أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الحروب - اوجاع اريترية: الحب والحرب والاغتراب















المزيد.....

اوجاع اريترية: الحب والحرب والاغتراب


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4278 - 2013 / 11 / 17 - 11:42
المحور: الادب والفن
    


“في وجهها يستوطن بهاء قديم لم تحرمه الايام نضارته الاولى. ومن وجهها ينضح عطر سماوي يشبه ما يمنحه المطر لتراب الارض. وعند وجهها تتزاحم حكايات الحسن, وقد تخلت عن نهاياتها الحزينة”. هذا ما يظل يدندن به بطل رواية “مرسى فاطمة” لحجي جابر حول حبيبته المفقودة, واصفا إياها لكل من يراه ويظن بأن لديه طرفا من خبر عنها. بعد قصة حب قصيرة تغيب سلمى ويغيب بطلنا وراءها بحثا عنها, او عن سرابها, او هيامه او وهمه بها. إنها السردية المتألقة الاخرى لجابر بعد روايته الاولى “سمراويت” التي فازت بجائزة الشارقة للرواية من سنتين.
“مرسى فاطمه” هو الشارع الذي التقى فيه سلمى اول مرة ووقع على رصيفه بدء تاريخ حبه لها. من ذلك الشارع تركب سلمى الحافلة التي تقلها إلى المدرسة الثانوية, ويجري قلبه مع عجلاتها. لكن لهذا المكان رمزية ابعد بكثير. إنه اريتريا الناس العاديين والمفعمين بالجمال العفوي والتعايش غير المُدعى, بعيدا عن جبروت السياسة, وبعيدا عن عفن التطرف القادم من وراء الحدود. يخبرنا حجي جابر ان: “مرسى فاطمة اسم اطلقه الجبرته على هذا الشارع تيمنا بإسم جزيرة مباركة قرب مصوع سكنتها إمرأة صالحة من نسل الصحابة, ليحل محل اسم الامبرطورة “منن” زوجة “هيلاسيلاسي”, والتي اختارته دون سواه ليحمل اسمها ... هنا يسكن مسلمون ومسيحيون ولادينيون ... الشارع يبدأ بكنيسة إندا ماريام وتنتهي تفرعاته عند جامع الخلفاء الراشدين, وقد بناه الايطاليون بأموال تاجر يمني استوطن اسمرا. هنا تتجاور بيوت الاغنياء والفقراء, وكذلك قلوبهم. هنا ايضا لا تجد اسرة لم تفقد حبيبا في حرب الاستقلال. مرسى فاطمة يمثل وطنا رحبا لكل سكانه”.
يتناهى إلى علمه ان سلماه تم تجنيدها وارسالها إلى معسكر الخدمة العسكرية الاجبارية “ساوا” الرابض بين الجبال البعيدة عن العاصمة اسمرا. هناك الحياة تنتمي إلى من نوع آخر من الحياة. يلحقها ويتطوع لأداء الخدمة الوطنية (القلوقلوت), ويستسخفه كثيرون لأنه معفى منها اساسا بكونه وحيد والديه. هناك يتفنن المدربون في إذلال الشباب تحت عنوان تربيتهم على حياة الجندية ومواجهة الصعاب. المعسكر هو صورة النظام الحاكم: السلطة الفوقية وعدم الشفافية, والفساد المتسربل في خريطة القيادة العليا له. يتجبر الضباط في المجندين في فرض اقسى انواع التدريبات بدءا من فجر كل يوم وحتى مغيب شمسه, يركضون, يلهثون, تنقطع انفاسهم, ثم يُطعمون كسرة خبز وماء شاي, ثم يصفعون محاضرة في الوطنية والبطولة من قبل ضابط ثمل جاء لتوه من معسكر الإناث بعد ان جال بفحولته على عدد منهن, إمعانا في الوطنية. بطلنا الشاب يتحمل طوعا ما يتحمله زملاؤه قسرا وهو يأمل ان يعثر على خيط امل يقوده إلى سلمى التي يفترض انها في المعسكر المجاور. لا سبيل إلى الوصول إليها حيث يمنع ذلك على المجندين, ولا يتمتع بتلك الحظوة إلى الضباط. ينفلق الحظ السعيد لبطلنا إذ يختاره احد الضباط سائقا له, بما يعني سهولة دخوله الى معسكر الإناث يقود سيارة الضابط. هناك وفي لحظات توهان الضابط في سكراته المختلفة يستغل العاشق كل دقيقة ليسأل عن حبيبته سلمى. يترك صفاتها واسمها وعشقها له مع كل فتاة يتمكن من الحديث إليها. لكن لا اثر لها.
يفعل المستحيل للهرب من “ساوا” بعد ان اكتشف ان سلمى ليست هناك, ويلحق سرابا لها بإتجاه السودان إذ وصلته اطراف اخبار بأنها عبرت الحدود إلى هناك. رحلة الهرب من الوطن الارتيري اوديسة أخرى تُضاف إلى رحلات الهروب من اوطان الجنوب. على الحدود الارتيرية السودانية يقع اسيرا وضحية ل “دولة الشفتا”, والشفتا هم القبائل المسيطرة على المنطقة الحدودية بالسلاح والقوة وفرض الخاوات. تتهيب السلطات على طرفي الحدود من سطوة تلك القبائل وعصاباتها وتشتري ولاءها, ويمتد نفوذها إلى وزراء ومسؤولين كبار. على الفارين من جحيم الوطن ان يمروا بجحيم الشفتا ويدفعون الوف الدولارات كي يصلوا إلى الجحيم الثالث, إلى مخيم “الشجراب” الضخم في الاراضي السودانية, والذي يعتبر من اكبر مخيمات اللاجئين في العالم. في “الشجراب” دويلات اخرى, من المنظمة العالمية للاجئين, لعصابات المهربين, للسلطات السودانية, ولكل ما يمكن ان يتصور من عوالم سفلية. يبحث في ازقته وخيمه وتجمعاته عن سلمى التي لا اثر لها. يسأل كل الناس, لكن ليس ثمة طرف خبر مؤكد. يعزم في نهاية المطاف مغادرة المخيم البائس ركضا وراء خبر ما بأن سلمى اصبحت في السودان. ينخرط في عملية تهريب ثانية, وبعيدا عن الوطن, او بحثا عنه. قبل مغادرة المخيم يتعرف على خريطة “الامل” لكثير من اللاجئين الشبان وهي ان جل همهم هو تأمين هروب سري عن طريق بعض العصابات إلى إسرائيل. هل هربت سلمى معهم واصبحت هناك ايضا؟
تضيع سلمى وسط تفاهات الحرب, والفساد, والفقر, والتطرف, والسياسة, والتهريب, والحدود الملتهبة, والبؤس المودي للهجرة اليائسة إلى إسرائيل. تضيع سلمى بطل جابر حجي الذي ينذر نفسه للبحث عنها ولقياها. إنها تحمل جنينهما في احشائها. إنه المستقبل الذي يريد بيأس وعناد ان يأخذ “مرسى فاطمة” إلى غد مشمس, .. إلى ماضيه الجميل. لا تضيع سلمى وحسب, بل ارتريا “مرسى فاطمة” هي التي تضيع, وحجي يبحث عنها. يبحث عن وطن بسيط تترتب فيه الاشياء بفوضى الناس العاديين, بعيدا عن ايديولوجيا الحزب الحاكم, وتشدق الساسة, وقوافل الموتى الملتحقين بأتون نار تلتهم الوف الشباب, وقوافل الهاربين في كل الجهات. يلحق حجي بأرتريا الضائعة التي ما عاد فيها مرسى لفاطمة, وتشتت شبابها بين “ساوا” وجبهات المعارك, ومخيمات اللجوء والهرب على الحدود السودانية, ثم تبعثرت طوابير الهاربين في صحارى الشمال وسيناء أملا بالوصول إلى “مرسى” بديل واعد, في إسرائيل. ومن هناك, من “ارض الوعد والميعاد”, تأتي قصص تقشعر لها الابدان لتصل إلى المنهكين وسط الصحراء المتوجهين إلى ارض الاعداء لأنها اصبحت اخف وطأة من الوطن. من المدن اللامعة والحديثة في إسرائيل إلى قلب صحراء سيناء يكتشف المتعبون بأنهم ليسوا سوى قطعا من الاعضاء البشرية تتداولها عصابات الإتجار بالكلى والاعضاء. ويكتشفون ان ضريبة عبور الصحراء إلى “الجنة الموعودة” هي كلية لا حاجة لهؤلاء بها. أما الإناث من الهاربين فإن مرارتهن مضاعفة. عليهن اشباع حقارات سلسلة المهربين من الحدود الاريترية والسودانية والمصرية, وصولا الى سيناء ثم إسرائيل.
كل جزء من اجزاء الرواية يستحق ان يكون رواية منفصلة: معسكر ساوا, دولة الشفتا, الشجراب. حجي ظلم نفسه وابطال روايته وحرمنا من ثلاث روايات واستعجلها في رواية واحدة. لكن تبقى “مرسى فاطمة” رواية بطعم المرارة عن وطن اريتري مفقود. عن ذلك الشيء المُبهم الذي يقول عنه في الصفحة الاولى من روايته: “الوطن كذبة بيضاء .. يروج لها البعض دون شعور بالذنب, ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة”.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستنقع الطائفية: الغرق جميعاً ام النجاة جميعاً
- انفلات غول الطائفية
- الحداثة وعبقرية النقد الذاتي
- دول الخليج و «الصفقة الكبرى» بين اميركا وإيران
- من حق المرأة السعودية سواقة السيارة ولنغلق هذا الملف!
- مواجهة الاسلاموفوبيا: نموذج بريطاني ناجح
- جدل النص والواقع
- درس ديمقراطي من كردستان
- تعويض عربي لضحايا الإرهاب!
- إيران ودرس سوريا: مصالحة الغرب للاستقواء إقليمي!
- «روسيا بوتين»: اي نموذج للعرب والعالم؟
- -النموذج الروسي-: من -غروزني- إلى ثعالب الليل
- مؤرخ المستقبل والكتابة عن عرب اليوم!
- الغرائزية الانتقامية واللاعقلانية: -برادايم- التسيس العربي
- بعد الكيماوي, ردع الاسد خارج مجلس الامن
- مقارنة بمصر، مطلوب موقف خليجي أصلب في سورية
- ليبراليا وديموقراطيا: الجيش لا يقتل الناس
- استبداد الاردوغانية ينهي -النموذج التركي-
- الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها
- إنقلاب اعاد شحن الاسلام السياسي في المنطقة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الحروب - اوجاع اريترية: الحب والحرب والاغتراب