا لهُ لبناً مع آلعسل, فتناول آلأناء و ذاق آللبن, ثم سأل؛ ما هذا؟ قالوا له: (وضعنا شيئاً من آلعسل فيه), فوضع آلرّسول ألأناء على آلأرض و إمتنع عن شرابه, ثمّ قال: أمّا أنا فلا أحرّمهُ, و لكن لتواضعي لله تعالى لا أشرب ذلك, و من تواضع لله رفعهُ و من تكبّر أذلهُ آلله](21).

[كان رسول الله(ص) يجلس على الأرض, و يأكل ألطّعام](22)
[قالت له زوجتهُ يوماً؛ هلا أسندت ظهرك و أكلتْ, كان أفضل و أريح؟ قال(ص): إنّما أنا عبدٌ, آكل كما يأكل آلعبد, و أجلس كما يجلس آلعبد](23).

[عندما كان يذهب لمكان ماشياً أو راكباً أحياناً على بغلته؛ كان لا يسمح لأحدٍ أنْ يمشي بجانب بغلته, و لو أخذ معه شخصٌ فيركبه على بغلته خلفهُ](24).

[كان يجلس مع آلصّحابة كأحدهم, بحيث لا يمكن تميزه عن أصحابه, بدون تكبّرٍ أو فخرٍ, حتّى إنّ آلغريب ألذي كان يُقدّم لا يعرفهُ, و كان يسأل ألحاضرين عنهُ فيجيبونهُ بآلأدلاء إليه, و في آلنّهاية طلبوا من آلرّسول(ص) أنْ يجلس موضعاً يعرفهُ ألقادمون ألجّدد, فعملوا له موضعاً من آلّلبن(ألطين) يرتفع قليلاً عن ألأرض](25).

كان رسول الله يتقبّل ألدّعوة من آلجّميع بلا إستثناء, بل كان يسرع إلى آلذين دعوه, و لم يُفرّق في ذلك بين آلمولى و آلعبد؛ بين الغني و الفقير؛ و بين الرئيس و المرؤوس, و كان تعامله سويّاً معهم حتّى لو دعوه في نصف الليل, كان يقبل دعوتهم و يقول: [لو دعوني على كراعِ بقرٍ أو كبشٍ لقبلتُ آلدّعوة, و لو أهدوا لي رأس كبشٍ لقبلتهُ](26).

كان يزور أصحابه و إخوانهُ و ذويه بشكلٍ منتظمٍ, و كان أصحابهُ يقابلونهُ بآلرّد, يذكر أنّهُ [كان رجلاً يزورهُ مع إبنه دائماً و أنقطع عنهُ فجأةً, فسأل آلرسول(ص) عنهُ؟ فقالوا لهُ: لقد توفّى إبنهُ آلّذي كان يُحبّهُ كثيراً فأنقطع عن ألنّاس و لا يُريد أن يلتقي أحداً, فأنطلق إليه ألرّسول(ص) ليواسيه, فقال لهُ: (أ لا تُحبُّ أن تكون أبواب الجّنة كلّها مفتوحة أمامكَ .. و ولدك أمامها يفتحها لك؟), قال آلرّجل: نعم يا رسول الله أحِبُّ ذلكَ, فهلْ هذا يختصُّ بي أم بكلّ ألمسلمين؟ أجابَ(ص): بل بكلّ ألمسلمين].
و كان يزور ألمرضى حتّى لو كانوا في أبعد نقطةٍ من آلمدينة, و [يُشارك ألمسلمين في تشيع جنائزهم](27).

كان يسبق آلآخرين في آلمصافحة, و كان آلبادئ بها و لا يترك يد مصافحه حتّى يتركهُ آلمقابل, كان يحتضن آلآخرين, و كان آلآخرين يحتضنونهُ أيضاً, كان يُقبّل وجوههم و يُقبلونهُ, و يقول لهم آلرّسول(ص): فداكم أميّ و أبي, و كان آلأصحاب يقابلونهُ بنفس ألرّد, و كان يودعهم كما كان يستقبلهم و بنفس ألطريقة(28).
شارك آلرّسول(ص) مع أصحابه في كلّ ألأعمال .. حتّى آلمعارك و آلغزوات, بل شاركهم في حفر ألخندق حول آلمدينة في معركة ألخندق المصيرية أنذاك, و كان يحمل ألتراب معهم, و يسقي أصحابهُ الماء بيده, سألهُ أصحابهُ بينما كان يسقيهم؛ هلا شربتَ آلماءَ يا رسول الله؟ فقال: (أنّ ساقي ألقوم آخر مَنْ يشربْ).

جاء في كتاب شرف النبي(ص) [أنه (ص) كان في سفر مع أصحابه, أمر أن يذبحوا شاةً, فقال أحدهم: عليّ ذبحها, و قال آخر: أنا أسلخها, و قال آخر: عليّ طبخها, و قال الرسول(ص): و أنا أجمع الحطب لأعداد النار لطبخها, قال له أصحابهُ: نحن نقوم بجمع الحطب بدلك, فقال(ص): (أنا أعلم أنكم تكفون, لكن الله تعالى, لا يُحبّ آلعبد الذي لا يتعاون مع أصحابه), ثم قام و أخذ يجمع آلحطب](29).
[جاء رجلٌ من قريش و أخذ يرتجف من هيبتهِ, فقال له آلرّسول(ص): مهلاً .. لا تخف, أنا لستُ ملكاً, أنا إبن إمرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد](30).
[كان آلرسول(ص) يأكل مع الفقراء و يزورهم و يزوجهم و يساعدهم, فمرة كان يأكل مع أصحابه فمرّ عبداً أسوداً و على وجهه قروح ملئت صورته و جسمه, نهض جميع الصحابة من على سفرة الطعام و بقي آلرسول(ص) وحده يأكل معه, بعد أن أجلسه بقربه](31).
ليس هذا فقط .. بل كان متواضعاً مع الأطفال أيضاً, فحين كان يرجع من سفره, كان آلأطفال يذهبون لأستقباله و عند وصوله إليهم كان يقفُ و يأمر أصحابهُ بحمل ألبعض منهم على مراكبهم, و كانوا يجلسونهم أمامهم أو خلفهم على آلمراكب, و عندما كان آلأطفال يتفرّقون؛ يتفاخرون فيما بينهم](32).

فيما مضى كلّهُ كان يتعلق بآلشّخصيّة ألظاهريّة للخطيب ألهادف, أمّا آلشّخصية ألباطنية, فهي توطين ألنّفس و آلوجدان على معرفة الله و حُبّه بحسب تعريف ألأمام محمد باقر ألصّدر(قدس), و يتطلّب تحقيق ذلك, إتيان ألواجبات مع آلمُستحبّات, خصوصاً ألمواظبة على أداء صلاة ألليل, مع تحصين تلك ألعبادة بآلمعرفة ألفلسفية ألعرفانيّة للأحكام و آلمسائل ألشرعيّة و عدم ألأقتصادر و آلتّوقف على حدود آلأحكام ألشرعيّة ألظاهريّة, كما هو حال أكثر ألفقهاء و آلخطباء للأسف, يقول آلله تعالى في حديث قدسيّ شريف: [ ما عُبدَ آلله بمثل ما فرضتُ عليه من آلواجبات و ما زال آلعبد يتقرّب إليَّ بآلنّوافل حتّى أكونُ لسانهُ آلذي ينطقُ به و عينهُ آلّتي يرى بها و يدهُ آلّتي يبطشُ بها و رجلهُ آلّتي يمشي بها](33).

و بتحقيق هذا آلبُعد ألباطنيّ يتحقق حقّ آليقين بعد عين و علم آليقين, ليتكامل ألبعد آلظاهري بشكلٍ طبيعيّ في شخصيّة ألخطيب ألهادف ألّذي يُمكنهُ حينها هداية الأنسانيّة إلى طريق ألخير و آلصّلاح و آلفلاح لتحقيق ألسّعادة في آلدّارين, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نظريّة ألتّزاحم؛ تعني إمكان ترك آلواجبات ألصغيرة أو إرتكاب بعض آلمحرّمات من أجل آلواجب آلأكبر, و يشترط في ذلك رأي الولي الفقيه ألمتصدي لأمور المسلمين في آلدّولة ألأسلاميّة.
(1) ألحرّاني (إبن شعبة 1975م). تحف العقول – دار التعارف, ص296 ط1.
(2) ألنيسابوري (محمد بن قتال 1987م). ج20 ص278 ح1147.
(3) ألرّي شهري (محمد 1981م). غرر الحكم, مطبعة ناصر خسرو – إيران, ص374, ح4599 ط2.
(4) ألرّي شهري (محمد 1981م). غرر الحكم, مطبعة ناصر خسرو – إيران, ص374, ح4600 ط2.
(5) ألمجلسي (محمد باقر 1980م).بجار الأنوار – مطبعة الحوزة العلمية – إيران – قم, ج77, ص287,ح1.
(6) نفس المصدر ألسابق, ج570.
(7) ألمجلسي (محمد باقر 1980م).بجار الأنوار – مطبعة الحوزة العلمية – إيران – قم, ج77, ص66,ح1.
(8) ألمجلسي (محمد باقر 1980م).بجار الأنوار – مطبعة الحوزة العلمية – إيران – قم, ج77, ص66,ح356.
(9) ألكراجكي (بدون). كنز ألعمال – مطبعة الأنوار, لبنان – بيروت, ج3 ص111 ح5724.
(10) ألمجلسي (محمد باقر 1980م).بجار الأنوار – مطبعة الحوزة العلمية – إيران – قم, ج75, ص701,ح8706.
(11) روضة ألواعظين, ج2, ص 280, ح1158.
(12) روضة ألواعظين, ج2, ص280, ح1159.
(13) سورة ألتوبة / 61.
(14) سورة ألحاقة / 12.
(15) و هج ألفصاحة.
(16) سورة ألنّمل / 82, 83, 84.
(17) سورة ألزّمر / 18.
(18) سورة ألأعراف / 204.
(19) ألشمائل ألنّبوية: ص416 و 417, ح 344.
(20) ألشفا بتعريف حقوق المصطفى, ج1, ص 117.
(21) تنبيه ألخواطر: ج1, ص308.
(22) إبن سعد, ألطبقات الكبرى, ج1, ص251.
(23) ألشفا بتعريف حقوق المصطفى, ج1, ص115.
(24) ألغزالي, محمد (بدون). إحياء علوم الدين, ج2 ص380.
(25) ألغزالي, محمد (بدون). إحياء علوم الدين, ج2 ص381.
(26) إبن سعد, ألطبقات الكبرى, ج1, ص251.
(27) إبن سعد, ألطبقات الكبرى. ألشمائل ألكبرى, ج1, ص406, ح 334.
(28) أخبار علوم الدين, ألشمائل ألنبوية. ج2, ص 381, ص409, ح337, و كذلك كتاب ألوفا بأحوال المصطفى. ص441, ح740.
(29) كتاب شرف آلنّبيّ(ص), ص78 و 79.
(30) ألشفا بتعريف حقوق المصطفى, ج1, ص109.
(31) تنبيه الخواطر, ج1, ص 208.
(32) كتاب؛ شرف آلنبيّ(ص), ص85 و 86.



#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة هامة للمفوضية العليا و للعراقيين
- فنّ الكتابة و الكتاب - القسم الخامس(4)
- فن الكتابة و الخطابة - القسم الخامس(3)
- فنُّ آلكتابة و الخطابة - القسم الخامس(2)
- فن آلكتابة و آلخطابة - القسم الخامس(1)
- فنُّ آلكتابة و آلخطابة - القسم آلرّابع(9)
- فن الكتابة و الخطابة - القسم الرابع(8)
- فنُّ آلكتابَة و آلخطابَة -القسم الرابع(7)
- فنّ الكتابة و الخطابة - القسم ألرابع(6)
- فنّ آلكتابة و آلخطابة - القسم الرابع(4)
- فنُّ آلكتابة و آلخطابة - القسم الرابع(3)
- فن الكتابة و الخطابة - القسم الرابع(2)
- ألموت لِحِيتان المال الحاكمين!
- فنّ آلكتابة و آلخطابة - القسم الرابع (1)
- فنُ آلكتابة و آلخطابة - القسم الثالث(2)
- ألشّباب و آلشّيب الحقيقي!
- فنُّ الكتابة و الخطابة - القسم الثالث(1)
- رسالة خاصّة .. لكنها عامّة!
- فنُّ الكتابة و الخطابة - القسم الثاني(12)
- فنُّ الكتابة و الخطابة - القسم الثاني(10)


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الخزرجي - فنُّ آلكتابة و الخطابة - ج2 ح2