أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب














المزيد.....

تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4267 - 2013 / 11 / 6 - 22:02
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


رصدنا وما زلنا نرصد الكثير من التعليقات والنوادر والتهكمات التي تستهدف "الشيوخ" و"المسنين" و"العُجز" و"المُعمرين" و"العمر الثالث" وما إلى ذلك من التسميات التي تنعتُ كبار السن من الشخصيات السياسية التي رشحها الفاعلون ليختاروا من بينها واحدة للاضطلاع بمسؤولية كرسيّ رئاسة الحكومة القادمة في إطار حوار وطني أضحى متعثرا جدا .

و سواءً كانت المادة قد رُصدت مما يُنشر على المواقع الاجتماعية أو مما جاء في شكل تصريحات إذاعية وتلفزيونية وصحفية من طرف سياسيين أو مواطنين من العامة فهي دلالة واضحة على أزمة ثقة بين الأجيال قبل أن تنعكس في شكل أزمة سياسية.
وإذ نأسف لتردي مستوى النقاش بشأن فرَضية تصدّر أحد "الشيوخ" على غرار السيد أحمد المستيري للساحة السياسية الحكومية مستقبلا وإلى حين، فإننا سنحاول تقصي الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هبوط المستوى إلى درجة الإخلال بأبسط القواعد الأخلاقية إزاء شريحة سكانية تُشكل العمود الفقري لتاريخ البلاد ونبراسًا للذاكرة الشعبية.

والسؤال المركزي الذي يقلقني بصفتي مربيا قبل أن أكون كهلا مسنا هو: هل أنّ الناس الذين يشنون حملة على شيوخ السياسة والتي مفادها أنهم غير قادرين على الجري والحزم ومتابعة الملفات الحارقة وحتى على الاستيقاظ أثناء الليل للرد على مكالمة هاتفية عاجلة وما إلى ذلك من الترهات، هل أنّ هؤلاء الساخرون المتهكمون المتندرون، ومعظمهم من الشباب، يعلمون أنّه إن كانت هنالك ثورة قد حصلت في تونس فهي ثورة ضد الكبار سنا وضدّ رمزية السابقين في التجربة وأنّ هذا صنيعٌ غير مسبوق قد عاد بالوبال على الحراك السياسي في تونس وأنّ لا بدّ أن نغوص في شروط حدوثه؟

وكم كان بودنا لو كانت "الثورة" ثورة ضد عقلية شيخوخة الصغار وكذلك ضد استسلام الكبار باكرا للضغط الذي تسلطه عليهم فئات شبابية يائسة من كل شيء تريد إسقاط يأسها على كبارٍ لا يُمكنهم مواصلة العطاء من دون توفر عنصر التفاؤل لدى الصغار. بكلام آخر، كيف نريد أن يكون الكبير مداوِما على التميّز وعلى الإضافة للزاد المعرفي والعلمي والحِرفي والمهاراتي للمجتمع بينما خليفتُه الشاب لا يُعرب عن أيّ استعدادٍ لنقل الخبرة عن هذا الكبير؟

من هذا المنظور كانت "الثورة" التونسية أولا وبالذات مَهلكة. لقد أسْدت ضربة مُوجِعة جدا للتواصل بين الأجيال. وهي بهذا العنوان مَفسدة لا مصلحة. ولم يأتنا هذا الاستنتاج من باب الصدفة أو من باب الدفاع المستميت عن الكبار الذين ننتمي إليهم ولكن لنترك مجال التبرير للحجة والدليل .

لكي يمرر مشروعه المجتمعي كان نظام بن علي حريصا على كسب مودة فئة الشباب (وفئة الإناث أيضا من زوايا أخرى) قبل أن يوَظفهم أفضل ما يكون التوظيف لتحقيق تلك الغاية السياسية. وقد ركز على سياسة الترفيه (الجاهل) والتلهية والرفاهة دون سواها بصفتما الوسائل الأسرع لتحقيق التقارب بينه وبين هذه الفئة. وقد حصل فعلا التقارب المنشود لكن، ككل مأرب غير متسق مع الحق والحقيقة، لم يتقرب الشباب من بن علي ومن نظامه بقدر ما تقرّب من تلك "الثلاثية" وما تُبطنه من ازدراء بقيم مثل العمل والتفاني والعطاء، ومن باب أولى وأحرى بقيمة احترام الكبير والاقتداء به والنسج على منواله وتطوير أعماله. بهذا المعنى لم يعد هنالك معنى للتربية ولا حتى للتعليم وبالتالي صارت الأولوية للكسل والتواكل والربح السهل في مجال الشغل والعمل.

ولم تكتفِ الدولة النوفمبرية بالإجهاز على قيمتي التربية والتعليم من جهة و العمل من جهة ثانية وإنما الأخطر منه ، وهو ما يهمنا في موضوع الحال، أنها أوحت بتحميل مسؤولية الفشل (التربوي والمهني) للكبار. فالكبير هو المربي في البيت وأيضا في المدرسة، وهو العَرف في مكان العمل. ولمّا تتدنى جودة المنتوج الذي يشرف عليه هذا الكبير يصبح آليا هو الموَرط في مسار التدني والتردي. فهل بعد هذا سيكِنّ الشاب أيّ تقدير لهذا الكبير؟

بعد أن ضُربت الأسرة والمدرسة من جهة أولى والإدارة والمصنع من جهة ثانية على هذه الشاكلة الجهنمية وجاءت "ثورة" 17 ديسمبر- 14 جانفي، كان من الطبيعي جدا أن يسمى الشباب هو صانعها ومحركها وكان من الطبيعي، بالتوازي مع ذلك، استبعاد كل الكبار من حيثياتها ومن مستجداتها ثم من مسارها. وكنتيجة لذلك كان من المضحكات المبكيات أن ترى الشباب في الآن ذاته يريد أن يستمع إلى الكبار وهم يعترفون بعظمة لسانهم أنه هو الذي قام بالثورة بينما لا الكبار قادرين على فهم ما حصل حتى يكونوا مخلصين في حُكمهم على الأحداث تجاه منظوريهم الصغار، ولا الصغار قادرين على تكميل "الثورة" من دون التدقيق لدى الكبار. فكانت النتيجة أن توخَّى الكبار المراوغة بالصغار ومغالطتهم والتزلف لهم، وأن توخَّى الشباب التعنت في ضم "الثورة" إليه مع صدّ باب الحوار بينه وبين الكبار بسبب عدم رضائه عن أداء الكبار وعن فقدانهم للمهارة الطبيعية في مجال الإقناع الذي من دونه لن يكون هنالك مشعلا يُمرَّر من عند الكبار باتجاه الصغار.

بالنهاية، لمّا كان الشباب بحاجة مُلحة للكبار فلا هُم، ولا أولي أمورهم، وجَدوا الموارد النفسية والمعرفية الضرورية والكافية لتكميل ثورة لم يعش الشعب في سنة 2011 سوى بداياتها. وفي ضوء هذا كيف نطالب اليوم هذا الشباب بأن يرضى بالسيد أحمد المستيري (88 عاما) أو بغيره من المسنين رئيسا للحكومة؟ و في الآن ذاته، كيف نطالب أيضا شخصيات متقدمة في السن وفي الخبرة مثله بأن يمتنعوا عن تقديم ترشحهم لمناصب سياسية من أجل إنقاذ شعب مختنق بواسطة أفعال نُخبِه وغارقٍ في تناقضاته؟



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش
- تونس: الكُتّاب الفاسدون وعودة الرجعية
- تونس بين الإرهاب والفهم المتجدد للإسلام
- تونس: اغتيال الأمنيين واغتيال العقل
- هل سيخرج التونسيون إلى الشارع؟
- في بلاد ما وراء الشرعية والانقلاب
- تونس: في ضرورة الانقلاب الثالث
- تونس: الإسلام بين اليمين و اليسار والحوار بين النفاق والوفاق
- إدماج الإسلاميين لإنجاح المبادرة الوطنية التونسية !
- تونس على ذيل وزغة !
- تونس وكل العرب: اليوم سهرٌ وغدا أمرٌ
- نحن وأمريكا والربع ساعة الأخير
- تونس أكبر من الأحزاب وأغنى من النواب
- الإسلام السياسي فُضَّ فماذا بقي؟
- تونس ومصر: واقعٌ متأسلم ودامٍ، ونخب منتهية الصلوحية
- تونس: اقتراح بعث سلطة من الفكر الإسلامي لتعديل السياسة
- تونس: إنقاذ وطني بلا سلطة للتجديد الديني؟
- المجتمع والإخوان: طرقُ الباب بلا تطرّق إلى الأسباب؟
- مصر وتونس: انقلاب الضلالة أم انقلاب على العمالة؟
- تونس: على النهضة أن تغير اسمها أو أن تتحول إلى جمعية


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب