أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل سالم - خمسون عاما على حركة 18 تشرين الثاني 1963















المزيد.....



خمسون عاما على حركة 18 تشرين الثاني 1963


عادل سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4279 - 2013 / 11 / 18 - 15:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في مثل هذا اليوم منذ خمسين عاما قام الرئيس العراقي الاسبق الراحل المشير عبد السلام عارف (26 مارس 1921 - 13 أبريل 1966) ، باقصاء سلطة حزب البعث بعد تجربة فاشلة استغرقت تسعة اشهر وعشرة ايام فقط.

وتجربة الاقصاء هذه تكررت بشكل اخر في مصر 2013 بعد ان قام الفريق عبد الفتاح السيسى باقصاء حركة الاخوان المسلمين من السلطة بعد تجربة فشل في ادارة البلاد استغرقت حوالي سنة واحدة فقط.

ملخص كلا الحركتين وهدفهما الاساسي ابعاد سلطة حزبية ترتكب اخطاء وتخبطات سياسية واجتماعية هائلة لا يمكن التغاضي عنها بعد ان تجد اي سلطة نفسها في الحكم وهي غير مؤهلة لاداء سياسى سليم نتيجة اسباب وظروف مختلفة باختلاف خلفية تلك الحركات السياسية ووسائل وصولها للسلطة.


جذور المشكلة بعد قيام الجمهورية العراقية

يعزى الباحث والمؤرخ العراقي حامد الحمداني جذور المشكلة في بحث منشور له مع التحفظ على بعض ماورد فيه لان الباحث الكريم ينطلق من منحى خلفيته القكرية اليسارية .

أولاً : الخلافات الداخلية والتمزق في قيادة البعث:

لم يكن حزب البعث يحوي عنصر التجانس بين أعضائه، فقد كان أعضاءه وقيادييه ينتمون لطبقات مختلفة، قسم منهم من الطبقة البرجوازية، أو البرجوازية الصغيرة، ونسبة قليلة من العمال والفلاحين والحرفيين ذوي الدخل المحدود. وكانت قيادة الحزب، على وجه الخصوص، تضم حوالي 5 % من الفلاحين، أكثرهم من الديوانية و20 % من العمال من منطقتي الكرخ والأعظمية، و50 % من الطلاب ذوي الأصول الاجتماعية المختلفة والباقي من الضباط والموظفين والمهنيين . كما كان معظم ضباطهم من الطائفة السنية، في حين كانت قيادتهم القطرية تتألف من خمسة من الشيعة، وثلاثة من الطائفة السنية، ويرجع معظم أعضاء البعث من المناطق الريفية المختلفة نوعا ما، والواقعة على نهري دجلة والفرات الأعليين ومن مجموع 52 من قادة وكوادر الحزب كان 38,5% منهم من السنة، و53,8 % من الشيعة، و7,7 % من الأكراد الفيلين.

وبسبب هذا التباين في التركيبة القومية، والطائفية، والطبقية، فقد كان من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في التطلعات والتوجهات والأفكار والعواطف، كما أن ما ورد حول ارتباط عدد من أعضاء قيادة الحزب بالاستخبارات الأمريكية، وتلقيهم الأوامر والتوجيهات منها، من جهة، ووجود نسبة عالية من الطلاب 50 %الذين لا تتجاوز أعمارهم على الأغلب 20 عاماً بين صفوفهم، وعدم نضوج هؤلاء فكرياً وسياسياً، حيث كان كل همهم منصباً على حربهم الشعواء ضد الشيوعية، وحتى قياديي الحزب، كانوا من هذا الطراز، كما وصفهم مؤسس الحزب، عندما قائلاً: {بعد الثورة ـ أي انقلاب 8 شباط ـ بدأت أشعر بالقلق من فرديتهم، وطريقتهم الطائشة في تصريف الأمور، واكتشفت أنهم ليسوا من عيار قيادة بلد، وشعب}.

لقد كان الحزب عبارة عن تجمع لعناصر معادية للشيوعية، لا يجمعها أي رابط أيديولوجي، وظهرت بينهم تكتلات أساسها المنطقة، أو العشيرة أو الطائفة، وهكذا كانت التناقضات والخلافات تبرز شيئاً فشيئاً على سطح الأحداث والتي كان من بينها :

1 ـ الموقف من عبد السلام عارف : في 11 شباط 1963، حدث بين قيادة البعث وعبد السلام عارف، الذي نصبوه رئيساً للجمهورية، صِدامٌ مكشوف، مما دفع علي صالح السعدي، أمين سر القيادة القطرية للحزب، إلى أن يطرح موضوع بقاء عبد السلام عارف أو إزاحته من منصبه، قائلاً:

{ إن عبد السلام عارف سوف يثير لنا الكثير من المتاعب، وربما يكون خطر علينا، إلا أن أغلبية القيادة لم تأخذ برأي السعدي خلال اجتماع القيادة في دار حازم جواد، وقد هدد السعدي بالاستقالة إذا لم تأخذ القيادة برأيه، لكنه عدل عن ذلك بعد قليل، وبعد نهاية الاجتماع ذهب حازم جواد إلى عبد السلام عارف، وأخبره بما دار في الاجتماع، وحذره من أن السعدي ينوي قتله والتخلص منه}.

2 ـ الموقف من قانون الأحوال المدنية:

الخلاف الثاني حدث بين أعضاء القيادة القطرية حينما طُرح موضوع قانون الأحوال المدنية، رقم 188 لسنة 1959 الذي شرعه الزعيم عبد الكريم قاسم، والذي اعتُبر ثورة اجتماعية أنجزتها ثورة 14 تموز فيما يخص حقوق المرأة وحريتها، وإطلاق سراح نصف المجتمع العراقي الذي تمثله المرأة من عبودية الرجل، وكان القانون قد ساوى المرأة بالرجل في الإرث، ومنع تعدد الزوجات إلا في حالات خاصة وضرورية، ومنع ما يعرف بالقتل غسلاً للعار، وغيرها من الأمور الأخرى، وقام عبد السلام عارف بإلغاء القانون في 18 آذار 1963، أثناء وجود علي صالح السعدي في القاهرة، وانقسم مجلس قيادة الثورة ذو الأغلبية البعثية وأعضاء القيادة القطرية حول مسألة الإلغاء، حيث أيده بعض الأعضاء، وعارضه البعض الآخر.

3 ـ الموقف من الحركات السياسية القومية :

كان الخلاف الثالث بين أعضاء قيادة البعث ينصب حول الموقف من الحركات السياسية القومية [القوميون، والناصريون، والحركيون]، وقد أجرت قيادة الحزب نقاشات حادة حول الموقف منهم، وبرز خلال النقاش فكرتان متعارضتان، الأولى تدعو إلى تحجيم القوى القومية، والأخرى تدعو للتعاون معها، لكن القيادة البعثية لم تستطع حسم الأمر، بل على العكس من ذلك أدى الأمر إلى تعيمق الخلافات، والصراعات فيما بين أعضاء القيادة.

4 ـ الموقف من الحرس القومي :

في شهر حزيران 1963 ظهرت أسباب أخرى للخلافات بين أعضاء قيادة الحزب حول الحرس القومي، فقد وجهت القيادة العليا للقوات المسلحة في 4 تموز 1963 برقية إلى قيادة الحرس القومي تحذرها وتهددها بحل الحرس القومي إذا لم تتوقف هذه القوات عن الإجراءات المضرة بالأمن العام وراحة المواطنين. فقد كانت روائح الجرائم التي يقترفها الحرس القومي ضد أبناء الشعب بشكل عام، والشيوعيين منهم بوجه خاص، قد أزكمت الأنوف، وضجت الجماهير الواسعة من الشعب من تصرفاتهم، وإجرامهم.

إلا أن القائد العام لقوات الحرس القومي [منذر الونداوي] لم يكد يتسلم البرقية حتى أسرع إلى الطلب من القيادة العليا للقوات المسلحة سحب وإلغاء البرقية المذكورة في موقف يبدو منه التحدي، مدعياً أن الحرس القومي قوة شعبية ذات قيادة مستقلة، وأن الحق في إصدار أوامر من هذا النوع لا يعود إلى أي شخص كان، بل إلى السلطة المعتمدة شعبياً، والتي هي في ظل ظروف الثورة الراهنة، هي المجلس الوطني لقيادة الثورة ولا أحد غيره. وهكذا وصل التناقض والخلاف بين البعثيين وضباط الجيش، وعلى رأسهم عبد السلام عارف، إلى مرحلة عالية من التوتر، وبدأ عبد السلام عارف يفكر في قلب سلطة البعثيين بأسرع وقت ممكن.

5 ـ الحرب في كردستان:

وجاءت الحرب في كردستان، التي بدأها البعثيون في 10 أيار 63 لتزيد وضعهم حرجاً، وتعمق من الخلافات فيما بينهم حتى أصبح حزب البعث في وضع لا يحسد عليه، فقد تألبت كل القوى السياسية والعسكرية ضدهم وسئمت أعمالهم وتصرفاتهم.

حاول عبد السلام عارف، وأحمد حسن البكر، بالتعاون مع حازم جواد، وطالب شبيب التخلص من علي صالح السعدي، وإخراجه من الحكومة ومجلس قيادة الثورة، إلا أن الظروف لم تكن مؤاتية لمثل هذا العمل، في ذلك الوقت. ففي 13 أيلول عُقد المؤتمر القطري للحزب، وجرى فيه انتخاب ثلاث أعضاء جدد من مؤيدي علي صالح السعدي، وهم كل من:

[هاني الفكيكي] و[حمدي عبد المجيد] و[محسن الشيخ راضي]، فيما أُسقط طالب شبيب في الانتخابات، وبقي حازم جواد، كما فاز [أحمد حسن البكر] و[صالح مهدي عماش] و[كريم شنتاف] بتلك الانتخابات.

وهكذا بدا الانقسام ظاهراً أكثر فأكثر، فجماعة السعدي تتهم جماعة حازم جواد باليمينية، بينما تتهم جماعة حازم جواد السعدي وجماعته باليسارية، ووصل الأمر بعلي صالح السعدي إلى الإدعاء بالماركسية، وحاول أن يبرئ نفسه من دماء آلاف الشيوعيين.

وفي الفترة ما بين 5 ـ23 تشرين الأول، عُقد المؤتمر القومي لحزب البعث، في دمشق، وجرى تعاون بين السعدي و[حمود الشوفي] حيث ضمنا لهما أكثرية من أصوات المؤتمرين العراقيين، والسوريين، وسيطرا على المؤتمر وقراراته، وبلغ بهم الحال أن شنوا هجوماً عنيفاً على جناح مؤسس الحزب [ميشيل عفلق]، وطرحوا أفكاراً راديكالية فيما يخص التخطيط الاشتراكي، وحول المزارع التعاونية للفلاحين.

ضاقت الدنيا بميشيل عفلق، حيث لم يتحمل الانقلاب الذي أحدثته كتلة [السعدي و الشوفي] داخل المؤتمر، وجعلته يصرح علناً [ هذا لم يعد حزبي].

ثانياً:الخلافات بين الجناحين المدني والعسكري في الحزب:

بعد أن قوي مركز علي صالح مركزه داخل القيادتين القطرية والقومية، و بدأ هو وكتلته يطرحون أفكاراً راديكالية، وتحولا نحو اليسار، بدأ الضباط البعثيون يشعرون بعدم الرضا من اتجاهات السعدي وكتلته، و أخذت مواقفهم تتباعد شيئاً فشيئاً عن مواقف السعدي، وانقسم تبعاً لذلك الجناح المدني للحزب، فقد وقف الونداوي وحمدي عبد المجيد ومحسن الشيخ راضي، بالإضافة إلى الحرس القومي، واتحاد العمال، واتحاد الطلاب، إلى جانب السعدي، فيما وقف حازم جواد وطالب شبيب، وطاهر يحيى ـ رئيس أركان الجيش ـ وحردان عبد الغفار التكريتي ـ قائد القوة الجوية، وعبد الستار عبد اللطيف ـ وزير المواصلات، ومحمد المهداوي ـ قائد كتيبة الدبابات الثالثة، إلى الجانب المعارض لجناح السعدي، بينما وقف أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش على الحياد، لكن السعدي أتهمهما بأنهما يدفعان الحزب نحو اليمين، وأنهما يؤيدان معارضيه في الخفاء.

ثالثاً:الصراع بين البعث والضباط القوميين والناصريين والحركيين:

كان أحد العوامل الرئيسية للصراع داخل قيادة حزب البعث هو الموقف من القوى القومية، والناصرية، والحركية، فقد انقسمت القيادة القطرية في مواقفها إلى كتلتين فكتلة حازم جواد وطالب شبيب كانت تطالب بقيام جبهة واسعة تضم حزب البعث وكل الفئات القومية والناصرية، والحركية، فيما كانت كتلة السعدي تعارض هذا التوجه، وقد أدى ذلك إلى تأزم الموقف، واشتداد الصراع بين الجناحين وتصاعده حتى وصل الأمر إلى الموقف من السعدي نفسه عندما حاول جناح [ جواد و شبيب] إزاحة السعدي متهمين إياه بالتهور والتطرف.

1 - إعفاء السعدي من منصب وزير الداخلية

وتعاون احمد حسن البكر مع عبد السلام عارف على إزاحته، فكانت البداية قد تمثلت بإجراء تعديل وزاري في 11 أيار 1963، جرى بموجبه إعفاء السعدي من منصب وزير الداخلية، وتعيينه وزيراً للإرشاد، فيما عيين غريمه حازم جواد مكانه وزيراً للداخلية. وكان ذلك الإجراء أول ضربة توجه إلى قيادة السعدي. ثم تطور الأمر إلى محاولة إخراجه من الوزارة، ومجلس قيادة الثورة، والسيطرة على الحرس القومي الذي يقوده منذر الونداوي، والذي يعتمد عليه السعدي اعتماداً كلياً.

2 - عارف يعفي الونداوي من قيادة الحرس والونداوي يرفض الأمر:

وفي 1 تشرين الثاني63 صدر مرسوم جمهوري يقضي بإعفاء منذر الونداوي من قيادة الحرس القومي، وتعيين عبد الستار عبد اللطيف بدلاً عنه، غير أن الونداوي تحدى المرسوم، وأصرّ على البقاء في منصبه، في قيادة الحرس القومي، وقد أدى ذلك إلى تعقد الموقف، وتصاعد حمى الصراع الذي تفجر بعد عشرة أيام.


ففي11 تشرين الثاني عُقد مؤتمر قطري استثنائي لانتخاب ثمانية أعضاء جدد للقيادة القطرية، لكي يصبح العدد 16 عضواً، بموجب النظام الداخلي الذي تبناه المؤتمر القومي السادس [المادة 38 المعدلة من النظام الداخلي]، غير أنه ما أن بُوشر بإجراء الانتخاب حتى داهم 15 ضابطاً مسلحاً قاعة الاجتماع بقيادة العقيد محمد المهداوي، الذي بدأ يتحدث أمام المؤتمرين قائلاً:

{لقد اخبرني الرفيق ميشيل عفلق، فيلسوف الحزب، أن عصابة استبدت بالحزب في العراق، ومثلها في سوريا، وأن العصابتين وضعتا رأسيهما معاً، وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، ولذلك يجب القضاء عليهما}.

كما هاجم المهداوي قرارات المؤتمر القومي السادس واصفاً إياه بمؤامرة ضد الحزب، وطالب بانتخاب قيادة قطرية جديدة، تحت تهديد أسلحة الضباط المرافقين له، وتظاهر المؤتمر باختيار قيادة جديدة، واشترك الضباط بالتصويت،علماً بان بعضهم لم يكن بعثياً على الإطلاق، وجاء على رأس القيادة الجديدة [حازم جواد] بالإضافة إلى فوز أنصاره.

غير أن المهزلة لم تنتهِ إلى هذا الحد، بل أسرع الضباط إلى اعتقال علي صالح السعدي، ومحسن الشيخ راضي، وحمدي عبد المجيد، وهاني الفكيكي، وأبو طالب الهاشمي، الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام للحرس القومي،وسُفر الجميع على متن طائرة عسكرية إلى مدريد.

3 ـ امتداد الصراع إلى الشارع :

هكذا إذاً أنفجر الوضع المتأزم في ذلك اليوم، وامتد الصراع إلى الشارع، ففي صباح يوم 13 تشرين الثاني اندفعت أعداد غفيرة من مؤيدي علي صالح السعدي ومن الحرس القومي، إلى شوارع بغداد، وأقاموا الحواجز في الطرق، واحتلوا مكاتب البريد والبرق والهاتف، ودار الإذاعة، وهاجموا مراكز الشرطة، واستولوا على الأسلحة فيها، و أسرع الونداوي إلى قاعدة الرشيد الجوية ومعه طيار آخر وامتطيا طائرتين حربيتين، وقاما بقصف القاعدة المذكورة، ودمرا [5 طائرات] كانت جاثمة فيها.

وفي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم أذاع صالح مهدي عماش، وزير الدفاع، بياناً من دار الإذاعة حذر فيه أحمد حسن البكر من أن هناك محاولة لجعل البعثيين يقتلون بعضهم بعضاً، وهذا ما لا يفيد إلا أعداء الحزب، كما وجه نداءً للعودة إلى العلاقات الرفاقية وإلى التفاهم والأخوة. وفي تلك الأثناء فرضت قوات الحرس القومي سيطرتها على أغلب مناطق بغداد، ورفض البكر وعماش إعطاء الأمر إلى الجيش بالتدخل، وأصبحت قيادة فرع بغداد للحزب هي التي تقود الحزب في تلك اللحظات الحرجة من تاريخ حكم البعث، وطالبت تلك القيادة بإعادة السعدي ورفاقه إلى العراق، وممارسة مهامهم الحزبية والرسمية.غير أنها لم تفلح في ذلك، واضطرت إلى الموافقة على إحالة القضية إلى القيادة القومية لتبت فيها.

4 ـ عفلق وأمين الحافظ في بغداد لمحاولة حسم الصراع:

وفي مساء ذلك اليوم، 13 تشرين الثاني، وصل إلى بغداد مؤسس الحزب [ميشيل عفلق] والرئيس السوري [أمين الحافظ] بالإضافة إلى عدد آخر من أعضاء القيادة القومية للحزب.
غير أن عبد السلام عارف لم يجر لهما استقبالاً رسمياً، كما يقتضي البروتوكول والعرف الدبلوماسي، كما لم يحاول الالتقاء بالوفد، مما جعل الوفد يحس أن هناك جو غير طبيعي في بغداد، وأن لابد من أن يكون هناك أمراً يدبر ضد حكم البعث.

حاول ميشيل عفلق ورفاقه في الوفد، التصرف بشؤون العراق!،وأصدروا قراراً بنفي حازم جواد، وزير الداخلية، وطالب شبيب، وزير الخارجية، متهمين إياهما بأنهما أساس الفتنة.
كما أصدر الوفد قراراً آخر بحل القيادة القطرية التي جرى انتخابها تحت تهديد الضباط الخمسة عشرة، وكذلك القيادة القطرية التي كان يقودها علي صالح السعدي، وأعلن عن تسلم القيادة القومية للمسؤولية لحين انتخاب قيادة قطرية جديدة.

هكذا إذاً كان تصرف عفلق والوفد الموافق له، تجاهلاً لعبد السلام عارف، بصفته رئيساً للجمهورية، كما أن الرابطة التي كانت تجمع الضباط البعثيين بالقيادة المدنية قد تفككت، ودبت الخلافات العميقة بينهم، وسارع الجناح المدني في الحزب يتحدى من أسماهم بأعداء الحزب، ودعا اتحاد العمال، الذي يسيطر عليه الحزب إلى سحق رؤوس البرجوازيين الذين خانوا الحزب، وإعدام أصحاب رؤوس الأموال الذين هربوا أموالهم إلى الخارج.

كما دعوا إلى تأميم كافة المشاريع الصناعية في البلاد، وكانت تلك الاندفاعات لجناح الحزب المدني كلها تصب في خانة عبد السلام عارف، الذي صمم على إزاحة حزب البعث عن السلطة، وأحكام قبضته على شؤون البلاد دون منازع أو شريك.

رابعاً:انقلاب عبد السلام عارف ضد البعث في 18 تشرين الثاني 63:

بعد أن وصلت حالة الحزب إلى أقصى درجات التمزق والتناحر، وبعد أن عمت الفوضى أرجاء البلاد، وبلغ استياء ضباط الجيش الممسكين بالمراكز القيادية في الجهاز العسكري من تصرف القيادة البعثية مداه، قرر عبد السلام عارف بالتعاون مع تلك العناصر العسكرية توجيه ضربته القاضية لحكم البعث، وإنهاء سيطرتهم على مقدرات البلاد، فقد استغل عبد السلام تلك الظروف البالغة الصعوبة التي مرّ بها حزب البعث وبالتنسيق مع عدد من أولئك الضباط ، كان منهم:

1- عبد الرحمن عارف، شقيقه، قائد الفرقة الخامسة.
2- الزعيم الركن عبد الكريم فرحان، قائد الفرقة الأولى.
3- العقيد سعيد صليبي، آمر الانضباط العسكري.
4- الزعيم الركن الطيار حردان التكريتي، قائد القوة الجوية [ بعثي].
5- اللواء الركن طاهر يحيى، رئيس أركان الجيش.
هذا بالإضافة إلى العديد من الضباط الآخرين ذوي الميول القومية.

وفي فجر يوم 18 تشرين الثاني 1963، قامت طائرات عسكرية بقصف مقر القيادة العامة للحرس القومي في الأعظمية، ثم تقدمت الدبابات، والمصفحات لتستولي على كافة المرافق العامة في بغداد، ومقرات الحرس القومي، وحاول البعثيون مقاومة الانقلاب في بادئ الأمر، إلا أن الأمر كان قد حسم في نهاية النهار، فلم يكن باستطاعة الحرس القومي، وهو يحمل الأسلحة الخفيفة أن يقاوم الدبابات والمصفحات والصواريخ والطائرات.
سارع أفراد الحرس إلى إلقاء سلاحهم، والتخلص منه، برميه في الحقول والمزارع والمزابل بعد أن هددهم النظام العارفي الجديد بإنزال العقاب الصارم بهم إن هم استمروا على حمل السلاح أو إخفائه، وأجرى الجيش مداهمات لدور أفراد الحرس القومي بحثاً عن السلاح.

كما جرى إلقاء القبض على أعداد كبيرة من البعثيين لفترة محدودة من الزمن، حيث تمكن الجيش من إحكام سيطرته على البلاد، وأخذ النظام فيما بعد يطلق سراح البعثيين المعتقلين في حين بقي السجناء والموقوفين الشيوعيين والديمقراطيين في السجون !!، وجرى تنفيذ أحكام بالإعدام كانت قد أصدرتها المحاكم العرفية على عهد البعثيين، بعد تسلم عبد السلام عارف زمام الأمور في البلاد، فقد كان العداء للشيوعية هو الجامع الذي جمع البعثيين والقوميين، دون استثناء، ربما شيء واحد قد تغير، هو تخفيف حملات التعذيب أثناء التحقيقات مع المعتقلين، واستمرت المحاكم العرفية تطحن بالوطنيين طيلة عهد عارف.

عبد السلام عارف يحكم سيطرته على البلاد :

في مساء يوم الثامن عشر من تشرين الثاني 1963، تلاشت مقاومة حزب البعث، وحرسه القومي في أنحاء البلاد، وتم لعبد السلام عارف وقادته العسكريين السيطرة التامة على البلاد، وبدأ على الفور بترتيب البيت، مانحاً نفسه صلاحيات استثنائية واسعة لمدة سنة، وتتجدد تلقائياً، إذا اقتضى الأمر ذلك، وعمد عبد السلام إلى الاعتماد على الروابط العشائرية، وخاصة عشيرة [الجميلات]، فقد عين شقيقه [عبد الرحمن عارف] وكيلاً لرئيس أركان الجيش، رغم عدم كونه ضابط أركان . كما عين صديقه، وأبن عشيرته [سعيد صليبي] قائداً لحامية بغداد، فيما أعلن عارف نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة.

كما جاء عارف باللواء العشرين، الذي كان يقود أحد أفواجه عند قيام ثورة 14 تموز، واتخذه حرسه الجمهوري الخاص به، كل العناصر المؤيدة له فيه من عشيرة الجميلات وغيرها من عشائر محافظة الأنبار.
بدأ عبد السلام عارف حكمه معتمداً على ائتلاف عسكري ضم الضباط القوميين والناصريين، والضباط البعثيين الذين انقلبوا على سلطة البعث، فقد أصبح [طاهر يحيى] رئيساً للوزراء، و[حردان التكريتي]، نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، فيما عيين [أحمد حسن البكر] نائباً لرئيس الجمهورية، والزعيم [رشيد مصلح]وزيراً للداخلية وحاكماً عسكرياً عاماً، ويلاحظ أن هؤلاء جميعاً من تكريت، ومن العناصر البعثية، أما العناصر القومية التي شاركت في الحكم فكان على رأسها الزعيم الركن [محمد مجيد]،مدير التخطيط العسكري، والزعيم الركن[عبد الكريم فرحان]،الذي عيين وزيراً للإرشاد، و[عارف عبد الرزاق]، الذي عيين قائداً للقوة الجوية، والعقيد الركن [هادي خماس] مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، والمقدم [صبحي عبد الحميد] الذي عيين وزيراً للخارجية.

عبد السلام عارف يبعد العناصر البعثية عن الحكم:

رغم تعاون الضباط البعثيين مع عبد السلام عارف في انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 ضد قيادتهم المدنية، واشتراكهم في حكومته الانقلابية، إلا أن عارف لم يكن يطمأن لوجودهم في السلطة، ولم يكن إشراكهم في الحكم من قبله سوى كونه عمل تكتيكي من أجل نجاح انقلابه ضد سلطة البعث، وتثبيت حكمه، لكنه كان في نفس الوقت يتحين الفرصة للتخلص منهم، وقد ساعده في ذلك الكره الشعبي الواسع النطاق للحكام البعثيين بسبب ما اقترفوه من جرائم بحق الوطنيين طيلة فترة حكمهم، وهكذا وبعد أن تسنى لعارف تثبيت أركان حكمه، بدأ بتوجيه الضربات للعناصر البعثية تلك.

ففي 4 كانون الأول 964 ،أعفى عارف المقدم [عبد الستار عبد اللطيف] من وزارة المواصلات، وفي 16 منه ، أزاح عارف [ حردان التكريتي ] من منصبه كقائد للقوة الجوية، وفي 4 كانون الثاني 64 ألغي عارف منصب نائب رئيس الجمهورية، وتخلص من [احمد حسن البكر] الذي كان يشغل المنصب، وعينه سفيراً بديوان وزارة الخارجية.

وفي 2 آذار 64، أعفى عارف [ حردان التكريتي ] من منصب وزير الدفاع، وعين محله طاهر يحيى، بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء، ولم يبقَ إلا رشيد مصلح التكريتي، وزير الداخلية والحاكم العسكري العام الذي ربط مصيره بمصير عارف، مهاجماً أعمال البعثيين وجرائمهم بحق الشعب، وبذلك أصبح الحكم بقيادة عبد السلام عارف، وبرز الناصريون في مقدمة النظام، وبدأ النظام يقلد الجمهورية العربية المتحدة في أساليبها وخططها التنموية، حيث أقدمت الحكومة على تأميم المصارف، وشركات التأمين مع 32 مؤسسة صناعية وتجارية كبيرة، وخصصت الدولة 25% من الأرباح للعمال، والموظفين العاملين فيها، وقررت تمثيلهم في مجالس الإدارة.

كما أقدم النظام الجديد على تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي في 14 تموز 1964 على غرار الاتحاد الاشتراكي في الجمهورية العربية المتحدة، ودُعيت القوى السياسية في البلاد إلى الانضواء تحت راية هذا الاتحاد، وقد أستهوى هذا الإجراء وتلك التحولات الاقتصادية جانباً من قيادة الحزب الشيوعي، حيث برزت دعوة لحل الحزب، والانضمام إلى الاتحاد المذكور، لكن هذا الاتجاه لم ينجح في جر الحزب إليه، بعد أن وقفت العناصر الحريصة على مصلحة الحزب ضد دعوة الحل والانضمام للاتحاد الاشتراكي المزعوم.


حركة تشرين 1963 في العراق

((لم تحظ حركة 18 تشرين/ 1963، مثل غيرها من التغييرات والحركات والانتفاضات التي قادها الجيش العراقي بالإحاطة الكاملة عن حقائقها او في التحليل والدراسة... البعض اعتبرها حركة تصحيحية ضرورية لإنهاء حالة الفوضى التي اغرق نظام 8 شباط البلاد فيها، وأخرون ممن كانوا جزءاً من صراع سلطة شباط اعتبروها ردة، وأنضم إليهم بعض ممن اسهم في التخطيط والتحريض على الحركة وتنفيذها، لاسيما بعد 17تموز/1968، وقبل التقييم والتحليل والحكم على هذه الحركة، لابد من التعرف على ما جرى قبيل وأثناء تنفيذ الحركة، ما هي المقدمات ومن هي القوى والعناصر التي خططت ونفذت الحركة؟

حركة 18 تشرين الثاني 1963، هي حركة 18 تشرين التصحيحية حسب رأي قادتها أو انقلاب أو ردة حسب رأي معارضيها، والتي قام بها رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام محمد عارف لإقصاء حكم حزب البعث، حيث نجح بالتعاون مع شخصيات سياسية وضباط أعضاء في تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" لحركة 14 تموز 1958، وبعض الشخصيات التي تنتمي للتيار العروبي وأخرى مستقلة من عسكريين ومدنيين والتي ساهمت في تنفيذ حركة 8 شباط 1963 ضد نظام حكم رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم قاسم (19-1963). حيث كان أغلب قادة حركة 8 فبراير/ شباط 1963 هم من شخصيات عروبية وبعض أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "الأحرار" لحركة 14 تموز 1958 وأغلبهم من المنتمين إلى حزب البعث وبعد نجاح حركة 8 شباط 1963، تم تشكيل "المجلس الوطني لقيادة الثورة" من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" لحركة 14 تموز 1958 مع الضباط المساهمين بحركة 8 شباط 1963 وغلب على قيادة المجلس اعضاء حزب البعث كما أسندت الوزارات لإثني عشر وزيراً بعثياً وباقي الوزارات تولتها شخصيات مستقلة أو من تيارات أخرى.

بعد نجاح حركة 8 شباط 1963، تم إسناد منصب رئيس الوزراء للواء احمد حسن البكر أحد ابرز قياديي البعث والذي كان يتزعم أحد التيارات المعتدلة في الحزب، وهو المنصب الذي يمثل الحاكم الفعلي للعراق والذي منحه الدستور كل الصلاحيات التنفيذية. بقيت الصلاحية التنفيذية بيد رئيس الوزراء والتي كانت من قبله بيد عبد الكريم قاسم ومن قبل ذلك بيد رؤساء وزارات الحكم الملكي. اما منصب رئيس الجمهورية فهو منصب اعتباري وقد اسند للمشير عبد السلام عارف الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة وقد اختير لكسب ود الجماهير للحركة. لم يتمتع عبد السلام عارف باي صلاحية لا من قريب ولا من بعيد سوى صلاحية عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة اسوة مع بقية رفاقه من اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" والوزراء

بعد تسعة أشهر من الحكم وبسبب عدم خبرة البعثيين من سياسيين وعسكريين في شؤون الحكم ولصغر سن أغلبهم بدأت بوادر الاختلاف على الزعامة تلوح في الافق. والذي تطور إلى انقسام بين التيارات بما سمي بالانشقاق، فهنالك التيار المتشدد والمتسلط على زمام الامور بزعامة على صالح السعدي ويساعده الطيار النقيب منذر الونداوي( قائد قوات الحرس القومي – ميليشيا حزب البعث وهذه الميليشا تاسست تقليدا لحركة المقاومة الشعبية التى تاسست على يد الحزب الشيوعي العراقي وليس مستغربا ان تظهر مثل هذه الاجنحة المسلحة كما حصل في المانيا وروسيا وايطاليا في فترة السابقة للحرب العالمية الثانية) وهنالك تيار يميل نحو المرونة والحلول السياسية بزعامة حازم جواد ويساعده عبد الكريم الشيخلي الذي أصبح بعد حركة 1968 وزيراً للخارجية.

أما تيار أحمد حسن البكر فكان يمثل التيار المعتدل والذي يحاول عدم إظهار نفسه بمظهر التيار المتكتل بقدر ما يظهر نفسه على أنه جهة استشارية ناصحة. كما تميز البكر في تلك الفترة بانتمائه المهني الذي تغلب على انتمائه الحزبي وهذا واضح من خلال اتخاذه لسلسلة من القرارات العسكرية داخل الجيش للضرب على يد الضباط البعثيين ضد فوضى أحداث الحرس القومي داخل الجيش. كما أنه كان من المساهمين بوضع الخطة الخاصة بالإطاحة بالحرس القومي لمصلحة الجيش ( الا انه ذهب الى داره في يوم تنقيذ 18 تشرين الثاني لكي ينجو بتفسه في حالة فشل الحركة مع انه ساهم في تحويلها من ازمة صراع بين اجنحة على السلطة الى صراع بين الدولة والحزب كما يذكر صبحي عبد الحميد صبحي عبد الحميد (1924 - 2010)، سياسي عراقي ووزير خارجية (1963) و من ثم داخلية (1964) سابق في مذكراته)

نزل الحرس القومي إلى الشارع وهي مليشيا الحزب والموالية لتيار على صالح السعدي والذي كان يتزعمه الطيار منذر الونداوي ومساعده نجاد الصافي، وعدم سيطرة الشرطة على مقاليد الامور بعد احتلال بعض مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية في محاولة من تيار علي صالح السعدي لأحداث انقلاب على تيار حازم جواد وبقية اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين والاخرين الذين اسهموا بالحركة كما رافق ذلك انفلات بعض اعضاء مليشيا الحرس القومي بالانتقام من الشيوعيين من اعضاء مليشيا المقاومة الشعبية ممن اسهموا بالحكم مع رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم قاسم، والتنكيل بهم بالاعتقال والاهانة واختلط معهم بعض الضحايا من المواطنين الابرياء.

سارع رئيس الوزراء أحمد حسن البكر كونه يمثل تيارا معتدلا في الحزب والذي وجد الوزارة قد انهارت والفوضى قد عمت والحزب انشق على نفسه، حيث طلب من القيادة القومية في دمشق بالانعقاد في بغداد لحل الاشكال وتوحيد الصفوف، وتم له ذلك حيث اعتبرت القيادة القومية ان هذه انشقاقات والانقسامات لاطائل منها وانها تعرقل خطط الحزب في تنفيذ افكاره. فتم تشكيل لجنة تحقيقية عاجلة ادانت تصرف كلا التيارين المتناحرين وتم على اثر ذلك اعفاء قيادة التيارين من الحزب وتشكيل قيادة جديدة. تزعمها أحمد حسن البكر رئيس الوزراء. تحرك على عجل حازم جواد مع اعضاء تنظيمه الذي طوق مقر السعدي أثناء اجتماع ضم قيادة تنظيمه وتم اعتقالهم جميعا وتسفيرهم إلى إسبانيا، الامر الذي أدى إلى حدوث فراغ دستوري بسبب غياب أغلب الوزراء. لم تكن عواقب حركة حازم جواد مدروسة فهو من ناحية يميل للحلول السلمية أكثر من استخدامه للاساليب الحادة والعنيفة كما أن تياره لايملك الصلاحيات ولا النفوذ بسبب اعتماده على قواعد التنظيم التي تفتقر للسلطة، فبقي رهين موقفه الضعيف.

طالبت الجماهير من رئيس الجمهورية عبد السلام عارف كونه الشخص المعروف امامهم والذي يمثل الرمز الأعلى للسلطة بالتحرك، والذي كان يراقب بأستياء الوضع مع زملاءه من قيادة الجيش واعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة فاتفق معهم على خطة تنفذها امرية موقع بغداد العسكري للسيطرة على الشارع والحد من حالة الفوضى في الشارع وانشقاقات حزب البعث التي انعكست على مجلس الوزراء والوزارات والوحدات العسكرية التي اخذ يتناحر الفرقاء من الضباط والامرين فيما بينهم على من هو الممثل الشرعي للحزب. طرق سمع عبد السلام عارف استياء رئيس الوزراء أحمد حسن البكر من الانشقاقات وحالة الفوضى حيث سارع إلى طلب لقاء سري عاجل مع المقربين له من ضباط اعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة والقيادة العامة وموقع بغداد وطلب التحرك لتنفيذ خطته باقصاء حزب البعث بتياريه المتصارعين. ففي 18 نوفمبر / تشرين الثاني تم بهدوء تنفيذ الخطة حيث صدر بيان باقصاء الوزراء الاثني عشر من الوزارة وأغلبهم اصلا مسفرين خارج العراق من قبل التيار المنافس للحزب. واصدر بياناً اخر بحضر التجوال ثم صدرت الاوامر العسكرية بتحرك امرية قطعات موقع بغداد وقطعت الطرق والمفارق ودخلت المراكز والمؤسسات التي كانت تحتلها المليشيا الحزبية والتي سلمتها على الفور إلا من مقاومة ضعيفة. تم اعتقال المتسببين بالفوضى واعمال العنف وقيادات ما تبقى من تيارات الحزب، واصدر عبد السلام عارف مرسوما باعفاء أحمد حسن البكر من منصبه وتعيينه سفيرا في وزارة الخارجية وحسب تنسيبها. واصدر وبعد فترة من الزمن وعلى اثر لقاءه الشخصي مع أحمد حسن البكر، اصدر مرسوماً بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية مع صلاحيات محددة. وأصدر مرسوماً بتولية اللواء طاهر يحيى رئيسا للوزراء

بعد نجاح الحركة واقصاء التيارات المتصارعة لحزب البعث عن السلطة اصدر رئيس الجمهورية عبد السلام عارف سلسلة من قرارات العفو عن الكثير من اعضاء حزب البعث والشيوعيين المتسببين بحالة الفوضى في الشارع من الذين تم اعتقالهم والتحقيق معهم، عدا من ارتكب جرائم جنائية واحيل للمحاكم المدنية. وبعد شهرين في مطلع عام 1964 شكل عارف لجنة دستورية من خبراء قانونيين لتعديل الدستور العراقي، وتم تشكيل الوزارة من شخصيات مدنية وعسكرية معروفة سياسيا أو مهنيا.

حيث انتقى عددا من الوزراء من ذوي الباع في العمل أو من ذوي العلمية العالية وحضر اجتماعا لمجلس الوزراء وعرض خطة عمله طالبا منهم الاستعداد لحملة من الاعمار والتنمية والبناء وطلب تفعيل خطط مجلس الاعمار للحكم الملكي والاستمرار بتوزيع اراضي الإصلاح الزراعي على الفلاحين التي بدأ بها سلفه عبد الكريم قاسم فارسل نائبه أحمد حسن البكر لتوزيع سندات الاراضي على الفلاحين والتي كان يفخر بها البكر دائما أثناء توليه الرئاسة بعد حركة 17 يوليو / تموز 1968 كما دعا لحل شامل للقضية الكردية منطلقا من مبادئه في ارساء الوحدة الوطنية قبل الشروع بالوحدة العربية فاصدر بيان أبريل عام 1964 الخاص بالحل الشامل للقضية الكردية بمنحهم حقوقهم الثقافية وسمح للمحتفلين بمناسبة عاشوراء بالتعبير عن مشاعرهم ومن خلال الاذاعة والتلفزيون.

امتد حكم الاخوين عارف ( رحمهما الله ) من 18 تشرين الثاني 1963 ولغاية 16 تموز 1968 شهدت فترة استقرار نسبيا دون اي تطورات اقتصادية هامة والسبب يرتبط بالموارد المالية انذاك ، ومرعاة للظروف الدولية ومصالح الدول في المنطقة . اذا لم يترك عهديهما لنا اي شىء مميز فيكفى انهما لم يوقعا اي مرسوم باعدام اي عراقي وانهما حرصا على السيادة الوطنية وعدم التفريط بثروات البلاد ـ بل ان عبد السلام عارف فقد حياته وهو يتفقد محافظات الجنوب المتاخمة للحدود العراقية مع ايران للوقوف على حقيقة موضوع تسلل الايرانيين الى العراق ، وفي عهده اختار ان يتم بناء ملعب الشعب الدولي 1966 من ضمن المقترحات التى تقدم بها مهندس النفط ورجل الاعمال الارمني كالوست سركيس كولبنكيان (23 مارس 1869 — 20 يوليو 1955) صاحب حصة 5% من عوائد النفط لدوره في التنقيب واستكشاف النفط.

ملعب الشعب هو الملعب اليتيم الذى تم بناءه خلال 55 عاما من العهد الجموري والذى لم يبني مثيلا له رغم تأميم النفط عام 1972 !!

فمن كان احرص منهما على العراق ممن تولوا حكمه بعدهما؟؟



مع التحيات


Refs
http://forum.stop55.com/287348.html
http://www.alkomi.org/d100.htm
http://www.darbabl.net/week_qadhya_show.php?id=52
http://www.adel-salem.com/vba/showthread.php?t=71
http://en.wikipedia.org/wiki/Abdul_Salam_Arif




#عادل_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل سالم - خمسون عاما على حركة 18 تشرين الثاني 1963