أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريد سلمان الحبوب - عازف العود















المزيد.....

عازف العود


فريد سلمان الحبوب

الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


`ذات ليلة ضبابية واهنة البرد وذوو هدوء عميق كالزمن، اضطر عواد عازف العود الرقيق للخروج قبل متصف الليل بقليل إلى الشارع تلاحقه صيحات الغيض ذات النبرة الجميلة التي كانت تطلقها زوجته مع تأففات على اخطأ كثيرة أرتكبها تتعلق بشؤون نساء ومواضيع غرامية. كان حينها هادئاً ويشعر بهاجسٍ يغريه إن لا يبادلها الصراخ. ربما هي المرة الوحيدة التي يفر من ملامحها الهدوء ويتزاحم في تعابيرها الغموض وكل شيء غريب عنه.
وقبل إن ينسل خارجاً حدق بعوده، حن أليه كما لو نه يحن لرؤية ملاك، حمله بعناية كأنه يتزين به،... وفيما لم يكن هناك سبب محدد لجلبه في هذا الليل الغريب الذي اضطره للهروب في غيابه ، ألا إن قيمته تبلغ أضعاف حين يشعل سيكَارهِ ويمرر أصابعهِ فوق خيوطة ويغرس بعضها في صداه، ثم يسكب في عمقه الضامر والحزين شيئاً من الغبطة.
كان المساء ساكن والدروب موحشة ، والرياح خفيفة تنتعش في ظل سماء غائمة تغامر بتحريك الأغصان العالية. سمع الأشجار والرياح والموت والحياة والكون الفسيح جميعهم يهمهمون . في تلك الأثناء، مشى بخطوات وئيدة وحسيرة ، فيما كانت أضواء أعمدة الشوارع ملقاة على الأرض تصنع اشكالاً مؤثرة كأنها الأحلام، حاول إن ينتبذ مكاناً يقضي فيه سهرة حميمة تنسيه غيض زوجته المشتعلة بنار العشق والغيرة .
جلس عواد عازف الحياة بكل أبعادها في مكان ما وقد هده التعب ، في أحدى شوارع بغداد، يستعيد قوته وهدوئهِ، وأغانيه الصادقة الجميلة ، وراح يطالع القمر المختبئ بشكلٍ خفيف، ويثرثر حد الجنون ، وأشار للغيمات أن تتفرق من على جنبي القمر ، كان يملك رغبة بفرحة عارمة يُطفئ بها الحزن الكثيف الراقد على عتبة قلبه، بعد برهة قصيرة كشف القمر عن وجه الوضاء حتى تمكن من نيل حريته من حلكة السواد بالكامل، توهج كوجه عروسة تبتسم بأرتياح لعريسها .
في تلك اللحظة اسند ضهره ، وتنفس رائحة روعة المساء اللطيف، وظن حينها إن روحه تتبع شيئاً يطير في الهواء، شيئاً من بريق نجمة بعيدة منحتهُ لهفة ضارية للغناء حتى غلى دمه، في الواقع لم يكن صوته عذب وذوو شجون، ولم يكن مطربٌ محترف الغناء، بل مجرد صوتاً عادياً يأخذهُ من حين إلى حين إلى مرحٍ روحي يتعدى من خلاله الآمه الحاده.
في شوارع بغداد المكتظة بعياط السيارات وزحام الناس والاكشاك لا تجد خلوة للأحلام، ،لا يمكن إن تجد في لحظةٍ صعبةٍ من الحياة جواً صافياً ونقياً يريح النفوس من أحمالها الثقيلة، ظل عواد جالساً تنساب في عينيه خيالات الأعوام التي خلت، لم يمر أحداً من أمامه ، ولا شك إن ذلك يرجع إلى إن بغداد تغرق في الخراب هذه الأيام ، فقط بعض قصاصات الورق المتربة وأعقاب السكائر كانت تتسكع على الرصيف تحركها ريحٌ خفيفة .
أخذت أصابعه تقرع، وبعضها يحرك الأوتار، وحنجرته ترتب حبالها كي تغني، كان يحفظ جميع قصائد الحب، غنى وهو يصحو ويغفو، غنى ورؤاه تتمنى إن يطول الحلم أعواماً، غنى وهو يخيل أليه إن الحفل يكتظ بمحبيه ، هاج جنونه وعلا صوته حتى طال آخر الشارع ، غاب عن نفسه وتحول إلى أمتدادٍ صوتي ليس له حدود ،وفيما هو منتشي وحالم في متاهات وحدته، رأى رجلاً عجوز في السبعين ومعه امرأة أقل منه سناً جلسا على مقربةٍ منه وغنيا بآسى، وفاض عدد الأصوات حين صف بجانبه خمسة شبان تغمرهم روعة الفرح الذي تفجر على رصيف تلك اللحظات، ثم جلسا شابٌ وشابه على مصطبةٍ مجاورة، وبدا كما لو أنهما في أول الزواج، كانت الحياة تنزلق في بهاء غناءهم الجماعي ، ثم زاد عدد الجوقه بوقوف عائلتين بسيارتهما الفاخرة على جانب الطريق وهم يترنمون سويتاً..... غنى الجميع وطرب، وبعضهم رقص بخفة واستحياء، غنى من يعرف الفرح ومن لا يعرفهُ، ما اجمل إن تكون مؤثرا، تفاوض الارواح المثقلة بنكد الحياة وتحملها على السعادة............... لكنه ادرك في روعة ذلك الابتهاج ..حين يأتي الآنسان بفرحه من خلال الحزن العميق والصدفة ينتهي الاحتفاء بها سريعاً ويشعر بنكسة عميقة ، وإن وادي السعادة صغير ومندثر وسط جبال شاهقة من الحزن الأبدي..
يال تلك الأمسية ، بالفعل كانت من أجمل الأماسي لعواد ، كم تمنى لو استطاع نقل كل ما كان فيها من غبطة ومشاعر تضج بالنبل وصفاء الأرواح التي نشب فيها الفرح كموجة من بحر عارم إلى زوجته المنتظره هناك في المنزل .... كانوا في سفينة تسير دونما اتجاه وبحاريها ينشرون أشرعتها محدقين في حبالها التي تتلوى حولها صور الغيم القطني الممزوجة بأطياف المسافرين.....نحن المسافرون دوماً يحول بيننا وبين اماني كثيرة ظروف وأخطار ومحن تخنقنا إلى حد نفضل فيها الراحة على تلك الأمنيات..... أغنية تلو أغنية وراحةٍ مقدسة وقهقهات عالية حتى بلغ الغناء والفرح ذروته، كان هياماً شديداً ومنفعلاً. فيما كانت تعابير الوجوه تملاءها الطمأنينة وغمرة العواطف. فاق عدد الأرواح حد تصوراته وتقديره... الكل يريد إن يغني ، ذلك مالم يكن يعرفه قبل تلك الليلة.
بعد ساعة أو أكثر خمد صوت الغناء، انتهى حفل الصدفة الجميل، العجوزين حملا منديليهما ومضيا ، الزوجين مسكا يداً بيد وغابا في عتمة الشارع، الآخرون تفرقوا ، وبقي هو في مسرح ذلك المساء والعود مستلق على فخذية، مد بصرهُ في السماء. النجمة المضيئة بشغف تمد يدها نحوه وتأخذه في غياهب النسيم الذي حل في ىخر المساء....
سار نحو البيت وهو فرح وهانئ رغم صراعه الغامض مع الحياة وكنة الظلام ، صادف العجوزين كانا جالسين على مسطبة حزينين، حدقا بوجهه طويلاً، كأنهما يدعوانه ألى الجلوس في جوارهما، اكتشف فيما بعد أنهما فقدا ولدهما في أحدى الانفجارات الرعناء.... أحتضنته تلك العجوز بحرارة وشوق فما دنى منه الرجل المسن وهمس بتعطش .....
ــ ابقى معنا
تنفس بصمتٍ وخوف وتركهما هناك ، تلفت بعد بضعة خطوات، رأهما في السفينة وحيدين ، ربما غرقت السفينة والبحارين، والأشرعة عامت فوق وجه الماء، وربما هي من منحت امالهم مسوغا للبقاء والانتظار.
واصل عازف العود مسيرهُ نحو المنزل، وجد زوجته واقفة خلف الباب تبكي ، عانقته بلهفةٍ كبيرةٍ شعر بدفء روحها المضطربة،
وبعد عناق حميم وطويل حبس انفاسه وردد في أذنها الصغيرة ...
ــ لا عليكِ... في كل ليلة اجعليني ابدو كما الغريب في المنزل ثم أطرديني، ودعيني أفترش كل المساءات بالحب والجنون وصوت الناس والأغاني.



#فريد_سلمان_الحبوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائر الجنوب


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريد سلمان الحبوب - عازف العود