أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هندة بن سالم بوشناق - الوجه بين الإدلاء و التّضليل















المزيد.....


الوجه بين الإدلاء و التّضليل


هندة بن سالم بوشناق

الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


الوجه، أو ما أفضّل التّعبير عنه بالواجهة، هو ما يجمعنا و يفرّقنا، هو تماثل و انتماء و تفرّد و تميّز، هو ما لا يمكن اختزاله و أقلّ ما يمكن القول في وصفه هو أنّه مركز الهويّة و تجلّيها.
" مكان كلّ الرّعب و كلّ المخاوف" فبقدر ما هو أداة للغات نطوّعها حسب أدوارنا الاجتماعيّة هو قادر و في غفلة منّا أن يعود للعب دور الواجهة و يُسقِطُ كلّ الأقنعة و يترك للأحاسيس منفذا تخاطب من خلاله بلغة إنسانيّة " عالميّة" ، فيقدّم الوجه دواخلنا عارية من كلّ قناع لكنّه يبقى أبدا عنوان هويّة الشّخص و رمز الفرد في المجتمع، هو القناع القادر على الإيماء بصفات تتلاءم مع كلّ الأدوار الاجتماعيّة فيكون هويّة الشّخصيّة.
المفارقة أعمق بين هويّة الشّخص و هويّة الشّخصيّة إذا ما تمادى الشّخص ليلعب عمدا أدوار الآخرين و لان كان المسرح هو طارح المفارقات في المجتمعات فهو الفن الّذي يتجلّى فيه في تحديد هويّة الدّور و الشّخصيّة، فوجه الممثّل على الخشبة هو وجه الدّور و بكلّ براعة يلعب دور القناع فيخفي هويّة صاحبه ليّبرز في المقابل صفات الشّخصيّة، ولكن لا يتمّ له ذلك إلا بعد تعمّق في فهم هذه الواجهة الحيّة و تدرّب على إتقان لغة هي فينا لكنها قد تتجاوزنا في غياب الموازنة بين هذا القناع الحي دائم التّغيُّر و العقل و العاطفة و الثّقافة أيضا، فليست كلّ الثّقافات تولي الوجه نفس المكانة و هو الواجهة حمّالة الثّقافات في كل الأحوال، ولعلّ هذه المقاربة بين دور الوجه كواجهة و كهويّة و دوره كقناع بالإضافة إلى مكانته المقدّسة هي الّتي دفعتني لكتابة هذا المقال لإظهار أهمّيته كوسيط في كلّ العلاقات فهو الباثّ و المتلقّي لكلّ اللغات و من هذا المنطلق أردت توضيح صورة الوجه مرورا من صورته في المجتمع وصولا لمكانته و دوره في المسرح.
1. الوجه هويّة الشّخص و قناع الشّخصيّة
يُعتمد الوجه كتعريف للهويّة في جميع المُجتمعات ذلك لخصوصيّته و لأنّه الواجهة الأكثر بروزا عند الإنسان، يُرفَضُ حجبه أو تغيير ملامحها ليسهُل تمييز الأفراد عن بعضهم البعض.
اختلاف الملامح من محيّا إلى آخر يجعل من الوجه الهويّة الطّبيعيّة للشّخص، و إن تشابهت في بعضها تُصبح هويّة جماعيّة لمجموعة من البشر المنحدرين من نفس السّلالة العرقيّة، و يمكن، بتفحّص هذه الملامح، أن نتجاوز الهويّة الفرديّة و العرقيّة و نستنتج منها الهويّة الاجتماعية و الثّقافيّة، فالوجه شفّاف إلى درجة يُوحي من خلال تعبيره عن درجة انتماء الفرد لهذا العالم و وعيه به، يوحي بدرجة الانفتاح الذّهني و استيعابه للثّقافات و الممارسات الاجتماعية .
لكن هذه الشّفافيّة يُمكن أن تُغلّف بحياكات من الأكاذيب و تُصبح هذه المصداقيّة ممزوجة برغبات الشّخصيّة في تغيير واقعها و الظّهور بالشّخصيّة المناسبة لدورها الاجتماعي، أو التّمادي في لعب أدوار الآخرين لذلك لا يمكن اعتبار الوجه واجهة أو هويّة فحسب بل هو "عصارة الفرد بأكمله" .
أ‌. الوجه كمجموعة من العلامات: اتـنولوجيّة، ثقافيّة
لا يمكن أن نساوي بين مختلف أعضاء الجسم كما لا تتساوى وظائفها و أهمّيتها في تحديد معالم الذّات البشريّة، ولعلّ أهمّها الوجه الّذي يتصدّرها، خصوصا في التّعريف بـالهويّة، وهي ما يُعبّر عنها في اللّغة الفرنسيّة بـ: « L’Identité »، هي "صفة دائمة و أساسيّة" للشّخص لهذا فإنّ الوجه بخصوصيّاته المتفرّدة هو مركزها بجميع تشعّباتها، فهو علامة اتنولوجيّة، اجتماعيّة و ثقافيّة.
و للبحث في "هويّة السّطح" و خصوصيّاتها المباشرة، يجب النّظر للوجه و تفحّص ملامحه الّتي تلوح للنّاظر كعلامات يسهل قراءتها و ترجمتها لمعلومات، إذ يعتبر جون بيار لالّوز LALLOZ Jean Pierre أنّ الوجه كتاب مفتوح نستخلص منه الأصول العرقيّة للشّخص و يمكن حتّى أن نتبيّن انتماءه الجغرافي .
الاتنولوجي، علم يعتمد "المنهجيّة مؤسسة على المراقبة المباشرة للمجتمعات" ، يَعتبر الوجه مَحملا للعديد من الدّلائل على انتماءات الفرد العرقيّة و الجّغرافيّة فلا يَخفى مثلا، تمييز إفريقي من أوربّي.. و لا البربري من المتمدّن..
ذلك بالإضافة إلى أنّ هذه الواجهة البشريّة حمّالة لآثار الممارسات الثّقافيّة للمجتمعات، و ما نرمي إليه من خلال هذا المفهوم ليس ما تنتجه النّخبة المثقّفة فحسب، بل يشمل مفهوم الثّقافة " الانتروبولوجي .. مختلف نشاطات الناّس إلى جانب إبداعاتهم..النّافعة.. و الغير نافعة" .
هذه الآثار على الوجه تعرّف صاحبها كفرد ينتمي إلى مجتمع معيّن وممارسا لثقافات معيّنة فهي في معناها الشّامل تجمع بين " العادات، الاعتقادات، اللّغة، الأفكار، الذّوق" ، و هذا ما يوحي به المحيّا إلى جانب المظهر الخارجي للفرد، فنميّز وجه المُسلم المُصلّي من اليهودي المتديّن، والعالم من الدّجّال، وربّما نتجاوز كلّ ذلك بتفحّص وجه الغريب محاولين معرفة درجة ثقافته العلميّة ودرجة وعيه بها، و وعيه بالعالم و احتِوائِه له.
هذه مميّزات الوجه، هويّة طبيعيّة تميّز الأفراد وتبوح بأصولهم وانتماءاتهم العرقيّة والثّقافيّة، و ربّما أوحى بالمكانة الاجتماعيّة.
لكن قناع مُتقَن الصّنع يؤدي إلى نفس النّتائج، هكذا يعبّر جون بيار لالّوز LALLOZ Jean Pierre في استدراكه لأهمّية الوجه كواجهة وكقناع في ذات الوقت ، فهذه التّركيبة من الملامح يلفّها في بعض الحالات غموض يحول دون التّوصّل لتحليل هويّته أو يغالط في التّعريف بها فيتحوّل إلى قناع، وهذه هي الكلمة الّتي استعملها رولاند بارت

BARTHES Roland ليعبّر عن الوجه نتاج المجتمع وتاريخه.
ب‌. الوجه قناع اجتماعي: قناع أوّل دائم التّحوّل
الوجه يحدّده " الشّعر، الأذنين، أسفل الذّقن" يحوي أهمّ أعضاء الرّأس، العينين، الأنف والفم، وهي عبارة عن فتحات تربط بين العالم الخارجيّ وداخليّة الفرد، و يمكن أن نختصر فنقول أنّ أهمّها الفم و العينين، فمن خلال هذه الفتحات الثّلاث يقيّم الإنسان العالم و يُقيّمه العالم من خلالها، و كـأنّ هذا الاختزال أو التّجريد يحوّل الوجه لقناع.
الوجه مكوّن من مجموعة عضلات يُعبّر عنها بـ: "Les Muscles Faciaux" " وهي عضلات تعبير الوجه بالإضافة إلى غلاف جلديّ" و ما يُميّزها عن باقي عضلات الجسد هو تحكّمها المباشر بالبشرة، فتكون النّتيجة تعبير و دلالات عن الأحاسيس والمشاعر الّتي تجول بداخليّة الشّخص، فيتحوّل الوجه إلى مرآة الرّوح، هذه البشرة الّتي تحيط بالمحيّى هي غلاف " يُخفي و يحمي مختلف الأعضاء...مُظهرا حالة أحاسيسنا" ، تُظهر و باختصار خفايا الشّخص فتبوح بما يُسرّ، فيظهر الفرد جليّا للمجتمع من خلال وجهه، من خلال بشرته الّتي هي " عضو واجهة... الصّورة الأولى...هي التّمظهر الأكثر مباشرة للكينونة الفيزيائيّة للكائن البشري" .
أمّا فتحات الوجه التي تربط مباشرة داخليّة الفرد بالعالم الخارجي، هي تربط في نفس الوقت بين كينونة فيزيائية و كينونة حسّيّة، فالعينان يبصر من خلالها الفرد و يُقيّم صورة العالم الذي يحيط به، و تُقيّم بصيرته من خلالها، و قدرة استيعابه لتمركزه و دوره في المجتمع، و هما نافذتان تطلاّن مباشرة على الأعماق إذ أنّ " البصيرة الحقيقيّة هي الّتي تنفذ إلى العالم الدّاخلي للإنسان" و يعبّر صالح سعد أنّ " العينين مرآة النّفس" .
و ما فتحة الفم، أداة التكلّم و التّعبير، إلاّ أداة لغويّة تستجيب للمعطيات العقليّة فتكون لغة الفرد ماهيّته الفكريّة و في بعض الأحيان تكون لمحة عن شخصيته أو دليلا على دوره الاجتماعي، " إذ اللّغة حاملة الفكر" .
بهذا تكتمل صورة الوجه، كخلاصة الفرد بأكمله، هويّته، مرآة روحه، لكنّها سرعان ما تتحوّل إلى صورة القناع فتتماثل الصورتان في الشّكل، فالبشرة الّتي تغلّف الواجهة مع فتحات العينين و الفم، تتشابه مع شكل القناع، و بالتّالي يصير وصف الوجه بقناع ممكنا، لكن هذا الأخير " وجه مزيّف" مجمّد الملامح على عكس المحيّى، الدّائم الحركة، كثير التّعبير و كأنّه مجموعة لا متناهية من الأقنعة الّتي تتتالى و لا تتشابه " فالوجه ليس حقيقة وجها إلاّ في حالة القدرة على التّعبير- وجه حقيقيّ لا يتشابه أبدا زمنا طويلا" .
لهذا جمع الإغريق بين كلمتي قناع-وجه في عبارة واحدة Prosopon مدركين أنّ القناع " تعبير وجه" و الوجه مجموعة من الأقنعة، هذا الجمع في المفاهيم يتعدّى الجانب المظهري و التّشكيلي.
بالبحث في أصل كلمة قناع، في اللّغة الفرنسيّة "Masque"، نجد أنّه يعود في اللّغة اللاّتينيّة إلى عبارة "Persona" و الّتي تعني القناع " Le masque"، الدّور "Le rôl"، الشّخصيّة "Le personnage" ( والمقصود هنا شخصيّة الدّور أي الشّخصيّة المُمَثّلة) .
هذا التّداخل في المعاني والمفاهيم يُؤدّي بنا إلى استخلاص مفهوم الشّخصيّة "La personnalité" كميزة للشّخص، و الّتي يُعَّبِّر عنها من خلال جسده الّذي يُؤثّر من خلاله على المحيطين به و يُؤثَّر فيه والوجه جزء منه، بل هو "مركز المواجهة والاتّصال" بالمجتمع الّذي يؤثّر في مورفولوجي الشّخص.
يطلق إريك فروم تعبير شخصيّة اجتماعيّة على" الاندماج بين الدّائرة النّفسيّة للفرد و البنية الاجتماعيّة" فكينونة الإنسان أكثر من مجرّد هويّة مع ترسّبات ثقافيّة، بل هي أيضا عقل و وعي و رغبات و سلوك و دور يؤدّيه الفرد في حياته.
لكن هذا الدّور الّذي يُؤدّيه الشّخص بكلّ وعي ليس بالضّرورة تمثيل لشخصيّته الحقيقيّة بل هو واجهة يبرزها للإدلاء بدوره الاجتماعيّ فـ" السّلوك ...يعبّر عن الكينونة .. و لكن غالبا ما يكون قناعا ألبسه لإخفاء أهدافي الخاصّة".
يعتبر مارفن كارلسون أنّ التّعبير الإغريقي عن القناع بكلمة Prosopon هو " في الواقع اعتراف بأنّ كل ّشخص يلعب دورا واعيا بدرجة أو بأخرى " والوجه هنا يلعب دور القناع فالدّور الّذي يؤدّيه الشّخص ( أو الشّخصيّة الّتي يلعبها) لغاية ما ليس بالضّرورة الدّور الّذي يتناسب مع شخصيّته "Sa personnalité" و ما يُسرّه من أحاسيس و رغبات، إذ أنّ " قراءة ملامح الوجه تعني بالضّرورة قراءة لما يدور بداخل الشخصيّة، أو على الأقل لما يريد الشّخص إطلاعنا عليه من مشاعر" .
الوجه فضاء الحواس الأساسيّة و الهويّة الفرديّة الطّبيعيّة للإنسان، قناعه الأوّل الّذي يظهر أصوله و انتماءاته، و قناعه المتجدّد الدّائم التّعبير حسب أدواره و شخصيّاته الاجتماعيّة و التّمثيليّة أيضا، لكنّه قناع يخفي به حقيقة شخصيّته، كما أنّه و في نفس الوقت موضع القناع.
فما حاجة الإنسان للقناع إذا كان وجهه هو القناع الأوّل؟
2. إشكاليّة التّقنّع في الفرجة المسرحيّة
يكثر القول بأنّ الممثّل يخرج من شخصيّته قبل أن يدخل الشّخصيّة الّتي يمثّلها، يمكن اعتماد ذلك كمفهوم صحيح لعمليّة تقمُّص الدّور في حالة ميّزنا بين الشّخصيّتين، فالممثّل يقطع صلته بشخصيّته الاجتماعيّة حالما يبدأ لعب دور الشّخصيّة التّمثيليّة الخياليّة، دون أن يفصل شخصيّته الحقيقيّة عن ذاته، فهو يحتاجها لإحياء الشّخصيّة الّتي تولد على الورق وتموت بانتهاء اللّعب.
أثناء الأداء يعي الممثّل وُجوده الحقيقي والفعلي و وُجوده الخيالي في ذات الوقت حتّى يتمكّن من لعب دور آخر خيالي، يكون خلاله شخصيّة أخرى غير شخصيّته، فيحتاج لإلغاء هويّته أثناء الدّور، يحتاج حينها للتّقنّع بقناع يرمز به لهويّة الشّخصيّة الّتي يلعبها ولأهمّ صفاتها وطباعها.
يتقنّع الممثّل بإكسسوار يضعه على وجهه أو رأسه بالإضافة للّباس، ما يسهّل بإخفائه هويّته الحقيقيّة إبراز الملامح و الطّباع العامّة للدّور، على عكس الوجه المكشوف للجمهور الّذي يتطلّب من الممثّل سيطرة على ملامحه ليكون قناعا ينظر المتفرّج له وكأنّه وجه الشّخصيّة التّمثيليّة.
أ. الأداء والهويّة
من المُهمّ أن نُذكّر هنا أنّ الوجه هو هويّة الشّخص و مجموعة من العلامات الّتي تميّزه عن البقيّة، و فوق الخشبة لا يتغيّر من الأمر شيء، يتعرّف الجمهور على الفناّن فولان من خلال وجهه الّذي حالما يبدأ اللّعب يتحوّل في نظرهم إلى قناع، يرون من خلاله طباع ومشاعر الشّخصيّة الّتي يُمثّلها ويخفي عنهم هويّة الشّخصيّة الحقيقيّة الّتي يحتويها، فاللّعب هو وجود متوازي بين شخص حقيقي و آخر وهمي.
أثناء عمليّة الأداء، يشكّل الفنّان "عضلات وجهه بصورة خاصّة لكي يتقنّع" ، يُخيَّل للنّاظر أنّه وجه جديد، وجه شخص يُولد فوق الخشبة، قدرة الممثّل على الإيحاء و "خلق واقع موازي" تُوهم المُتفرّج بمشاهدة شخصيّة متجسّدة في جسمه متّخذة من وجهه واجهة لها توحي من خلالها بما يساهم في التّعريف بهويّتها.
" نشاهد على المسرح أشياء نُدرك من ورائها أشياء أخرى" ، نرى أشخاصا مكشوفين الهويّة ندرك من خلال وجوههم أقنعة نقرأها ونستوحي منها هويّة الأدوار، و ليس ذلك بالأمر الهيّن إذ أنّ الأداء المسرحي هو عرض حيّ و مُباشر يتفاعل أثناءه الممثّل مع الدّور و الجمهور في نفس الوقت، يتقنّع بملامح وجهه فيجعلها تتفاعل مع شخصيّته التّمثيليّة دون أن يُظهر ما يختلج في داخليّته مستعينا في ذلك بخبرته الخاصّة مُلبّيا رَغبة جمهوره المتفاعل مع دوره .
القناع "علامة تعريفيّة" يُبرز الملامح الّتي تميّز الشّخصيّة، عمرها، مركزها، جنسها، طباعها.. مقنّعا، يتميّز الممثّل " بمظهره أو بتملّك سحري" ، منطويا وراء هويّة دوره مُبرزا قُدراته الجسديّة الّتي تُعتق في غياب هويّته الاجتماعيّة ، مُدركا لجمود واجهته المزيّفة يحاول حامل القناع التعبير بجسده من خلال الحركة و الفعل، بغياب الوجه أهمّ وسيلة إباحيّة تُعبّر عن المشاعر والانفعالات الّتي تساهم في التّعريف بالشّخصيّة و تأثيرها و تأثُّرها بأحداث العرض، يجد الممثّل نفسه مرغما/مستمتعا بالتّعبير الفعلي، من خلال حركات و أفعال ربّما يستحي من أدائها مَكْشُوف الهويّة.
الإدلاء بهويّة الدّور هي عمليّة إيهام مسرحيّ، هي وُجود وهمي يَتمثّل في هويّة الممثّل الحقيقيّة و الواقعيّة، وضع القناع فوق الوجه يُخفي الواقع ويُظهر الخيال، وجه مُزيّف يُمثّل هويّة الشّخصيّة التّمثيليّة، واجهة حقيقيّة ملموسة لشخص وهمي يحيا من خلال جسد مُمثّله المنسيّ في الدّاخل بالرّغم من وجود دور حي، المؤدي " لا يُقرض ملامحه للشّخصيّة [ فالقناع هو] رأس الدّور" .
ب. الأداء و الشّخصيّة
المسرح " تظاهرة اجتماعيّة ذات طابع احتفالي، مازجا خطاب و سينوغرافيا" جامعا بين مُختلف الفنون، نشاط ثقافي " أدبي" يتحقّق فيه ما يتحقّق في جميع الأنواع الأدبيّة و الفنّيّة من " ارتباط بالحقيقة" مُتناولا جميع المظاهر الاجتماعيّة، مختلف الوسائل الفرجاويّة، فهو بالأساس عرض حيّ و مباشر يلتقي فيه الفنّان بالجمهور في بحث مشترك عن المتعة.
تكمن أهمّية المسرح في كونه أداة تعبيريّة تحقّق حاجة الإنسان لتّمثّل التّماثل و التّمثيل، سواء أكانت حاجة المشاهد أو المُمثِّل، كلاهما يبحث عن المتعة من خلال معرفة ذاته من خلال الآخر، "جوهريّا كلّ إنسان يُمثّل نفسه، يمثّلها لذاته، لسواه، لكنّه في مستوى التّثاقف، يحلم بلعب دوره وأدوار سواه" فتكون الشّخصيّة التّمثيليّة فوق الخشبة مرآة يرى من خلالها المتفرّج نفسه و ما يحلم أن يكون عليه، وقناعا يخفي وراءه المُمثّل شخصيّته الحقيقيّة كما هو حال التّقنّع في المجتمع، فالشّخصيّة "عبارة عن عملية وضع الأقنعة" .
" تختلف الشّخصيّة الإبداعيّة في المسرح أو الرّواية أو القصّة عن الشّخصيّة الحقيقيّة في الحياة، بوجودها غير المادّي، الخيالي والوهمي، وبمصيرها وبنائها المختلف" يُحييها الممثّل أثناء عمليّة الأداء يهبها جسده صوته و شيئا من ذاته حيث تستقي الشّخصيّة الخياليّة من شخصيّته خبرته و ثقافته.
يُؤثّر المُؤدّي في دوره، تُؤثّر شخصيّته في الشّخصيّة الخياليّة المنقولة على الخشبة من خلال لعبه، هذا الإبداع واقعي/ خيالي يتطلّب من الممثّل إدراكا لهذه الثنائيّة، يدرك وجوده الواقعي( من خلال جسده و حركته) و وجوده الخيالي (من خلال دوره وشخصيّته التّمثيليّة)، لأنّ اللّعب ليس مجرّد نشاط جسمي بل وعقلي أيضا يقوم على إدراك مُتميّز لذّات عبر الآخر، و من خلال هذا الإدراك ينشأ الوعي الخاص بالشّخصيّة، يصل حينها الممثّل إلى التّوحّد مع دوره و مع الجمهور.
الآخر شخصيّة يمكن أن تتوافق مع ذات الممثّل لكنّها أبدا لا تتماثل، شخصيّة تُطالب لنفسها بحقّ الوجود من خلال الكيان البشري/ جسد الممثّل، الّذي يُنسب إليها كلّ أفعاله و أقواله أثناء عمليّة الأداء وكأنّها قناع تنطوي وراءه أناه فاسحة المجال لـ أنا الشّخصيّة التّمثيليّة الّتي تحمل على عاتقها مسؤوليّة الأفعال و تأثيرها على المتفرّج، تزداد عمليّة التّقنّع عمقا و تأثيرا في الطّرفين (الفنّان و المتفرّج) بإخفاء هويّة الممثّل بقناع تظهر من خلاله الشخصيّة التّمثيليّة.


أن يدرك الإنسان خصائص وجهه يسهل عليه حينها التّعامل معه و به، فيكون له رمز تميّزه و أداة تواصليّة تضمن له حسن العلاقة مع الآخر إذا ما تمكّن من الموازنة بين ما هو حقيقي و ما هو خيالي فالوجه هو الفاصل بين العالمين كما هو الفاصل بين الواقع الاجتماعي و دواخل الذّات و حقيقة صراعها مع واقعها وليس الأمر بمُتغيّر عند الممثّل الذي يعطي لهذه المقاييس حجما هو أيضا قد يتماشى مع الخيال أو الواقع.












المراجع
إبراهيم محمود، " لغة الإتلاف و الاختلاف ، الجسد الرّقص و القناع : جدل الممكن و المستحيل" ، كتابات معاصرة- فنون و علوم، مجلّة الإبداع والعلوم الإنسانية دار كتابات لبنان، المجلّد الثّاني ، عدد 7، أوت سبتمبر 1990
إريك فروم، الإنسان بين الجوهر و المظهر، ترجمة سعد زهران، مراجعة و تقديم: لطفي فطيم، الكويت، عالم المعرفة، 1989
خليل أحمد خليل، " مسرح المجتمع "، الفكر المربّي، مجلّة الإنماء العربي للعلوم الإنسانية، العدد 69، سبتمبر 1992.
محمّد المديوني، إشكالية تأصيل المسرح العربي، تونس قرطاج، بيت الحكمة، 1993.
مارفن كارلسون، فن الأداء، ترجمة: د. منى سلام، مراجعة: د. نبيل راغب، الشّارقة، مركز الشّارقة للإبداع الفكري.
صالح سعد، الأنا-الآخر- ازدواجيّة الفن التّمثيلي، الكويت، عالم المعرفة، 2001.
د. نسيم عون، الألسنيّة محاضرة في علم الدّلالة، لبنان، دار الفرابي، 2005.
د. عز الدّين إسماعيل، قضايا الإنسان في الأدب المسرحي المعاصر، الكويت، دار الفكر العربي
Dictionnaire Le petit Larousse, « Identité »
Encyclopédie UNIVERSALIS, Editeur à Paris, 2002.
ASLAN Odette et BABLET Denis, Le Masque du rite au théâtre, France, CNRS Edition, 2005, 310 pages.

BARTHES Roland, La chambre claire. Note sur la photographie, Paris, Le seuil, « Cahier du cinéma », 1980.
CHOUBA SKHIRI Faten, L’Art Comme Emballage Oscillation entre invagination et évagination, Thèse Pour obtenir le grade de Docteur de l’Université Paris I.
DJEDIDI Hafedh, Dramaturgie et mise en spectacle esthétiques et enjeux de la représentation, Hammem- Sousse, Tunisie, Dar El- Mizen, 2005,
GAFFIOT.F, Dictionnaire Latin- Français, France, Hachette, 1936
JAMMALI AMMARI Sana, Vers un paysage- visage, Thèse pour obtenir La garde de docteur de l’université de Paris
LALLOZ Jean Pierre, Ethique et Vérité pour une psychanalyse de droit, France, l’Harmattan,1995.
LEVI-STRAUSS Claude, L’identité, France, Quadrige / PUF, 2000.
MACINI Anna, Justice et internet, une philosophie du droit pour le monde virtuel, Paris, Buenos Books International , 2004
POURRIOL Olivier, Le sourire sans visage, pourriol.blogspot.com
SERRES Michel, A Visage différent, France, Herman, 1998.
SOURIAU Etienne, Vocabulaire d’esthétique, Publié sous la -dir-ection de Anne SOURIAU, France, Quadrige/ puf, 2004
المراجع الإلكترونيّة
POURRIOL Olivier, Le sourire sans visage, pourriol.blogspot.com
DJAHA .K, Sénescence facial chez le negro –africain, http://www.santetropicale.com
Encyclopédie ENCARTA. Collection Microsoft. 2007.
أحمد إسماعيل، الشّخصيّة في مسرح الطّفل، [email protected]
فيروز حاتم، http://www.bahzani.net



#هندة_بن_سالم_بوشناق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هندة بن سالم بوشناق - الوجه بين الإدلاء و التّضليل