وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4269 - 2013 / 11 / 8 - 12:29
المحور:
حقوق الانسان
( 1):المسيح هو المحرر
(فاثبتوا اذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها , ولاترتبكوا بنير عبودية ..فانكم انما دعيتم للحرية ,ايها الاخوة ,غير انه لاتصيروا الحرية فرصة للجسد ,بل بالمحبة .اخدموا بعضكم بعضا. ).
من رسالة الرسول بولس الى غلاطية ( 5 :1 و 13).
(يؤكد مولتمان ان رسالة المسيحية ,ليست فقط الاعلان عن الايمان والرجاء ,بل التغيير التاريخي للحياة ).الدكتور القس صموئيل حبيب
(2 ) :ظهر لاهوت التحرير ( التحرر ) في اميركا اللاتينية في دول عالم الجنوب المتخلف .اهتم لاهوت التحرير بقضايا الفقر والجوع . لذا جاء لاهوت التحرير ليتحدث عن مسؤولية الدين تجاه هذه القضايا , وتجاه المحرومين والمطحونين في البشرية .
ان الكنيسة وعبر فترة طويلة من الزمن لم تهتم بالفقراء والكادحين , لم تعطهم مكانة خاصة لا في خدمتها ككنيسة , ولابين صفوفها . وقد اتهمت الكنيسة بانها كنيسة الاغنياء . كما اتهمت الكنيسة بالثراء الفاحش لرجال الدين , دون اكتراث بالفقراء . كما ان العالم المعاصر لازال يرزح تحت نير انظمة استبدادية واساليب دكتاتورية في الحكم .
نشا لاهوت التحرير في دوائر غير اكاديمية , ثم بدا يتطور لياخذ شكل (لاهوت –ثيولوجيا ). ثم اثيرت الاسئلة :
هل لاهوت التحرير هو لاهوت ؟, وهل هو بالضرورة لاهوت مسيحي؟
(3 ):هناك عناصر عديدة مهدت لظهور لاهوت التحرير, منها افكار الفلاسفة , ومنهم ديكارت الذي صور علاقة الانسان بالطبيعة . وهيجل والتي كانت فلسفته انعكاسا للثورة الفرنسية الصناعية , اذ راى ضرورة الربط بين التاريخ والانسان ,ودعا الى حق الانسان في توجيه مجتمعه . ثم كارل ماركس الذي نادى بضرورة المعرفة بتغيير العالم .كل هذه الحركات دفعت العالم اللاهوتي ان يفكر في علاقة الكنيسة والدين , بتحرير الانسان .
لقد برز التساؤل في مجتمعات اميركا اللاتينية :
هل للايمان المسيحي مكان في مواجهة التخلف والفقر والبؤس ؟
هل يقف الايمان المسيحي صامتا امام هذه الحاجة ؟ام ان هناك فجوة بين الايمان والواقع ؟
هل للايمان المسيحي مايقولة للمطحونين والمهمشين من البشر ؟
ان المراحل التعليمية لهذا العلم اللاهوتي كانت على النحو التالي :
المرحلة الاعدادية (1962 – 1968 )
ودور الفاتيكان الثاني , ثم المرحلة التكوينية (1968 – 1975 ) . ثم مرحلة التنظيم عام 1976 وما بعد ذلك .
ومنذ عام 1975ارتبط لاهوت التحرر بقضية تحرير السود . ثم ارتبط بقضية تحرير المراة .
( 4 ) : ان لاهوت التحرير يبدا من الواقع الاجتماعي والسياسي , فهو لاهوت الانسانية .
ان لاهوت التحرر هو الاول من نوعه في تاريخ الفكر اللاهوتي ( الثيولوجي ) الذي يعتمد على الواقع التاريخي .
تمتد المسؤولية من داخل علم لاهوت التحرر ,الى مايحدث داخل الكنيسة .فالنظرة التحررية للمطحونين داخل الكنيسة تدعو للتحرر من سلطان الاكليروس , وسيادته , فالكنائس التي اتخذت لها اساليب دكتاتورية , سلطوية انما تمارس ذات اساليب الظلم والبطش مما ينتج عنه ظلم وحرمان للانسان من انسانيته. ولاهوت التحرير يدعو لتحرر المظلومين من اي نوع .
( 5) : تقييم لاهوت التحرر
لاشك ان الدعوة الى ( التحرر ) اعمق من التحدث عن (التنمية ) . وان كان الحديث عن التنمية لايبنى فقط على خدمة المحتاجين ,بل على علاج اسباب الظلم والفقر .لذا فان عنصر التحرر ضروري وهام في مناقشة التنمية .والا فان التنمية لايمكن تسميتها تنمية .فالتنمية في مفهومها المعاصر هي قضية تحرير . ولاشك ان الكنيسة ملتزمة بالوصول الى حلول جذرية للظلم الاجتماعي والوقوف الى جانب المظلومين والمهمشين والكادحين لتوعيتهم وتحقيق حريتهم , واعتمادهم على ذواتهم واسترداد انسانيتهم , وهذا مايميز الفعل الاجتماعي عن الخدمة الاجتماعية . فالاخيرة خدمة تؤدى , فيما الاولى محاولة لعلاج اسباب المشكلات بحلول جذرية .ان الاكتفاء باعمال الخير حل وقتي , ولابد للكنيسة ان تتجه للحلول الجذرية . ومسؤولية الكنيسة في ذلك ترتبط بدورها السياسي والتنموي معا .ترتبط المسيحية بشخص المسيح , ولايمكن ان نرى المسيحية بدون مسيح . فان شخص المسيح وماعمله للبشرية محور رئيس لتنميتها وتطويرها روحيا واجتماعيا واقتصاديا .والايمان بالسيدالمسيح هو الدافع لتحرير الانسان ( تعرفون الحق والحق يحرركم ).
( 6 ) :روحانية لاهوت التحرر :
تحدث السيد المسيح عن مشكلة الفقر . فقد ولد السيد المسيح فقيرا , وعاش عاملا بسيطا , حتى ارتفع على خسشبة الصليب . وبذلك كان المسيح في حياته مشاركا الفقراء في حياتهم , متالما معهم , معاينا الظلم والالم معا كواحد منهم .
عندما تحدث السيد المسيح مع الشاب الغني ( لوقا 18 :18 – 25 )طلب منه ان يبيع املاكه ويوزعها على المحتاجين , مما اثار غضب ذلك الشاب .وفي هذا قال السيد المسيح ( ان دخول جمل من ثقب ابرة ايسر من دخول غني الى ملكوت الله ) ( لوقا 18 :25 ).
وتحدث المسيح عن تحرير المراة . فقد كانت الشريعة اليهودية تحاسب المراة الزانية ولا تحاسب الزاني . فقال المسيح في الموعظة على الجبل , ان من ينظر الى امراة ليشتهيها ,فقد زنى بها في قلبه . ( متى 5 : 27 و 28 ). وقد اراد بذلك ان يجعل الرجل مسؤولا كالمراة . كما دافع عن المراة التي كانت تطلق لاتفه الاسباب , ومنع الطلاق الا لعلة الزنى ( متى 19 : 3 – 10 ) حفظا لكرامة المراة .كما حكى المسيح قصة المراة التي طلبت حقها , ولكن القاضي لم يكترث بها .. فهي امراة من جانب , وهو لم يهتم باقرار الحق والعدالة من جانب اخر , فالحت عليه , حتى اضطر ان يعطيها حقها. ولم يكن ذلك من قبيل العدالة ,بل ليتحرر من الحاحها الذي اقلقه ( لوقا 18 : 1 – 8 ) .
ورغم ان السيد المسيح لم يكن رجل سياسة .. الا ان كلماته كان لها مضمون سياسي . فدفاعه عن الفقير مقابل الغني . وثورته على الاغنياء الذين كانوا يستغلون الهيكل في التجارة ,عندما طهر الهيكل ( متى 21:12 و 13) . ودفاعه عن المراة ومكانتها في المجتمع , ومساندته للمظلومين , كانت كلها جوانب سياسية .واخيرا ارتفع السيد المسيح على خشبة الصليب بقرار سياسي , حيث دفع ثمن ثورته على الظلم .. وكانت القيامة انتصارا على الظلم الانساني .
ان لاهوت التحرر يبنى اساسا على تحرير المجتمع كطريق لتحرير الفرد , ليكون سيد ذاته وليكون انسانا بمعنى الكلمة كما خلقه الله .
لقد كان المسيح هو المحرر . وقد كان عمل المسيح يهدف الى تحرير الانسان . والحرية المقصودة ليست روحية فقط , وليست فردية فقط .فملكوت الله في العالم , ملكوت البشر ,انه حقيقة تاريخية .
ان لاهوت التحرر ينقل مفهوم الكنيسة من كونها تعمل لاجل الناس الى كونها ( كنيسة الناس ) . فالكنيسة ليست من فوق , لكنها من تحت .
( 7 ) : الخاتمة :
ان لاهوت التحرر( التحرير ) يبدا بالواقع ويعمل لاجل الانسان . يدعو لاهوت التحرر لخطوة تقدمية اكثر من التنمية , الى تحرير الانسان . فالتنمية تدفع الى تنمية الانسان والمجتمع والبيئة ,بينما يخطو لاهوت التحرر الى تحرير الانسان , ولتكون له مكانته وقيمته في المجتمع , وله حقوقه وامتيازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ويرى لاهوت التحرر ان هذه القيم كلها ايمانية روحية , لذا فهي مسؤولية الكنيسة , كما انها مسؤولية المجتمع . ولابد للكنيسة ان تقوم بدورها بمشاركة المظلومين والفقراء والكادحين ليعملوا جنبا الى جنب لتحريرهم مما لصق بهم عبر التاريخ .ولان الله هو اله التاريخ , فهو اله الواقع ,واله البشرية جمعاء , فالسعي لدفع الظلم عن المظلوم , والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية للفقراء والكادحين جزء اصيل من صميم رسالة الكنيسة ودورها الحقيقي.
في الختام :
يتسائل كاتب المقال : هل يمكن لمجتمعاتنا العربية – الاسلامية ان تنتج لاهوت تحرير اسلامي غير قائم على استنساخ تجربة كنائس اميركا اللاتينية ؟
المصدر :
كتاب ( لاهوت التحرر – دراسة وتقييم ) تاليف الدكتور القس صموئيل حبيب – ط 2 – 1994 – دار الثقافة – مصر .
مقالات ذات صلة :
1 – ( لاهوت التحرير والشيوعية ) , وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=384966
2 – ( التكامل بين لاهوت التحرير والشيوعية ), وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330418
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟